بلاغة الكناية Eloquence
Thursday, July 19, 2018
Add Comment
بلاغة الكناية
الكناية من أساليب البيان التي لا يقوى عليها إلا كل بليغ متمرس بفن القول. وما من شك في أن الكناية أبلغ من الإفصاح والتعريض أوقع في النفس من التصريح.
وإذا
كان للكناية مزية على التصريح فليست تلك المزية في المعنى المكنى عنه، وإنما هي في
إثبات ذلك المعنى للذي ثبت له. فمعنى طول القامة وكثرة القرى مثلا لا يتغير
بالكناية عنهما بطول النجاد وكثرة رماد القدر، وإنما يتغير بإثبات شاهده ودليله
وما هو علم على وجوده، وذلك لا محالة يكون أثبت من إثبات المعنى بنفسه.
فالمبالغة
التي تولدها الكناية وتضفي بها على المعنى حسنا وبهاء هي في الإثبات دون المثبت،
أو في إعطاء الحقيقة مصحوبة بدليلها، وعرض القضية وفي طيها برهانها.
هذا
أبو فراس الحمداني وهو أسير في بلاد الروم يخاطب ابن عمه سيف الدولة بقوله:
وقد
كنت أخشى الهجر والشمل جامع … وفي كل يوم
لقية وخطاب
فكيف
وفيما بيننا ملك قيصر … وللبحر
حولي زخرة وعباب؟
ففي
البيت الثاني يريد أبو فراس أن يقول: «فكيف وفيما بيننا بعد شاسع» ولكنه كنى عن
هذا المعنى بقوله: «ملك قيصر وللبحر حولي زخرة وعباب» فجمال هذه الكناية ليس في
المعنى المكنى عنه وهو «البعد الشاسع الذي يفصل بين الرجلين» وإنما هو في الإتيان
بملك قيصر والبحر الزاخر العباب وإثباته للمكنى عنه في صورة برهان محسوس عليه.
والكناية
كالاستعارة من حيث قدرتها على تجسيم المعاني وإخراجها صورا محسوسة تزخر بالحياة
والحركة وتبهر العيون منظرا.
ومن
أمثلة ذلك قوله تعالى تصويرا لحال صاحب الجنة عند ما رأى جنته التي كان يعتز بها
قد أهلكها الله عقابا له على شركه: فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ عَلى ما
أَنْفَقَ فِيها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ
أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَداً.
فالكناية
في الآية الكريمة هي في قوله تعالى: يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ والصفة التي تلزم من تقليب
الكفين هي الندم والحزن، لأن النادم والحزين يعملان ذلك عادة. فتقليب الكفين في
مثل هذا الموقف كناية عن الندم والحزن.
فالمعنى
الصريح هنا هو «فأصبح نادما حزينا» وهذا أمر معنوي تدخلت فيه الكناية فجسمته
وأظهرته للعيان في صورة رجل اعتراه الذهول من هول ما أصاب الجنة التي كان يعتز
بها، فوقف يقلب كفيه ندما وحزنا على أمله المنهار أمام عينيه! وهذا سبب من أسباب
بلاغة الكناية.
ومن
صور الكناية الرائعة تفخيم المعنى في نفوس السامعين، نحو
قوله تعالى: الْقارِعَةُ. مَا الْقارِعَةُ؟ وَما
أَدْراكَ مَا الْقارِعَةُ؟ «فالقارعة» كناية عن «القيامة» وقد عدل عن التصريح بلفظ
«القيامة» إلى الكناية عنه بلفظ «القارعة» لا لإثبات ذلك المعنى للقيامة، وإنما
لإثبات شاهده ودليله وهو أنها تقرع القلوب وتزعجها بأهوالها، وذلك تفخيما لشأن
القيامة فى النفوس.
ومن
صورها كذلك التعمية والتغطية حرصا على المكنى عنه أو خوفا منه، كالكناية عن أسماء
النساء أو أسماء الأعداء، كقول عمر بن أبي ربيعة:
أيا
نخلتي وادي بوانة حبذا … إذا نام
حراس النخيل جناكما
فطيبكما
أربى على النخل بهجة … وزاد على
طول الفتاء فتاكما
فقد
كنى «بنخلتي وادي بوانة» عن اثنتين من صواحبه، حرصا على سمعتهما، كما كنى «بحراس
النخيل» عن ذويهما خوفا منهم.
وكقوله
أيضا:
الما
بذات الخال فاستطلعا لنا … على العهد
باق ودها أم تصرما
وقولا
لها: إن النوى أجنبية … بنا وبكم
قد خفت أن تتيمما
فقد
كنى «بذات الخال» عن اسم إحدى صواحبه حرصا على سمعتها وصونا لاسمها عن الابتذال.
ويظهر
أن من الشعراء من كانوا يضيقون ذرعا بالكناية عن أسماء صواحبهم ويودون- لو
استطاعوا- التصريح بأسمائهن تلذذا بترديدها، يدلنا على ذلك قول ذي الرمة:
أحب
المكان القفر من أجل أنني … به أتغنى
باسمها غير معجم!
ولعل
أسلوب الكناية من بين أساليب البيان هو الأسلوب الوحيد الذي يستطيع به المرء أن
يتجنب التصريح بالألفاظ الخسيسة أو الكلام الحرام. ففي اللغات، وليس في اللغة
العربية وحدها، ألفاظ وعبارات تعدّ «غير لائقة» ويرى في التصريح بها جفوة أو غلظة
أو قبح أو سوء أدب أو ما هو من ذلك بسبيل.
وعدم
اللياقة في النطق أو التصريح بهذه الألفاظ الخسيسة والعبارات المستهجنة التي تدخل
في دائرة الكلام الحرام كما يقول علماء الاجتماع قد يكون باعثه الاشمئزاز،
الاشمئزاز مما تولده في النفس من مشاعر وانفعالات غير سارة، وقد يكون باعثه الخوف،
الخوف من اللوم والنقد والتعنيف، والخوف من أن يدمغ المرء بالخروج على آداب
المجتمع الذي يعيش فيه.
لكل
ذلك كانت الكناية هي الوسيلة الوحيدة التي تيسر للمرء أن يقول كل شيء، وأن يعبر
بالرمز والإيحاء عن كل ما يجول بخاطره حراما كان أو حلالا، حسنا كان أو قبيحا، وهو
غير محرج أو ملوم. وتلك مزية للكناية على غيرها من أساليب البيان.
...
وبعد
... فلعل خير ما نختم به هنا توضيحا لبعض ما ذكرناه عن الكناية أن نورد
نصا لجأ الشاعر فيه أكثر ما لجأ إلى هذا الأسلوب الرمزي سترا لبعض ما لا يريد أن
يصرح به. وهذا النص من قصيدة لأبي فراس الحمداني بعث بها وهو أسير في بلاد الروم
إلى ابن عمه الأمير سيف الدولة يسأله المفاداة. قال:
دعوتك
للجفن القريح المسهد … لدي،
وللنوم القليل المشرد (1)
__________
(1)
القريح: الجريح.
وما
ذاك بخلا بالحياة، وإنها … لأول مبذول
لأول مجتد (1)
وما
الأسر مما ضقت ذرعا بحمله … وما الخطب
مما أن أقول له: قد (2)
ولكنني
أختار موت بني أبي … على صهوات
الخيل غير موسد (3)
نضوت
على الأيام ثوب جلادتي … ولكنني لم
أنض ثوب التجلد (4)
دعوتك
والأبواب ترتج بيننا … فكن خير
مدعو وأكرم منجد
أناديك
لا أني أخاف من الردى … ولا أرتجي
تأخير يوم إلى غد
ولكن
أنفت الموت في دار غربة … بأيدي
النصارى الغلف ميتة أكمد (5)
فلا
كان كلب الروم أرأف منكمو … وأرغب في
كسب الثناء المخلد
متى
تخلف الأيام مثلي لكم فتى … طويل نجاد
السيف رحب المقلد؟
فإن
تفقدوني تفقدوا شرف العلا … وأسرع عواد
إليها معود
وإن
تفقدوني تفقدوا لعلاكمو … فتى غير
مردود اللسان ولا اليد
يدافع
عن أعراضكم بلسانه … ويضرب عنكم
بالحسام المهند
__________
(1) لأول
مجتد: لأول سائل أو طالب.
(2) قد
هنا: اسم بمعنى حسبي، وتستعمل للمخاطب كذلك فتقول: «قدك» بسكون الدال بمعنى
«حسبك».
(3) صهوات:
جمع صهوة، وصهوة كل شيء أعلاه، وهي هنا مقعد الفارس من ظهر الفرس.
(4) نضا
الثوب ينضوه: خلعه وألقاه.
(5) الغلف:
جمع أغلف، يقال قلب أغلف، أي أصم أو عليه غشاء عن سماع الحق وقبوله، وهو قلب
الكافر.
المصدر : المكتبة
الشاملة
الكتاب: علم البيان
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان
الطبعة: بدون
The
text below is a translation from google translate where it is possible to have
many errors, please do not use this translation as a reference, and take a
reference from the Arabic text above. thanks.
EloquenceMetonymy of the methods of the statement, which is not strong only by every eloquent master of art. There is no doubt that the metonymy was informed of the disclosure and exposure inflicted on the self from the statement.
If
the metaphor has an advantage over the statement, that is not the advantage in
the meaning given to it, but it is in proving that meaning to what has been
proven to him. The meaning of the length of the stature and the multitude of
villages, for example, does not change in terms of the length of the joys and
the abundance of ashes of fate. Rather, it changes by proving the witness and
evidence and what is knowledge of its existence.
The
exaggeration generated by the metaphor and the meaning of the meaning and good
is in the proof without the fixer, or to give the truth accompanied by
evidence, and the presentation of the case and proof.
This
is Abu Firas al-Hamdani, who is a prisoner in the land of the Romans,
addressing his cousin Saif al-Dawadah by saying:
I
have been afraid of desertion and reunification ... and every day for a living
and a speech
How,
among us, is the king of Caesar?
In
the second house, Abu Firas wants to say, "How then is there a great
distance between us?" But he is referring to this meaning by saying:
"King Caesar, and the sea around me is a jubilation and a vengeance."
The beauty of this metaphor is not in the meaning given to it, In bringing the
king of Caesar and the sea of thick clouds and proving it to him in the form
of a tangible proof of it.
And
metaphorism as metaphor in terms of its ability to manifest meanings and take
out tangible images full of life and movement and dazzles eyes view.
An
example of this is the meaning of the image of the owner of Paradise when he
saw his paradise, which he was proud of God has destroyed it as a punishment
for the company: he turned his hands on what was spent in it empty on the
thrones and say, if I did not involve my son.
The
meaning of the verse in the verse is in the verse: Turn the palm of the hand
and the attribute that is required to turn the hands are regret and sadness,
because regret and sadness usually do so. The turning of the hands in such a
situation is a form of remorse and sadness.
The
explicit meaning here is «sad regret» and this is a moral intervention in which
the metaphor and his body and showed him in the form of a man who was amazed by
the horrors of the Paradise that he was proud of, stood up to turn his nose and
sorrow on his hope collapsed in front of his eyes! This is one of the reasons
for eloquence of euphemism.
It
is a picture of the wonderful metaphor magnify the meaning in the minds of people,
towards the verse: the Koran. What is the calamity? What do you know what is a
karate? «Valqra» is a metaphor for the «resurrection» has changed the statement
of the word «resurrection» to the metaphor of the word «Alqaria» not to prove
the meaning of the resurrection, but to prove the witness and evidence is that
it knocks hearts and disturbed by the horrors, and this is a trap for the
resurrection in the soul.
It
is also a blindfold and coverage for the sake of the receiver or fear of it,
such as the names of women or the names of enemies, such as Omar bin Abi Rabia:
If
the palm guards slept, they would be jealous
Vtibkma
Arbh on the palm of joy ... and increased along the Fata Vtakma
It
was called "Bnkhlti Wadi Buwana" for two of his neighbors, in order
to maintain their reputation, as he called «guards palm trees» for fear of
them.
As
he also said:
We
are looking for us ... on the covenant, whether it is in the hands of a woman
or a woman
And
saying to her: The nuclei are foreign ... us and you have been afraid to Ttimma
He
called "by the same name" for the name of one of his companions in
order to preserve her reputation and to protect her name from the vulgarity.
It
appears that poets who were narrowed by the names of their fans and would like
- if they could - to name their names Ttzdh echoed, shows us that the words of
Rama:
I
love the place of the wilderness for the sake of ... I am singing in its name,
not a lexicon!
Perhaps
the style of the metaphor is one of the methods of statement is the only way
that one can avoid the declaration of profanity or haraam speech. In languages,
not only in Arabic, words and phrases are considered "inappropriate"
and are considered to be blunt, crude, ugly, bad-natured or otherwise.
The
lack of decency in pronouncing or uttering these vile words and obscene phrases
that fall into the circle of forbidden speech, as sociologists say, may be
repulsive, repugnant to unpleasant feelings and emotions, and may be fearful,
fearful of blame, criticism, To be drawn out of the ethics of the society in
which he lives.
For
all this, the metaphor is the only means that makes it easy for one to say
everything, and to express the symbol and inspiration of everything that is in
his or her mind, whether it was good or bad, well or ugly, and it is not
embarrassing or blaming. This is an advantage of metaphor for other methods of
manifestation.
0 Response to "بلاغة الكناية Eloquence"
Post a Comment