بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

علم المعاني وأثره في بلاغة الكلام

الفصل الثالث علم المعاني وأثره في بلاغة الكلام

بعد أن فصّلنا القول عن البلاغة والفصاحة وأوجه اتفاقهما واختلافها، وبعد الكلام عن نشأة علم المعاني، وبيان كيف كانت أساليبه المختلفة مختلطة في أول الأمر بأساليب علمي البيان والبديع، وكيف كان ينظر إليها جميعا على أنها وحدة تؤلف بمجموعها أصول البلاغة العربية، وبعد أن عرفنا كيف أخذت كل هذه الأساليب على مر العصور تتبلور وتنحو منحى التميز والاستقلال، حتى صارت أساليب البديع علما على يد ابن المعتز، والأساليب المتصلة بكل من المعاني والبيان علما واضح المعالم والمباحث على يد كل من عبد القاهر الجرجاني والزمخشري والسكاكي ...
أقول بعد ذلك كله نحاول الآن أن نتبين أثر علم المعاني في بلاغة الكلام.
وتوطئة للحديث عن هذا الموضوع يجدر بنا أن نتذكر أن الباحثين في البلاغة العربية منذ صدر الإسلام لم يكونوا مدفوعين إلى ذلك بباعث الشغف العلمي والبحث النظري المجرد في البلاغة، وإنما حفزهم في الواقع إلى الاشتغال بها رغبة ملحة في تحقيق هدفين: هدف خاص وآخر عام.


أما الهدف الخاص فكان هدفا دينيا يرمي إلى معرفة إعجاز كتاب الله، ومعرفة معجزة رسوله الذي أوتي جوامع الكلم وكان أفصح من نطق بالضاد.
وذلك الهدف يدل على مدى الأثر الذي خلفته الدراسات الأولى في البلاغة، وهو البحث في أسرار الإعجاز وأسبابه، واعتبارها مكملة للإيمان بالنبي ورسالته.
وقد أشار إلى ذلك عبد القاهر في كتابه دلائل الإعجاز بقوله: «إن الجهة التي منها قامت الحجة بالقرآن وظهرت، وبانت وبهرت، هي أنه كان على حد من الفصاحة تقصر عنه قوى البشر، ومنتهيا إلى غاية لا يطمح إليها بالفكر، وكان محالا أن يعرف كونه كذلك إلا من عرف الشعر الذي هو ديوان العرب وعنوان الأدب، والذي لا يشك أنه كان ميدان القوم إذا تجاروا في الفصاحة والبيان ...ثم بحث عن العلل التي بها كان التباين في الفضل، وزاد بعض الشعر على بعض» (1).
__________
(1) دلائل الإعجاز: ص 6 - 7.

أما الهدف العام فلا يتعلق به غرض ديني، وإنما هو محاولة الاطلاع على أسرار البلاغة والفصاحة في غير القرآن، من كلام العرب شعره ونثره، وذلك لأن من لا علم له بأوجه البلاغة يعجز عن التمييز بين الفصيح والأفصح، والبليغ والأبلغ.

ويحضرنا هنا في معرض الكلام عن الهدف العام رأي فيه لأبي هلال العسكري مضمونه أن التهاون في طلب البلاغة من جانب صاحب العربية أيا كان قصور في الفهم وتأخر في المعرفة والعلم. وتفصيل ذلك الرأي كما يقول هو: «إن صاحب العربية إذا أخل بطلبه وفرط في التماسه، ففاتته فضيلته، وعلقت به رذيلة فوته، عفي على جميع محاسنه، وعمى سائر فضائله، لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيد وكلام رديء، ولفظ حسن وآخر قبيح، وشعر نادر وآخر بارد، بان جهله وظهر نقصه. وهو أيضا إذا أراد أن يصنع قصيدة أو ينشئ رسالة- وقد فاته هذا العلم- مزج الصفو بالكدر ... واستعمل الوحشيّ العكر، فجعل نفسه مهزأة للجاهل وعبرة للعاقل ...وإذا أراد أيضا تصنيف كلام منثور أو تأليف شعر منظوم، وتخطى هذا العلم، ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه، فأخذ المرذول وترك الجيد المقبول، فدل على قصور فهمه، وتأخر معرفته وعلمه» (1).
__________
(1) كتاب الصناعتين: ص 2 - 3.

على هدى من هذه التوطئة التي توضح الهدفين اللذين كانا- ولم يزالا- منشودين من وراء الدراسات البلاغية نتقدم إلى بيان أثر علم المعاني في بلاغة الكلام.
ويمكن القول من البدء أن الأثر الذي يحدثه علم المعاني في بلاغة القول يتولد في الواقع من أمرين اثنين: بيان وجوب مطابقة الكلام لحال السامعين والمواطن التي يقال فيها، والمعاني المستفادة من الكلام ضمنا بمعونة القرائن.
...

وتوضيحا للأمر الأول نقول: إن مباحث علم المعاني من شأنها أن تبين لنا وجوب مطابقة الكلام لحال السامعين والمواطن التي يقال فيها، كما ترينا أن القول لا يكون بليغا كيفما كانت صورته حتى يلائم المقام الذي قيل فيه، ويناسب حال السامع الذي ألقي عليه.
فللمخاطب الذي يلقى إليه خبر من الأخبار مثلا ثلاث حالات:
ففي الحالة الأولى قد يكون خالي الذهن من الحكم الذي هو مضمون الخبر، وعندئذ تقتضي مطابقة الكلام لحاله أن يلقى إليه الخبر مجردا عن أي تأكيد.

وفي الحالة الثانية قد يكون المخاطب على علم ما بالخبر، ولكن علمه به يمتزج بالشك وله تطلع إلى معرفة الحقيقة، وفي هذه الحالة وطبقا لمقتضيات البلاغة يحسن توكيد الخبر له إزالة للشك وتمكينا للخبر من نفسه.
وفي الحالة الثالثة قد يكون المخاطب على علم بالخبر ولكنه منكر جاحد له، وعندئذ يجب أن يلقى الخبر مؤكدا بمؤكد أو أكثر تبعا لدرجة إنكاره قوة وضعفا.

على هذا الأساس إذا ألقي الخبر إلى خالي الذهن منه بالصورة التي يجب أن يلقى بها إلى المنكر له، كان في ذلك خروج على مقتضيات البلاغة من جهة وجوب مطابقة الكلام لحال السامع الذي هو أصل من أصول علم المعاني.
كذلك من أصول علم المعاني أن يخاطب كل إنسان على قدر استعداده في الفهم وحظه من اللغة والأدب، فلا يجوز أن يخاطب العامي بما ينبغي أن يخاطب به الأديب. فعكس الأمر هنا بلا داع فيه إخلال بما تتطلبه بلاغة المعنى، لانعدام الملاءمة بين الكلام ومقامه.
ولعل فيما رواه صاحب الأغاني من حديث أحمد بن خلاد عن أبيه ما يوضح بالمثال هذا الأصل القائل بأن البلاغة هي في مخاطبة كل إنسان على قدر استعداده في الفهم وحظه من اللغة والأدب.
«قال أحمد بن خلاد: حدثني أبي قال: قلت لبشار: إنك لتجيء بالشيء الهجين (1) المتفاوت! قال: وما ذاك؟ قال: قلت: بينما تقول شعرا يثير النقع، وتخلع به القلوب، مثل قولك:
إذا ما غضبنا غضبة مضرية هتكنا حجاب الشمس أو تمطر الدما
إذا ما أعرنا سيدا من قبيلة ذرى منبر صلى علينا وسلما
تقول:
ربابة ربة البيت تصب الخل في الزيت
لها عشر دجاجات وديك حسن الصوت!
__________
(1) الهجين من القول: ما يلزمك منه العيب.

فقال بشار: لكلّ وجه وموضع، فالقول الأول جدّ، وهذا قلته في ربابة جاريتي، وأنا لا آكل البيض من السوق، وربابة لها عشر دجاجات وديك، فهي تجمع لي البيض، فهذا عندها من قولي أحسن من «قفا نبك من ذكري حبيب ومنزل» عندك» (1).
__________
(1) كتاب الأغاني: ج 3 ص: 60.

وتتمثل مطابقة الكلام لمقتضى الحال أيضا فيما يتصرف فيه القائل من إيجاز وإطناب، حيث لكل من الإيجاز والإطناب مقاماته التي تقتضيها حال السامع ومواطن القول.
فالذكي الذي تكفيه اللمحة أو الإشارة يحسن له الإيجاز، والغبي أو المكابر يجمل عند خطابه الإطناب في القول.
فالبلاغة تقتضي استخدام أسلوب الإيجاز مع الذكي اعتمادا على سرعة فهمه وقدرته على استيعاب ما تحمله الألفاظ القليلة من المعاني الكثيرة، وكذلك الشأن بالنسبة لأسلوب الإطناب، فبلاغته تستلزم الإسهاب بالشرح والإيضاح، إما طلبا لتمكين المخاطب من الفهم إن كان غبيا، وإما لتنزيله منزلة قصار العقول إن كان قد تجاوز الحد في المكابرة والعناد.

وتأييدا لما ذكرنا عن الإيجاز والإطناب نورد هنا كلمتين توضح كل منهما رأي صاحبها في ذلك:
روي عن جعفر بن يحيى أنه قال مع إعجابه بالإيجاز: «متى كان الإيجاز أبلغ كان الإكثار عيّا، ومتى كانت الكناية في موضع الإكثار كان الإيجاز تقصيرا».
وأمر يحيى بن خالد بن برمك اثنين أن يكتبا كتابا في معنى واحد، فأطال أحدهما واختصر الآخر، فقال للمختصر- وقد نظر في كتابه-: ما أرى موضع زيادة، وقال للمطيل: ما أرى موضع نقصان (1).
__________
(1) كتاب الصناعتين ص: 190.
...

أما الأمر الثاني الذي يبحث فيه علم المعاني فهو دراسة ما يستفاد من الكلام ضمنا بمعونة القرائن. فالكلام يفيد بأصل وضعه معنى نطلق عليه المعنى الحقيقي أو الأصلي، ولكنه قد يخرج أحيانا عن المعنى الذي وضع له أصلا ليؤدي إلينا معنى جديدا يفهم من السياق وترشد إليه الحال التي قيل فيها.

فالغرض مثلا من إلقاء الخبر إلى المخاطب في أصل الوضع هو، إمّا إفادته الحكم الذي تضمنه الخبر، وإمّا إفادته أن المتكلم عالم بالحكم. كقولك:
«كان عمر بن عبد العزيز لا يأخذ من بيت المال شيئا»، وكقولك: «لقد كنت في مطار بيروت أمس». ففي المثال الأول تريد إفادة السامع بما لم يكن يعرفه عن عمر بن عبد العزيز من الفقه والزهد في مال المسلمين. وفي المثال الثاني لا تريد إفادة السامع مضمون الكلام لأن ذلك معلوم له قبل أن تعلمه أنت، فالسامع في هذه الحال لم يستفد علما بالخبر نفسه، وإنما استفاد أنك عالم به.
ذلك هو الغرض من إلقاء الخبر في أصل الوضع، إما إفادة المخاطب بالحكم، وإما إفادته أن المتكلم عالم به. ولكن الخبر قد يخرج عن هذين المعنيين ليؤدي إلينا معنى جديدا يفهم من السياق.
تأمل مثلا قول أبي فراس الحمداني:
ومكارمي عدد النجوم ومنزلي مأوى الكرام ومنزل الأضياف
وكذلك قول أبي العتاهية في رثاء ولده عليّ:
بكيتك يا عليّ بدمع عيني فما أغنى البكاء عليك شيا
وكانت في حياتك لي عظات وأنت اليوم أوعظ منك حيا
فكلا الشاعرين هنا لا يقصد أيّا من المعنيين اللذين يدل عليهما الخبر بأصل وضعه، وإنما يقصد إلى معنى آخر يستشفه اللبيب ويلمحه من سياق الكلام، هو في بيت أبي فراس الفخر بمكارمه الكثيرة وكرمه، وهو في بيتي أبي العتاهية إظهار التحسر والأسى على فقد ولده وفلذة كبده.

وكذلك الشأن بالنسبة لأساليب الأمر والنهي والاستفهام والتمني والنداء، فقد يخرج كل منها عن معناه الأصلي لغرض بلاغي بديع، أراده المتكلم من الخروج عما يقتضيه ظاهر الكلام، كالخروج بالأمر عن أصل وضعه مثلا لإفادة التعجيز، وبالنهي لإفادة الدعاء، وبالاستفهام لإفادة التعجب.
وليس من غرضنا هنا التعرض بالشرح لكل أساليب المعاني وتوضيح المعنى أو المعاني التي تستفاد من كل منها ضمنا بمعونة القرائن، وإنما أوردنا ما أوردنا منها على سبيل المثال لا الحصر.
ولعل فيما أوردناه كفاية لبيان ما لعلم المعاني من أثر في بلاغة الكلام، وإقناعا لكل راغب بقيمة دراسة أساليب علم المعاني المختلفة والإفادة منها في الارتفاع بأسلوب إنشائه من ناحية، وفي الحكم على جيد الكلام ورديئه من ناحية أخرى.
...
الكتاب: علم المعاني

المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)

الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان

المصدر : المكتبة الشاملة


والآن نشرع في دراسة مباحث علم المعاني دراسة تفصيلية، ونبدأ أول ما نبدأ بالكلام بين الخبر والإنشاء.

BMW i8 Coupé
The future is taking shape – in the form of the new BMW i8 Coupé. Full of verve, fascinating and ready to newly define mobility. For unconditional driving pleasure, as far as the road goes. A mere glimpse of this iconic design elevates adrenaline levels. The tachometer shoots up just as fast: the innovative plug-in hybrid engine generates 374 hp and 570 Nm. Plus, it accelerates the new BMW i8 Coupé in just 4.4 seconds from 0 to 100 km. The fastest route to a new era.
VISUAL STATEMENT.
Show your colours and stand by them. Whether in Sophisto Grey, Chrystal White, E-Copper or Donington Grey – the BMW i8 Coupé is an impressive appearance in any colour variation.
A GLANCE AT THE FUTURE.
The BMW i8 Coupé reveals itself as futuristic right down to the last detail. Its progressive lines speak a formal language that can hardly be more dynamic. The most striking feature: the imposing lightweight carbon-fibre gull wing doors, which can be opened comfortably. The athletic front continues to display the individual character of the car and proudly bears the BMW double kidney, flanked by full-LED headlights and redesigned Air Curtains. Starting at the bonnet, the distinctive V-shaped black belt stretches along the entire car, underscoring its flat silhouette. The impressive streamflow design also optimises airflow and creates unprecedented aerodynamics. Thus, the BMW i8 Coupé is a perfect symbiosis of form and function that knows only one direction: forward.
”The BMW i8 Coupé is already the best-selling hybrid sports car in the world – and I think we will succeed with this car, too.“
KLAUS FRÖHLICH, BOARD MEMBER, BMW AG

Related Post:




0 Response to "علم المعاني وأثره في بلاغة الكلام"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel