نظريات النمو المعرفي Cognitive Growth Theories
Tuesday, July 24, 2018
Add Comment
نظريات النمو
المعرفي
مدخل
...
نظريات النمو
المعرفي:
مقدمة:
تشير الدلائل إلى أن الوليد
يملك الخبرة الحسية والعمليات الإدراكية اللازمة لاكتساب المعرفة بيئيته, وعلى ذلك
فإنه يبدو أن الحواسّ البصرية والسمعية واللمسية والشمية والتذوقية تعمل بدرجات
متفاوتة في الطفولة المبكرة, وتزداد حِدَّة مع تقدُّم السن والخبرة, وفي بعض هذه
العمليات الإدراكية الحسية افتراض أن طاقة الإثارة تزوّد الطفل بالمادة الأولية
التي يقوم الطفل بتنظيمها للتعرُّف على البيئة، وفي هذا الفصل سوف نناقش كيف يقوم
الطفل بتطوير هذه التكوينات، وكيف تؤثّر هذه التغيرات النمائية في المعرفة
والعمليات المعرفية، وكيف تؤثر على الأداء في عدد من الواجبات المختلفة.
النظريات المفسرة للنمو
المعرفي
مدخل
...
النظريات المفسِّرة للنمو
المعرفي:
ومن بين الكثيرين من أصحاب
النظريات المعرفية، سوف نركز أساسًا على أعمال جيروم برونر gerome
bruner، هانز وارنر henz
wermer، وجان بياجيه jean
piage، وهؤلاء المنظِّرون يتفقون على الافتراضات
الأساسية الآتية حول اكتساب المعرفة أو النمو المعرفي:
1-
يتضمَّن اكتساب المعرفة وجود متعلّم نشط يعمل مع وجود استجابة للبيئة, وتنتج
المعرفة من تفاعل متطلبات البيئة مع قدرات المتعلّم.
2-
يطَّرد النمو من استجابات منعكسة بدائية، غالبًا ما تكون مرتبطة بمثيرٍ إلى
مستويات متزايدة من التمثيل والتجريد.
3-
يحدث النمو بطريقة مرحلية هرمية تسيطر فيها المرحلة العليا التالية على المراحل
السابقة لها, ولكنها في نفس الوقت تعتمد على هذه المراحل.
4-
للسلوك بعض السوابق البيولوجية التي لا يمكن تحقيقها دون إثارة بيئة مناسبة, وفيما
يلي عرضًا للخطوط العربية للنظريات الثلاث في تفسيرها للنمو المعرفي:
والجانب الهام في موقف وانر werner هو أنه بينما تهيمن
المستويات التكاملية الأعلى على المستويات الأدنى، فإن النمو داخل المستويات
الأدنى يستمر مسايرًا للمرحلة المتقدّمة. إن تكامل نظم المستويات الأدنى يعدِّل من
هذه النظم، وهكذا فإنه ولو أنه يظل خاضعًا إلّا أنه ما يزال يعمل في مستوى أكثر
تنظيمًا, ولهذا الافتراض أهمية، ذلك لأنَّ وارنر werner يعتقد أيضًا أن الشخص عندما يواجه موقفًا غريبًا، فإنَّ حلَّ
المشكلة يأتي من نظام النمو الأدنى إلى الأعلى, وبعبارة أخرى: فإن وارنر werner يقرر وجود ثلاثة مستويات
للنمو، هرمية في ترتيبها، وكلٌّ منها يتبع نمط النمو الخاص به, والشكل
"65" يبين بالرسم هذا النموذج.
إن وصفنا للإسهام الكبير
الذي قدَّمه وارنر werner لفهم النمو الإنساني
العام, وخاصَّة النمو المعرفي لا شَكَّ في أنه غير كافي لإعطاء النظرية حقها,
وبدلا من أن نحاول تقييم نهائي له، سنقتبس ما كتبه لانجر langer
"1970، 768" الذي يبدو أن
تقييمه لنظرية وارنر werner يمثّل مكانتها الحالية
تمثيلًا جيدًا:
"من الواضح أن الوقت لا
يزال مبكرًا جدًّا لتقديم حكم نهائي على النظرية ككل, ومع ذلك فيبدو واضحًا أن
المعالجة قد أثمرت فعلًا في عدد من المجالات. لقد نجحت نجاحًا فائقًا في دراسة
الظواهر المعرفية، وخاصَّة ظاهرة تكوين التصور والرمز, كما أنَّ لها توقُّعات
مستفيضة في دراسة الشخصية والنمو الاجتماعي من الناحية المعرفية التكوينية، ولكن
هذه الإمكانيات اليوم ما تزال في حالة ركود نسبي باستثناء بعض النواحي
البدائية".
1-
نظرية هانز وارنر hunz wener
المبدأ الأساسي في نظرية
وارنر وهو اعتدال الأصل orthogeneses, ويتضمَّن سمتين
أساسيتين للنمو، وهما: التفاضل "التفرد" defferentiation والتكامل الهرمي hierarchic inegration.
وطبقًا لمبدأ التفاضل،
تتفاضل النظم البدائية والمعممة تفاضلًا تدريجيًّا, ولكنها في نفس الوقت تنصهر مع
النظم الأخرى لتكوّن وسائل فعل متكاملة "إن التفاضل يؤدي إلى تفرُّد منزايد
في أجزاء محددة جيدًا في النظم، وفي نفس الوقت ذات صلة وثيقة كل منها بالأخرى.
"langer, 1970. 735", وطبقًا للتفسير
المعرفي لمبدأ التفاضل، فإن الاستجابات المبدئية للتركيب العضوي للبيئة إنما هي
نظم شاملة التعميم وغير متفاضلة, وعلى ذلك فإنَّ المتعلم الصغير يستجيب بنفس
الطريقة لمثيرات كاملة متشابهة عندما تسيطر بعض الجوانب المتميزة للمثيرات على
الاستجابات التفاضلية, ويمكن أن نقدم مثلًا لذلك، الطفل الصغير عندما يسمِّي كل
الرجال "بابا"؛ لأنهم يرتدون البنطلون.
وطبقًا لمبدأ التكامل
الهرمي: عندما تظهر نظم متكاملة أكثر تقدمًا فإنها تتخذ نظمًا أقل إتقانًا من جهة
النمو, ومع أنَّ مثل هذا المستوى في النمو يتوقف على المستوى السابق له، إلّا أنه
متميز نوعيًّا ويتولى التحكم في سلوكياته, ويعتبر هذا التصور هو من أكثر التصورات
تعقيدًا ما قدَّمه أصحاب النظرية العضوية، كما أنه يفرق بين الاتجاهات النظرية
الأخرى. والموقف الآلي لا يهتم بالتفرقة النوعية, ولكن يفترض أن النمو يمثّل
اكتساب أكثر من خاصية معينة, وليس تغييرًا في نوعية الخاصية.
وجنبًا إلى جنب مع مفهوم
التكامل الهرمي، يوجد المبدأ التكويني للولبية genetic
principle of spiralitg, عندما يتقدَّم الطفل
نحو حالة أخيرة من النضج فإنه يبدي أحيانًا ارتدادات مؤقتة نحو مستوى سابق قلَّ أن
يستأنف نموه الحتمي. وقد رتَّب وارنر werner النمو في ثلاثة مستويات:
أ- نمو حسي حركي.
ب- نمو إدراكي.
ج- نمو تأملي.
2-
نظرية جيروم برونر jerome bruner
يعد جيروم برونر واحدًا من
هؤلاء العلماء القلائل الذين أسهموا بقسطٍ وافر في معارفنا الأساسية بعلم النفس
عامَّة وعلم نفس النموّ بصفة خاصة، وعلاوة على ذلك, فإنه قدَّم نموذجًا نظريًّا
هامًّا للإدراك والمعرفة, وقد شملت أبحاثه الأطفال حديثي الولادة، وأطفال ما قبل
المدرسة، وأطفال المدارس الابتدائية والراشدين, واستنادًا إلى آرائه النظرية
العامة، فإنَّ أعماله وأعمال تلاميذه قد غطَّت العديد من الثقافات. "bruner, olver & greenfield, 1966".
هذا ولا مفرَّ من إجراء
مقارنات بين نصوص برونر burner النظرية, فيما يتعلّق
بالنمو المعرفي وموقف بياجيه, ومع أننا لا ننوي أن نصدر أحكامًا تقيمية في هذه
المقارنات، إلّا أننا سوف نشير إليها إذا ما صلحت لاكتشاف بعض الفحوص في معارفنا.
وواضح أن العالمين متَّفقان على أن سير النمو الإنساني يمكن وصفه بالتقدُّم عبر
سلسلة من المراحل، كلٍّ منها تتميز بفروق نوعية, وقد قدَّم برونر bruner ثلاث مراحل للنمو
المعرفي هي: المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية التقليدية, والمرحلة الرمزية.
أ- المرحلة الحكمية
"التوضيح النشط" The enactuve stage:
حيث يكتسب الطفل حديث
الولادة في هذه المرحلة معرفةً عن العالم من أنشطة حركية متكررة مع أشياء مألوفة,
ومع اكتساب الطفل لقدرات حركية، تسنَح له فرص أكثر للتفاعل مع مجموعة كبيرة من
المثيرات, ويصف برونر وآخرون bruner et al "1966، ص16". المرحلة الحكمية على النحو التالي:
"إن الشكل الإبتدائي
للفعل هو "انظر إلى", كما في حركات العينين أو توجيه الرأس. ومن الواضح
أن هذا الشكل فطري, وفيما بعد يصبح الفعل هو القبض، والوضع في الفم، والإمساك, وما
شابه ذلك من "تحديد موضوع" و"إيجاد علاقة" مع البيئة. والفعل
من هذه الناحية هو الشرط اللازم لإنجاز الطفل الصغير للعلاقات البيئية المتبادلة
والصحيحة, التي تكوّن موضوعات الخبرة المشتتة والمجرأة, والفعل هو وبعض الطاقة
الواردة من المستقبلين البعيدين توفر الظروف الضرورية والكافية لمثل هذا التقدم،
بغرض سلامة الجهاز العصبي".
وهكذا طبقًا لبرونر، فإن
التكوين المبكِّر للمعرفة قد يتوقَّف غالبًا على الإدراك البصري للمثيرات في بيئة
الطفل الغريبة, وكما يرى برونر، فإنَّ الأطفال حديثي الوالدة يمرون بسلسلة من
حركات البنين والتثبيتات يكتشفون خلالها معرفة بدائية بالعالم. ومع تقدُّم هؤلاء
الأطفال في مجال القدرة الحركية، يستمرون في اكتساب المعرفة عن العالم من خلال
عمليات حسية، ولكنهم الآن يتَّسقون فيما بين نظم الطاقة الإدراكية. مثال ذلك: إن
الطفل يستطيع الآن النظر إلى مثير "تمييز الشكل", وفي نفس الوقت يمسك به
"تمييز البعد". إن الطاقة البصرية والطاقة
اللمسية تصبحان متناسقتين،
وبذلك تتقدَّم المعرفة التي لدى الطفل عن ذلك وعن الأشياء المتعلقة بها "شكل:
67", وعلى ذلك: فإن الأطفال يفهمون الأشياء على نحوٍ أفضل عن طريق الأعمال:
- فهم يفهمون دعامة التوازن
بالاعتماد على خبرتهم الفعلية في الأَرْجَحَة, فإذا كان الطفل الذي على أحد طرفي
الأرجوحة ثقيلًا, فإن الطفل الآخر الذي يجلس على طرفها الثاني يتراجع، وإذا كان
الطفل خفيفًا يتحرك الآخر نحو المركز.
- كما أنَّ الأطفال الصغار
يعرفون الكلمات على أساس الأفعال المرتبطة بها, فالكرسي يجلس عليه، والملعقة يأكل
بها.. إلخ. "جابر عبد الحميد: 1977، 93".
إن المرحلة الحكمية تتضمَّن
سلوكًا قد يبدو لغير العليم متناهيًا في البساطة, أو إنه مجرَّد من النتائج
الوظيفية، ولكن الواقع ليس كذلك، ويصرّ برونر على أن المرحلة الحكمية تشكّل الأساس
للتطوّر التالي للمعرفة والوظيفية المعرفية.
ب- المرحلة التصويرية
التقليدية "التوضيح بالصور" The lkonic stage:
في هذه المرحلة يقلّ اعتماد
الطفل بشكل مطَّرد على الأفعال المباشرة للأشياء, وتزداد قدرته باطِّراد على تكوين
تمثيلات موضوعية للعالم؛ أي أنه يصبح أقلّ اعتمادًا على الاتصال البدني المباشر مع
البيئة, ويبدأ في الاعتماد أكثر وأكثر على الصورة, بمعنى: إن الأطفال يستطيعون أن
يفهموا المعلومات دون أن تتم في صورة أفعال وأنشطة أمامهم, فيستطيعون أن يرسموا
الملعقة دون أن يمثّلوا عملية تناول الطعام بها، ويستطيعون أن يرسموا دعامة
التوازن؛ لأن لديهم صورة لم تعد
تعتمد على الفعل, وهذه نقلة
هامَّة في نمو العقل. "جابر عبد الحميد: 1977، 93".
ويرى برونر أن هذه المرحلة
الثانية تمثّل تقدمًا في النمط التمثيلي للطفل؛ إذ إنه في خلال هذه الفترة يبدأ
الطفل في تصنيف الأشياء على أساس سمات معينة ثابتة, وهذه القدرة التي تعتبر ذات
أهمية بالغة للفهم الصحيح للعالم تكتسب تدريجيًّا, وربما تضمَّنت سلسلة من المراحل
الفرعية النوعية قبل تحقيق النضج.
ج- المرحلة الرمزية The symbolic stage:
يرى برونر أن المرحلة
الرمزية هي أعلى مستويات التمثيل التي يقدر عليها الإنسان, ففي هذه المرحلة يستطيع
الأطفال أن يترجموا الخبرة إلى لغة، ويمكن فهم دعامة التوازن باستخدام الكلمات
بدلًا من استخدام الصور "إن العرض الرمزي يتيح للأطفال أن يستنبطوا منطقيًّا،
وأن يفكروا تفكيرًا محكمًا، وأن يشكِّلوا خبراتهم عن العالم الذي يعيشون فيه بصورة
قوية وفعالة, واستخدام ذلك للبحث عن حلّ المشكلات التي يتصدَّون لها.
ويتشهد برونر ببحوث النمو
التي تبيِّن أنَّ الأطفال قادرون على فهم العمليات العيانية أولًا، ثم بعد ذلك على
فهم التعبير البياني المصوّر، وفي النهاية يصبحون قادرين على فهم العمليات غير
المألوفة بيسرٍ إذا عرضت عليهم بالترتيب التالي: بطريقة عيانية، ثم بيانية، ثم
رمزية، وهذه الطريقة تناسبهم بدرجة أكبر إذا كان الموقف ملقًا. "جابر عبد الحميد
1977، 94".
ويستطيع القارئ أن يعتبر أن
التفرقة النوعية بين مستوى المرحلة الرمزية ومستوى المرحلتين السابقتين هي البعد
بين الرمز وبين إشارة وصفية, أو صورة تمثل شيئًا أو حدثًا, وتتضمَّن المرحلة
الرمزية عدة ثغرات في اللغة سنناقشها في الفصل الرابع من هذا الباب, ويكفي أن نذكر
هنا أنَّ برونر يعتقد أن اللغة نظام رمزي يعمل مستقلًّا عن الأنظمة السابقة، ومع
ذلك تعتمد على الأحداث التي جرت في أثناء المرحلة الحكمية، والمرحلة التصويرية،
ويجب أن نلاحظ أن المرحلة الرمزية كما اقترحها برونر، وخاصة تأكيده على اللغة
كنظام رمزي، تعتبر نقطة اختلاف بينه وبين بياجيه. ومع أنَّ كلا العالمين يعتبران
أن النمو يتحرك من انعكاسات بسيطة وأفعال مشاركة إلى تمثيلات رمزية للعالم مطَّردة
التزايد، فإن بياجيه يعتبر التمثيلات الرمزية ضرورة تسبق اللغة ونموها, وأن
التفكير واللغة يرتبط كلٌّ منهما بالآخر ارتباطًا وثيقًا, وبعبارة أخرى: يعتبر
بياجيه أن اللغة تصبح وسيلة للتعبير عن المعرفة والتجريدات، في حين أن برونر يعتبر
أن اللغة تجريد؛ إذ يرى أن التفكير لغة مستنبطة، وأنَّ القواعد البنائية للغة وليس
المنطق يمكن استخدامها لتفسير مبدأ البغاء أو الثبات, وغيرها من مبادئ بياجيه.
وواضح أن برونر يعتقد أن
الطريقة التي يفكر بها الشخص تتأثَّر بالخبرات الحكمية والتصويرية المبكرة التي قد
تكون انتقالًا ثقافيًّا. ومهما يكون من أمر, فإن أهم العوامل حسمًا من حيث الطريقة
التي يفكّر بها الشخص هي اللغة. إنه من الواضح أن اللغة دالة ثقافية, وبالعكس, فإن
بياجيه يشدّد على تكافؤ كل اللغات كوسائل تبادلية لتوصيل المعرفة التي تكوَّنت منذ
زمنٍ سابق على التفاعل اللفظي للطفل مع العالم, ويتفق هذا الموقف مع إصرار بياجيه
على تفاعل اللغات والثقافات في مجال النمو المعرفي.
3-
نظرية جان بياجه jean piaget:
هناك إجماع على أنَّ أعمال
جان بياجيه كان لها من الأثر على علم نفس النمو أكثر مما كان لأي عالم, ومن
المحتَمل أن أعماله أصبحت مألوفة إلى حدٍّ ما لكلٍّ من علماء النفس والمثقفين,
وإنها لحقيقة عجيبة أن كثيرًا من المؤلفين والباحثين في علم نفس النمو ربما لا
يذكرون اسم بياجيه على الإطلاق، أو على الأقل يأتي ذكرهم له من باب الفضول. وقد
واجه بياجه هذا الإهمال من جهة؛ لأنه يكتب الفرنسية، ومن المحتمل أن تكون الترجمة
سببًا في بخس تقدير كثير من الباحثين لأعماله, أو وصفها بعدم الوضوح. ولذلك فإن
النظريات التي استخدمت اصطلاحات مثل "مرحلة" stage أو "موجز شكلي" schemas أو "تكوين" structure كانت إشارات إلى تركيبات عضوية لم تكن تقبل كعلم. إن ما حدث يصفه
سبيري sperry "1975، 33" وصفًا قويًّا
بقوله:
"بعد أكثر من 50 عامًا
من الرفض القاطع لاصطلاحات مثل: "صورة عقلية" و"الصور البصرية
واللفظية والسمعية" طيلة السنوات الماضية، أصبحت هذه الاصطلاحات شائعة
الاستخدام كتركيبات تفسيرية في المؤلَّفات المتعلِّقة بالمعرفة، والإدراك, وغيرهما
من الوظائف الأعلى".
إن التفسير المراجع يقود
العقل الواعي إلى التتابع السببي في مجال اتخاذ القرارات، وبالتالي في مجال السلوك
عامَّة، وعلى ذلك يعود به إلى مجال العلم التجريبي الذي استبعد منه منذ زمن طويل.
إن هذا التحوّل في علم النفس وعلم الأعصاب، بعيدًا عن المادية المتشددة
والانخفاضات, والدفع بها إلى نمط جديد من المادة أكثر تقبلًا, يميل الآن نحو
استعادة بعض الكرامة والحرية وغيرهما من السمات الإنسانية إلى الصور العلمية
للطبيعة الإنسانية بعد أن حرمتها منها المعالجة السلوكية".
وهكذا فإنه نتيجة للتغيّر في
الفلسفة السائدة ولنشر الوصف الدقيق لأبحاث بياجيه ونظرياته "flasell, 1963" أصبحت أعماله
واسعة الانتشار. إنها تعتبر حاليًا وصفًا تصوريًّا يكاد يكون كاملًا لنمو القدرات
المعرفية منذ الولادة وإلى النضج, ومن نتائج هذا الاعتراف الممتد أن تتابعت
الأبحاث حول كثير من افتراضاته ونتائجه عن النمو، وهي أبحاث أدَّت إلى التوسُّع في
النظرية وتعديلها.
الافتراضات الأساسية وبعض
النقد:
إن افتراضات بياجيه قد لا
تسمح باختبارها بالتجارب, ولكنها تصبح أكثر مناعة كلما وجدنا أن الجوانب الأخرى من
النظرية التي يمكن اختبارها تتفق وهذه الافتراضات. لقد تعلَّم بياجيه أساسًا كعالم
بيولوجيا قبل أن تتجه اهتماماته نحو علم
النفس، وخاصَّة علم نفس
الطفل, كما أنه اغترف من مناهل أساسيات المنطق والفيزياء، وكلاهما يبرزان في
تفاصيل نموذجه النظري. إن بياجيه لا يعتبر نفسه عالم نفس أو بيولوجيا، ولكن عالم
في فلسفة المعرفة والمنطق بالوراثة، وكباحثٍ في نشأة المعرفة الإنسانية.
وعندما شرع بياجيه في بناء
نموذجيه الشاملين ابتدع طريقتين للمعالجة: أحدهما تصورية، والأخرى منهجية, الأمر
الذي جعل بعض علماء النفس يرفضون عمله. ونظريته تقدّم فرجًا بين اهتمامه المبكر
بالبيولوجيا واهتمامه اللاحق بعلم النفس, وتعتمد نظريته من الناحية البيولوجية على
آليات سلوكية فطرية وأنماط فعل, وتنبعث أنماط الفعل هذه في تتابع لا يتغير، يحتوي
كل مستوى فيها على المستويات السابقة له, ولكنه يعدلها نوعيًّا "وهذا التصور
شبيه بوجهة نظر برونر بالنسبة للغة كنظام رمزي، ولتصور "وارنر" للتنظيم
الهرمي. وترمي مبادئه إلى التأكيد على الافتراضات البيولوجية، ومن السهل، عند
قراءة مؤلفه الأصلي أن نفهم كيف أسره التناسق في السلوكيات النامية التي لاحظها,
ولكن بياجيه لا يعتبر أن البيئة تلعب دورًا تافهًا, وهو يختلف عن برونر في أنه
يعتقد أن العمليات المعرفية التي تظهر لا تختلف بين مختلف الثقافات "انتقال
ثقاقي"، ولكن يعترف في وضوحٍ بأن التركيب العضوي "الفرد" يجب أن
تكون له بيئة تؤثِّر فيه ويؤثِّر فيها إذا أريد للنمو أن يحدث. وقد ذكر بعض النقاد
أنَّ ما يبدو من المبالغة في التأكيد على البيولوجي واستبعاد المتغيرات النفسية
التي يمكن تناولها تجعل النظرية غير علمية, أو على الأقل وصفية، وغير قادرة على
الاختبار التجريبي.
انتقادات السلوكيين:
وجَّه السلوكيون انتقادات
عديدة لنظرية بياجيه المعرفية, وكان أبرزها انتقاداتهم حول المراحل النمائية،
وكذلك المنهجية التي استخدمها في استخلاص المبادئ الأساسية في النظرية, وذلك على
النحو التالي:
1- مراحل
بياجيه:
لم يقتصر أمر نموذج بياجيه
على مخالفة النظرية السلوكية "reese & overton, 1970,
overton & reese 1973", بل إنه اشتمل
أيضًا على مفاهيم واسعة المدى مثل: "المراحل", وذكر كيسن kessen "1962" أنَّ استخدام لفظ
"مرحلة" كمرادف للسن، لا يعتبر إضافة مجدية لاصطلاحات علم النفس, وعلى
ذلك فقد جادل السلوكيون في محاولةٍ للإقناع بأن علم النفس ليس في حاجة لمفهوم
المرحلة؛ لأنه مفهوم خاوٍ من الوجهة النظرية، علاوةً على ذلك، فقد أظهر كيسن kessen أنَّ استخدام هذا
المصطلح بطريقة وصفية هو الآخر خاوٍ. إن "مرحلة" يمكن استخدامها من باب
التكرار غير المفيد, "إن الطفل في مرحلة المشي لأن الطفل يمشي", إن ذلك
ليس سوى طريقة دائرية للقول بأن الطفل يمشي. وعلماء النفس قد استخدموا فكرة
"المرحلة" إمَّا للإشارة إلى جانب وصفي من سلوك الطفل, أو كمرادف
"للسن", والصعوبة هي في ذلك: مصطلح "مرحلة" في هذه النصوص
يبدو أنه يعني شيئًا أكثر مما قصده بياجيه فعلًا، وكان للسلوكيين الحق في رفض هذا
الاستخدام. إن المراحل لكي تكون مفيدة ومثمرة، يجب أن تؤخذ على اعتبار أنها
"متغيرات باراماترية "قياسية" لمجموعة أساسية من البيانات النظرية
"kessen, 1962, 69". وبعبارة أخرى:
بالنسبة للجوانب الأساسية العريضة لنظرية بياجيه، فإن الاستخدام المجدي لهذا
المفهوم هو لتبيان كيف تؤثر التغيرات في المراحل على البيانات النظرية الأساسية.
إن بناء المرحلة يجب أن يساعد على التنبؤ بالطريقة التي يتغيِّر بها السلوك من
مرحلة إلى أخرى, ويجب أن يضع قواعد الانتقال من مرحلة إلى أخرى, وإلى هذا الحد
فإنَّ هذه القواعد الانتقالية غير محدَّدة بوضوح.
2-
انتقادات المنهجية:
كانت منهجية بياجية موضع
الانتقاد الشديد في موضوعين: العدد المحدود من المفحوصين، المستخدمة في أبحاثه،
واستخدامه للطريقة الإكلينيكية, وفيما يختص بالنقد الأول، فقطعًا لا مجال للجدل في
أنَّ القاعدة التجريبية التي اشتق منها بياجيه نموذجه للنموّ المبكر كان يتكوَّن
من ثلاثة أطفال، والأدهى من ذلك، أن هؤلاء الأطفال كانوا أطفاله هو. إن لنا أن نتشكك
في كفاية نموذج نظري يقوم
على ثلاثة أطفال يحتمل ألَّا
يكونوا ممثلين للأطفال عامَّة, وقد يكون لهذا النقد وزنًا أكبر إذا تذكَّرنا أن
بياجيه لم يتزعزع في اعتقاده بأنَّ المراحل المعرفية لا تتغير عبر الثقافات. لقد
كان مفحوصوه يمثلون ثقافة واحدة، وعلاوة على ذلك فإنهم لم يكونوا مميزين لهذه
الثقافة, ولو كان على بياجيه أن يرد على هذا النقد "من المحتمل أنه لم يكن
ليستجيب"، فربما دافع عن رأيه بأنَّ أنماط الفعل تخرج بترتيب لا يتغير, ولذلك
فلا حاجة للإفاضة في موضوع عدد "المفحوصين" "المفحوص= أفراد
العينة".
ومن العجيب أن إحدى
المعالجات السلوكية الحديثة الهامة، وهي موقف سكينر skinner الذي يتفق وموقف بياجيه, ويجري أنصار سكينر أبحاثهم على أعداد
صغيرة من المفحوصين، يجرون عليهم قياسات معينة, وهم يبررون منهاهجهم في التجريب
بنفس الطريقة التي برَّرَ بها بياجيه مناهجه، وهي أنَّ مبادئهم عن السلوك هي مبادئ
عامة, وأنها تنطبق على كل التركيبات العضوية "الأفراد"، رغم أن القياسات
التي تحدّد خواص المثير وموقف المثير قد يتطلّب الأمر تعديلها تبعًا لخواص التركيب
العضوي "الفرد" الذي تجرى دراسته, أو تبعًا للسن "في حالة
المفحوصين من البشر". وقد لاقت معالجة سكينر skinner نفس رد الفعل السلبي، غالبًا من نفس الأشخاص الذين انتقدوا
بياجيه! ولكن منذ أن صدرت الصبغة المبدأية للنظرية، قام بياجيه وزملاؤه وأتباعه في
كثير من البلاد بتحقيق الكثير من استنتاجاته مع أعداد لا تحصى من الأطفال.
والنقد الثاني لأعمال
بياجيه: استخدامه للطريقة الإكلينيكية, والذي قد يكون أكثر خطورة، وهو قطعًا أصعب
في الدفاع عنه. إن الطريقة الإكلينيكية تناسب اتجاهه التصوري والفلسفي الشامل،
ولكنها استخدمت بطريقة فريدة, وقد يفيد هنا أن نقدِّم مثلًا توضيحيًّا, فكثير من
علماء النفس المهتمين بالتعليم يرغبون في معرفة ما إذا كان الأطفال في سن 6 سنوات
يعرفون أسماء الألوان الأساسية, وعندما يجدون أطفالًا يجهلون هذه الأسماء, فإنهم
يحاولون التوصُّل إلى أفضل طريقة لتعليمهم إياها. إن اهتمامهم بهذه الظاهرة
المعنية ينبع من العلاقة بين معرفة أسماء الألوان وبين الأداء في القراءة، وهي
علاقة ليس من السهل تفهمها. أما بياجيه فلم
يهتم إطلاقًا بمعرفة ما إذا
كان الأطفال يعرفون ألوانهم، ولكنه قد يتساءل: كيف يرتِّب الأطفال الألوان، تبعًا
مثلًا لشدة اللون أو لمعانه. والمعطيات الأساسية للإجابة على هذا السؤال الأكثر تعقيدًا
يجب أن تتأتي من الملاحظة الدقيقة للأطفال في مجموعة منوَّعة من واجبات متصلة, ومن
تفسيرات الأطفال أنفسهم لسلوكهم. وبياجيه لا يهتم عادةً بما إذا كانت استجابة
الطفل لمطلب معرفي ما صحيحة أو غير صحيحة, فإذا كانت الاستجابة صحيحة يستخدم
بياجيه المقابلات وتشكيلات المواد المثيرة ليحدد أنواع الافتراضات العقلية التي
كوَّنها الطفل, ثم يستخلص منها العمليات العقلية التي يستخدمها الطفل للتوصل إلى
الاستجابة غير الصحيحة. فإذا قدَّم الطفل استجابة صحيحة، لا نستطيع دائمًا أن
نفترض أنها ناتجة عن نفس القواعد أو العمليات التي يستخدمها الراشدون, وطبقًا لما
يذكره فلافيل flovell 1963، ص28".
"إن للطريقة
الإكلينيكية التي استخدمها بياجه سمات كثيرة مشتركة مع مقابلات التشخيص والعلاج،
مع اختبارات استطلاعية أيضًا، ومع ذلك النوع من الاستطلاع اللاتقليدي الذي يستخدم
عادة في الأبحاث التجريبية في كلِّ العلوم السلوكية. والخلاصة هي أنه لاستطلاع
مجموعة متباينة من سلوكيات الأطفال في تتابع مثير، استجابة، مثير، استجابة، ففي
خلال هذا التابع السريع يستخدم القائم بالتجربة كل ما لديه من بُعْدِ نظر ومقدرةٍ
لفهم ما يقوله الطفل أو يعمله، ويطبِّق سلوكه على أساس هذا الفهم".
تفاصيل نظرية بياجيه:
لا شكَّ في أنَّ بياجيه قد
أوضح أن الأطفال ليسوا مجرَّد راشدين مصغرين. إن اقتراحه بالمراحل المختلفة
نوعيًّا تدلل على اعتقاده بأنَّ طرق تفكير الأطفال تختلف كثيرًا عن طرق الراشدين,
ولكننا لا نستطيع تحديد هذه الاختلافات إلّا إذا توفَّرت لدينا الوسائل الفنية
للكشف عنها. إننا كثيرًا ما نضطر لسؤال الأطفال أسئلة محددة, ولهذه المعالجة نتيجة
غير مرضية في أنَّ التشكيلات والأسئلة الناتجة تكون على درجة عالية من التخصيص
والمواقف المحددة, وبالتالي فإننا لا نستطيع الحكم بما إذا كانت استجابات الأطفال
منفردة بالنسبة للمثير أو الموقف أو لكليهما. وقليل من علماء النفس يضارعون بياجيه
في مهارته في تشكيل المواد وطرح
الأسئلة المناسبة على
الأطفال. ومع إننا لا نستطيع تجاهل الانتقاد بأنَّ أعماله يصعب جدًّا تكرارها، فإن
الكثير من الآراء العامَّة في نظريته قد دلَّل آخرون على صحتها في مواقف أحسن
تخطيطًا وقياسًا وأحكامًا مما فعله هو.
وفيما يلي عرض الخطوط
العريضة لتفاصيل نظرية بياجيه في النمو المعرفي:
أ- الطفل كباحث نشط:
سنبدأ مناقشتنا لنظرية
بياجيه بالافتراض العضوي العام أن الطفل باحث نشط. وفي ملاحظات شبيهة بملاحظات
برونر وفيرنر، لاحظ بياجيه أنَّ الأطفال يؤثرون على بيئتهم باستجابات انعكاسية في
فترة الطفولة المبكرة، ثم باستجابات أكثر تعقيدًا تنبعث من تلك التفاعلات المبكرة.
ويرى بياجيه أن التفاعل المتبادل بين التركيب العضوي والبيئة عملية ذات اتجاهين، أحدهما:
هو المواءمة accomilation, والآخر: هو الاستيعاب
"التمثل" assimilation. وفي حالة المواءمة نجد
أن معرفة الطفل بالبيئة تتعدل لتستوعب أشياء أو خبرات جديدة, والمؤاءمة هي سمة
التملُّك العرفي الذي يتكشَّف مع المتطلبات المعرفية العديدة التي تفرضها البيئة.
وفي الاستيعاب يدمج الطفل شيئًا أو خبرة جديدة في تكوين قائم، أي: إن الطفل يتواءم
مع معرفة سبق له اكتسابها. وعملية التواؤم أو مطابقة خبرات أو أشياء جديدة في
تكوينات موجودة من قبل يندر أن تكون أمينة مع الصفات الفعلية للأشياء, وبعبارة
أخرى: فإن عملية الاستيعاب تتضمَّن تعديلات للشيء؛ بحيث يصبح ملائمًا للتنظيم
المعرفي القائم, ومن المستحيل الفصل بين التواؤم والاستيعاب. "عادل عبد الله
1990، 42". ويجب على القارئ ألَّا يفترض أنهما متعاقبان أو أنَّ إحداهما أكثر
هيمنة من الأخرى, أو أكثر منها أهمية. إنهما في الحقيقة متبادلتان، والتفاعل
المتبادل بينهما يولّد النمو المعرفي, والبيان التفسيري التالي الذي قدَّمه فلافيل
flavell "1963 ص59-50" يكشف عن
تعقيدات الموضوع وعن أهميته:
"إن التقدُّم المعرفي
في نظام بياجيه، ممكن لعدة أسباب، أولهما: إن الأفعال التواؤمية دائمة الامتداد
إلى سمات جديدة ومختلفة للبيئة القريبة؛ لدرجة أن سمةً ما تَمَّ التواؤم معها
حديثًا, يمكن أن نجد لها مكانًا مناسبًا في التكوين القائم للمعاني،
وتستوعَب في هذا التكوين,
ومتى تَمَّ استيعابها فإنِّها تميل لتغيير التكوين بدرجةٍ ما، ومن خلال هذا
التغيير تجعل من الممكن حدوث امتدادات تواؤمية أخرى. كما أنَّ التكوينات
الاستيعابية -وكما ستدلل على ذلك مناقشة الموجزات الشكلية- ليست ثابتة أو غير
متغيرة، حتَّى في حالة عدم وجود إثارة بيئية. إن نظم المعنى تجرى دائمًا إعادة
تنظيمها داخليًّا وإدماجها في نظم أخرى, وهكذا فإنَّ كلا نوعي التغيير إعادة تنظيم
الأصول الداخلية, وإعادة التنظيم التي تحدث إلى حدٍّ ما بطريقة مباشرة بوساطة
محاولات تواؤمية جديد، يجعلان من الممكن تحقيق تغلغل عقلي مطَّرد في طبيعة
الأشياء, ومرة ثانية فإن كلًّا من اللامتغيرين بعد الآخر بطريقة تبادلية, أي: إن
التغيرات في التكوين الاستيعابي توجه تواؤمات جديدة، والمحاولات التواؤمية الجديدة
تنشّط التنظيمات التكوينية".
وعندما يتحدث بياجيه عن
المتعلِّم النشط، فهو يشير إلى عمليتي التواؤم والاستيعاب الخاصة بالتركيب العضوي
"الفرد". ولذلك فإن بياجيه ليس في حاجة إلى استخدام مفاهيم مثل: البواعث
incentives "المثيرات" أو
المعززات reinforces لكي يولّد مصدر طاقة
للتغير المعرفي "من المحتمل أن بياجيه لم يكن لينكر أن المثيرات المعززة أو
الحاثة ذات أهمية في تشكيل أداء الأطفال، ولكن لا يرى أن مثل هذه المفاهيم لها
تأثير حاسم على النمو المعرفي".
ب- اكتساب المعرفة:
إذا اعتبرنا أن الاستيعاب
والمواءمة يصلحان كعمليات أساسية تبادلية يمكن من خلالها حدوث النمو المعرفي، فإن
تساؤلًا يمكن أن يثار، وهو كيف يتصوَّر بياجيه اكتساب المعرفة؟ وكما أشرنا سابقًا
في المثال الخاص بمعرفة الطفل لأسماء الألوان بالمثالية مع معرفته لترتيب الألوان
في بعد معين، فإن بياجيه لا يهتم بأي
درجة بالمحتوى. إن ما يهمه،
وما تتوصل إليه العمليات المتبادلة هو تنظيم المعرفة التي يسميها بالتكوين.
وبتحديد أكثر: فإن بياجيه اهتمَّ بالكيفية التي تتغيِّر بها العمليات السلوكية
استجابةً لمتطلبات المعرفة في تحديد الخواص النوعية لهذه التغيرات، وهو يدرس
الخواص التكوينية للسلوك في ظروف مختلفة, ومع أطفال في مختلف مستويات النمو, وبذلك
يستطيع أن يستخلص "خريطة" للخواص التكوينية للواجبات التي يؤديها أطفالٌ
من مختلف الأعمار. إن هذه المهمة شاقة؛ إذ إنها تتطلَّب تحليلًا بالغ الدقة لمختلف
الخواص في مجال المعرفة "أو المثيرات التي تدخلت", ثم يجب على الإنسان
أن يفحص الكيفية التي تعدَّل بها هذه الخواص مع نضج الطفل, ومهما يكن من أمره يجب
على القارئ أن يفهم أن التكوينات هي حصيلة تكوّن معرفة جديدة، وهي تمثّل في أي
نقطة من الزمن الطريقة التي ينظِّم بها الطفل فهمه للعالم ويتمثله.
ج- فكرة الموجز الشكلي:
يذكر فلافيل flavell أن فكرة الموجز
"المخطَّط العقلي" schemata, أو الصورة الاحتمالية تلعب دورًا هامًّا في نظرية بياجيه, ولا
شكَّ في أن تعريف الموجز الشكلي بأنه نمط فعل يحدث في مناسبة خاصة، لهو مبالغة في
تبسيط الأمور. هذا وفي مناقشتنا لأنماط الفعل "في الفصل الخاص بالنمو الحركي
بالجزء الثاني من هذا الكتاب" اهتممنا بالتأكيد على أنها تتكوَّن من عدد كبير
من السلوكيات المترابطة والتي يبدو أنها تحدث في تتابع ثابت، وإن كانت على الأقل
تتشارك عن كثب الواحد بالآخر، وبينما نستطيع أن نتحدث عن عدد من أنماط الفعل،
فإننا في نظام بياجيه نستطيع التحدّث عن عدد كبير من الموجزات الشكلية, وعلى ذلك
فإنَّ الموجز الشكلي في الواقع يمثِّل نمطًا سلوكيًّا. ولكن إذا كان هذا هو كل ما
يمثله، أي: إذا كان مجرَّد اصطلاح وصفيّ، فإنه لن تكون هناك ضرورة بنفس الطريقة
التي لا ضرورة بها لمفهوم المرحلة. الواقع أن الموجز الشكلي يدل ليس فقط على تتابع
سلوكي, ولكنه أيضًا يدل على تغيُّر مصاحب في التكوينات، أي: إن تنظيمًا جديدًا أو
معدّلًا أصبح موجودًا الآن لدى الطفل. مثال ذلك: إن طفلًا قد يكون لديه موجز شكلي
للإبصار, أو موجز شكلي للإمساك, أو موجز شكلي للوصول، ومع أنه في وقتٍ ما من فترة
الطفولة الحديثة، تكون هذه الموجزات مستقلة, إلَّا أنها تنتهي بالتكامل، حتى يصبح
مثلًا بالإمكان أن نتكلَّم عن موجز شكلي للإمساك بالشيء. وواضح أن هذا الاصطلاح
وصفي, ولكنه أيضًا يعكس اكتساب الطفل لشكلٍ جديد من التنظيم المعرفي أو التكوين
المعرفي، أي: تكامل ثلاثة موجزات في موجز شكلي واحد.
مراحل بياجيه:
استنادًا إلى الملاحظة
المكثَّفة لأطفاله، وإلى بديهته، رأى بياجيه أنَّ الأطفال يتقدَّمون عبر مراحل
أربع، بدايةً من استجابات انعكاسية بدائية, إلى تحقيق النضج الكامل مع الوصول إلى
التفكير الاستنتاجي الأساسي. والمراحل الأربع هي: الذكاء, والحسّ الحركي،
والعمليات قبل الحسية، والعمليات الحسية، والعمليات الشكلية. والشكل "5"
يلخّص هذه المراحل وأقسامها, مع أوصاف سلوكية مختصرة, ومستويات السن التقريبية.
والانتقال من مرحلة إلى أخرى يتم تدريجيًّا، ولا يؤثر بالضرورة على كل سمات وظيفية
الطفل. وفي إطار كل مرحلة يحدث نمو رأسي "وهو ما أسماه بياجيه بالتغير
الرأسي" ينقل الطفل قريبًا من مرحلة تالية، ونمو أفقي "تغيُّر
أفقي" وفيه يضم الطفل قدرًا أوسع من السلوكيات إلى نفس المستوى التكويني
ومستويات السن المرتبطة بكل مرحلة تقريبية، أي: إن بياجيه لا يؤكد أن كل الأطفال
يصلون على مرحلة جديد في نفس الوقت.
1-
المرحلة الحسية الحركية "0-2 سنة":
تمتد فترة النمو الحسي
الحركي sensorimotor من الولادة إلى حوالي
السنة الثانية من العمر, وفي البداية يتكوَّن السلوك بدرجة تكاد تكون تامَّة من
الحركات الانعكاسية التي تميز الطفل الوليد, وهذه ليست هي الانعكاسية التي
ناقشناها في تناول النموّ الحركي في الجزء الثاني من هذا الكتاب، تلك
الانعكاسات التي تختفي في
الوقت المناسب، ولكنها سلوكيات انعكاسية لحركات العينين والذراعين والمص وغيرها,
وبعبارة أخرى: فإن اهتمام بياجيه ينصبُّ على الانعكاسات التي تكون الأساس لمراحل
قادمة في النمو المعرفي, وعندما يصف بياجيه هذه المرحلة المبكرة من النمو تجده
يشدِّد على الأفعال الحركية بالمقابلة مع أيِّ نوع من التمثيلات الوصفية أو
الرمزية. وتنتهي هذه المرحلة عندما تحل محلها العمليات الرمزية, ومرحلة الذكاء
الحسي الحركي تتكوّن من ست مراحل فرعية, وتتمثل مجالات حَظِي ببعض أعمال بياجيه
الوصفية بتفصيل بالغ. وتنقسم المرحلة الحسية الحركية إلى ست مراحل فرعية على النحو
التالي:
المرحلة الفرعية الأولى:
المرحلة الانعكاسية reflexive stage:
وهي تتميز بدرجة كبيرة
بالانعكاسات reflexes التي ذكرناها, والطفل
يقبل على قدر كبير من التمرين مع هذه الانعكاسات التي يبدو أنها تمر بتغيرات طفيفة
في التكوين, مثال ذلك: إن الطفل لا يبدأ بعملية المص عند وجود زجاجة أو حلمة، حتى
بدون أن تلمس الزجاجة أو الحلمة شفتيه.
المرحلة الفرعية الثانية:
التفاعلات الدائرية الأولية: primary circular reactions
"2-4شهور":
وتحدث عندما يزاول الطفل
بشدَّة الموجزات الشكلية التي تكوَّنت في المرحلة الانعكاسية, علاوة على الموجزات
الشكلية الجديدة التي تبرز في هذه الفترة، بما في ذلك النظر إلى المثيرات،
والاستمتاع، والقبض, ويستخدم بياجيه لفظ "دائري" للدلالة على تكرار هذه
الموجزات الشكلية, وقد يكون أهم حدث في هذه المرحلة هو تناسق الموجزات الشكلية,
فعند سماع صوت مثلًا يدير الطفل رأسه وعينه في اتجاه مصدر الصوت.
كما يظهر التنسيق بين موجز
المص وموجز القبض, وكذلك موجزًا لرؤية رد القبض, وهكذا فإن الطفل ينمي القدرة على
الإمساك بشيء، ومتى فعل ذلك يدنيه من فمه لمصه. ومع التنسيق بين موجزي الرؤية
والقبض، يستطيع الطفل رؤية شيء، ويحدد مكانه في الفضاء، ويمسك به, ثم يتفحصه
ببصره، ويجب أن نلاحظ أنه يبدو وكأنَّ موجزًا شكليًّا رؤية -قبض يمكن أن يحدث فقط
عندما تكون العين واليد في منظور واحد.
فإذا اختفى الشيء من مجال
نظر الطفل، فإن الدليل السلوكي يبدو كأنه يشير إلى أن الشيء لم يعد له وجود
بالنسبة للطفل, وبعبارة أخرى: فالطفل في هذه المرحلة ليس لديه مفهوم دوام الشيء object permenancy.
المرحلة الفرعية الثالثة:
ردود الفعل الدائرية الثانوية secondary circular
reactions": "4-8 شهور", وتدل على أن
الطفل أصبح مدركًا لعواقب أفعاله الحركية الخاصة، ولكن وبعكس المراحل السابقة،
يقوم الطفل بتكرار هذه الأفعال. وكمثال لهذا السلوك: هز الشخشيخة، وهو فعل يكرره
الطفل توقعًا للصوت الناتج عن الهز, وقد افترض بعض الباحثين أنَّ التكرار المستمرّ
ينتج عن تعزيز إيجابي "نتيجة الفعل الحركي على الشي", وبذلك فهو يشبه
استجابة شرطية، وقد يبدو وصفنا أنه يعني أن بياجيه يستخلص بعض المعرفة بالسبب
والنتيجة، أي: إن الطفل يؤدي سلوكه قصديًّا, والواقع أن بياجية يقول: إن الطفل في
هذه المرحلة لا يستطيع فعلًا فهم أن فعله يولّد النتيجة البيئية، وفي أثناء الجزء
الأخير من هذه المرحلة تظهر مبادئ مفهوم دوام الشيء.
المرحلة الفرعية الرابعة:
توصف هذه المرحلة بأنَّها
مرحلة تنسيق التفاعلات الدائرية الثانوية coordination of
secondary reactions "8-12شهرا".
وأهم إنجاز في هذه المرحلة
هو ظهور القصدية، أو سلوك الوسيلة - الغاية, علاوةً على ذلك فإن الطفل يطوّر من
الموجزات الشكلية الموجودة, ويضيف أشياء جديدة إلى الموجزات القديمة. إن ما يميز
هذه المرحلة عن المرحلة الفرعية الثالثة هي القدرة على أداء عدد من الأفعال
الفرعية. "تعدد الوسائل" بقصد الحصول على هدف مرغوب فيه
"غاية", وعلى ذلك، فبينما لم يتمكَّن بياجيه من أن يحدِّد بوضوح أن
الوسائل قد تفاضلت عن الغايات في المرحلة الثالثة, فإن هذه التفرقة واضحة جدًّا في
المرحلة الرابعة, ومن السمات الأخرى الهامة في المرحلة الفرعية الرابعة. إن اللعب
يصبح له أهمية واضحة, ويصف فلافيل flavell "1977، ص32" مثلًا لذلك:
"يصبح اللعب أكثر مرحًا
بشكلٍ واضح في هذه السن, فمثلًا بعد أن يكون قد ظلَّ لفترة يمارس بجدية, يصبح هناك
تداخل بين الوسيلة والغاية الجديدة "مثال على الذكاء التكيفي adapted intellegent"، فقد يهمل الغاية
ويتلهَّى مسرورًا بالوسيلة "لعب", كما حدث في إحدى الحالات أن أحد أطفال
بياجيه بدأ يحاول مهمة دفع عائق جانبًا ليحصل على لعبة، وانتهى به الأمر بأن تجاهل
اللعبة وأخذ يدفع بالعائق جانبًا المرة بعد الأخرى بقصد اللهو. إن اللعب كالتقليد،
يبدأ في التفاضل عن الذكاء المتكيف ليصبح أداة متميزة للنمو المعرفي. ومهما كانت
الوظائف
الأخرى التي يؤدِّيها اللعب
في حياة الطفل "وهناك الكثير منها"، فإن أحدًا لم يشك في أنه وسيلة هامة
للتعلّم والنمو العقلي".
المرحلة الفرعية الخامسة:
ردود الفعل الدائرية الثالثة
tertiary circular reactions "12-18 شهرا":
وهي تنعكس في استكشاف الطفل
لإمكانيات جديدة لتناول الأشياء، وبعبارة أخرى: ينشط في التجارب بالأشياء التي في
البيئة, كما أن الطفل يبدي مستوى أكثر نضجًا لدوام الأشياء, وقبل هذه المرحلة يميل
الأطفال للافتراض بأن الشيء المخبَّأ عن نظرهم يجب أن يكون
موجودًا دائمًا، ولكنهم لا
يفهمون أنَّ بالإمكان إزالته. وفي المرحلة الخامسة يتغلّب الطفل على هذا المفهوم
الخاطئ, ويأخذ في الحسبان أفعال الآخرين في تحديد ما إذا كان الشيء ما يزال موجودًا
أم لا.
والفرق الأساسي بين
التفاعلات الدائرية في المرحلتين 4، 5 هو أنه في المرحلتين السابقتين لا تستمر
التفاعلات الدائرية إذا أدَّت إلى نفس النتيجة، وفي المرحلة 5، لا تستمر التفاعلات
الدائرية إلّا إذا تباينت نتائجها، ويتوقَّف ذلك على كيفية أداء الفعل. وهكذا، فإن
الوليد في هذه المرحلة يبدأ فعلًا في اختيار الأشياء بسلوك مختلف مع الشيء, ويتفحص
كيف تؤثر التغييرات في الشيء.
المرحلة الفرعية السادسة:
ترسيخ الموجزات الشكلية the internalization of schemas "18-24 شهرًا" ويعني ذلك
أن الأطفال يحققون بعض القدرة التمثيلية reprezentational
ability, أي: إنهم يصبحون الآن قادرين على العمل مع
واقعية رمزية, وكذلك مع عالم حسي حركي ملموس. كما أنَّ الطفل يبدأ في الكلام وفهم
الكلمات, ويقبل على تصنيف بدائي للأشياء. وفي أثناء هذه المرحلة التالية، يستخدم
الطفل الأشياء بطريقة رمزية أو تمثيلية، مثال ذلك: يستطيع الأطفال أخذ مكعب
واستخدامه كسيارة بكل تحركاتها وأصواتها المميزة لها, وبعد عشر ثوان قد يأخذون نفس
المكعب ويمثلون به طائرة, وهذه القدرة
على أخذ أشياء لتمثيل أشياء
أخرى تعتبر كسبًا معرفيًّا بالغ الأهمية, وهو يكتسب دورًا رئيسيًّا في لعب
الأطفال, وله آثار هامة على العمليات الاستيعابية.
ومن المظاهر الأخرى للمرحلة
السادسة التي تستحق التعليق عليها، دور التقليد initation, إننا لم نشر إلى الآن إلى التقليد, ذلك لأنَّ وظيفته المحدَّدة
لم تكن واضحة, غير أن التقليد هام, وذلك بسبب دوره في المواءمة. إن السلوك
التقليدي كان يحدث منذ المرحلة الثالثة تقريبًا، ولكن في تلك المرحلة كان من
المتعذَّر التفرقة بين سماته الاستيعابية وسماته التواؤمية. وهكذا ففي المرحلة
الثالثة كانت أنماط الأفعال المقلَّدة متيسرة فعلًا للطفل، ولكنه لم يكن يستطيع
حتى المرحلة الرابعة تقليد أنماط سلوكية جديدة، علاوةً على ذلك, فقبل المرحلة
الرابعة لا يمكن تمييز الأنماط التقليدية منفصلةً عن جسم الطفل, وهو لا يتمكَّن من
إظهار تقليد مؤجل إلّا في المرحلة السادسة، أي: تقليد نماذج ليست موجودة ماديًّا
بالقرب منه. علاوة على ذلك, يستطيع الطفل تقليد الأشياء غير البشرية، كيف تبدو
الشجرة مثلًا! وعلى ذلك فإن الطاقة القصوى للتقليد واللعب تظهر في المرحلة السادسة
والأخيرة من الذكاء الحسي الحركي, وتستمر تعمل كمصدر هام للاستيعاب والتواؤم
والتطوير الممتد للوظيفية المعرفية.
ثانيًا: مرحلة ما قبل العمليات
preoperational preiod "2-7 سنوات"
يعتبر بياجيه
"1951" أن التحوّل إلى إجراءات أكثر تمثيلية تحولًا حاسمًا في النمو
المعرفي, وقد عبَّر عن هذا التغيُّر باسم مرحلة ما قبل العمليات, غير أن المرحلة
الفرعية السادسة للذكاء الحسي الحركي والمراحل الأولى من مرحلة ما قبل العمليات,
تمثّل في الواقع تدرجًا وليس تحديدًا حادًّا.
وتنقسم مرحلة ما قبل
العمليات إلى مرحلة التصوّر العقلي concerptual phase "2-4 سنوات" والمرحلة الحدسية intuitive
phase "4-7 سنوات", وأهمَّ ما
يحدث في مرحلة التصوّر العقلي هو تطوير الإجراءات الرمزية واستخدام المهارات
التمثيلية. ويتمثَّل جزء كبير من هذا التغير في ابتداء اللغة. وفي رأي بياجيه أنَّ
كلام الطفل يبدأ مع بداية مرحلة ما قبل العمليات، وقد يكون ذلك نتيجة النضج العصبي
الجسماني، وبعكس واطسون j.b. watson الذي قال: إن
الإجراءات
"العمليات", وإن تكن مجرد حركات عضيلات صغيرة في الحنجرة، فإن بياجيه
يعتقد أن اللغة نظام رمزي ينقل المفاهيم, ولكنه لا يتضمَّن المفهوم نفسه, وكما
لاحظنا في تعليقاتنا على المرحلة الفرعية السادسة، فإن الطفل يبدي زيادة في اللعب
الخيالي علاوةً على اللعب الحركي بأشياء حقيقية. وفي أثناء المرحلة ما قبل
العمليات الإجرائية تتّسع هذه الموجزات الشكلية "المخططات العقلية"؛
بحيث يصبح للمثيرات معنى فطري لدى الأطفال، وهي حقيقة كثيرًا ما تسبب صعوبات في
التواصل بين الأطفال والراشدين. إن أنماط السلوك المعرفي، أي: التكوينات والموجزات
الشكلية أو المخططات العقلية للأطفال في مرحلة التصور العقلي من هذه الفترة، يعكس
فرقًا نوعيًّا كبيرًا عن التكوينات والموجزات الشكلية المتيسرة لدى الطفل في
المرحلة الحسية الحركية.
ولسوء الحظ, فإنه لا توجد
أبحاث منهجية مكثَّفة عن مختلف سمات سلوك الطفل الحابي، ونشك في أن السبب في ذلك
يرجع بالأكثر إلى أنَّ الصغار في هذه السن يصعب الحصول عليهم مفحوصين للبحث.
وأيضًا لأنه من الصعب العمل معهم "ومن أسباب ذلك ما يتَّسم به تفكير الطفل من
الفطرية والأنانية". وتدل الأبحاث التي أجريت على أنَّ الطفل التصوري يختلف
عن الأطفال الأكبر منه سنًّا من عدة نواحي ذات دلالة. مثال ذلك: إن الأطفال
المفكرين في سن 2، 4 سنوات يتميزون بعدم وجود تصورات حقيقية, وذلك فلو أنها قد تحل
بعض المشاكل، إلَّا أنها لا تستطيع أن توجد تفسيرات دقيقة, ولا تستطيع التنسيق مع
أكثر من بعد واحد، أي: إنها تتركَّز على سمة واحدة "تسمَّى المركزية centration" بدلًا من السمات
العديدة التي للأشياء والمسائل, والمركزية هي أحد الأسباب التي تجعل الأطفال
كثيرًا ما يعجزون عن فهم مشاكل تتعلّق بثبات الخواص conserration, كما أنَّ الأطفال في طور التصور العقلي لا يستطيعون تعميم مثل
واحد لمفهوم ما على الأشياء والأحداث الأخرى. والواقع أن تفكير الطفل في هذا
المستوى النمائي يقع في خير ما بين التفكير الاستدلالي والتفكير الاستقرائي deductive and inductive, والطفل لا ينتقل من الاستدلال
العام deduction إلى الاستدلال الخاص, أو
من الاستقراء induction الخاص إلى الاستقراء
العام، ولكن ينتقل من حالة معينة إلى حالة أخرى
معينة, ويسمي بياجيه هذا الإجراء بالتفكير التحولي transductive
reasoning.
المصدر : المكتبة
الشاملة
الكتاب: علم نفس النمو
المؤلف: حسن مصطفى عبد المعطي، هدى محمد قناوي
عدد الأجزاء: 2 الناشر: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع
The
text below is a translation from google translate where it is possible to have
many errors, please do not use this translation as a reference, and take a
reference from the Arabic text above. thanks.
Cognitive
Growth Theories:
Evidence
suggests that the newborn has the sensory experience and cognitive processes
necessary to acquire knowledge of its environment. Thus, visual, auditory,
tactile, olfactory, and tactile senses appear to operate to varying degrees in
early childhood and become more acute with age and experience. In some of these
sensory processes, This chapter will discuss how the child develops these
configurations, how these developmental changes affect knowledge and cognitive
processes, and how they affect performance in a number of Different duties.
Explanatory
theories of cognitive growth
entrance
...
Explanatory
theories of cognitive growth:
Among
many of the cognitive theorists, we will focus primarily on the works of Jerome
Bruner, Hans Wermer and Jean Piage, and these theorists agree on the following
basic assumptions about knowledge acquisition or cognitive growth:
1.
Knowledge acquisition involves the presence of an active learner working with a
response to the environment, and produces knowledge from the interaction of the
requirements of the environment with the abilities of the learner.
2.
Demands growth from primitive reflex responses, often associated with a
stimulus to increasing levels of representation and abstraction.
3.
Growth takes place in a hierarchical, hierarchical way in which the next upper
stage prevails over the preceding stages, but at the same time depends on these
stages.
4.
Behavior Some biological precedents can not be achieved without arousing an
appropriate environment. The following is an outline of the three Arabic lines
of the three theories in their interpretation of cognitive growth:
An
important aspect of Werner's position is that while higher integrative levels
predominate at lower levels, growth within the lower levels continues to be in
line with the advanced stage. The integration of lower-level systems modifies
these systems, and so, although it remains subordinate, it still works at a
more organized level. This assumption is important, because Warner also
believes that when a person encounters a strange situation, In other words,
Warner determines that there are three levels of growth, hierarchical in their
order, each of which follows its own growth pattern, and the figure
"65" shows by drawing this model.
Our
description of Warner's great contribution to understanding human growth in
general, especially cognitive growth, is undoubtedly insufficient to give
theory its right. Instead of trying to make a final assessment of it, we will
quote Langer's "1970, 768" werner represents its current position
well represented:
"It
is clear that the time is still too early to provide a final judgment on the
theory as a whole, but it seems clear that the treatment has already yielded
results in a number of areas: it has been very successful in studying cognitive
phenomena, In the study of personality and social growth in terms of cognitive
form, but these possibilities today is still in a relative stagnation except in
some primitive ways.
1
- the theory of Hans Warner hunz wener
The
basic principle of Warner's theory is the orthogeneses, which contains two
basic characteristics of growth: the differentiation of
"defferentiation" and hierarchical integration.
According
to the principle of differentiation, primitive and generalized systems are
gradually differentiated, but at the same time fused with other systems to be
an integrated means of action. "Differentiation leads to a singularity
that increases in well-defined parts of the systems and at the same time
closely related to each other." Langer, 1970. 735. According to the
cognitive interpretation of the principle of differentiation, the initial
responses to the organic composition of the environment are universal and
non-differential. Thus, the young learner responds in the same way to similar
stimuli when certain distinct aspects of stimuli dominate differential
responses.Therefore, the little child when all men call "Papa";
because they wear trousers.
According
to the principle of hierarchical integration, when more advanced integrated
systems appear, they adopt less mature systems of growth. Although such a level
of growth depends on the previous level, it is qualitatively distinct and
controls its behavior. This perception is one of the most complex As well as
other theoretical trends. Automated mode does not care about qualitative
differentiation, but assumes that growth represents the acquisition of more
than one characteristic, not a change in the quality of the property.
Along
with the concept of hierarchical integration, there is the principle of the
genetic principle of spiralitg. When the child progresses towards a final state
of maturity, it sometimes shows temporary relapses to a previous level, but it
does not resume its inevitable growth. Warner Werner has arranged growth in
three levels:
A)
Sensory motor growth.
B
- cognitive growth.
C
- intellectual growth.
2
- The theory of Jerome Brunner jerome bruner
Jerome
Brunner is one of the few scientists who has contributed a great deal to our
basic knowledge of general psychology and growth psychology in particular. In
addition, he has provided an important conceptual model for cognition and
knowledge. His research has included newborns, pre-school children, Based on
his general theoretical views, his work and the work of his disciples covered
many cultures. "Bruner, Olver & Greenfield, 1966".
Comparisons
between the theoretical texts of Brunner and the Piaget position are
inevitable, and although we do not intend to make evaluative judgments in these
comparisons, we
0 Response to "نظريات النمو المعرفي Cognitive Growth Theories"
Post a Comment