بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

نشأة علم البيان وتطوّره كتب البلاغة العربية النكت في إعجاز القرآن و كتاب الموازنة و كتاب الوساطة و كتاب العمدة

نشأة علم البيان وتطوّره كتب البلاغة العربية النكت في إعجاز القرآن و كتاب الموازنة و كتاب الوساطة و كتاب العمدة

ترتبط «البلاغة العربية» في الأذهان عند ذكرها بعلومها الثلاثة المعروفة لنا اليوم وهي: علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع.

وقد يتبادر إلى بعض الأذهان أنّ هذه العلوم الثلاثة البلاغية قد نشأ كل واحد منها مستقلا عن الآخر بمباحثه ونظرياته، ولكن الواقع غير ذلك.
فالواقع أنّ البلاغة العربية قد مرّت بتاريخ طويل من التطور حتى انتهت إلى ما انتهت إليه، وكانت مباحث علومها مختلطا بعضها ببعض منذ نشأة الكلام عنها في كتب السابقين الأولين من علماء العربية، وكانوا يطلقون عليها «البيان».
وقد أخذت الملاحظات البيانات تنشأ عند العرب منذ العصر الجاهلي، ثمّ مضت هذه الملاحظات تنمو بعد ظهور الإسلام لأسباب شتّى، منها تحضر العرب، واستقرارهم في المدن والأقطار المفتوحة، ونهضتهم العقلية، ثمّ الجدل الشديد الذي قام بين الفرق الدينية المختلفة في شؤون العقيدة والسياسة. فكان طبيعيا لذلك كله أن تكثر الملاحظات البيانية والنقدية تلك التي نلتقي بها في تراجم بعض الشعراء الجاهليين والإسلاميين في كتاب مثل كتاب الأغاني.
وإذا انتقلنا إلى العصر العباسي فإننا نجد بالإضافة إلى نمو الملاحظات البلاغية محاولات أولية لتدوين هذه الملاحظات وتسجيلها، كما هو الشأن في كتب الجاحظ، وبخاصة كتاب «البيان والتبيين». وقد أدّى إلى هذه النقلة الجديدة عوامل منها تطور الشعر والنثر بتأثير الحضارة العباسية، ورقي الحياة العقلية فيها، ومنها ظهور طائفتين من العلماء المعلمين عنيتا بشؤون اللغة والبيان، إحداهما طائفة محافظة هي طائفة اللغويين، وهؤلاء كانوا يعلمون رواية الأدب وأصوله اللغوية والنحوية، وكان اهتمامهم بالشعر الجاهلي والإسلامي أكثر من اهتمامهم بالشعر العباسي، وقد هداهم البحث في أساليب الشعر القديم من ناحيتيها اللغوية والنحوية إلى استنباط بعض الخصائص الأسلوبية على نحو ما نجد في كتاب سيبويه من مثل كلامه عن التقديم والتأخير، والحذف والذكر، والتعريف والتنكير، ونحو ذلك.

كذلك نلتقي بكتاب «معاني القرآن» للفرّاء «207 هـ»، والذي يعنى فيه بالتأويل وتصوير خصائص بعض التراكيب، والإشارة إلى ما في آي الذكر الحكيم من الصور البيانية.
ثمّ نلتقي بكتاب «مجاز القرآن» لأبي عبيدة معمر بن المثنى «211 هـ» الذي كان معاصرا للفراء، وهذا الكتاب لا يبحث في مجاز القرآن من الجانب البلاغي، وإنّما هو بحث في تأويل بعض الآيات القرآنية، وأبو عبيدة هذا هو أوّل من تكلم بلفظ المجاز، كما ذكر ابن تيمية في كتابه «الإيمان» ولكنه لم يتكلّم عن المجاز الذي هو قسيم الحقيقة، وإنّما المجاز عنده يعني بيان المعنى. ومع هذا فقد وردت في كتابه «مجاز القرآن» إشارات إلى بعض الأساليب البيانية كالتشبيه والاستعارة والكناية، وبعض خصائص التعبير النحوية التي لها دلالات معنوية من مثل الذكر والحذف والالتفات والتقديم والتأخير.
ومع ما اهتدى إليه كل من الفراء وأبي عبيدة من السمات والخصائص البيانية فإنّ مدلولاتها البلاغية لم تتبلور وتحدد في ذهن أي منهما أو أي من اللغويين والنحاة المعاصرين لهما.
أما طائفة العلماء المعلمين الأخرى التي ظهرت في العصر العباسي فهي طائفة علماء الكلام وفي طليعتهم المعتزلة الذين كانوا يدربون تلاميذهم على فنون الخطابة والجدل والبحث والمناظرة في الموضوعات المتصلة بفكرهم الاعتزالي. وكان هذا التدريب يعمق ويمتد حتى يشمل الكلام وصناعته وقيمته البلاغية والجمالية.

وقد حفظ لنا كتاب البيان والتبيين للجاحظ قدرا كبيرا من ملاحظات المعتزلة المتصلة بالبلاغة العربية، وهذه قد استقوها من مصدرين هما: التقاليد العربية، والثقافات الأجنبية التي شاعت في عصرهم واطلعوا عليها. فالثقافات الأجنبية التي أخذوا أنفسهم بدراستها وتعمّقوا في فلسفتها ومنطقها قد عادت عليهم بفائدتين لهما أثرهما في شؤون البلاغة: فائدة عقلية بحتة مصدرها دراسة الفلسفة الإغريقية التي نظمت عقولهم تنظيما دقيقا أعانهم على استنباط القضايا البلاغية، وفائدة أخرى ترجع إلى طلبهم معرفة ما في ثقافات الأمم الأخرى التي وصلت إليهم من قواعد البلاغة والبيان.
ويتضح ذلك حين نجد الجاحظ المعتزلي يورد في كتابه البيان والتبيين تعاريف اليونان والفرس والهند للبلاغة وهذا يعني أنّ المعتزلة أخذوا يضيفون إلى ملاحظات العرب الخاصة في البلاغة ملاحظات الأمم الأجنبية وخاصة اليونان، ومضوا من خلال ذلك ينفذون إلى وضع المقدمات الأولى لقواعد البلاغة العربية.
وأوّل معتزلي خطا خطوة ملحوظة في هذا السبيل هو رئيس المعتزلة ببغداد بشر بن المعتمر المتوفى سنة 210 للهجرة، فعنه نقل الجاحظ صفحات نثر فيها بشر ملاحظات دقيقة في البلاغة، تلقفها من جاء بعده من العلماء، واستعانوا بها على بلورة بعض أصول البلاغة وقواعدها.

ولعلّ أكبر معتزلي جاء بعد بشر بن المعتمر وأولى البلاغة العربية عناية فائقة هو أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة 255 للهجرة. فقد ألّف في البلاغة كتابه «البيان والتبيين» في أربعة مجلدات ضخام جمع فيها معظم ما انتهى إلى عصره من ملاحظات بلاغية، سواء ما اهتدى إليه علماء العربية بأنفسهم أو ما جاء إليهم منقولا عن آداب الفرس والهند واليونان وغيرهم أو عن طريق ما قاله بشر (1) بن المعتمر وكان به سابقا لعصره في ميدان البلاغة. هذا بالإضافة إلى آراء الجاحظ وملاحظاته الخاصة في القضايا البلاغية، ولا سيما ما يتصل بالتشبيهات والاستعارات والمجازات التي هي موضوع «علم البيان».
وقد خطا الجاحظ خطوة غير مسبوقة في ملاحظاته البلاغية، وذلك بالكلام عن التشبيه والاستعارة عن طريق النماذج، مع التفريق بينهما، كما استعمل «المثل» مرادفا للمجاز، وجعله مقابلا للحقيقة، وذلك إذ يقول عند حديثه
عن «نار الحرب» (2): «ويذكرون نارا أخرى، وهي على طريق المثل لا على طريق الحقيقة. قال ابن ميادة:
__________
(1) كتاب البيان والتبيين ج: 1 ص: 135.
(2) أي غير النار الحقيقية، وهي التي كان يوقدها العرب ليلا على جبل إذا توقعوا جيشا عظيما في حرب وأرادوا الاجتماع لإبلاغ الخبر إلى أصحابهم.

يداه يد تنهلّ بالخير والندى وأخرى شديد بالأعادي ضريرها
وناراه: نار نار كل مدفّع وأخرى يصيب المجرمين سعيرها» (1)
فالمثل المرادف عنده للمجاز قد استعمله مقابلا للحقيقة، وبهذا كان أوّل من فطن إلى تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز. ولا شك أنّ هذا ينفي ما زعمه ابن تيمية في كتابه «الإيمان» (2) من أنّ تقسيم اللفظ إلى حقيقة ومجاز تقسيم حادث بعد القرن الثالث الهجري.
__________
(1) كتاب الحيوان للجاحظ ج: 5. ص 133 الضرير: الشدة والبأس. الكل بفتح الكاف: من يعوله غيره، أو اليتيم. المدفع بفتح الدال وتشديد الفاء: الفقير الذليل.
(2) الإيمان. ص 34.
ولعلّ خير من أفاد من ملاحظات الجاحظ البلاغية وبنى عليها وطورها هو ضياء الدين بن الأثير المتوفى سنة 637 للهجرة، في كتابه «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر»، كما سنرى فيما بعد.
ومجمل القول في الجاحظ من جهة البلاغة أنّه ألّم في كتبه بالأساليب البيانية من تشبيه واستعارة وكناية وحقيقة ومجاز، ولكنه لم يوردها في تعريفات اصطلاحية، وإنّما جاء تعريفه لها والدلالة عليها عن طريق الأمثلة والنماذج لا عن طريق القواعد البلاغية.

والمقارنة بينه وبين من تقدموه في هذا الميدان تظهر أنّه كان بلا شك أقدرهم على إدراك أسرار البلاغة، وأكثرهم اهتداء عن طريق النماذج إلى شتى العناصر أو الأساليب البيانية التي عرفت وحدّدت فيما بعد، وأصبحت تؤلف مباحث البلاغة وموضوعاتها. ولهذا فهو يعدّ بحق مؤسس البلاغة العربية الأول، ومعبّد الطريق أمام من أتى بعده من رجالها.

ثمّ جاء من بعده متأثرا خطاه وإن لم يكن معتزليا (1) مثله ابن قتيبة الدينوري «276 هـ» ففي كتابه «تأويل مشكل القرآن» يتحدّث أولا عن إعجاز القرآن كرد على الطاعنين في أسلوبه، جهلا منهم بأساليب البيان العربي، ثمّ ينتقل من ذلك إلى الحديث المبوب عن موضوعات «علم البيان» من حقيقة ومجاز وتشبيه واستعارة وكناية.
__________
(1) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الكوفي المولد، وسمي الدينوري لأنّه كان قاضي الدينور. وكان لأهل السنة مثل الجاحظ للمعتزلة، فإنّه خطيب أهل السنة، كما كان الحاحظ خطيب المعتزلة.

وبعد ابن قتيبة يأتي معاصره أبو العباس المبرد «285 هـ» بكتابه «الكامل» الذي يجمع بين الشعر والنثر، ويعدّ من كتب اللغة الممهدة للمعاجم بما تضمنه من تفسير كل ما يقع في نصوصه من كلام غريب أو معنى مغلق.

ومع أنّ «الكامل» في الأصل كتاب لغة فإنّ المبرد تعرض فيه عند شرح النصوص الأدبية لبعض موضوعات البيان مثل المجاز والاستعارة والكناية والتشبيه الذي توسع في بحثه وقسمه إلى أربعة أقسام: تشبيه مفرط، وتشبيه مصيب، وتشبيه مقارب، وتشبيه بعيد. وقد استوحى هذا التقسيم مما كتبه الجاحظ عن التشبيه دون أن يضيف هو إليه جديدا من عنده.
...

وأوّل كتاب يلقانا من كتب علماء الكلام الذين اهتموا بالمباحث البلاغية من أجل تفسير الإعجاز البلاغي للقرآن هو كتاب «النكت في إعجاز القرآن» للرماني المعتزلي «386 هـ».

وقد تحدّث الرماني فيه عن البلاغة وجعلها في عشرة أبواب يعنينا منها هنا اثنان من أبواب «علم البيان»، هما التشبيه والاستعارة. أمّا التشبيه فقد قسّمه إلى حسي وعقلي، ثمّ فصّل القول في العقلي منه تفصيلا أفاد منه فيما بعد عبد القاهر الجرجاني في كتاب «أسرار البلاغة». وكذلك توسع في الكلام عن الاستعارة مبينا قيمتها البيانية، وأنّها أبلغ في الدلالة على المعنى من الحقيقة. وكل ما قاله الرماني عن الاستعارة كان رصيدا جديدا انتفع به أيضا فيما بعد عبد القاهر وغيره من البلاغيين إلى حد كبير.
وكتاب «النكت في إعجاز القرآن» بمشتملاته ومضمونه والجديد فيه له أثر واضح في تاريخ البلاغة العربية، فقد عرّف فيه بعض ألوانها تعريفا نهائيا، وميّز أقسامها وأفاض في شرحها.
...

تلك نبذة عن مسائل «علم البيان» التي وردت في كتب بعض المتكلمين ممن عنوا بدراسة بلاغة القرآن وأسرار إعجازه. وبالإضافة إلى ذلك ظهرت في القرن الرابع الهجري دراسات نقدية على أسس بلاغية تعرّض فيها أصحابها إلى مباحث من علم البيان.

كتاب الموازنة:


من هذه الدراسات النقدية على أسس بلاغية كتاب «الموازنة بين أبي تمام والبحتري» لأبي القاسم الحسن بن بشر الآمدي البصري المتوفى سنة 370 للهجرة.

والكتاب كما يدل عليه اسمه موازنة بين شعر شاعرين، أو موازنة بين مذهبين في الشعر متقابلين من حيث صنع الشعر ونقده. والمذهب الأول هو مذهب أبي عبادة البحتري ودعاة البلاغة العربية «ممن يفضلون سهل الكلام وقريبه، ويؤثرون صحة السبك، وحسن العبارة، وحلو اللفظ، وكثرة الماء والرونق» (1). والمذهب الثاني هو مذهب أبي تمام وأصحابه ممن «يميلون إلى الصنعة، والمعاني الغامضة التي تستخرج بالغوص والفكرة، ولا تلوي على غير ذلك» (2).
ومنهاج الآمدي في الموازنة ألا يفصح بتفضيل أحد الشاعرين على الآخر، وإنّما يعرض بالنقد لحجج المتعصبين لكل منهما، ثمّ يقارن بين قصيدتين من شعرهما إذا اتّفقتا في الوزن والقافية وإعراب القافية، وبين معنى ومعنى، مع بيان أيهما أشعر في تلك القصيدة، وفي ذلك المعنى، ثمّ بترك الحكم حينئذ للقارئ على جملة ما لكل واحد منهما، إذا أحاط علما بالجيد والرديء (3). فالموازنة في الواقع دراسة تطبيقية للصورة والمحسنات في شعر الشاعرين.
__________
(1) الموازنة: ص 4 - 5.
(2) نفس المرجع ص: 5.
(3) الموازنة ص: 5.

وليس يعنينا من الموازنة هنا إلّا ما جاء فيها متصلا بعلم البيان، وهو الباب الذي عقده الآمدي لما عيب من الاستعارة عند أبي تمام، فهو في هذا الباب يذكر القبيح من استعارات أبي تمام، ومصدر هذا القبح في نظره هو غلوّ أبي تمام وإغراقه في استعاراته، ويقول: «إنّ للاستعارة حدا تصلح فيه، فإذا جاوزته فسدت وقبحت». ثمّ يشير إلى الاستعارة إشارات عامة من غير تحديد لها كقوله: «وإنّما استعارت العرب المعنى لما ليس له إذا كان يقاربه أو يدانيه أو يشبهه في بعض أحواله، أو كان سببا من أسبابه، فتكون اللفظة المستعارة حينئذ لائقة بالشيء الذي استعيرت له وملائمة لمعناه».
وكان يعنينا من الموازنة أيضا باب آخر متصل بعلم البيان ذكره الآمدي في منهاج بحثه، ولكنه مفقود من الكتاب، وأعني به الباب الذي أفرده لما وقع في شعر أبي تمام والبحتري من التشبيه والمفاضلة بينهما فيه.
وإذا كان هدفنا الأول من وراء هذا التمهيد هو تتبع فنون علم البيان منذ نشأتها حتى أصبحت علما مستقلا بذاته، فإنّ ذلك لا يمنع من التعليق على رأي الآمدي في الاستعارة بأنّ التمييز بين الاستعارة الجيدة والاستعارة القبيحة أمر يرجع إلى الذوق المكتسب بالمران والنظر في أقوال الشعراء المجيدين أكثر مما يرجع إلى القواعد التي وضعها لذلك علماء البيان.

كتاب الوساطة:

ومن كتب الدراسات النقدية على أسس بلاغية كتاب «الوساطة بين المتنبي وخصومه» لأبي الحسن علي بن عبد العزيز الشهير بالقاضي الجرجاني، المتوفى سنة 366 للهجرة.
ومع أنّ الوساطة كتاب نقد أكثر منه كتاب بلاغة، فإنّ الجرجاني قد عالج فيه الاستعارة بتوسع، مفرقا بينها وبين التشبيه البليغ. وفي حديثه عن الاستعارة يقول: «فأمّا الاستعارة فهي أحد أعمدة الكلام، وعليها المعول في التوسع والتصرف، وبها يتوصل إلى تزيين اللفظ، وتحسين النظم والنثر، وقد قدمنا عند ذكرنا البديع نبذا منها مثلنا بها المستحسن والمستقبح، وفصلنا بين المقتصد والمفرط. وقد كانت الشعراء تجري على نهج منها قريب من الاقتصاد، حتى استرسل فيها أبو تمام ومال إلى الرخصة فأخرجه إلى التعدي، وتبعه أكثر المحدثين بعده، فوقفوا عند مراتبهم من الإحسان والإساءة، والتقصير والإصابة. وأكثر هذا الصنف من الباب الذي قدمت لك القول فيه، وأقمت لك الشواهد عليه، وأعلمتك أنّه مما يميز بقبول النفس ونفورها، وينتقد بسكون القلب ونبوه، وربما تمكنت الحجج من إظهار بعضه، واهتدت إلى الكشف عن صوابه أو غلطه» (1).
__________
(1) الوساطة بين المتنبي وخصومه ص: 319 - 320.

ولعلّنا ندرك من هذا القول أنّ مردّ الحكم على جودة الاستعارة أو قبحها عند الجرجاني هو «قبول النفس أو نفورها» وأنّ ذلك أكثر من الحجج الدالة على جودة الاستعارة أو قبحها، فقد يجد الناقد حججا يستدل بها على
جودة الاستعارة، ومع ذلك تنفر منها النفس، أو يجد حججا يستدل بها على قبح الاستعارة، ومع ذلك تقبل عليها النفس.
ولا ريب أنّه في ذلك يلتقي مع الآمدي في أنّ الحكم على جودة الاستعارة أو رداءتها يرجع أكثر ما يرجع إلى الذوق الذي هو وليد المران والدربة وإطالة النظر والتأمل في أقوال الشعراء المجيدين.

كتاب العمدة:

وفي القرن الخامس الهجري نلتقي بأبي علي الحسن بن رشيق القيرواني «456 هـ» في كتابه «العمدة» الذي يعدّ أيضا من الدراسات النقدية على أسس بلاغية.
ويحدّثنا ابن رشيق في مقدمة كتابه العمدة عن الدافع الذي حفزه على تصنيفه فيقول: «.... فقد وجدت الشعر أكبر علوم العرب، وأوفر حظوظ الأدب، وأحرى أن تقبل شهادته، وتتمثل إرادته، لقول رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ من الشعر لحكما» وروي «لحكمة»، وقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: «نعم ما تعلمته العرب الأبيات من الشعر يقدمها الرجل أمام حاجته، فيستنزل بها الكريم ويستعطف بها اللئيم»، مع ما للشعر من عظم المزية، وشرف الأبية، وعز الأنفة، وسلطان القدرة».
«وجدت الناس مختلفين فيه، متخلفين عن كثير منه: يقدمون ويؤخرون، ويقلون ويكثرون، قد بوّبوه أبوابا مبهمة، ولقبوه ألقابا متهمة (1)، وكل واحد منهم قد ضرب في جهة، وانتحل مذهبا هو فيه إمام نفسه، وشاهد دعواه، فجمعت أحسن ما قاله كل واحد منهم في كتابه، ليكون «العمدة في محاسن الشعر وآدابه» «إن شاء الله تعالى».
«وعولت في أكثره على قريحة نفسي ونتيجة خاطري خوف التكرار ورجاء الاختصار، إلّا ما تعلق بالخبر، وضبطته الرواية، فإنّه لا سبيل إلى تغيير شيء من لفظه ولا معناه، ليؤتى بالأمر على وجهه».
«فكل ما لم أسنده إلى رجل معروف باسمه، ولا أحلت فيه على كتاب بعينه، فهو من ذلك، إلّا أن يكون متداولا بين العلماء، لا يختص به واحد منهم دون الآخر، وربما نحلته أحد العرب، وبعض أهل الأدب، تسترا بينهم، ووقوعا دونهم، بعد أن قرنت كل شكل بشكله ورددت كل فرع إلى أصله، وبينت للناشئ المبتدئ وجه الصواب فيه، وكشفت عنه لبس الارتياب به، حتى أعرّف باطله من حقه وأميز كذبه من صدقه» (2).
__________
(1) متهمة بفتح الهاء: مشكوك فيها.
(2) كتاب العمدة: ج 1 ص 4 - 5.
تلك نبذة من مقدمة كتاب «العمدة في محاسن الشعر وآدابه» توضح غرض ابن رشيق من وراء تصنيفه، والمنهاج الذي رسمه لنفسه في إخراجه، مع بيان مقدار ما له وما لغيره فيه.
وما دمنا نتحدث عن نشأة علم البيان والجهود التي أسهمت في تطويره من ملاحظات بيانية متناثرة هنا وهناك إلى علم بلاغي قائم بذاته، فإنّ موضع اهتمامنا من كتاب العمدة معلّق بالأبواب التي عرض فيها بشيء من التفصيل لفنون علم البيان، من مجاز واستعارة وتشبيه وكناية.
حقا إنّه جمع تحت كل باب من هذه الأبواب أقوال السابقين فيه وعرضها عرضا حسنا ييسرها للطالبين، وليس هذا الجهد في حد ذاته بقليل. ولكن من الحق أيضا أنّ له إضافات جديدة في هذه الأبواب تدل على غزارة علمه، ودقّة فهمه، وسلامة ذوقه الأدبي.

 
المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم البيان و المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان

The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

The origin and evolution of the science of the statementThe Arabic rhetoric is related to the three sciences known to us today: theology, the science of the statement, and the science of Budaiya.It may come to mind that these three rhetorical sciences have emerged independently of each other with his own insights and theories, but the reality is different.

In fact, Arab rhetoric has passed through a long history of development until it ended with the conclusion of it. The study of its sciences has been intertwined since the inception of the talk about it in the books of the first two former Arab scholars, who used to call it "the statement".
Since the emergence of Islam for various reasons, including the preparation of the Arabs, and their stability in cities and open countries, and their mental rise, and then the intense debate between the various religious groups in the affairs of faith and politics. It was natural for all of this to multiply the notes and graphs that we meet in the translations of some poets and preachers and Islamists in a book such as a book of songs.
If we go to the Abbasid period, we find, in addition to the growth of rhetorical observations, initial attempts to codify and record these observations, as in the books of Al-Jahiz, and especially the book Al-Bayan and Altibeen. The development of poetry and prose led to the influence of the Abbasid civilization and the rise of intellectual life in it, including the emergence of two sects of scholars, one of whom is a conservative sect, the Linguists, who knew literature and its linguistic and grammatical origins. And the Islamic and the Islamic rather than their interest in the Abbasid poetry. The study of ancient poetry styles from its linguistic and grammatical aspects led to the development of some stylistic characteristics, as found in Sebwayh's book such as his introduction to delay, deletion, CARE, and so on.
We also meet the book «Meanings of the Koran» of the fur «207 AH», which means the interpretation and depiction of the characteristics of some structures, and reference to what is in the memory of the wise images.
This book is not looking at the Quran's metaphor from the rhetorical side, but rather is a research on the interpretation of some of the Quranic verses. Abu Ubaida is the first to speak the word "metaphor" , As Ibn Taymiyyah mentioned in his book "faith", but he did not speak about the metaphor that is the divisor, but the metaphor has meaning meaning statement. However, in his book «Quran metaphor» references to some of the methods of graphic such as metaphor, metaphor and metaphor, and some characteristics of grammatical expression, which have significant implications such as male and delete and attention and submission and delay.
With both the fur and Abu Obeida given to the characteristics and characteristics of the graphic, the meanings of rhetorical did not crystallize and identify in the minds of either of them or any of the linguists and contemporary sculptors.
The group of scholars and other teachers that emerged in the Abbasid era is the group of speech scholars, foremost among them the Mu'tazil, who trained their students in the arts of public speaking, debate, research and debate in subjects related to their thinking. This training deepened and extended to include speech, industry, rhetorical and aesthetic value.
The book of the statement and the clarification of al-Jahz have preserved a great deal of the Mu'tazil's observations related to the Arabic dialect, which they have derived from two sources: the Arab traditions and the foreign cultures that were common in their time and knowledge. The foreign cultures that have studied themselves and deepened in their philosophy and logic have returned to them two benefits that have an impact on the affairs of rhetoric: purely mental benefit derived from the study of Greek philosophy, which organized their minds carefully, helped them to devise rhetorical issues and other interest due to their request to know what other cultures of nations I reached them from the rules of rhetoric and statement.
This is evident when Al-Muhazili, in his book Al-Mu'tazili, describes in his book the definitions of Greece, Persia, and India for eloquence. This means that the Mu'tazilites have added to the special Arab observations in rhetoric the observations of foreign nations, especially Greece.
And the first Mu'tazli step remarkable step in this way is the President of the Mu'tazila Baghdad bin Omar al-Mu'ammar died in 210 AH, the transfer of Al-Jhaiz pages scattered by the human notes accurate in rhetoric, received from the subsequent scientists, and used to crystallize some of the origins of rhetoric and rules.
Perhaps the greatest Mu'tazli came after the mortal son of Al-Mu'tamir and the first Arabic rhetoric is very caring is Abu Osman Amr ibn Bahr Al-Jahz, who died in 255 AH. In his eloquence, he wrote his book Al-Bayan and Al-Taibeen in four volumes, in which he collected most of his rhetorical remarks, whether the scholars of the Arabs themselves were referred to them or deviated from the ethics of Persians, India, Greece or others. ) Bin Umrah and was previously for his time in the field of rhetoric. This is in addition to Al-Jahiz's views and his own observations on rhetorical issues, especially those related to the analogies, metaphors and holidays that are the subject of "the flag of the statement".
Al-Jahiz took an unprecedented step in his rhetorical remarks by talking about analogy and borrowing by means of models, while distinguishing between them. He also used "proverbs" as synonymous with metaphor, and made it contrary to truth.


Related Post:




0 Response to "نشأة علم البيان وتطوّره كتب البلاغة العربية النكت في إعجاز القرآن و كتاب الموازنة و كتاب الوساطة و كتاب العمدة"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel