بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

تحليل ناقد لنظريات النمو Critical analysis of growth theories

تحليل ناقد لنظريات النمو:
مقدمة:
إذا نظرنا إلى النظريات المفسّرة للنمو التي عرضناها، والتي صنَّفناها طبقًا لمظاهر النمو:
- فإننا قد تناولنا ظاهرة النمو العضوي النفسي من زاوية النضج في إطار نظرية جيزل، والنمو الجسمي والتعلّم الاجتماعي في إطار نظرية سيرز، والنمو الجنسي النفسي في ضوء نظرية فرويد.
- وفي إطار دراسة النمو النفسي الاجتماعي: فقد تناولنا نظريتي إريكسون ومارشيا.
- وفي إطار دراسة النمو المعرفي: فقد تناولنا توجهات: فارنر، وبرونر، وبياجيه.
- وفي إطار دراسة النمو اللغوي: تناولنا التوجهات السلوكية في ضوء نظرية التعلُّم والتشريط، والتوجه الفطري العقلي الذي تمثله نظرية تشومسكي، والتوجّه المعرفي في نظرية بياجيه وفيجوتسكي.
- وفي إطار النمو الخلقي: فقد تناولنا توجّهات التحليل النفسي، والتعلُّم الاجتماعي، والتوجه المعرفي في رأي بياجيه، وبك, وهافيجهرست، وكولبرج. ومن الواضح من خلال هذا العرض أن هناك أربعة مداخل فرضت نفسها على النظريات التي تناولت مظاهر النمو المختلفة, هي: المدخل العضوي البيولوجي النفسي, والمدخل الدينامي، والمدخل السلوكي، والمدخل المعرفي، وقد ظهر مدخل خامس يستند إلى دراسة اللغويات في نظرية تشومسكي، وكما هي العادة, فعلى الرغم مما قد يظهر بين هذه النظريات من خلافٍ, فإن إمكانات التكامل بينها أكبر بكثير من مظاهر التعارض، ذلك أن علماء النفس يستخدمون المداخل الأربعة في كل ظاهرة نمائية، فكل مدخل يتناول مجموعة محددة من الافتراضات والبيانات والمصطلحات التي تختلف عن تلك التي يتناولها المدخل الآخر، لذا: فقد درج الباحثون اليوم على اتخاذ ذلك الموقف المتكامل بالنسبة للمداخل المختلفة، وهو أنهم ينتقون المدخل المناسب لتطبيقه في تفسير المظاهر النمائية التي يصلح أكثر من غيره في تفسيرها، فإلى الحد الذي يجدون فيه مدخلًا ما مفيدًا في تفسير بعض الحقائق النمائية, فإنهم يستخدمون ذلك المدخل في التفسير ما دام لا يتعارض مع المنهج العلمي بشكل عام. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989".
وفيما يلي نتناول النظريات التي عرضناها بنظرة نقدية فاحصة؛ لنتعرف على نواحي الاختلاف والاتفاق، وصولًا إلى إيجاد نظرية موحَّدة متكاملة لتفسر النمو الإنساني، وتوضيح مدى الاستفادة من هذه النظريات في التطبيق والممارسة التربوية.
أوجه الاختلاف بين النظريات:
1- تركيب النظريات وإطارها المرجعي:
إذا نظرنا إلى النظريات التي تَمَّ اختيارها في هذا الكتاب, والتي انتهينا من عرضها, نجد أن واضعي هذه النظريات ينتمون إلى توجيهات متباينة: دينامية، وسلوكية، ومعرفية، باستثناء نظرية تشومسكي في النمو اللغوي, فإنها تنتمي إلى مجال اللغويات؛ حيث كان صاحبها أحد العلماء اللغويين.
وإذا كانت الخمسينات من ق20 قد شهدت التشيع للتحليل النفسي والمنهج الدينامي في دراسة التشخصية ونموها، فإن هذا المنهج قد بدأ يفقد عرشه في الستينيات لتتربَّع عليه النظرية السلوكية. ومحل جاذبية هذه النظرية "السلوكية" أنها محمَّلة بالمصطلحات العلمية، وتدَّعي أنها مبنية على نظرية التعلُّم وعلى التجارب المعملية "ولو أنَّ طرق التعلم عبارة عن استنتاجات من تجارب أجريت على الحيوانات"، كما أنَّ أنصار السلوكية كانوا مسرفين ومبالغين في التشيع لآرائهم المتعلقة بالنمو وتشكيل السلوك, حتى أن "واطسون" قد نادى في مقولة له: "أعطوني اثني عشر طفلًا سويًّا وأنا أتولى تربيتهم وأخلق منهم أيّ شخصية تشاء: طبيبًا أو مهندسًا أو متسولًا أو لصًّا إن شئت بصرف النظر عن جنس آبائه وأجداده. ومثل ذلك نادى به "سكنر" حيث قال: "أعطى الخصائص أو المواصفات المطلوبة وسوف أعطيك الإنسان", وفي بداية السبعينات بدأ موت علم النفس السلوكي في صورته
الكلاسيكية, وإعادة ولادة علم النفس المعرفي الذي كان في هذه الحقبة يلفُّه ظلام كثيف، ولكن الأعمال المكثَّفة التي أجراها جان بياجيه وزملاؤه، وجيروم برونر, أعاد ولادة علم النفس المعرفي كأحد التطورات الهامة، وانتشر التأكيد على المعرفة في مجالات متنوعة من مظاهر السلوك الإنساني؛ كالنمو اللغوي، والنمو الأخلاقي، والسلوك الاجتماعي، حتى الدوافع أصبحت ذات توجّه معرفي، والتغذية الرجعية أصبحت تنطوي على عوامل معرفية. ومن هنا بدأت السلوكية تندمج في الإطار المعرفي فيما يُعْرَفُ بالاتجاه المعرفي السلوكي. "بتروسون: 1990". حتى الاتجاه الدينامي أصبح يفقد كثيرًا من طابعه التحليلي الكلاسيكي في ضوء تأثير العوامل الاجتماعية على فاعلية السلوك وبنية الشخصية، ومن ثَمَّ كانت نظرية إيرك إريكسون في النمو النفسي الاجتماعي بمثابة إعادة صياغة لنظرية التحليل النفسي في ضوء المتغيرات الحديثة، حتى إنه صرَّح بأنه: "فرويد لو كان حيًّا اليوم لأضاف لأعماله مستخدمًا المعارف والمتغيرات المعاصرة في إعادة تشكيل نظريته عن البيدو". فنجد أن إريكسون يلتزم بتحديات ومشاكل عصره، والظروف المتغيرة في عصر التغير السريع والحركات الاجتماعية ذات الطابع المتحول. "ماير: 1981، 21", وجاء جيمس مارشيا ليؤكّد المعنى السابق في تركيزه على خصائص النمو النفسي الاجتماعي, وتشكيل الهوية في مرحلة المراهقة.
2- المصطلحات:
من الوهلة الأولى نجد أن المصطلحات التي استخدمها أصحاب النظريات المختلفة تزيد من توضيح الفروق والاختلافات الأساسية بينها. كما أنَّ الالتزام المتشدد لكل صاحب نظرية بلغته الفنية الخاصة يضع عراقيل شديدة أمام مَنْ يرغب في استخدام مصطلحات إحدى النظريات استعمالًا مباشرًا مع النظرية الأخرى:
- فالمصطلحات الفريدة التي استخدمها نظرية التحليل النفسي لفرويد: كمسميات مراحل النمو: الفمية، الاستية، القضيبية، التناسلية، وسيادة مصطلحات خاصة: كالبيدو، والهو، والأنا، والأنا العليا، والأوديبية، والخصاء.. إلخ. مما لا يوجد
له مثيل في النظريات الأخرى, ويصعب استخدامه للتعبير عن مفاهيمها.
- وفي نظرية بياجيه: احتلَّت مصطلحات: التكيف، والتمثل "الاستيعاب", والمواءمة، والأبنية العقلية، والمخططات العقلية، والمراحل الحس حركية بمراحلها من ردود الفعل الدورية، وما قبل العمليات، والتفكير الحدسي.. إلخ.
- واستخدام سيرز مصطلحات يغلب عليها المفاهيم السلوكية ونظرية التعلُّم في الإطار الاجتماعي: كالأنظمة الدافعية الأولية والثانوية، والتعلُّم المتمركز في الأسرة وخارج نطاق الأسرة ... إلخ.
- أما جيزل فقد استمدَّ مصطلحاته من أسس النضج في المجالات المختلفة المرتبطة بقوائم أو سلالم نمائية متدرجة.
- ونجد أن برونر استخدام مصطلحات التوضيح النشط، والتوضيح التصويري والأيقوني، ... إلخ.
- في حين أن كولبرج فقد استخدام مصطلحات اجتماعية في تناوله للنمو الأخلاقي.
- أما النظريات الخاصة بالنمو اللغوي وخاصَّة نظرية تشومسكي فقد استخدمت مصطلحات الكفاءة، الأداء، العالميان اللغوية، البنية السطحية والعميقة.. إلخ.
وهكذا: فإنَّ كل نظرية لها مصطلحاتها وافتراضاتها في تفسير النمو الإنساني تختلف عن مصطلحات غيرها من النظريات.
3- مراحل النمو:
بعض النظريات خاصَّة النظريات السلوكية، والعقلية "خاصة نظرية فيجوتسكي"، ونظرية جيزل لم تحدد مراحل محددة متمايزة للنمو أو التغيُّر الذي يعتري سلوك الفرد، ذلك أنها لم تأخذ في الاعتبار الطفل ككل، كما لم تأخذ في الاعتبار كذلك ديناميات التفاعل بين الطفل والظروف البيئية, لقد جعلت هذه النظريات من الطفل كائنًا سلبيًّا يتقبَّل فقط ما يقع عليه من آثار، وتشكل البيئة سلوكه كما يشكل المثال قطعة الصلصال، كما نظرت إلى التغير في السلوك على أنه مجرد زيادة كمية, وليس عملية تنظيمية.
والواقع أن كلًّا من المدخلين الدينامي والمعرفي قد استكملا هذا العجز في نظريات التعلُّم السلوكية فاهتمَّت بالطفل باعتباره كائنًا ديناميًّا يتفاعل ككل مع الظروف البيئية، وأظهرت أن التغيُّر الذي يعتري سلوكه بناءً على ذلك إنما يتمّ على أساس مرحلي ذي نظام معين, تعتمد فيه كل مرحلة على ما قبلها, وتؤثر فيما بعدها. "محمد عماد الدين إسماعيل: 1989، 127".
ورغم أن المدخلين الدينامي والمعرفي قد وضعا مراحل محددة للنمو, فإن النظريات المنبثقة عن كلا المدخلين لا تتفق فيما بينها حول هذه المراحل:
ففي نظرية فرويد توجد خمس مراحل نمائية، وتفترض اكتمال نمو الشخصية فعليًّا عند المرحلة الخامسة، وتُعَدُّ المرحلة التناسلية التي تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع, هي ذروة النمو. في حين شرح سيرز ثلاث مراحل نمائية آخرها التعلُّم المتركِّز خارج الأسرة, والتي تقابل العمر المدرسي. وعند برونر كانت مراحل النمو المعرفي ثلاث مراحل، وعند بياجيه كانت مراحل النمو الرئيسية أربعة مراحل آخرها مرحلة العمليات, أو الإجراءات الشكلية التي تبدأ في المراهقة. وفي نظرية كولبرج للنمو الخلقي تنقسم مراحل النمو إلى ثلاثة مستويات, ينبثق منها ست مراحل, آخرها مرحلة التمسك بمبدأ أخلاقي عام "وعلى الرغم من أن كولبرج لم يحدد سنوات لبداية ونهاية كل مرحلة, إلّا أنه من المعلوم أن هذه المرحلة تبدأ في المراهقة، ولا يصل إليها إلّا قلة من أفراد المجتمع". وكذلك فإنَّ بك وهافيجهرست قد وضعا أربع مراحل للنمو الخلقي تبدأ من المهد إلى المراهقة التي هي فترة الغيرية العقلانية، ولا نجد من بين نظريات النمو النفسي من امتدت تقسيماتها لمراحل النمو أبعد من ذلك, سوى نظرية إريكسون التي شرح فيه ثمانية مراحل نمائية متعاقبة, تمتد من المهد إلى الشيخوخة، وقصرت نظرية ماشيا تناولها للنمو على مرحلة المراهقة بصفة عامّة, والمراهقة المتأخرة بصفة خاصة.
وعلى الرغم من أن بعض أفكار النظريات المختلفة حول مراحل النمو قد قبلت بشكل عام، إلّا أنه لا توجد مجموعة واحدة من المراحل ينظر إليها على أنها
صحيحة تمامًا، غير أنَّ أغلب النظريات قصرت مراحل النمو على الطفولة والمراهقة، والقليل منها ما تناولت الرشد والشيخوخة.
وبذلك فإنَّ معظم النظريات النمائية قد أجمعت على أهمية السنوات المبكِّرة من عمر الطفل, خاصة مرحلتي المهد والطفولة المبكرة, وذلك بالنسبة لتكوين الشخصية, فإن مرحلتي الرشد والشيخوخة لم يهتمّ بهما سوى إريكسون, وبشيء من الاختصار, حتى أصبحت معلوماتنا عن هاتين المرحلتين يشوبها الكثير من القصور, رغم ما يحدث فيهما من تغيُّر في النواحي المعرفية والانفعالية والاجتماعية، ورغم ما تمثله من عطاء وإنتاج توجب الاهتمام بها؛ حيث يمثل أربابها الحكمة والتوجيه والخبرة التي يسير الصغار في ضوئها، أضف إلى ذلك أنَّ أفراد هاتين المرحلتين يمثلون نسبة كبيرة من سكان العالم. إننا في حاجة إلى دراسة كيف ينتهي النمو الإنساني مثلما نهتم بدراسة كيف يبدأ هذا النمو. "محمد السيد عبد الرحمن: 1998".
4- تأثير الخبرات السابقة على النمو:
فيما يختص بتأثير الخبرة السابقة على خبرات الفرد الحالية أو اللاحقة, يفترض فرويد تأثير السنوات الخمس الأولى على تشكيل الشخصية الإنسانية في سوائها واضطراباتها. ويفترض "إريكسون" خيطًا متصلًا من أحداث الحياة يبدأ مع بداية تاريخ حياة كل فرد, ويقنع "بياجيه" بأنَّ خبرات الحياة المبكرة تكون الأنماط الأساسية في مواجهة أحداث الحياة اللاحقة. ويرى "سيرز" أن الخبرات المبكرة المؤدية إلى الإشباع الذاتي تضر بالخبرات اللاحقة, إلى أن يؤدي تجمعها إلى البدء في إيجاد تأثير توجيهي على الفرد.
ومن ناحية أخرى, فإن كولبرج قد رأى أن الطفل يعايش صراعًا وتناقضًا يترتَّب عليه اختلال في التوازن فيما لديه من تركيبات أخلاقية قائمة, فيصبح غير قادر على أن يستوعب الخبرات الجديدة, وبالتالي يتلمَّس الطريقة التي يصل بها إلى تركيب آخر يقترب مما لديه، وعندما يتيقَّن أن هذا التركيب في صورته الجديدة يتفق أو يتلاءم مع ما يعيشه من مواقف وخبرات, يعمد إلى التوافق بين التركيب الجديد والقديم.
5- الفروق بين الجنسين:
فيما يختص بالفروق والاختلافات الجنسية يرى إريكسون أن الوليد يكون متميزًا جنسيًّا، فجنس الطفل يحدد تراثه السلالي ونمطه الاجتماعي والثقافي المحدد. وقد ذكر فرويد وجود فروق في النمو النفسي لكلا الجنسين، فالبناء النفسي المميز للمرحلة القضيبية على وجه الخصوص, وهي ما أطلق عليها المرحلة الأوديبية, يظهر فروقًا واسعة بين الجنسين؛ حيث تتكوَّن في هذه المرحلة العقد النفسية, ومنها عقدتي أوديب وإلكترا عندكلا الجنسين. ويعترف سيرز بالاختلافات الجنسية فقط إلى الحد الذي تؤثر فيه هذه الاختلافات على بيئة الطفل؛ حيث إنَّ هذه البيئة سوف تؤثِّر بدورها على الطفل. أمَّا أصحاب نظرية التعلُّم، والنظرية المعرفية, وعلى رأسهم بياجيه, فإنهم يعترفون بأنَّه لا توجد اختلافات جنسية أساسية في دراستهم للنمو بصفة عامة، وأصحاب هذه النظريات يعلموننا أن الذَّكَرَ والأنثى يستخدمان إجراءات عقلية متساوية، ولكن من الناحية النفسية فإن لهما ملكات مختلفة، ومن الناحية الاجتماعية فهما متساويان بقدر ما تسمح به العوامل الثقافية.
6- الخبرات الشعورية واللاشعورية:
يتحدَّى أصحاب نظرية التعلُّم والنظرية المعرفية الفكرة التحليلية لدى فرويد وأريكسون بأن الخبرات اللاشعورية كامنة في المراحل الأولى من النمو النفسي، بقدر ما هي كامنة في المراحل اللاحقة. ونجد أن بياجيه يتشكَّك ولكنه لا ينكر كليّة هذا المفهول التحليلي. وفي نظرية "بياجيه" لا يتملك الرضيع بعد الطاقة العقلية لإدراك وتذكُّر الأشياء عندما يكون متصلًا بها اتصالًا مباشرًا, ويرى "بياجيه" أن ذاكرة الخبرة وتصورها الذهني من المتطلبات السابقة على الذاكرة اللاشعورية، وظاهرة التحول "الانتقال". وهكذا فإن التذكُّر -شعوريًّا- لا يمكن أن يحدث الواقع حتى تتوافر لدى الطفل القدرة على الرميز "التعبير بالرموز", والحفظ وتذكر الخبرات السابقة، وهي قدرة لا تتحقق عادة إلّا عندما يبلغ الطفل العام الأول تقريبًا من عمره, وحتى في هذه السن تظل ذكرى الأشياء متصلة بذكرى تتابع الخبرة بأكملها, ولا يميل "سيرز" للموافقة على هذا الرأي. أمَّا
"إريكسون" فيقول: إنَّ الإجراءات اللاشعورية كحالات انفعالية يمكن أن تتكرَّر الخبرة بها مع قليل من تكوين الفكر العقلي أو بدونه, والنَّظر إلى هذه الاختلافات يرجع إلى تأثيرها على ترجمة النظرية إلى تطبيق, ففي التطبيق الفعلي للنظرية لا يتعامل الأخصائي مباشرة بالصورة الطفولية للوليد -كما يراها الطفل- حقيقة أو مستوحاة، شعورية أو لا شعورية, إلّا بقدر انطباقها على ردود فعل الطفل نحو أشخاص في خبرات حياته الجارية المستمرة باستمرار. وتشير النظريات إلى أنَّ الأفراد الذين في الوسط الاجتماعي المحيط بالطفل يتعاملون معه كما لو كان يعرف ويتذكّر خبراته السابقة، وبالتالي فسواء كان باستطاعة الطفل التعرّف علي أو تذكر شعوريًّا أو لا شعوريًّا فترة طفولته، فإنه يتفاعل مع فكرة توقعات الكبار، إنه يحاول أن يسلك وكأنه يعرف.
وهنا صراع كامن في تفسيرات النظريات للإجراءات اللاشعورية, فكلٌّ من فرويد وإريكسون يريان أن الإجراءات اللاشعورية حقيقة واقعية، "أما بياجيه" فإنه علاوة على الأسئلة حول الحفظ اللاشعوري للطفل، يرى أن الإجراءات اللاشعورية احتمال، ولكن باحثين غيره قد أوضحوها بما فيه الكفاية، ويضعها "بياجيه" خارج نطاق اهتماماته ومجالات بحثه، "وسيرز" مثله في ذلك كمثل "إريكسون" يقبلها كحقيقة واضحة -حقيقة لا يمكن قياسها, وذلك أن دراساته تركِّز على نتائج الدوافع الإنسانية، سواء كانت شعورية أو اللاشعورية. أمَّا السلوكيين فعلى العكس تمامًا يولون الجانب الشعوري الأهمية العظمى في تشكيل السلوك الإنساني متجاهلين اللاشعور تجاهلًا تامًّا.
7- الإدراك:
وتعالج النظريات كلها عملية الإدراك بطرق مختلفة دون تضارب, فيرى "بياجيه" أنَّ الإدراك تجربة "خبرة" عصيبة ليس لها تثير نفسي حتى يستطيع الفرد أن يضمِّن عقليًّا خبرته الإدراكية. وباختصار فإنه عندما يتعرَّف الفرد على مدركاته الحسية، فعنذئذ يصبح لها معنى لديه، مهما كان شعوره واقعيًّا أو منحرفًا, غير أن فرويد و"إريكسون" يتعرَّفان على الإدراك الحسي، كجزء من
خبرة الشخص منذ ولادته, ويصف "سيرز" الإجراءات الإدراكية من حيث إثاراتها فقط.
أما كولبرج: فقد أَوْلَى عملية الإدراك أهمية كبرى في تحديد المستوى الأخلاقي الذي يصل إليه الفرد؛ إذ أن المستوى الخلقي يرتبط بالمستوى المعرفي، وكلما كان الفرد أكثر قدرة على الإدراك وتحصيل المعرفة فإن ذلك يزيد خبراته إزاء المؤسسات الاجتماعية التي يتعامل معها, ويتفهم أدوار الأسرة والقانون والعقيدة والأمور السياسية, وبذلك يتفق أصحاب النظريات على أنَّ الإدراك الانتقائي يعتبر صفة إنسانية جوهرية تستند إلى الجمع بين الخبرات النمائية المتفاضلة والاستعداد. وكل واحد يبرهن على رأيه من جهة نظره الخاصة, وكلٌّ منهم يصل منظوره بظواهر نمو الشخصية التي يهتم هو بها. ولذلك يمكننا أن نفترض أن الاختلافات النظرية تتوقَّف على الاختلافات المنظورة فقط: إن الإدراك الحسي والفهم شيء، في حين أن إعادة النظر في الإدراك الحسي من حيث علاقته بالمثير المصاحب له يجعلنا نتجه إلى مجموعة ثالثة من التغيرات التي تعرض نفسها على الإدراك الحسي للفرد.
وبذلك نستطيع أن نستنتج أن كل بعد يضيف إلى مجمل النوعية ومدى إدراك كل شخص لخبرته دائمة التغيُّر.
8- تكون العادات:
وثمة تعارض حول وجهات النظر الخاصَّة بتكون العادات ومحاذاة سلوك الآخرين.
وكِلَا العاملين يظهران جليًّا في الإطار الإسنادي لنظرية "سيزر", ولكنهما لا يلقيان إلّا سوى اهتمامًا قليلًا في التطبيق الأخير وتحليل النتائج التي توصِّل إليها. ويشير كولبرج وبياجيه وكذلك واطسون وسكينر إلى أن تكوّن العادات يحدث بصفة خاصة في خلال الاثنى عشر شهر الأولى من عمر الطفل, ويرون أن تكوّن العادات يولد تقليد الذات، أي: المداومة على الأنماط السلوكية. إن الطاقة المطردة المتزايدة التي لدى الطفل في إدراك وتقليد النماذج الخارجية تقضي تلقائيًّا على ميله
للحياة طبقًا للعادات. وهو يمتثل باطِّراد متزايد للأنماط السلوكية للآخرين بطريقة مناسبة, ولا يعير فرويد وإريكسون أي اهتمام للأنماط السلوكية بهذا الوصف, فيظل اهتمامها منصبًّا على الموضوع العاطفي الأصلي للفرد. ومرة أخرى، فإن تحليل تعاليم النظريات المختلفة يقودنا إلى غضِّ النظر عن الاختلافات في تفاصيلها المحددة، والتعرُّف على أوجه الشبه في مداخلها العامة.
ويستبعد "بياجه" إمكانية المداومة على العادات، وهو يرى أن كل مستوى سن يصل إليه الطفل يولد فيه أشكالًا جديدة من التفكير، والأنماط السلوكية المصاحبة. ويوجه "إريكسون، سيرز" اهتمامهما إلى الظروف التي تؤدي لتثبيت العادات, مركِّزين على درجة الانفعالية التي تعزز العادات أو تبطلها. وعلى ذلك، فمعظم أصحاب النظريات يتَّفقون على التركيز على السياق الذي تحدث فيها العادات أكثر مما يركزون على العادات نفسها كواقع قائم بذاته.
9- التمركُز حول الذات:
يقدِّم "بياجيه"، "إريكسون" تفسيرات مختلفة للتركيز حول الذات في باكورة حياة الطفل:
"فبياجيه" لا يحتاج لتفسير, فالطفل في رأيه لا يعرف بديلًًا1, ومن وجهة نظر "إريكسون" فإنَّ تمركز الطفل حول الذات، يكون مجهود الطفل المبكّر لتكوين مجاله الخاص، ولتحديد وضع نفسه ككائن حي مستقل بين الكائنات الأخرى, ويميل "سيرز" للموافقة مع "إريكسون"، أي: إنه يعرِّف تمركز الطفل حول ذاته بأنه تعبيرٌ عن الصراع المركزي بين الإشباع الذاتي وتقبُّل الضغوط الاجتماعية. وهذه الاختلافات النظرية ذات صلة مباشرة بالممارسة اليومية, وهي تشير إلى ضرورة التفرقة بوضوح بين الإدراك الذاتي العقلي والانفعالي, وهي تدل على الفصل
__________
1 في سرد حديث لأبحاث بياجيه يشدد من أن من التمركز حول الذات في الكلام يبدأ في التلاشي حوالي منتصف المرحلة الثانية "سن 3 سنوات تقريبًا", وهو يذكرنا أيضًا بأن المشاعر بين الأشخاص لا يمكن في الواقع أن توجد إلى أن يتمكَّن الطفل من إدراك الآخرين بأنهم آخرون، وعندئذ فقط يستطيع أن يكون ألفة أو نفورًا.
المستمر بين حالات الشعور، ومعرفة استقلال الذات والتعرف عليها, غير أنَّها تعمل في الواقع كواحدة في الخبرة اليومية.
وقد ذكر بك وهافيجهرست في تناولهما للنمو الأخلاقي بأنَّ الطفل في المرحلة الأولى يرى الناس كوسائل لإشباع الذات, ويكون الطفل متمركزًا تمامًا حول ذاته لا يعرف المبادئ الأخلاقية ولا الضمير, إنما صورة رضيع لم يبدأ في التطبيع بعد، وينتهي بك وهافيجهرست بآخر مراحل النمو الخلقي إلى الغيرية العقلانية في المراهقة.
10- التعلُّم:
يعترف "بياجيه" و"إريكسون" و"كولبرج" ومن قبل هؤلاء جميعًا جيزل، يعترفون بالتجربة والخطأ كعامل هام في النموِّ في فترة الطفولة المبكرة، وهم في ذلك يختلفون عن سيرز وعلماء السلوكية من أنهم أقصوا هذه العملية التعليمية إلى مكانة أقل في كل مراحل نموّ الطفل اللاحقة, وبالنسبة للجميع فإن "إريكسون" هو الأكثر استعدادًا للاعتراف بوجود قوة داخل الوليد تستخدم بمعرفة, ويفضل "سيرز" استبعاد القوة الموجهة لمعظم سلوك الوليد إلى المثير خارج الوليد، أمَّا "بياجيه" فيعارض أولًا فكرة "إريسكون" بأنَّ خبرات المراحل الأولى من الحياة تصبح ذات صفة عامَّة لها تأثيراتها على كل الخبرات التالية، ولكنه بعد ذلك يقدِّم ملاحظة مشابهة، وإن كانت باستدلال منطقي مختلف؛ إذ يذكر أن الوليد يبني على خبراته الخاصة السابقة؛ لأنه لا يعرف بديلًا لذلك.
وفي النظريات السلوكيِّة ذات التعلُّم الاجتماعي نجد أن العمليات المؤدية إلى التعرف على الذات هي العمليات النمائية المركزية. إن سلوك المحاكاة والتقليد والنمذجة والتجربة والخطأ والتعزيز، ليس إلّا عملية صغرى وإضافة تستخدم لتحقيق الذاتية، ينظرون إلى الطفل كفرد ينتقي كائنات أخرى كنموذج له. وهم يقترحون عملية من قسمين:
1- انتقاء الآخرين كنموذج.
2- التعايش مع سلوك وأفكار وقيم يفترض أن الأشخاص المنتقين قد سيطروا عليها.
والانتقاء والتشكيل يكونان جزءًا من إدراك الذات, ويرى "بياجيه" أنَّ تحقيق الذات هو عملية اختيار النماذج طبقًا للأنماط الموجودة من فهم الطفل, ويقدّم "سيرز" عملية تقتضي مطابقة النماذج "المتيسرة" على الإشباع المصاحب لها على أساس خبرات مشابهة سبق الاقتناع بها, ويصور "إريكسون انتقاء النماذج كعملية مرضية، تتطلّب فيها كل مرحلة نموّ تطوير صفات مختلفة، ومجموعة مختلفة من المناذج. حتى تفسير التحليل النفسي للنمو الخلقي قد ارتكز على هذا المبدأ, وهو التوحيد مع النموذج.
المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم نفس النمو
المؤلف: حسن مصطفى عبد المعطي، هدى محمد قناوي
عدد الأجزاء: 2 الناشر: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع








The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

Critical analysis of growth theories:
If we look at the explanatory theories of growth we have introduced, which we have classified according to the phenomena of growth:
- We have addressed the phenomenon of organic organic growth from the point of maturity in the framework of Giselle's theory, physical growth and social learning within the framework of Sears theory, and psychological sexual growth in the light of Freud's theory.
As part of the study of psychosocial development, we discussed the theories of Ericsson and Marcia.
- In the framework of the study of cognitive growth: we have addressed the trends: Werner, Bruner, Piaget.
- In the context of the study of linguistic growth: We dealt with behavioral trends in the light of the theory of learning and barter, mental orientation of the mind represented by the theory of Chomsky, and the orientation of knowledge in Piaget and Figutsky.
- In the framework of moral growth: We have addressed the trends of psychoanalysis, social learning, and the orientation of knowledge in the opinion of Piaget, Beck, Haverhurst and Kohlberg.

It is clear from this presentation that there are four entrances that imposed themselves on the theories that dealt with the various aspects of growth, namely: the biological, biological, psychological input, the behavioral input, and the cognitive input. A fifth approach, based on the study of linguistics in Chomsky's theory, Traditionally, in spite of what may appear between these theories of disagreement, the potential for integration between them is much greater than the manifestations of conflict, as the psychologists use the four entries in each development phenomenon, each entry addresses a specific set of assumptions and data and terms that differ from those addressed by Entrance Thus, today researchers have taken the integrated approach to the various approaches, namely, that they select the appropriate approach to the application of developmental phenomena that best fit their interpretation. To the point where they find some useful input in interpreting some developmental facts, Use that approach in interpretation as long as it does not conflict with the scientific approach in general. "Mohamed Emad Eddin Ismail: 1989".

The following are the theories that we have presented in a critical and critical way; to learn about the differences and agreement, to find a unified unified theory to explain human growth, and to clarify the use of these theories in educational practice and practice.
Differences between theories:
1. Installation of theories and their reference framework:
If we look at the theories chosen in this book, which we have finished, the authors of these theories belong to different directions: dynamic, behavioral, and cognitive, except Chomsky's theory of linguistic development, it belongs to the field of linguistics; Linguists.

If the fifties of the 20th century had witnessed the Shiism of psychoanalysis and the dynamic approach to the study and development of diagnosis, this approach began to lose its throne in the sixties for the behavioral theory. The attraction of this "behavioral" theory is that it is loaded with scientific terms and claims to be based on learning theory and on laboratory experiments. "Though learning methods are conclusions from animal experiments," behavioralists have been too eloquent and exaggerating their views on growth and behavior , So that Watson called in his saying: "Give me twelve children together and I raise them and create any personality they want: a doctor, an engineer, a beggar or a thief, regardless of the sex of his fathers and forefathers. Where he said: "I gave the required characteristics or specifications I will give you rights. "At the beginning of the 1970s the death of behavioral psychology began in his image

But the intensive work of Jean Piaget and his colleagues, and Jerome Brunner, reawakened cognitive psychology as an important development, and the emphasis on knowledge spread in various areas of human behavior, such as growth Linguistic, moral growth, social behavior, even motivations have become cognitively oriented, and retroactive nutrition has become a cognitive factor. Hence, behavior began to be integrated into the cognitive framework in what is known as cognitive behavioral direction. "Petroson: 1990". Even the dynamic trend has lost much of its classical analytical character in the light of the influence of social factors on the effectiveness of behavior and character structure. Thus, Erick Eriksson's theory of psychosocial development was a reworking of the theory of psychoanalysis in the light of modern changes. Was alive today to add to his work using contemporary knowledge and changes in the restructuring of his theory about the Bido. " Ericsson is adhering to the challenges and problems of its times, changing circumstances in an age of rapid change and shifting social movements. "Mayer: 1981, 21", James Marcia came to emphasize the former meaning in his focus on the characteristics of psychosocial growth, the formation of identity in adolescence.

2. Terminology:
At first glance, the terminology used by the different theories further explains the differences and the fundamental differences between them. The strict adherence of each theoretician to his or her own language poses serious obstacles for those who wish to use the terms of one theory directly to the other:

- The unique terms used by Freud's psychoanalytic theory are: names of stages of growth: the phantom, the esophagus, the penis, the genitals, and the dominance of specific terms: Kalpedo, Hao, Anna, Upper Anna, Odipia, Which does not exist

Has an analogy in other theories and is difficult to use to express its concepts.
- In Piaget's theory, the terms adaptation, assimilation, adaptation, mental structures, mental schemas, and stages of motorcyc- tional phases of cyclical, pre-operative,

Related Post:




0 Response to "تحليل ناقد لنظريات النمو Critical analysis of growth theories"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel