بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

مكان الاستعارة من البلاغة

مكان الاستعارة من البلاغة

الاستعارة صورة من صور التوسع والمجاز في الكلام، وهي من أوصاف الفصاحة والبلاغة العامة التي ترجع إلى المعنى.

وإذا كان البلاغيون ينظرون إلى المجاز والتشبيه والاستعارة والكناية على أنّها عمد الإعجاز وأركانه، وعلى أنّها الأقطاب التي تدور البلاغة عليها، وتوجب الفضل والمزية، فإنّهم يجعلون المجاز والاستعارة عنوان ما يذكرون وأوّل ما يوردون.
وكما يقول عبد القاهر الجرجاني إنّ فضيلة الاستعارة الجامعة تتمثل في أنّها تبرز البيان أبدا في صورة مستجدة تزيد قدره نبلا، وتوجب له بعد الفضل فضلا، وإنّك لتجد اللفظة الواحدة قد اكتسبت فيها فوائد، حتى تراها مكررة في مواضع، ولها في كل واحد من تلك المواضع شأن مفرد، وشرف منفرد ...
ومن خصائصها التي تذكر بها، وهي عنوان مناقبها: أنّها تعطيك الكثير من المعاني باليسير من اللفظ، حتى تخرج من الصدفة الواحدة عدّة من الدرر، وتجني من الغصن الواحد أنواعا من الثمر ... (1).
__________
(1) أسرار البلاغة ص 32 - 33.
ومن خصائصها كذلك التشخيص والتجسيد في المعنويات، وبث الحركة والحياة والنطق في الجماد، وقد التفت الجرجاني إلى شيء من ذلك بقوله: «فإنّك لترى بها الجماد حيا ناطقا، والأعجم فصيحا، والأجسام الخرس مبينة، والمعاني الخفية بادية جلية ... وتجد التشبيهات على الجملة غير معجبة ما لم تكنها، إن شئت أرتك المعاني اللطيفة التي هي من خبايا العقل كأنّها قد جسمت حتى رأتها العيون، وإن شئت لطفت الأوصاف الجسمانية حتى تعود روحانية لا تنالها إلّا الظنون، وهذه إشارات وتلويحات في بدائعها» (1).
__________
(1) أسرار البلاغة ص 33.

يقول الله تعالى في تصوير العذاب الذي أعدّه للكافرين به:
وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ. إِذا أُلْقُوا فِيها سَمِعُوا لَها شَهِيقاً وَهِيَ تَفُورُ. تَكادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّما أُلْقِيَ فِيها فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ؟. (2)
__________

 (2) الشهيق: أصله الصوت المزعج كصوت الحمار، والمراد به هنا «الحسيس» وهو الصوت الخفي الناشئ عن الفوران، وهذا الصوت يحدثه الله سبحانه في النار لشدة ازعاج الكافرين، وتميز: أصله تتميز، أي تتقطع وينفصل بعضها عن بعض، من الغيظ: أي من غيظها منهم، والكلام كله تمثيل لشدة غليانها انتظارا لهم، فوج: المراد هنا جماعة من الكفرة، والخزنة: جمع خازن، وهم الملائكة الموكلون بجهنم، وقد وصفهم الله في آية أخرى بأنّهم ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.


«فالشهيق» في الآية الكريمة قد استعير «للصوت الفظيع» وهما لفظتان و «الشهيق» لفظة واحدة، فهو أوجز على ما فيه من زيادة البيان.
و «تميز» استعير للفعل «تنشق من غير تباين» والاستعارة أبلغ، لأنّ التميز في الشيء هو أن يكون كل نوع منه مباينا لغيره وصائرا على حدّته، وهو أبلغ من الانشقاق، لأنّ الانشقاق قد يحدث في الشيء من غير تباين.
واستعارة «الغيض» لشدّة الغليان أوجز وأبلغ في الدلالة على المعنى المراد، لأنّ مقدار شدّته على النفس مدرك محسوس، ولأنّ الانتقام الصادر عن المغيظ يقع على قدر غيظه، ففيه بيان عجيب وزجر شديد لا تقوم مقامه الحقيقة البتة (1).
__________
(1) انظر كتاب الصناعتين ص 271.

فالاستعارات هنا قد حققت غرضين من أغراض الاستعارة هما الإيجاز والبيان، كما تضافرت معا في رسم نار جهنم وإبرازها في صورة تنخلع القلوب من هولها رعبا وفزعا، صورة مخلوق ضخم بطاش، هائل جبار، مكفهر الوجه عابس يغلي صدره غيظا وحقدا.
فالاستعارة هي التي لوّنت المعاني الحقيقية في الآية كل هذا التلوين، وهي التي بثّت فيها كل هذا القدر من التأثير الذي ارتفع ببلاغتها إلى حد الإعجاز.

ومن خصائص الاستعارة المبالغة في إبراز المعنى الموهوم إلى الصورة المشاهدة كقوله تعالى في الإخبار عن الظالمين ومقاومتهم لرسالة رسوله:
وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبالُ على قراءة من نصب «لتزول» بلام كي.
«فالجبال» ههنا استعارة طوي فيه ذكر المستعار له وهو أمر الرسول، ومعنى هذا أنّ أمر الرسول وما جاء به من الآيات المعجزات قد شبه بالجبال، أي أنّهم مكروا مكرهم لكي تزول منه هذه الآيات المعجزات التي هي في ثباتها واستقرارها كالجبال.
فجمال المبالغة الناشئة عن الاستعارة هنا هو في إخراج ما لا يدرك إلى ما يدرك بالحاسة تعاليا بالمخبر عنه وتفخيما له إذ صير بمنزلة ما يدرك ويشاهد ويعاين.

وعلى هذا ورد قوله تعالى: وَالشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وادٍ يَهِيمُونَ وَأَنَّهُمْ يَقُولُونَ ما لا يَفْعَلُونَ. فاستعار «الأودية» للفنون والأغراض من المعاني الشعرية التي يقصدونها، وإنّما خص الأودية بالاستعارة ولم يستعر الطرق والمسالك أو ما جرى مجراها، لأنّ معاني الشعر تستخرج بالفكر والروية، والفكر والروية فيهما خفاء وغموض، فكان استعارة الأودية لها أشبه وأليق لإبراز ما لا يحس في صورة ما يحس مبالغة وتأكيدا.
ومما ورد من الاستعارة في الأحاديث النبوية قوله صلّى الله عليه وسلّم: «لا تستضيئوا بنار المشركين» فاستعار «النار» للرأي والمشورة، أي لا تهتدوا برأي المشركين ولا تأخذوا بمشورتهم.
فرأي المشركين أمر معنوي يدرك بالعقل وتمثيله بالنار هو إظهار له في صورة محسة مخيفة يبدو فيها رأي المشركين نارا تحرق كل من يلامسها أو يأخذ بها. فالسر في قوّة تأثير هذه الصورة وجمالها راجع إلى مفعول الاستعارة، هذا المفعول الذي انتقل بالفكرة من عالم المعاني إلى عالم المدركات مبالغة.

ومن خصائص الاستعارة أيضا بث الحياة والنطق في الجماد كما ذكرنا آنفا كقوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ فكل من السماء والأرض جماد تحول بالتوسع الذي هيأته الاستعارة إلى إنسان حي ناطق.
وكقول الرسول وقد نظر يوما إلى «أحد»: «هذا جبل يحبنا ونحبه»،
فجبل أحد هذا الجماد قد استحال بسحر الاستعارة إلى إنسان يجيش قلبه بعاطفة الحب.
كذلك من خصائصها تجسيم الأمور المعنوية وذلك بإبرازها للعيان في صورة شخوص وكائنات حية يصدر عنها كل ما يصدر عن الكائنات الحية من حركات وأعمال.
فأبو العتاهية في تهنئة المهدي بالخلافة يقول من قصيدة:
أتته الخلافة منقادة إليه تجرر أذيالها
فالخلافة هنا تستحيل بفعل الاستعارة إلى غادة هيفاء مدللة تعرض عن جميع من فتنوا بها إلّا المهدي فإنّها تقبل عليه طائعة في دلال وجمال تجر أذيالها تيها وخفرا.
وأبو فراس الحمداني عند ما يقول:
ويا «عفتي» مالي؟ ومالك؟ كلما هممت بأمر هم لي منك زاجر!
فما شأن عفّة أبي فراس؟ وما شأن الصراع الناشب بينها وبينه؟ إنّها تستحيل بلمسة من لمسات الاستعارة السحرية إلى إنسان يقف موقف الزاجر كلما هم الشاعر بأمر تراه العفة غير لائق به!
فهذه الصورة الرائعة الخلابة المؤثرة ما كانت لتكون لو أنّ الشاعر التزم في التعبير حدود الحقيقة وقال مثلا: «أنا لا أحاول ما يشين لأني رجل عفيف».

والأفلاك وهي جماد والدهر وهو أمر معنوي ما خبرهما في بيت البارودي الذي يقول فيه:
إذا استلّ منهم سيد غرب سيفه تفرّعت الأفلاك والتفت الدهر
فكل من «الأفلاك» و «الدهر» قد تحوّل بالاستعارة إلى كائن حي حساس. فهاتان الاستعارتان قد أعانتا الشاعر على أن يرينا صورة الأجرام السماوية حية حساسة ترتعد خوفا وفزعا، وصورة الدهر إنسانا يلتفت عجبا وذهولا كلما استلّ سيد من قبيل الشاعر المشهود لهم بالشجاعة والفروسية سيفه من غمده!
هذه الصورة التي تموج بالحركة والاضطراب والحيوية والمشاعر المختلفة من فزع وخوف ودهشة هي وليدة الاستعارة التي بالغ الشاعر في استخدامها إلى حد يجعل المتملي لها يتولاه الذهول من هول المنظر الذي يراه ماثلا أمام عينيه!
...

وبعد ... فليس من قصدنا أن نعرض لكل صور الاستعارة وخصائصها وأغراضها، فهذا أمر يطول شرحه ويضيق المقام عنه هنا.
وحسبنا ما ذكرنا من خصائصها للإبانة عن مكانتها في البلاغة.
ولعلّ في هذا القدر ما يشوق الدارس ويستحثه للكشف بنفسه عن خصائصها الأخرى، والدور الذي تؤديه في صناعة الكلام وأثرها فيه.
المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم البيان و المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الطبعة: بدون و عام النشر: 1405 هـ - 1982 م و عدد الأجزاء: 1
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان




The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

The metaphorical place of rhetoricMetaphor is a picture of the expansion and metaphor in speech, which is a description of eloquence and general eloquence that returns to the meaning.

If the Phalogists consider metaphor, metaphor, metaphor, and metaphor as the pillars of the miracle and its pillars, and as the poles to which the rhetoric is directed, and require credit and advantage, they make metaphor and metaphor the title of what they remember and what they first provide.
As Abd al-Qaher al-Jarjani says, the virtue of metaphor is that it always represents the statement in the form of an innovator that increases the amount of nobility, and it is necessary for him after the credit, as well, and you find the single word has gained benefits, so you see it repeated in places, Single affair, individual honor ...
It is one of the characteristics mentioned, which is the title of their foresight: it gives you a lot of meanings by the easy word, until you come out of the shell one of several Aldrr, and reap from the branch one types of fruit ... (1).
__________
(1) Secrets of rhetoric.
Al-Jarjani turned to something of that by saying: "You see the dead by living, speaking, and the horses are clear, and the bodies of the concrete are shown, and the hidden meanings are clearly visible ... and find the similes on the sentence Not impressed if you do not, if you want the soft meanings that are hidden from the mind as if it had been dissolved until the eyes saw it, and if you liked the descriptions of the body until the spiritual return can not only suffer misgivings, and these signs and warnings in the Ddaha »(1).
__________
(1) Secrets of rhetoric.
God says in the depiction of the punishment prepared for the disbelievers by:
And for those who disbelieve in their Lord, the torment of hell, and the iniquity of destiny. If they throw in it, they hear a shout for her when she is gone. He was almost marked by indignation whenever a regiment was thrown in. He asked them what they did. (2)
__________
 (2) The inspiration: The origin of the sound is disturbing voice of the donkey, and what is meant here is «sense» is the hidden voice resulting from the Furan, and this voice is caused by God in the fire to the severity of disturbing the unbelievers, and distinguish: Any of the wrath of them, and the whole word as a representation of the intensity of boiling waiting for them, regiment: Here is a group of unbelievers, and the safe: the collection of a treasurer, they are the angels entrusted with hell, and God described them in another verse that they are Angels Angels Shaddad not disobeyed God ordered them and do what they ordered.
«Valhshih» in the verse was borrowed «for the terrible noise» two words and «inspiration» one word, it is summarized on the increase of the statement.
And the «metaphor» metaphor for the act «sniff of non-contrast» and borrowed information, because the excellence in the thing is to be each type of building for others and a writer by itself, which is more than a schism, because the schism may occur in the thing without variation.
And the metaphor of the "tip" of the intensity of boiling, summarized and informed in the meaning of the meaning, because the intensity of self-perceived intensity, and because the revenge of the outrage is located on the amount of anger, it is a strange statement and a grave denial does not replace the truth at all (1).
__________
(1) See the book of the two industries p. 271.
The metaphors here have achieved two purposes of metaphors are the brief and the statement, and joined together in the drawing of hell fire and highlight in the form of dislocation of hearts from the horror and horror, the image of a giant creature with a giant, mighty, dazzling face surly boils his anger and hatred.
The metaphor is the real meanings of the verse in all this coloring, which is broadcast in which all this amount of influence, which increased its communication to the extent of miracles.
The characteristics of metaphors exaggeration in highlighting the meaning of the illusion to the image seen as saying in the news of the oppressors and their resistance to the message of His Messenger:
And they were deceived by their deception, and by Allah they were disobedient, even if they were disobedient, so that the mountains might descend upon him to read from a monument,
This means that the command of the Prophet and the miracles that came from it are similar to the mountains, meaning that they were devious to remove these miracles from them, which are in their stability and stability as mountains.
The beauty of the exaggeration arising from metaphor here is in the output of what is not aware of what is aware of the sense of the superhero of the informer and the explosion of it, as it becomes the status of what is aware of and see and see.
This is what the verse says: And poets follow them Gaoon Do not you see that in every valley wander and they say what they do not. The meanings of poetry are abstracted by thought and narration, and thought and narration in them are hidden and ambiguous. The metaphor of valleys is more like and appropriate to highlight what is not felt in the image. Which is an exaggeration and confirmation.
It is narrated from the metaphor in the hadeeths of the Prophet (peace and blessings of Allaah be upon him): "Do not light the fire of the polytheists" and ask the fire for advice and advice, that is, do not follow the opinion of the mushrikeen and do not take their advice.
The opinion of the polytheists is a moral awareness of the mind and represented by fire is to show him in the form of a frightening sense in which the opinion of the polytheists fire burning all who touch it or take it. The mystery in the power of the effect of this image and its beauty is attributed to the metaphorical effect, the effect that moved the idea from the world of meanings to the world of perception.
It is also a metaphor for the transmission of life and utterance in the immortality, as mentioned above, as the Almighty says: Then he turned to heaven, which is smoke, and he said to her and to the earth voluntarily or unwillingly, they came to us obediently, all of heaven and earth were turned away by expansion.


Related Post:




0 Response to "مكان الاستعارة من البلاغة"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel