بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

نشأة علم البيان وتطوّره : الزمخشري و السكاكي

 نشأة علم البيان وتطوّره : الزمخشري و السكاكي

الزمخشري:

ثمّ ظهر بعد عبد القاهر الجرجاني عالم آخر كان له أثر كبير في ميدان البلاغة العربية ونهضتها.
ذلك هو العالم المعتزلي جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538 للهجرة، والذي ضرب بسهم وافر في علوم العربية والتفسير، وله فيها المؤلفات القيّمة التي تشهد بفطنته وسعة علمه.
ومن مؤلفاته التي وصلت إلينا «المفصل» في علم النحو، و «مقات الزمخشري» في التصوف، و «أساس البلاغة» وهو معجم لغوي يورد فيه المعاني اللغوية للكلمة، موضحا إياها في عبارات، ومردفا ذلك بمعانيها المجازية، ولكن أهم كتاب اشتهر به منذ عصره هو «الكشاف» الذي قدّم فيه صورة رائعة لتفسير القرآن، وأشاد به حتى أهل السنة على الرغم من اعتزال مؤلفه.
واهتمام المعتزلة بتفسير الإعجاز البلاغي للقرآن اهتمام قديم، فقد كتب فيه من رجالهم الجاحظ والرماني وعبد الجبار المعتزلي ثمّ الزمخشري الذي أقبل بشغف على الدراسات البلاغية ولا سيما كتابات عبد القاهر الجرجاني في «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة».

أجل لقد تتلمذ على عبد القاهر في هذين الكتابين وعمق في فهمهما واستيعابهما إلى الحد الذي جعله يؤمن بأنّ المعرفة بالبلاغة وأساليبها لا تكشف فقط عن وجوه الإعجاز البلاغي في القرآن، بل تكشف أيضا عن خفايا معانيه وأسرارها.
وفي مقدمة «الكشاف» يقرر أنّ تفسير القرآن لا يكفي فيه أن يكون المفسر من أئمة الفقه، أو النحو، أو اللغة، أو علم الكلام، أو القصص والإخبار. وإنّما ينبغي فيمن يتصدى له أن يكون بارعا في علمين مختصين بالقرآن هما: علم المعاني، وعلم البيان، وهذان، في نظره، أهم عدّة لمن يريد أن يفسر القرآن، إذ بدونهما لا تستقيم له الدلالات، ولا تتضح له الإشارات، ولا لطائف ما في الذكر الحكيم من الجمال المعجز الذي عنت له وجوه العرب وخروا له ساجدين.
إذن فالتفسير عنده ليس قاصرا على معرفة معاني القرآن فحسب، وإنّما هو أيضا بيان لأسرار إعجازه، بل إنّ معرفة معانيه لا تتم إلّا لمن تمّت له آلة البلاغة، وعرف وجوه الأساليب وخصائصها المعنوية، وأدرك الأسباب المعينة على تمييز صور الكلام البيانية.
...

والذي يدرس بإمعان تفسير «الكشاف» يخرج منه بحقيقتين:
إحداهما أنّه استوعب كل ما كتبه عبد القاهر في «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» قبل أن يشرع في تفسيره. والحقيقة الثانية أنّ «الكشاف» هو في الواقع خير تطبيق على كل ما اهتدى إليه عبد القاهر من قواعد المعاني والبيان، فقد اتّخذ الزمخشري من آي الذكر الحكيم أمثلة وشواهد يوضح بها كل قواعد عبد القاهر البلاغية، سواء ما اتصل منها بعلم المعاني أو علم البيان.
ولم تقف جهود الزمخشري في البلاغة عند حد تطبيق آراء عبد القاهر في تفسيره تطبيقا مستقصيا، ولكنه وصل هذا التطبيق بكثير من آرائه التي تدل على تعمقه، وفطنته في تصوير الدلالة البلاغية، وإحاطته بخواص العبارات والأساليب.
ولو أنّه اكتفى بذلك لكان حسبه مساهمة في تطوير علمي المعاني والبيان، ولكنا نراه يضيف إلى مباحث هذين العلمين ما عنّ له من آراء، ويستكمل كثيرا من شعبها ودقائقها ومقاييسها.

ولما كان بحثنا هنا هو في المحل الأول عن علم البيان، فإنّ الجديد الذي أضافه الزمخشري إلى مباحثه كثير. وتتمثل إضافاته إليه في استكمال صور الكناية والاستعارة والمجاز المرسل والمجاز العقلي، وإحكام وضع قواعدها إحكاما دقيقا. وإذا كان عبد القاهر هو مؤسس علم المعاني وعلم البيان، وهو من استنبط من جزئيات كلا العلمين أكثر قواعده فإنّ الزمخشري هو الذي أكمل قواعدهما، وهي وإن جاءت مفرقة في تضاعيف تفسيره، فإنّها دائما مقرونة بأمثلة من القرآن الكريم توضحها وتكشف عن دقائقها.
وهكذا بمنهاج عبد القاهر الذي أجملت أهم عناصره آنفا، وبطريقته التعليمية الواضحة، وكذلك بتطبيق الزمخشري لآراء عبد القاهر في تفسيره «الكشاف» وبالإضافات الجديدة التي استكمل بها قواعده- أقول بكل ذلك استطاع الرجلان أن يضعا ويكملا قواعد علم المعاني وعلم البيان، وكل ما هناك أنّه بقي من يستقصي هذه القواعد عندهما وينظمها في كتاب يجمع متفرقها ويضم منثورها.
وكان ذلك العمل على يد السكاكي الذي دخلت البلاغة به في طور الجمود، كما سنرى.

السكاكي:

هو سراج الدين أبو يعقوب يوسف بن محمد السكاكي المتوفى سنة 626 للهجرة، احترف صناعة المعادن حتى الثلاثين من عمره، ثمّ خطر له أن يخلص للعلم فتفرّغ له وأكبّ على دراسة الفلسفة والمنطق والاعتزال والفقه وأصوله، وعلوم اللغة والبلاغة حتى أتقنها.
وللسكاكي مؤلفات مختلفة، منها كتاب «مفتاح العلوم» الذي يعدّ أهم كتبه، وقد قسّمه ثلاثة أقسام رئيسية، خص الأول منها بعلم الصرف والاشتقاق بأنواعه، والثاني بعلم النحو، وخص القسم الثالث بعلم المعاني وعلم البيان وألحق بهما مبحثا عن البلاغة والفصاحة، وآخر عن المحسنات البديعية اللفظية منها والمعنوية.

وشهرة السكاكي العلمية ترجع في الواقع إلى هذا القسم من كتابه الذي أعطى فيه للمعاني والبيان والفصاحة والبلاغة والبديع الصيغة النهائية التي عكف عليها العلماء من بعده يدرسونها ويشرحونها مرارا وتكرارا. وما أعطاه لعلوم البلاغة ليس ابتكارا خالصا له، وإنّما هو تلخيص دقيق يجمع بين أفكاره الخاصة وأفكار البلاغيين من قبله.
وقد صاغ ذلك كله صياغة مضبوطة محكمة بقدرته المنطقية في التعليل والتجريد والتعريف والتقسيم والتفريع والتشعيب. وأهم الكتب التي اعتمد عليها في النهوض بهذا العمل كتاب «نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز» للفخر الرازي المتوفى سنة 606 للهجرة، وكتابا «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» لعبد القاهر الجرجاني، وكتاب «الكشاف» للزمخشري.
وقد سبقه الفخر الرازي إلى تلخيص كتابي عبد القاهر، ولكن تلخيص السكاكي أدق وأشمل. والمقارنة بين التلخيص تظهر أنّ السكاكي كان أكثر ضبطا وتنظيما للمسائل، مع ترتيب المقدمات وإحكام القياس.

ومع ذلك فقد خلا تلخيصه من تحليلات عبد القاهر والزمخشري التي تبهر القارئ، وتحولت البلاغة في تلخيصه إلى علم طغت فيه القواعد والقوانين على روح البيان وومضاته التي تمتع النفس. وهو في سبيل استنباط القواعد والقوانين قد استخدم المنطق بأصوله وألفاظه وأسلوبه الجاف الذي لا يحوي أي جمال. ولا عجب في ذلك فقد كان همه أن يقنن البلاغة ويقعّدها كسائر العلوم الأخرى، وهذا أمر يستعان عليه بالمنطق.
وما يعنينا هنا هو كلام السكاكي عن علم البيان، وقد عرفه بقوله:
«إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة بالزيادة في وضوح الدلالة عليه». وفي مقدمة تلخيصه لقضايا علم البيان تعرض للكلام عن الدلالات وكان في كلامه عنها متأثرا برأي الفخر الرازي فيها. وقد قسمها إلى الدلالة الوضعية للألفاظ، والدلالة العقلية أو الالتزامية، وعن الدلالة الأولى يقول إنّه لا يجوز إرجاع الفصاحة والبلاغة إلى الدلالة اللفظية، غير أنّه قد يلابسها ما يفيد الكلام جمالا وزينة.

أمّا الدلالة العقلية أو الالتزامية فهي التي تجري في الصور البيانية وهي تختلف عن الدلالة الوضعية.
وهذه الدلالة العقلية أو الالتزامية إمّا أن تكون من باب دلالة اللازم على الملزوم كدلالة كثرة الرماد على الكرم في الكناية، وإما من باب دلالة الملزوم على اللازم، أي دلالة المسبب على السبب كقوله تعالى:
وَيُنَزِّلُ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ رِزْقاً فالرزق لا ينزل من السماء ولكن الذي ينزل مطر ينشأ عنه النبات الذي منه طعامنا ورزقنا، فالرزق هو المسبب أو الملزوم الذي دلّ على السبب أو اللازم، وذلك على نحو ما هو معروف في المجاز المرسل.
ثمّ يخلص من هذه المقدمة التي يغلب عليها أسلوب المنطق إلى أن علم البيان يتناول التشبيه والمجاز والكناية.

ومباحث التشبيه عند السكاكي تتناول أربعة موضوعات هي:طرفاه، ووجهه، والغرض منه، وأحواله في القرب والغرابة، والقبول والرفض.

فطرفا التشبيه إما أن يدركا بالحس كتشبيه الوجه بالقمر، وإما أن يدركا بالخيال كتشبيه شقائق النعمان (1) على أغصانها بأعلام ياقوت على رماح من زبرجد. فالتشبيه الخيالي هو المعدوم الذي فرض مجتمعا من أمور كل واحد منها يدرك بالحس، فإنّ الأعلام الياقوتية المنشورة على الرماح الزبرجدية مما لا يدرك بالحس، لأنّه لا وجود لها في عالم الواقع، ولكن المادة التي تركب منها التشبيه، أي الأعلام والياقوت والرماح والزبرجد كل منها محسوس بالبصر. وإما أن يدرك طرفا التشبيه بالوهم كما إذا قدرنا صورة وهمية للموت وشبهناها بالمخلب أو الناب، وإما أن يدركا بالعقل كتشبيه العلم بالحياة، وإما أن يدركا بالوجدان كاللذة والألم والشبع والجوع. وهذه تقسيمات للتشبيه واستحدثها السكاكي متأثرا بكلام الفلاسفة وعلماء الكلام في صور الإدراك.
__________
(1) شقائق النعمان: نور وزهر أحمر، أضيف إلى النعمان بن المنذر آخر ملوك الحيرة، لأنّه خرج مرة إلى ظاهر الحيرة فرأى هذا النوع من الزهر، فقال: ما أحسنه! احموه، فكان أول من حماه فنسب إليه.
...

وأقسام وجه الشبه عند السكاكي كثيرة:

فوجه الشبه عنده إمّا أن يكون واحدا أو غير واحد، وغير الواحد إما أن يكون في حكم الواحد لكونه هيئة مركبة أو لا يكون. والواحد إما أن يكون حسيا أو عقليا، ولا بد في الحسي من أن يكون طرفاه حسيين.
أما وجه الشبه العقلي فيجري في جميع صور التشبيه، فقد يكون طرفاه حسيين. كتشبيه الشجاع بالأسد في الجراءة، وقد يكون طرفاه عقليين كتشبيه الجهل بالموت في عدم النفع، وقد يكون أحدهما حسيا والآخر عقليا كتشبيه العلم بالنور في النفع والفائدة.
وهكذا يمضي السكاكي في تقسيم وجه الشبه أقساما أخرى قد نعرض لها عند الكلام عن التشبيه تفصيليا.
...

ثمّ يتحدّث السكاكي عن أغراض التشبيه، ويقسمها إلى ما يعود إلى المشبه أو إلى المشبه به. ويقسم الأول إلى بيان حال، وبيان مقدار حال، وبيان إمكان حال، وزيادة تقرير حال، وتزيين، وتقبيح واستطراف.
أما الأغراض التي تعود إلى المشبه به فمرجعها إلى إيهام كونه أتم من المشبه في وجه الشبه، أو بيان أنّه أهم عند مريد التشبيه.
ولا يفوته هنا أن يبدي رأيه في التشبيه التمثيلي مقررا أنّ وجه الشبه فيه ينبغي أن يكون مركبا، أي صورة منتزعة من متعدد وأن يكون وهميا اعتباريا، وهو في ذلك يخالف عبد القاهر الذي يشترط أن يكون وجه الشبه في التشبيه التمثيلي مركبا وأن يكون عقليا، والعقلي عنده يشمل الوهمي.
...

وعن أحوال التشبيه من حيث القرب والغرابة، والقبول والرفض، يستوحي السكاكي في ذلك رأي عبد القاهر، فيقول: إن إدراك الشيء مجملا أسهل من إدراكه مفصلا، وإنّ حضور ما يتردد على الحس أقرب من حضور ما لا يتردد عليه، وإنّ الشيء مع ما يناسبه أقرب حضورا منه مع ما لا يناسبه، وإنّ استحضار الأمر الواحد أيسر من استحضار غير الواحد، وإنّ ميل النفس إلى الحسيات أتم من ميلها إلى العقليات، وإنّ النفس لما تعرف أقبل منها لما لا تعرف، وإنّ الجديد المستطرف عندها ألذ من المعاد المكرر.
وعلى ضوء هذه الأصول يقول: إنّ من أسباب قرب التشبيه أن يكون وجهه أمرا واحدا، أو يكون المشبه به قريبا في الصورة من المشبه، أو يكون حاضرا في الخيال بجهة من الجهات.
أمّا غرابته فمن أسبابها أن يكون وجه الشبه مركبا، أو يكون المشبه به بعيد الشبه عن المشبه، أو يكون وهميا أو مركبا عقليا. أمّا التشبيه المقبول فالأصل فيه أن يكون صحيحا، وألّا يكون مبتذلا.

وكذلك يعرض السكاكي لصور التشبيه البليغ، ويتابع عبد القاهر في إدخال صور التجريد المختلفة في التشبيه كقولك عن صديق أنست بحديثه «وجدت في حديثه نسمة عطرة» فقد جردت من حديث الصديق نسمة متصفة بالعطر كأنّها غيره، مع أنّ حديث الصديق هو هي. وكقول الشاعر:
أعانق غصن البان من لين قدها وأجني جنى الورد من وجناتها
فالشاعر هنا جرّد من قدّ الحبيبة غصن بان لين، ومن وجنتيها وردا.
فهو بدل أن يعبر بالتشبيه الصريح فيقول: قدّ الحبيبة كغصن البان لينا، ووجناتها كالورد، عبّر عنه بأسلوب التجريد الذي عدّه السكاكي صورة من صور التشبيه.
وأخيرا يختم السكاكي كلامه عن التشبيه ذاكرا أنّه قد يشبّه الضد بضده على سبيل التهكم، كتشبيه الجبان بالأسد، والبخيل بحاتم مثلا.
...

بعد ذلك ينتقل السكاكي إلى الحديث عن المجاز ويجره ذلك أولا إلى تعريف الحقيقة بأنّها: «الكلمة المستعملة فيما هي موضوعة له من غير تأويل في الوضع» واحترز بقوله: «من غير تأويل في الوضع» حتى لا تدخل الاستعارة.
ثمّ يخلص من ذلك إلى تعريف المجاز بأنّه: «الكلمة المستعملة في غير ما هي موضوعة له بالتحقيق استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها مع قرينة مانعة عن إرادة معناها في ذلك النوع».
ويحترز بقيد «التحقيق» من خروج الاستعارة، وبقيد «استعمالا في الغير بالنسبة إلى نوع حقيقتها» من استعمال الكلمة لغة أو شرعا أو عرفا، وبقيد «مع قرينة مانعة عن إرادة معناها» من الكناية.
ويفرق بين المجاز والمشترك اللغوي، بأنّ المجاز يلاحظ فيه المعنى الأصلي، أمّا المشترك فيدل على المعنيين معا، ويتخصص بالقرائن وهي دلالة وضعية.
ومن تعريف المجاز ينتقل إلى أقسامه، فيقسمه قسمين أساسيين:
مجازا لغويا في المفرد، ومجازا عقليا في الجملة ثمّ يفرّع هذين القسمين أقساما أخرى، منها المفيد الخالي عن المبالغة في التشبيه وهو المجاز المرسل، ومنها المفيد المتضمن للمبالغة في التشبيه، وهو الاستعارة، وهي أن تذكر أحد طرفي التشبيه وتريد به الطرف الآخر مدعيا دخول المشبه في جنس المشبه به دالا على ذلك بإثباتك للمشبه ما يخص المشبه به.
...

بعد ذلك يأخذ السكاكي في تقسيم الاستعارة إلى تصريحية وهي ما صرّح فيه بلفظ المشبه به، وإلى مكنية وهي ما ذكر فيها لفظ المشبه، ثمّ يقسمها إلى أصلية أو تبعية، وإلى مرشحة أو مجردة.
وبعد الكلام مفصلا عن كل نوع من أنواع الاستعارة، يعود إلى استيفاء بقية أنواع المجاز فيتكلم عن مجاز الحذف من مثل «وجاء ربك» أي أمر ربك، ومجاز الزيادة من مثل «ليس كمثله شيء» إذ زيدت الكاف في الآية، والمجاز العقلي، وهو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له لعلاقة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي، كقول المتنبي في وصف ملك الروم بعد هزيمة سيف الدولة له:
ويمشي به العكاز في الدير تائبا وقد كان يأبى مشي أشقر أجردا
فالفعل «يمشي» هنا قد أسند إلى «العكاز» أي إلى غير فاعله، لأنّ العكاز لا يمشي وإنّما الذي يمشي هو صاحب العكاز، ولكن لما كان العكاز سببا في المشي جاز إسناد الفعل إليه.
...

وأخيرا ينتقل السكاكي إلى الكناية فيعرّفها بأنّها: «ترك التصريح بذكر الشيء إلى ذكر ما يلزمه، لينتقل من المذكور إلى المتروك». ويلاحظ أنّ المتروك قد يكون قريبا ظاهرا، وقد يكون بعيدا خفيا، ولهذا قال إنّ الكتابة تتفاوت من تعريض إلى تلويح، ورمز، وإيحاء وإشارة.
ثمّ يعرض إلى التفريق بين الكناية والمجاز من وجهين: أحدهما أنّ الكتابة لا تنافي إرادة الحقيقة بلفظها، فالخنساء عند ما ترثي أخاها صخرا «بأنّه كثير الرماد» كناية عن جوده وكرمه، فإنّ هذه الكناية لا تمنع من إرادة المعنى الحقيقي بأنّ أخاها صخرا كثير الرماد حقيقة ومن غير تأويل.
أمّا المجاز فيمنع من إرادة المعنى الحقيقي، فلا يجوز أن يكون المراد من قولك: «كلمت أسدا» الأسد الحقيقي. والوجه الثاني أنّ الكناية بنيت على الانتقال من اللازم إلى الملزوم على حين بني المجاز على الانتقال من الملزوم إلى اللازم.
ويقسم السكاكي الكناية بحسب المراد منها إلى ثلاثة أقسام: كناية عن صفة، وكناية عن موصوف، وكناية عن نسبة.
تلك خلاصة لما أورده السكاكي في كتابه «مفتاح العلوم» عن مباحث علم البيان التي أكثر فيها من التقسيمات والتفريعات، وخرج بها من جو البلاغة الواضحة السمحاء إلى ميدان المنطق المعقد الجاف.
...

وعلى طريق تتبعنا لنشأة علم البيان وتطوره نلتقي بعد السكاكي بطائفة من علماء البلاغة الذين انحرفوا في دراستها عن طريقة السكاكي، أو ساروا عليها تلخيصا لمجهوده فيها.
...

المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم البيان و المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الطبعة: بدون و عام النشر: 1405 هـ - 1982 م و عدد الأجزاء: 1
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان




The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

The emergence of the science of the statement and its development: Zamakhshari and Sakaki
Al-Zamakhshri:
Then appeared after Abdul Qahir al-Jarjani another scientist had a great impact in the field of Arab rhetoric and raised.
This is the world of Mu'tazili Jarallah Mahmud bin Omar al-Zamakhshari, who died in 538 AH, and who was hit by a great deal in the sciences of Arabic and interpretation, and has the valuable literature that testifies to his sophistication and knowledge.
Among his works, which have reached us the "detailed" in grammatical, the "Zamakhshari fighter" in Sufism, and "the basis of rhetoric" is a lexicon that gives the linguistic meanings of the word. His era is the "Scouts" in which he presented a wonderful image of the interpretation of the Koran, and praised him even the Sunnis despite the retirement of his author.
Al-Mu'tazilah's interest in interpreting the rhetorical miracles of the Qur'an is an old one. It was written by their men Al-Jahez, Al-Ramani, Abdul-Jabbar Al-Mu'tazli, and Al-Zamakhshari who eagerly accepted the rhetorical studies, especially the writings of Abdul Qahir Al-Jarjani.
Yes, you have studied Abdul Qahir in these two books and deep understanding and assimilation to the extent that he believes that the knowledge of rhetoric and methods not only reveal the faces of the Bible miracles in the Koran, but also reveal the hidden meanings and secrets.
In the preface to the «Scouts» decides that the interpretation of the Koran is not enough to be the interpreter of the imams of jurisprudence, or grammar, or language, or science of speech, or stories and news. Rather, it is necessary for those who deal with him to be proficient in two specialized knowledge of the Qur'aan: the knowledge of meanings and the knowledge of the statement, and these are, in his view, the most important of those who want to explain the Qur'an. Without them, the semantics are not correct, and the signs are not clear. The wise of the miraculous beauty that the faces of the Arabs have betrayed him, and they prostrate to him prostrating.

Therefore, the interpretation is not only limited to knowledge of the meanings of the Koran, but also a statement of the secrets of the miracle, but the knowledge of its meaning is done only to those who have been machine rhetoric, and know the faces of methods and their moral characteristics, and recognize the specific reasons to distinguish graphic images.
Which carefully examines the interpretation of «Scouts» come out of him two minutes:
One of them is that he absorbed all that Abd al-Qaher wrote in "The Signs of Miracles" and "Secrets of Al-Barajah" before he began to explain it. The second fact is that the Scout is in fact the best application of all that Abdul Qahir gave to him from the rules of meanings and the statement. Al-Zamakhshari took from al-Hakim al-Hakim examples and evidences illustrating all the rules of Abd al-Qaher rhetorical, whether related to the meanings or the knowledge of the statement.
Zamakhshari's efforts in rhetoric did not stop at the extent of applying Abdel-Qaher's views in his interpretation of an exploratory application, but this application reached many of his views that indicate his depth, his stupidity in portraying the rhetorical significance, and his attachment to the characteristics of words and methods.
If he had to do so, he would have contributed to the development of the scientific meanings and the statement, but we see it adds to the discussion of these two sciences of his views, and complete many of its people and minutes and measurements.
Since our research here is in the first place of the knowledge of the statement, the new added by Zamakhshari to the subject of many. Its additions to it include the completion of the forms of metaphor, metaphor, sentencing, and mental rigor, and the strict regulation of its rules. If Abdel-Qaher is the founder of the science of meanings and the science of the statement, which is derived from the particles of both science most of its bases, Zamakhshari is the one who completed their rules, and if it is separated in the interpretation of the interpretation, it is always coupled with examples of the Koran to clarify and reveal minutes.
Thus, in the curriculum of Abdul Qahir, whose most important elements were outlined above, in his clear educational way, as well as in the application of Al-Zamakhshari to Abdul Qahir's views in his interpretation of Al-Kashaf and the new additions to which he completed his rules, I say that the two men were able to develop and complete the rules of meanings, Those who inquire about these rules remain in a book that gathers scattered and scattered.
That work was at the hands of Sakaki, whose rhetoric was entering a deadlock, as we shall see.
Skaki
He is the master of the metal industry until the age of thirty years. He was then threatened to be saved for science and devote himself to the study of philosophy, logic, seclusion, jurisprudence and its fundamentals, and the sciences of language and rhetoric until it is mastered.
The third part is devoted to the knowledge of meanings and the science of the statement, and they were followed by an essay on eloquence and eloquence, and another on the enhancers. Verbal and moral vindication.
The scientific reputation of Sakaki is in fact attributed to this section of his book, in which he gave the meaning, statement, eloquence, eloquence, and eloquence of the final form that the scientists worked on after him, studying and explaining it over and over again. What he has given to the sciences of rhetoric is not a pure invention for him, but rather an accurate synthesis of his own ideas and the ideas of the Phalange.
All of this has been formulated in a coherent manner, with its logical ability to explain, abstract, define, divide, divide and distort. The most important books on which this work is based are the book "End of Briefness in the Knowledge of Miracles" by Razi al-Razzi, who died in 606 AH, and the book "Signs of Miracles" and "Secrets of Daring" by Abdel-Qaher Al-Jarjani and Al-Kashaf.
Al-Razi's pride was preceded by a summary of Abed Al-Qaher's book, but the summary of Sakaki is more accurate and comprehensive. The comparison between the summary shows that the Sakaki was more disciplined and organized for the issues, with the order of introductions and tightening of measurement.
However, his summary was summarized in the analyzes of Abdel-Qaher and Al-Zamakhshri, which dazzle the reader, and the rhetoric turned to summarize it into a science where rules and laws dominated the spirit of the statement and its revelations

Related Post:




0 Response to " نشأة علم البيان وتطوّره : الزمخشري و السكاكي"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel