بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الكلام بين الخبر والإنشاء ، البلاغيّون والخبر ، ركنا الجملة ، أغراض الخبر ، مؤكدات الخبر ، أضرب الخبر ، خروج الخبر عن مقتضى الظاهر ، أغراض الخبر البلاغية

الكلام بين الخبر والإنشاء ، البلاغيّون والخبر ، ركنا الجملة ، أغراض الخبر ، مؤكدات الخبر ، أضرب الخبر ، خروج الخبر عن مقتضى الظاهر ، أغراض الخبر البلاغية

الخبر

لعل الكلام حول مفهوم الخبر والإنشاء قد نشأ مع نشأة الجدل في عصر المأمون حول فتنة القول بخلق القرآن.
فالمعتزلة الذين أباحوا حرية التفكير كانوا ممن قالوا إن القرآن وإن كان وحيا إلا أنه مخلوق، بدلا من العقيدة التي كانت لا تنازع وهي أن القرآن أزلي غير مخلوق.
وقد بنى المعتزلة قولهم بخلق القرآن على أساس أن ما تضمنه لا يخرج عن واحد من ثلاثة: أمر ونهي وخبر، وذلك مما ينفي عنه صفة القدم.
ومن هنا جاء تحديد المعتزلة لمفهوم الخبر من حيث صدقه وكذبه، ومن رجال الاعتزال الذين أبدوا رأيهم في ذلك إبراهيم بن يسار النّظّام البصري وتلميذه الجاحظ.
فصدق الخبر أو كذبه عند «النظام» هو في مطابقته لاعتقاد المخبر أو عدم مطابقته. فالخبر عنده يكون صادقا بشرط مطابقته لاعتقاد المخبر حتى ولو كان ذلك الاعتقاد خطأ في الواقع، وكذلك يكون الخبر عنده كاذبا بشرط عدم مطابقته لاعتقاد المخبر، حتى ولو كان ذلك الاعتقاد صوابا في الواقع.
وتبعا لرأي «النّظام» هذا يكون قول القائل: البحر ماؤه عذب- معتقدا ذلك- صدق، ويكون قوله: البحر ماؤه ملح- غير معتقد ذلك- كذب.
وهذا الرأي قد بني على أساس أن من اعتقد أمرا فأخبر به، ثم تبين له أنه مخالف أو غير مطابق للواقع لا يعد كاذبا، وإنما يعد مخطئا. وقد روي عن عائشة أنها قالت فيمن شأنه كذلك: «ما كذب ولكن وهم»، أي أخطأ.
...
ثم جاء «الجاحظ» بعد أستاذه «النظام» ولم يقف بالخبر عند حد الصدق والكذب. فهو ينكر انحصار الخبر في الصدق والكذب، ويزعم أن الخبر ثلاثة أقسام: صادق، وكاذب، وغير صادق ولا كاذب.
فالخبر الصادق، في رأي الجاحظ- هو المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه مطابق. والخبر الكاذب عنده هو الذي لا يطابق الواقع، مع الاعتقاد بأنه غير مطابق.

أما الخبر الذي ليس بصادق ولا كاذب فليس نوعا واحدا، وإنما هو أربعة أنواع، وهذه هي:1 - الخبر المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه غير مطابق.2 - الخبر المطابق للواقع بدون اعتقاد أصلا.3 - الخبر غير المطابق للواقع مع الاعتقاد بأنه مطابق.4 - الخبر غير المطابق للواقع بدون اعتقاد أصلا.

ومن العلماء الأوائل الذين عرضوا لموضوع الخبر أيضا ابن قتيبة الدينوري في كتابه «أدب الكاتب»، وذلك إذ يقول: «والكلام أربعة: أمر، وخبر، واستخبار، ورغبة، ثلاثة لا يدخلها الصدق والكذب، وهي الأمر والاستخبار والرغبة، وواحد يدخله الصدق والكذب وهو الخبر» (1).
ومن أولئك العلماء قدامة بن جعفر، ففي كتابه «نقد النثر» يعرف الخبر بقوله: «والخبر كل قول أفدت به مستمعه ما لم يكن عنده، كقولك قام زيد، فقد أفدته العلم بقيامه. ومنه ما يأتي بعد سؤال فيسمى «جوابا» كقولك في جواب من سألك: ما رأيك في كذا؟ فتقول: رأيي كذا. وهذا يجوز أن يكون ابتداء منك فيكون خبرا، فإذا أتى بعد سؤال كان جوابا كما قلنا» (2).
وإتماما لمفهوم الخبر عند قدامة يقول: «وليس في صنوف القول وفنونه ما يقع فيه الصدق والكذب غير الخبر والجواب. إلا أن «الصدق والكذب يستعملان في الخبر، ويستعمل مكانهما في الجواب «الخطأ والصواب»، والمعنى واحد، وإن فرق اللفظ بينهما، وكذلك يستعمل في الاعتقاد موضع الصدق والكذب «الحق والباطل» والمعنى قريب من قريب» (3).
__________
(1) انظر أدب الكاتب على هامش كتاب المثل السائر ص 4.
(2) كتاب نقد النثر ص 44.
(3) نفس المرجع ص 45.

ويمكن تلخيص مفهوم الخبر عند قدامة بن جعفر على الوجه التالي:

1 - الخبر بصفة عامة أو أيا كان نوعه هو كل قول يستفيد منه الخبر به علما بشيء لم يكن معلوما له عند إلقاء القول عليه.
2 - والخبر بصفة خاصة هو ما يبتدئ به المخبر به، أو ما يلقيه على مستمعه ابتداء، بقصد إعلامه بشيء يجهله أو لا يعرفه. وهذا النوع من الخبر عنده هو ما يحتمل الصدق والكذب. فإذا حصل الاعتقاد في صدق هذا الخبر فهو «الحق»، وإذا حصل الاعتقاد في كذبه فهو «الباطل».
3 - والخبر الجوابي أو الجواب الذي يعده قدامة قسيم الخبر هو ما يأتي بعد سؤال، أو ما يأتي جوابا على سؤال. وهذا النوع من الخبر يحتمل الصدق والكذب، فإذا حصل الاعتقاد في صدقه فهو «الصواب» وإذا حصل الاعتقاد في كذبه فهو «الخطأ».
وما من شك في أن قدامة قد تأثر في مفهومه للخبر بمفهومه عند النظام والجاحظ، وإن كان هو قد طوّر هذا المفهوم وزاد عليه.
ومفهوم الكذب والصدق عند قدامة قد عبر عنه بقوله: «والكذب إثبات شيء لشيء لا يستحقه، أو نفي شيء عن شيء يستحقه، والصدق ضد ذلك، وهو إثبات شيء لشيء يستحقه، أو نفي شيء عن شيء لا يستحقه» (1).
__________
(1) كتاب نقد النثر ص 47.
...
وممن عالج موضوع الخبر كذلك ابن فارس في كتابه «الصاحبي في فقه اللغة وسنن العرب في كلامها».
وابن فارس هذا هو أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب المشهور بابن فارس، المتوفى سنة 395  للهجرة.
وهو من أكثر علماء القرن الرابع الهجري تأليفا وتصنيفا. فقد ألف وصنف أربعة وأربعين كتابا في الفقه والتفسير والسير والأدب واللغة والنحو وفقه اللغة.
ومع غزارة إنتاجه العلمي وتنوعه، فإنه، كما يبدو من بعض أشعاره، كان يحيا حياة شظف وعزلة، كقوله:
وقالوا: كيف حالك؟ قلت: خير تقضّى حاجة وتفوت حاج
إذا ازدحمت هموم الصدر قلنا: عسى يوما يكون لها انفراج
نديمي هرّتي، وأنيس نفسي دفاتر لي ومعشوقي. السّراج
وكتابه «الصاحبي» هو من آخر ما ألف فقد كتبه قبل وفاته بثلاثة
عشر عاما، وفيه عقد ابن فارس بابا سماه «باب معاني الكلام» وذكر فيه أن معاني الكلام «هي عند أهل العلم عشرة: خبر، واستخبار، وأمر، ونهي، ودعاء، وطلب، وعرض، وتحضيض، وتمنّ، وتعجب».
وما يعنينا هنا من هذه المعاني العشرة هو «الخبر» فقد عقد له بابا خاصا سماه «باب الخبر» وفيه يقول: «أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنه إعلام. تقول أخبرته أخبره، والخبر العلم.
وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديقه أو تكذيبه، وهو إفادة المخاطب أمرا في ماض من زمان أو مستقبل أو دائم. نحو: قام زيد وقائم زيد. ثم يكون واجبا وجائزا وممتنعا. فالواجب قولنا: النار محرقة، والجائز قولنا: لقي زيد عمرا، والممتنع قولنا: حملت الجبل» (1).
__________
(1) كتاب الصاحبي لابن فارس ص 179.

وأهل النظر الذين يحكي قولهم ابن فارس هنا منهم على التحديد قدامة بن جعفر، لأن القول السابق وارد في كتابه «نقد النثر» وكل ما هنالك أن ابن فارس زاده توضيحا بالأمثلة.
وقد ذكر ابن فارس في «باب الخبر» المعاني الكثيرة التي يحتملها لفظ الخبر، وهذه سنعرض لها فيما بعد عند كلامنا عن الأغراض التي يخرج إليها الخبر.
ومهما اختلفت آراء العلماء في مفهوم الخبر فإن هناك قدرا مشتركا بينهم يمكننا أن نستخلص منه تعريفا له وهو: الخبر ما يصح أن يقال لقائله إنه صادق فيه أو كاذب. فإن كان الكلام مطابقا للواقع كان قائله صادقا، وإن كان غير مطابق له كان قائله كاذبا.
...

البلاغيّون والخبر

ويقول البلاغيون: إن احتمال الخبر للصدق والكذب إنما يكون بالنظر إلى مفهوم الكلام الخبريّ ذاته، دون النظر إلى الخبر أو الواقع؛ إذ لو نظرنا عند الحكم على الخبر بالصدق أو الكذب إلى الخبر أو الواقع، لوجدنا أن من الأخبار ما هو مقطوع بصدقه لا يحتمل كذبا، وما هو مقطوع بكذبه لا يحتمل صدقا.
فمن الأخبار المقطوع بصحتها ولا تحتمل الكذب البتة أخبار الله تعالى، أي كل ما يخبرنا الله به، وأخبار رسله، والبديهات المألوفة من مثل:
السماء فوقنا والأرض تحتنا، وماء البحر ملح وماء النهر عذب.
ومن الأخبار المقطوع بكذبها ولا تحتمل الصدق الأخبار المناقضة للبديهيات، نحو: الجزء أكبر من الكل، والأسبوع خمسة أيام، وكذلك الأخبار التي تتضمن حقائق معكوسة، نحو: الأمانة رذيلة والخيانة فضيلة.
ولكن هذه الأخبار المقطوع بصحتها أو المقطوع بكذبها إذا نظرنا إليها ذاتها دون النظر إلى قائلها أو إلى الواقع كانت محتملة للصدق والكذب، شأنها في ذلك شأن سائر الأخبار.

ركنا الجملة:

وكل جملة من جمل الخبر لها ركنان: محكوم عليه، وهو المسند إليه، ومحكوم به، وهو المسند، وما زاد على ذلك في الجملة غير المضاف إليه وصلة الموصول فهو قيد.
فإذا قلنا: «سافر الصديق» و «الناجح مسرور» فإن الذي حكم عليه بالسفر أو أسند إليه السفر في الجملة الأولى هو «الصديق»، والذي حكم به للصديق أو أسند له هو «السفر». وعلى هذا يكون «الصديق» هو المحكوم عليه أو المسند إليه، ويكون «سافر» هو المحكوم به أو المسند.
وركنا الجملة الثانية هما «الناجح» و «مسرور». والذي حكم عليه بالسرور أو أسند إليه السرور هنا هو «الناجح»، والذي حكم به للناجح أو أسند له هو «السرور». وعلى هذا يكون «الناجح» هو المحكوم عليه أو المسند إليه، ويكون «مسرور» هو المحكوم به أو المسند. والمسند إليه عادة هو الفاعل، أو نائب الفاعل، أو المبتدأ الذي له خبر، أو ما أصله المبتدأ كاسم كان وأخواتها. والمسند هو الفعل التام، أو المبتدأ المكتفي بمرفوعه، أو خبر المبتدأ، أو ما أصله خبر المبتدأ كخبر كان وأخواتها، أو المصدر النائب عن فعل الأمر.
ولعلنا لاحظنا من الجملتين السابقتين أن الخبر إما أن يكون جملة اسمية أو فعلية. والجملة الاسمية تفيد بأصل وضعها ثبوت شيء لشيء ليس غير؛ فجملة «الناجح مسرور» لا يفهم منها سوى ثبوت شيء لشيء للناجح من غير نظر إلى حدوث أو استمرار.
ولكن الجملة الاسمية قد يكتنفها من القرائن والدلالات ما يخرجها عن أصل وضعها فتفيد الدوام والاستمرار، كأن يكون الكلام في معرض المدح أو الذم، ومن ذلك قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ. فالجملة الأولى سيقت في معرض المدح، والثانية سيقت في معرض الذم، والمدح والذم كلاهما قرينة، ولهذا فكلتا الجملتين قد خرجتعن أصل وضعها وهو الثبوت، وأفادت الدوام والاستمرار؛ أي إن الأبرار في نعيم دائم مستمر، والفجار كذلك في جحيم دائم مستمر.
والجملة الاسمية لا تفيد الثبوت بأصل وضعها ولا الدوام والاستمرار بالقرائن إلا إذا كان خبرها مفردا أو جملة إسمية، أما إذا كان خبرها جملة فعلية فإنها تفيد التجدد. فإذا قلت: «الدولة تكرّم العاملين من أبنائها»، كان معنى هذا أن تكريم الدولة للعاملين من أبنائها أمر متجدد غير منقطع.
أما الجملة الفعلية فموضوعة أصلا لإفادة الحدوث في زمن معين، فإذا قلت: «عاد الغريب إلى وطنه» أو «يعود الغريب إلى وطنه» أو «سيعود الغريب إلى وطنه» لم يستفد السامع من الجملة الأولى إلا حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن الماضي، ولم يستفد من الجملة الثانية إلا احتمال حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن الحاضر أو المستقبل، كما لم يستفد من الجملة الثالثة إلا حدوث عودة الغريب إلى وطنه في الزمن المستقبل.
وقد تفيد الجملة الفعلية الاستمرار التجددي بالقرائن، كما في قول المتنبي مادحا سيف الدولة:
على قدر أهل العزم تأتي العزائم وتأتي على قدر الكرام المكارم
وتعظم في عين الصغير صغارها وتصغر في عين العظيم العظائم
فالمدح هنا قرينة دالة على أن إتيان العزائم على قدر أهل العزم، وإتيان المكارم على قدر الكرام، وعظم صغار المكارم في عين الصغير، وصغر العظائم في عين العظيم، إنما هو أمر مستمر متجدد على الدوام.
وقد ذكرنا آنفا أن جملة الخبر لها ركنان: المسند إليه، والمسند، وأن ما زاد على ذلك في الجملة غير المضاف إليه وصلة الموصول فهو قيد. وقيود الجملة هي: أدوات الشرط، وأدوات النفي، والمفاعيل الخمسة، والحال، والتمييز، والأفعال الناسخة، والتوابع الأربعة: النعت، والعطف، والتوكيد، والبدل.
وعلماء المعاني يقسمون الجملة إلى جملة رئيسية، وجملة غير رئيسية، والأولى هي المستقلة التي لا تكون قيدا في غيرها، والثانية ما كانت قيدا في غيرها، وليست مستقلة بنفسها.

أغراض الخبر:الأصل في الخبر أن يلقى لأحد غرضين:

1 - إفادة المخاطب الحكم الذي تضمنته الجملة أو العبارة، ويسمى ذلك الحكم فائدة الخبر.2 - إفادة المخاطب أن المتكلم عالم بالحكم، ويسمى ذلك لازم الفائدة.

...

فالغرض الأول هنا وهو «فائدة الخبر» يقوم في الأصل على أساس أن من يلقى إليه الخبر، أو من يوجّه إليه الكلام يجهل حكمه أي مضمونه، ويراد إعلامه أو تعريفه به.
وهذا الغرض الذي يسميه البلاغيون «فائدة الخبر» يتمثل في جميع الأخبار التي يبغي المتكلم من ورائها تعريف من يخاطبه بشيء أو أشياء يجهلها. كذلك يتمثل في الأخبار المتعلقة بالحقائق التي تشتمل عليها الكتب في العلوم والفنون المختلفة، أو الحقائق العلمية التي تلقى على المتعلمين.
من ذلك مثلا هذا الخبر التاريخي عن معاوية بن أبي سفيان: «أسلم معاوية مع أبيه عام الفتح، واستكتبه النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم، واستعمله عمر على الشام أربع سنين من خلافته، وأقرّه عثمان مدة خلافته نحو اثنتي عشرة سنة، وتغلّب على الشام محاربا لعليّ أربع سنين، فكان أميرا وملكا على الشام نحو أربعين سنة. وكان حليما حازما، داهية عالما بسياسة الملك، وكان حلمه قاهرا لغضبه، وجوده غالبا على منعه، يصل ولا يقطع» (1).
__________
(1) كتاب المختصر في أخبار البشر لأبي الفداء ج 2 ص 103.

فمثل هذا الخبر قد قصد به إفادة من يلقى إليه بمضمونه، أي بما اشتمل عليه من الحقائق التاريخية عن أول خلفاء الأمويين معاوية بن أبي سفيان، من حيث إسلامه، واستكتاب النبي له، ومدة ولايته وملكه على الشام، وأخلاقه. فالغرض من الخبر هنا إذن هو «فائدة الخبر».
أما الغرض الثاني من الخبر فهو ما سماه البلاغيون «لازم الفائدة».
وهو ما يقصد المتكلم من ورائه أن يفيد مخاطبه أنه، أي المتكلم، عالم بحكم الخبر، أي مضمونه. وفي الأمثلة التالية ما يوضح ذلك:
1 - إنك لتكظم الغيظ، وتحلم عند الغضب، وتعفو مع القدرة، وتصفح عن الزلة، وتستجيب لنداء المستغيث بك.
2 - وقال المتنبي مخاطبا سيف الدولة ومثنيا على شجاعته:
تدوس بك الخيل الوكور على الذرى وقد كثرت حول الوكور المطاعم
3 - وقال أحد الشعراء معاتبا:
وتغتابني في كل ناد تحلّه وتزعم أني لست كفئا لمثلكا
فالمتكلم في المثال الأول لا يقصد منه أن يفيد من يخاطبه شيئا مما تضمنه الكلام من الأحكام التي أسندها إليه من كظم الغيظ، والحلم ساعة الغضب، والعفو مع المقدرة، والاستجابة لنداء المستغيثين به، لأن ذلك يعلمه المخاطب عن نفسه قبل أن يعلمه المتكلم، وإنما يريد أن يبين له أنه، أي المتكلم، عالم بما تضمنه هذا الكلام.
والمتنبي وهو يخاطب سيف الدولة بالبيت السابق لا يقصد أن يخبره ويفيده بأنه وهو يحارب أعداءه الروم كان يتتبعهم ويطارد فلو لهم بجيشه في قمم الجبال حيث وكور جوارح الطير فيقتلهم هناك ويصنع من جثثهم وليمة كبيرة متناثرة حول أوكارها.
أجل لا يقصد المتنبي أن يفيد مخاطبه علما بمضمون بيته، لأن سيف الدولة لا يجهله، بل هو يعلمه عن نفسه قبل أن يعلمه المتكلم به، وإنما يريد المتنبي أن يبين لسيف الدولة أنه، المتنبي، عالم بمضمون الخبر الذي أورده في بيته.
وفي المثال الثالث لا يقصد الشاعر منه أن يفيد مخاطبه علما بمضمون البيت الذي أسنده إليه، من اغتيابه له في كل مكان يكون فيه، ومن الزعم بأنه ليس كفئا له، لأن المخاطب يعلم أن ذلك قد حدث منه ويحدث، وإنما يبغي الشاعر من وراء إلقاء هذا الخبر على من يخاطبه به بأنه يعلم مضمونه ولا يجهله.
فالمخاطب إذن في كل مثال من الأمثلة الثلاثة لم يستفد علما بالخبر نفسه، لأنه يعلمه مسبقا ولا يجهله، وإنما استفاد أن المتكلم عالما به، ويسمى ذلك النوع من الخبر «لازم الفائدة».
ومن الأمثلة السابقة ونظائرها يمكن القول بأن الخبر «لازم الفائدة» يأتي في مواضع المدح والعتاب واللوم وما أشبه ذلك من كل موضع يأتي فيه إنسان ما عملا ما، ثم يأتي شخص آخر فيخبره به لا على أساس أن المخاطب يجهله، وإنما على أساس أن المتكلم عالم بالحكم، أي بمضمون الخبر الذي أسنده إليه.
...

أضرب الخبر:

على أن الخبر سواء أكان الغرض منه «فائدة الخبر» أو «لازم الفائدة» لا يأتي على ضرب واحد من القول. وإنما ينبغي على صاحب الخبر أن يأخذ في اعتباره حالة المخاطب عند إلقاء الخبر، وذلك بأن ينقله إليه في صورة من الكلام تلائم هذه الحالة بغير زيادة أو نقصان.

والمخاطب بالنسبة لحكم الخبر، أي مضمونه، له ثلاث حالات هي:

1 - أن يكون المخاطب خالي الذهن من الحكم، وفي هذه الحال يلقى إليه الخبر خاليا من أدوات التوكيد ويسمى هذا الضرب من الخبر «ابتدائيا».
2 - أن يكون المخاطب مترددا في الحكم شاكا فيه، ويبغي الوصول إلى اليقين في معرفته، وفي هذه الحال يحسن توكيده له ليتمكن من نفسه، ويحل فيها اليقين محل الشك. ويسمى هذا الضرب من الخبر «طلبيا».
3 - أن يكون المخاطب منكرا لحكم الخبر، وفي هذا الحال يجب أن يؤكد له الخبر بمؤكد أو أكثر، على حسب درجة إنكاره من جهة القوة والضعف. ويسمى هذا الضرب من الخبر «إنكاريا».
وتبيانا لأضرب الخبر السابقة بالنسبة لحالات المخاطب نورد فيما يلي ثلاث طوائف من الأمثلة توضح كل طائفة منها ضربا من أضربه.
أما الطائفة الأولى، وجميعها من شعر المتنبي، فهي:
أ- سبقنا إلى الدنيا فلو عاش أهلها منعنا بها من جيئة وذهوب
تملّكها الآتي تملّك سالب وفارقها الماضي فراق سليب
ب- أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي وأسمعت كلماتي من به صمم
أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق جرّاها ويختصم
ج- وكل امرئ يولي الجميل محبّب وكل مكان ينبت العزّ طيّب
د- لا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدّم
هـ- أتى الزمان بنوه في شبيبتهم فسرّهم وأتيناه على الكبر
فالمتنبي يلقي الخبر في كل مثال من هذه الأمثلة إلى مخاطب خالي الذهن من حكمه؛ أي مضمونه، ومن أجل ذلك جاء بالخبر خاليا من أدوات التوكيد. وهذا هو ضرب الخبر «الابتدائي».
والطائفة الثانية من شعر أبي العلاء المعري وهي:
أ- إن الذي بمقال الزور يضحكني مثل الذي بيقين الحق يبكيني
ب- إذا ما الأصل ألفى غير زاك فما تزكو مدى الدهر الفروع
ج- وقد يغشى الفتى لجج المنايا حذارا من أحاديث الرفاق
فالمعري يوجّه الخبر الذي تضمنه كل بيت هنا إلى مخاطب متردد في حكم الخبر ومضمونه، ولهذا حسن توكيد الكلام له بمؤكد تمكينا له من نفسه وحسما للشك في حقيقته. وهذا الضرب من الخبر «طلبيّ». وأداة التوكيد في البيت الأول «إنّ» المشددة النون. وفي البيت الثاني «ما الزائدة» بعد كلمة «إذا»، وفي البيت الثالث «قد».
والطائفة الثالثة من شعر أبي العلاء المعري أيضا، وهي:
أ- ألا إنّ أخلاق الفتى كزمانه فمنهنّ بيض في العيون وسود
ب- لعمرك ما في الأرض كهل مجرّب ولا ناشئ إلّا لإثم مراهق (1)
ج- لقد نفق الرديء، وربّ مر من الأقوات يجعل في الصحاف (2)
فالمعري في هذه المرة يتجه بالخبر في كل مثال من الأمثلة هنا إلى شخص ينكر حكم الخبر ويعتقد فيما يخالفه، ولذلك كان من الواجب تأكيد الخبر له على حسب إنكاره قوة وضعفا، بمعنى أن يزاد له في التأكيد كلما اشتد إنكاره.
وقد أكد له الخبر في البيت الأول بمؤكدين هما: حرف التنبيه «ألا» و «إنّ» المشددة النون، وفي البيت الثاني بمؤكدين هما: لام الابتداء، والقسم في «لعمرك» إذ معناها «لعمرك قسمي»، وفي البيت الثالث أكد له الخبر بمؤكدين أيضا هما: لام الابتداء، وقد في «لقد». وهذا الضرب من الخبر «إنكاريّ».
وتجدر الإشارة هنا إلى أن الحكم على الخبر بأنه ابتدائي، أو طلبي، أو إنكاري، إنما هو على حسب ما يخطر في نفس القائل من أن سامعه خالي الذهن أو متردد أو منكر.
__________
(1) مراهق: مرتكب.
(2) نفق الرديء: راج وكثر طلابه. الصحاف: جمع صحفة، والصحفة: إناء أو وعاء كالقصعة.

...

مؤكدات الخبر:

عرفنا من دراستنا لأضرب الخبر أن المخاطب الذي يلقى إليه الخبر إذا كان مترددا في حكمه حسن توكيده له ليتمكن مضمون الخبر من نفسه، وإذا كان منكرا لحكم الخبر وجب توكيده له على حسب إنكاره قوة وضعفا.

والأدوات التي يؤكد بها الخبر كثيرة منها: إنّ، ولام الابتداء، وأمّا الشرطية، والسين، وقد، وضمير الفصل، والقسم، ونونا التوكيد، والحروف الزائدة، وأحرف التنبيه. وفيما يلي تفصيل وتوضيح لهذه الأدوات:

1 - «إنّ» المكسورة الهمزة المشددة النون، وهذه هي التي تنصب الاسم وترفع الخبر، ووظيفتها أو فائدتها التأكيد لمضمون الجملة أو الخبر، فإن قول القائل: «إن الحياة جهاد» ناب مناب تكرير الجملة مرتين، إلّا أن قولك: «إن الحياة جهاد» أوجز من قولك: «الحياة جهاد، الحياة جهاد» مع حصول الغرض من التأكيد. فإن أدخلت اللام وقلت «إن الحياة لجهاد» ازداد معنى التأكيد، وكأنه بمنزلة تكرار الجملة ثلاث مرات. وهذا الإيجاز أو الاقتصاد في ألفاظ الجملة مع حصول الغرض من التوكيد هو الذي يعطي مثل هذه الجملة قيمتها البلاغية، على أساس أن البلاغة هي الإيجاز.
ومن أمثلتها من القرآن الكريم قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وإِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كانُوا إِخْوانَ الشَّياطِينِ، وإِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، ثُمَّ ازْدادُوا كُفْراً لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ.
ومن أحاديث الرسول: «إن المنبتّ لا أرضا قطع ولا ظهرا أبقى»، وقوله: «إنما الشعر كلام مؤلف فما وافق الحق منه فهو حسن، وما لم يوافق الحق منه، فلا خير فيه».
ومن الشعر:
إنّ التي زعمت فؤادك ملّها خلقت هواك كما خلقت هوى لها
إني لآمل منك خيرا عاجلا والنفس مولعة بحب العاجل
وإن امرأ أمسى وأصبح سالما من الناس إلا ما جنى لسعيد
2 - «لام الابتداء»: وفائدتها توكيد مضمون الحكم، وتدخل على المبتدأ، نحو: لأنت خير من عرفت، كما تدخل على خبر «إن» نحو قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعاءِ، وعلى المضارع الواقع خبرا لإن لشبهه بالاسم نحو قوله تعالى: وَإِنَّ رَبَّكَ لَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، وعلى شبه الجملة نحو: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ.
3 - «أما الشرطية»، المفتوحة الهمزة المشددة الميم: وهي حرف شرط وتفصيل وتوكيد، نحو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ ماذا أَرادَ اللَّهُ بِهذا مَثَلًا، ونحو قول الشاعر:
ولم أر كالمعروف أما مذاقه فحلو وأما وجهه فجميل
وفائدة «أما» في الكلام أنها تعطيه فضل توكيد وتقوية للحكم، تقول مثلا «زيد ذاهب» فإذا قصدت توكيد ذلك وأنه لا محالة ذاهب، وأنه بصدد الذهاب وعازم عليه قلت: «أما زيد فذاهب».
4 - «السين»: وهي حرف يختص بالمضارع ويخلصه للاستقبال، والسين إذا دخلت على فعل محبوب أو مكروه أفادت أنه واقع لا محالة، ووجه ذلك أنها تفيد الوعد أو الوعيد بحصول الفعل، فدخولها على ما يفيد الوعد أو الوعيد مقتض لتوكيده وتثبيت معناه.
فهي في مثل قوله تعالى: أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ مفيدة وجود الرحمة لا محالة، ولذلك فهي تؤكد هنا حصول فعل الوعد. كذلك هي في مثل قوله تعالى: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ، ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ، سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ تؤكد حصول فعل الوعيد الذي دخلت عليه وتثبّت معناه بأنه كائن لا محالة وإن تأخر إلى حين.
5 - «قد»: التي للتحقيق، نحو قوله تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ، فهي في مثل هذه الجملة تفيد توكيد مضمونها؛ أي أن فلاح المؤمنين الخاشعين في صلاتهم حق ولا محالة حاصل.
6 - «ضمير الفصل»: وهو عادة ضمير رفع منفصل، ويؤتى به للفصل بين الخبر والصفة، نحو «محمد هو النبي» فلو لم نأت بالضمير «هو» وقلنا «محمد النبي» لاحتمل أن يكون «النبي» خبرا عن محمد، وأن يكون صفة له، فلما
أتينا بضمير الفصل «هو» تعين أن يكون «النبي» خبرا عن المبتدأ وليس صفة له. فضمير الفصل على هذا الأساس يزيل الاحتمال والإبهام من الجملة التي يدخل عليها، وبالتالي يفيد ضربا من التأكيد.
ولهذا عدّ من أدوات توكيد الخبر.
7 - «القسم»: وأحرفه «الباء، والواو، والتاء»، و «الباء» هي الأصل في أحرف القسم لدخولها على كل مقسم به، سواء أكان اسما ظاهرا أو ضميرا، نحو: أقسم بالله، وأقسم بك.
و «الواو» تختص بالدخول على الاسم الظاهر دون الضمير، نحو:
«أقسم والله»، أما «التاء» فتختص بالدخول على اسم الله تعالى فقط، كقوله تعالى: وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنامَكُمْ.
والحروف التي تدخل على المقسم عليه، أي جواب القسم، أربعة «اللام، وإنّ، وما، ولا». فإذا كان المقسم عليه والذي يسمى جواب القسم مثبتا فإن الحروف التي تدخل عليه هي «اللام، وإن»، نحو: والله لموت شريف خير من حياة ذليلة» ونحو قوله تعالى: وَالْعَصْرِ إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ.
وإذا كان المقسم عليه أو جواب القسم منفيا فإن الحروف التي تدخل عليه هي «ما، ولا» نحو: والله ما العمل اليدويّ مهانة، ونحو: والله لا قصرت في القيام بواجبي.
فالقسم على أي صورة من هذه الصور فيه ضرب من التأكيد، لأن فيه إشعارا من جانب المقسم بأن ما يقسم عليه هو أمر مؤكد عنده لا شك فيه، وإلا لما أقسم عليه قاصدا متعمدا. ومن أجل ذلك عدّ البلاغيون القسم من مؤكدات الخبر.
8 - «نونا التوكيد»: وهما نون التوكيد الثقيلة، أي المشددة، ونون التوكيد الخفيفة، أي غير المشددة، وهما يدخلان على المضارع بشروط وعلى الأمر جوازا، وقد اجتمعا في قوله على حكاية على لسان امرأة عزيز مصر في قصة يوسف: وَلَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ.
9 - «الحروف الزائدة»: وهي «إن» المسكورة الهمزة الساكنة النون، و «أن» المفتوحة الهمزة الساكنة النون، و «ما»، و «لا»، و «من» و «الباء»، الجارتان. وليس معنى زيادة هذه الحروف أنها قد تدخل لغير معنى البتة، بل زيادتها لضرب من التأكيد.
فمثال «إن»: «ما إن قبلت ضيما» والأصل «ما قبلت ضيما» فدخول «إن» قد أكد معنى حرف النفي الذي قبله.
أما «أن» فتزاد توكيدا للكلام، وذلك بعد «لما» بتشديد الميم، نحو قوله تعالى: فَلَمَّا أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ أَلْقاهُ عَلى وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيراً والمراد فلما جاء البشير ...
و «ما» تزاد في الكلام لمجرد التأكيد، وهذا كثير في القرآن الكريم والشعر وسائر الكلام. ومثاله من القرآن قوله تعالى: فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ، لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (1). وأصل تركيب «فإما تثقفنّهم» «فإن ما تثقفنّهم» «فإن» حرف شرط يدل على ارتباط جملتين بعضهما ببعض، و «ما» حرف زائد للدلالة على تأكيد هذا الارتباط في كل حال من الأحوال.
__________
(1) هذه الآية نزلت في يهود المدينة الذين تكرر منهم نقض عهودهم مع النبي. والمعنى فإما تظفرن بهم فنكل بهم تنكيلا شديدا يكون سببا في تشريد وتشتيت من يقفون خلفهم من كفار مكة.

ومثاله من الشعر قول البحتري:
وإذا ما جفيت كنت حريّا أن أرى غير مصبح حيث أمسي
ومثاله من شعر البارودي في وصف بعض مظاهر شيخوخته من ضعف بصره وثقل سمعه:
لا أرى الشيء حين يسنح إلا كخيال كأنني في ضباب
وإذا ما دعيت حرت كأني أسمع الصوت من وراء حجاب
فما قد زيدت بعد «إذا» في المثالين السابقين لتأكيد معنى هذا الظرف.
ومثاله من سائر الكلام «غضبت من غير ما جرم» أي من غير جرم، و «جئت لأمر ما» فما زائدة للتأكيد، والمعنى على النفي «ما جئت إلا لأمر».
و «لا» تزاد مؤكدة ملغاة نحو قوله تعالى: لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ، فلا زائدة، والمعنى ليعلم أَهْلُ الْكِتابِ ... ، ونحو قوله تعالى: فَلا أُقْسِمُ بِمَواقِعِ النُّجُومِ فلا زائدة، والمعنى فأقسم بمواقع النجوم.
و «من» قد تزاد توكيدا لعموم ما بعدها في نحو «ما جاءنا من أحد» فإن أحدا صيغة عموم، بمعنى ما جاني أي أحد. ولا تكون «من» زائدة للعموم إلا إذا تقدمها نفي أو نهي أو استفهام ب «هل»؛ فالنفي نحو قوله تعالى: وَما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُها، وقوله ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ، والنهي نحو «لا تهمل من غذاء عقلك» والاستفهام نحو قوله تعالى: هَلْ تَرى مِنْ فُطُورٍ؟ (1) ونحو هل من شاعر بينكم؟ و «من» هذه التي تزاد توكيدا لعموم ما بعدها نفيا كان أو نهيا أو استفهاما يكون الاسم الواقع بعدها إما فاعلا أو مفعولا أو مبتدأ كما في الأمثلة السابقة.
__________
(1) الفطور: الخلل والتصدع.

«الباء» ومن استعمالاتها أن تزاد لتوكيد ما بعدها، وقد تزاد كثيرا في الخبر بعد «ليس وما» النافيتين، وعندئذ تكون زيادتها لتوكيد نفي ما بعدها، وذلك نحو قوله تعالى: وَمَا اللَّهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ،* وقوله تعالى أيضا: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ، لَسْتَ عَلَيْهِمْ بمسيطر. وقول معن ابن أوس:
ولست بماش ما حييت لمنكر من الأمر لا يمشي لمثله مثلي
فزيادة الباء هنا إنما هو لتأكيد معنى النفي؛ أي تأكيد نفي ما بعدها.
10 - «حروف التنبيه»: ومما يزاد أيضا حروف التنبيه، ومنها «ألا وأما» بفتح الهمزة والتخفيف. و «ألا» قد تزاد للتنبيه، وعندئذ تدل على تحقق ما بعدها، ومن هنا تأتي دلالتها على معنى التأكيد، وذلك نحو قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ.
و «أما» حرف استفتاح وهي بمنزلة «ألا» في دلالتها على تحقق ما بعدها تأكيدا، ويكثر مجيئها قبل القسم، لتنبيه المخاطب على استماع القسم وتحقيق المقسم عليه، نحو قوله أبي صخر الهذلي:
أما والذي أبكى وأضحك والذي أمات وأحيا والذي أمره الأمر
لقد تركتني أحسد الوحش أن أرى أليفين منها لا يروعهما النفر (1)
__________
(1) لا يروعهما النفر: لا يفزعهما التفرق أو الفراق.
...

خروج الخبر عن مقتضى الظاهر:

من دراستنا السابقة لأضرب الخبر أدركنا أن المخاطب على حسب تخيل المتكلم أو القائل إن كان خالي الذهن ألقي إليه الخبر غير مؤكد، وإن كان مترددا شاكا في مضمونه طالبا معرفته حسن توكيده له، وإن كان منكرا للخبر وجب توكيده له بمؤكد أو أكثر على حسب درجة إنكاره قوة وضعفا.
وإلقاء الكلام أو الخبر بهذه الطريقة المتدرجة على حسب جهل المخاطب بمضمون الخبر أو شكه فيه أو إنكاره له هو ما يقتضيه الظاهر.
ولكن إيراد الكلام أو الخبر لا يكون دائما وأبدا جاريا على مقتضى الظاهر، فقد تجدّ اعتبارات تدعو المتكلم إلى أن يورد الكلام أو الخبر على صورة تخالف الظاهر، أو على صورة تخرج به عن مقتضى الظاهر كما يقول البلاغيون.

ومن الاعتبارات التي يلحظها المتكلم وتدعوه إلى الخروج بالكلام عن مقتضى الظاهر ما يلي:

1 - أن ينزّل خالي الذهن منزلة المتردد الشاكّ إذا تقدم في الكلام ما يشير إلى حكم الخبر ومضمونه. ومن هذا الضرب من الكلام قوله تعالى:
وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ.
فالمتأمل في هذه الآية الكريمة يجد أن المخاطب بها خالي الذهن من الحكم أو من مضمون قوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ، ولكن هذا الحكم لما كان مسبوقا بجملة وَما أُبَرِّئُ نَفْسِي، وهي في مضمونها تشير إلى أن النفس محكوم عليها بشيء غير محبوب أو مرغوب فيه، أصبح المخاطب بقوله تعالى: إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ متطلعا إلى نوع هذا الحكم، الذي يجهله ولا يدري حقيقته، ومن أجل ذلك نزّل هذا المخاطب منزلة المتردد الشاكّ، وألقي إليه الخبر مؤكدا استحسانا.
ومن أمثلة هذا النوع من التنزيل قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ وقوله تعالى: وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وقوله تعالى أيضا: وَلا تُخاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ*.
ومن أمثلته في الشعر قول عنترة:
لله درّ بني عبس لقد نسلوا من الأكارم ما قد تنسل العرب
وقول أبي الطيب المتنبي:
ترفق أيها المولى عليهم فإن الرفق بالجاني عتاب
2 - أن يجعل غير المنكر كالمنكر لظهور أمارات الإنكار عليه. ومثال ذلك قوله تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذلِكَ لَمَيِّتُونَ؛ فالمخاطبون بهذه الآية الكريمة لا ينكرون حقيقة الموت بالنسبة للإنسان، وأنه مهما طال أجله فإن مصيره إلى الموت والفناء، وعلى ما يقتضيه الظاهر كان يجب أن يلقى الكلام إليها خاليا من التأكيد، ولكننا مع ذلك نرى أن الكلام قد خرج عن مقتضى الظاهر وألقي إليهم مؤكدا. فما السبب في ذلك؟.
السبب ظهور أمارات الإنكار عليهم، فإن نسيانهم للموت وتكالبهم على مطالب العيش كأنهم مخلدون أبدا، وعدم بذلهم في الحياة الدنيا ما ينفعهم في الآخرة، كل هذه بوادر منهم تدل على إنكارهم لحقيقة الموت، ومن أجل ذلك نزّلوا منزلة المنكرين، وألقي الخبر إليهم مؤكدا بمؤكدين هما «إن» و «لام الابتداء».
ومثال ذلك أيضا قولك لمن يعقّ والديه ولا يطيعهما: «إن برّ الوالدين لواجب»، فالمخاطب بهذا الكلام لا ينكر أن برّ الوالدين واجب ولا يداخله شك في ذلك. وكان مقتضى الظاهر أن يلقى إليه الخبر غير مؤكد، ولكن عقوقه لوالديه، وغلظته في معاملتهما، وعدم إطاعتهما، كل ذلك اعتبر من علامات الإنكار، ولذلك نزّل منزلة الجاحد المنكر وألقي الخبر إليه مؤكدا بمؤكدين وجوبا، خروجا عن مقتضى الظاهر:
ومثاله أيضا من الشعر قول حجل بن نضلة القيسيّ:
جاء شقيق عارضا رمحه إن بني عمك فيهم رماح
فشقيق هذا الرجل لا ينكر رماح بني عمه، ولكنه مع ذلك يأتي إليهم عارضا شاهرا رمحه مدلّا بنفسه وشجاعته عليهم كأنه يعتقد أنهم عزل من السلاح. فمجيئه على هذه الحال علامة على إنكاره وجود السلاح مع بني عمه، ولذلك أنزل منزلة المنكر، وبالتالي ألقي الخبر إليه مؤكدا وقيل له:
إن بني عمك فيهم رماح.
3 - أن يجعل المنكر كغير المنكر، إن كان لديه شواهد وأدلّة لو تأملها لعدل عن إنكاره.
ومثال ذلك قوله تعالى: وَإِلهُكُمْ إِلهٌ واحِدٌ ففي هذه الآية الكريمة نرى الله جلّ شأنه يوجه الخطاب إلى المنكرين لوحدانيته، وكان مقتضى الظاهر يوجب إلقاء الخبر على المنكرين مؤكدا، ولكننا نرى الخبر في الآية قد خرج عن مقتضى الظاهر، فألقي إلى المنكرين مجردا من التوكيد، كما يلقى إلى غير المنكرين، فما السبب في ذلك؟
السبب أن بين أيدي المنكرين لوحدانية الله من الأدلة الساطعة والشواهد المقنعة ما لو تدبّروه وعقلوه لزال إنكارهم ولحل محله اليقين والاقتناع بوحدانية الله. ولذلك لم يكترث الله بإنكارهم عند توجيه الخطاب إليهم، وأنزل هؤلاء المنكرين منزلة غير المنكرين لوجود الدلائل التي لو تأملها المنكر لاقتنع وكفّ عن إنكاره.
وأمثلة هذا النوع كثيرة، كأن تقول لمن يجحد فضل العلم: «العلم نافع»، ولمن ينكر ضرر الجهل: «الجهل ضار» ولمن ينكر ما يسبّبه الفراغ من الفساد والإفساد: «الفراغ مفسدة»، وهكذا ...
وبعد فلعلنا نرى في الأمثلة الكثيرة التي أوردناها عن أضرب الخبر وعن خروج الكلام عن مقتضى الظاهر ما يوضح لنا القيمة البلاغية لأساليب الخبر المختلفة، تلك القيمة التي تستمد عناصرها دائما من «مطابقة الكلام لحال المخاطبين».
...

أغراض الخبر البلاغية:

عرفنا مما سبق أن الأصل في الخبر أن يلقى لغرضين هما: فائدة الخبر، ولازم الفائدة، كما عرفنا أن المتكلم في كل منهما يهدف من وراء الخبر إلى إعلام المخاطب شيئا لا يعرفه، سواء أكان هذا الشيء هو مضمون الخبر أو علم المتكلم بمضمونه.

وتجدر الإشارة هنا إلى أن الخبر ليس مقصورا على هذين الغرضين الأصليين؛ فالواقع أنه بالإضافة إليهما قد يلقى الخبر لأغراض أخرى بلاغية تفهم من السياق وقرائن الأحوال. ومن هذه الأغراض التي يخرج الخبر عن غرضيه الأصليين إليها:

1 - إظهار الضعف: وذلك نحو قوله تعالى حكاية عن زكريا عليه السّلام: رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً، وقول الشاعر:
إن الثمانين، وبلّغتها، قد أحوجت سمعي إلى ترجمان
وقول المتنبي في وصف مرضه:
عليل الجسم ممتنع القيام شديد السكر من غير المدام (1)
__________
(1) أي أنه سكران من غير خمر، وإنما من الضعف والهموم.

وقول شاعر مريض يقارن بين حاله وحال آخر معافّى من المرض:
الخطى عندك، إذ تقصرها، وثب وقفز والخطى عندي إذ أوسعها، ضعف وعجز
2 - الاسترحام والاستعطاف: نحو قول إبراهيم بن المهدي مخاطبا المأمون:
أتيت جرما شنيعا وأنت للعفو أهل
فإن عفوت فمنّ وإن قتلت فعدل
وقول المتنبي وهو في محبسه مستعطفا السلطان:
دعوتك عند انقطاع الرجا ء والموت منّي كحبل الوريد
دعوتك لما براني البلاء وأوهن رجليّ ثقل الحديد
وقول شاعر آخر:
فمالي حيلة إلا رجائي لعفوك إن عفوت وحسن ظنّي
يظن الناس بي خيرا وإني لشر الناس إن لم تعف عنّي
3 - إظهار التحسر على شيء محبوب: نحو قول المتنبي في رثاء جدته:
أتاها كتابي بعد يأس وترجة فماتت سرورا بي فمت بها غمّا
حرام على قلبي السرور فإنني أعدّ الذي ماتت به بعدها سمّا
وقوله في رثاء أبي شجاع فاتك:
الحزن يقلق والتجمّل يردع والقلب بينهما عصيّ طيّع
يتنازعان دموع عين مسهّد هذا يجيء بها وهذا يرجع!
وقول آخر يرثى عزيزا عليه:
وأيقظت أجفانا وكان لها الكرى ونامت عيون لم تكن قبل تهجع
وقول أبي فراس الحمداني عند ما سمع بمرض أمه وهو في الأسر:
عليلة بالشآم مفردة بات بأيدي العدا معلّلها
تمسك أحشاءها على حرق تطفئها والهموم تشعلها
تسأل عنا الركبان جاهدة بأدمع ما تكاد تمهلها!
4 - المدح: نحو قول زهير بن أبي سلمى:
وأبيض فيّاض يداه غمامة على معتفيه (1) ما تغبّ فواضله
تراه إذا ما جئته متهلّلا كأنك تعطيه الذي أنت سائله
وقول المتنبي مادحا سيف الدولة:
أرى كل ذي ملك إليك مصيره كأنك بحر والملوك جداول
إذا مطرت منهم ومنك سحائب فوابلهم طلّ وطلك وابل (2)
__________
(1) على معتفيه: على طالبي معروفه وفضله وكرمه. ما تغب فواضله: ما ينقطع إحسانه وأياديه الجميلة.
(2) الوابل: المطر الغزير. الطل: المطر الضعيف.

5 - الفخر: نحو قول الفرزدق:
ترى الناس ما سرنا يسيرون خلفنا وإن نحن أومأنا إلى الناس وقّفوا
وقول جرير:
إذا غضبت عليك بنو تميم رأيت الناس كلهم غضابا
ولآخر في الفخر بكثرة العدد:
ما تطلع الشمس إلّا عند أوّلنا ولا تغيّب إلّا عند آخرنا
وللشريف الرضي:
لغير العلى منّي القلى والتجنب ولولا العلى ما كنت في العيش أرغب
وقور: فلا الألحان تأسر عزمتي ولا تمكر الصهباء بي حين أشرب
ولا أعرف الفحشاء إلّا بوصفها ولا أنطق العوراء والقلب مغضب
6 - الحث على السعي والجد: كقول شوقي:
وما نيل المطالب بالتمني ولكن تؤخذ الدنيا غلابا
وما استعصى على قوم منال إذا الإقدام كان لهم ركابا
وقوله:
أعدت الراحة الكبرى لمن تعبا وفاز بالحق من لم يأله طلبا
وقول ابن نباتة السعدي:
يفوت ضجيع الترّهات طلابه ويدنو إلى الحاجات من بات ساعيا
فإذا نظرنا إلى كل مثال من الأمثلة السابقة وجدنا أن المتكلم لا يقصد منه فائدة الخبر ولا لازم الفائدة، وإنما خرج به عن هذين الغرضين إلى غرض آخر بلاغي يفهم من سياق الكلام وقرائن الأحوال، كغرض المدح أو الفخر، أو الاسترحام، أو إظهار التحسر، أو إظهار الضعف، أو الحث على السعي والجد.
وقد ذكرنا من قبل أن أحمد بن فارس في كتابه «الصاحبي في فقه اللغة» عقد بابا خاصا لمعاني الكلام العشرة عند أهل العلم وعدّ منها «الخبر» الذي سبق أن أوردنا تعريفه له مع تعاريف بعض العلماء الآخرين.
ولعل من المفيد ونحن بصدد الكلام عن أغراض الخبر الأصلية وأغراضه الأخرى التي تفهم من سياق الكلام أن نستكمل البحث هنا بذكر المعاني التي يحتملها الخبر كما جاءت في كتاب «الصاحبي».
قال أحمد بن فارس: «والمعاني التي يحتملها لفظ الخبر كثيرة. فمنها «التعجب» نحو: ما أحسن زيدا، و «التمني» نحو: وددتك عندنا، و «الإنكار» نحو: ما له عليّ حق، و «النفي» نحو: لا بأس عليك، و «الأمر» نحو قوله جلّ ثناؤه:
وَالْمُطَلَّقاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ (1)، و «النهي» نحو قوله تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ، و «التعظيم» نحو: سبحان الله، و «الدعاء»، نحو: عفا الله عنه، و «الوعد» نحو قوله جلّ وعزّ: سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ، و «الوعيد» نحو قوله تعالى: وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ.
__________
(1) يتربصن: ينتظرن. قروء: جمع تكسير مفرده قرء بضم القاف أو فتحها، ويطلق على الطهر الحاصل بين الحيضتين للمرأة.

وربما كان اللفظ خبرا والمعنى شرط وجزاء نحو قوله تعالى: إِنَّا كاشِفُوا الْعَذابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عائِدُونَ فظاهره خبر، والمعنى إنا إن نكشف عنكم العذاب تعودوا. ومثله: الطَّلاقُ مَرَّتانِ، المعنى من طلق امرأته مرتين فليمسكها بعدهما بمعروف أو يسرّحها بإحسان.
والذي ذكرناه في قوله جل ثناؤه: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الحكيم هو تبكيت. وقد جاء في الشعر مثله. وقال شاعر يهجو جريرا:
أبلغ جريرا وأبلغ من يبلّغه أني الأغرّ وأني زهرة اليمن
فقال جريرا مبكتا له:
ألم تكن في وسوم قد وسمت بها من حان موعظة يا زهرة اليمن؟
ويكون اللفظ خبرا والمعنى دعاء وطلب، نحو: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، معناه فأعنا على عبادتك. ويقول القائل: أستغفر الله، والمعنى «اللهم اغفر». قال الله جل ثناؤه: لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ. ويقول الشاعر:
أستغفر الله ذنبا لست محصيه ربّ العباد إليه الوجه والعمل (1)
مما تقدم نرى أن ابن فارس قد أورد من المعاني التي يحتملها لفظ الخبر أحد عشر معنى، وأن إيراده لهذه المعاني إما على سبيل المثال أو على أنها أهم معاني الخبر التي يكثر تداولها في الكلام. نقول ذلك لأن المعاني التي يحتملها لفظ الخبر ويدل عليها لا حصر لها، وأنها أكثر من أن تستقصى.
__________
(1) كتاب الصاحبي لابن فارس ص 179.
...
الكتاب: علم المعاني
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان
المصدر : المكتبة الشاملة

The translation below might be a lot of mistakes, so don't make this translation a reference, take a reference from the Arabic text above ! Thank You
The first topic is talking between the news and the creation

News
Perhaps the talk about the concept of news and construction has emerged with the emergence of the debate in the era of safe about the temptation to say the creation of the Koran.
Those who allowed freedom of thought were those who said that the Qur'an, although it was a revelation, was created, instead of the unshakable belief that the Qur'an is an uncreated Azali.
The Mu'tazilah built their words by creating the Qur'aan on the basis that what is included in it does not exceed one of three: a command, a prohibition and a news, and this is what denies the status of the foot.
Hence the definition of Mu'tazil for the concept of the news in terms of sincerity and lies, and the men of retirement who expressed their opinion that Ibrahim bin left visual system and his student arrogant.
The truth of the news or lies in the «regime» is in conformity with the belief of the informant or not match. The news is honest, provided that it conforms to the belief of the informer, even if that belief is a mistake in reality. The news is also false, provided that it does not match the belief of the informer, even if that belief is true in practice.

According to the opinion of this "system", the saying of the saying: The sea is tortured, believing it, is true, and it is said: The sea is salt, not believing it, a lie.

This view was built on the basis that whoever believes an order and tells it, and then found him to be contrary or not identical to reality is not a liar, but is wrong. It was narrated from 'Aa'ishah that she said: "What lies but is illusion?"
...
Then «Al-Jahez» came after his teacher «the regime» did not stop the news at the level of truth and lies. He denies that the news is limited in truth and lies, and claims that the news three sections: honest, false, and honest and not a liar.

The truthful story, in the opinion of Al-Jahez, is the one that is identical to reality, with the belief that it is identical. The false news is that it does not match reality, with the belief that it is not identical.
As for the news, which is neither sincere nor false, it is not one thing, but it is four types. These are:
1 - the news that corresponds to reality with the belief that it is not identical.
2 - the news that corresponds to reality without belief at all.
3 - the news is not identical to reality with the belief that it is identical.
4 - the news is not identical to reality without belief at all.
Among the first scholars who presented the subject of the story is also the son of Qutaiba al-Dinuri in his book «Literature writer», as he says: «The four words: command, and news, and intelligence, desire, three does not enter the truth and lies, which is command and intelligence and desire, and one enters truth and lies Al-Khobar »(1).

Among these scholars is Qudaamah ibn Jaafar. In his book Criticism of Prose, he knows the story by saying: "And the news is every statement that was made by its listener, unless he has it. And what comes after a question is called «answer» as you say in the answer of asked: What do you think of such? She says: My opinion as well. This may be the beginning of you and it is news, and if he came after a question was an answer as we said »(2).

And in complete accordance with the concept of the story at Qudaamah, he says: "It is not in the types of the saying and its arts that lies in honesty and lies, not the news and the answer. But the truth and lies are used in the news, and their place is used in the answer "wrong and right", and the meaning is one, although the difference of the word between them, as well as used in believing the place of truth and falsehood «right and wrong» and meaning close to the near »(3).
__________
(1) See the writer's literature on the sidelines of the book of ideals Stepper p. 4.
(2) Criticism book prose p.
3 Ibid., P.
The concept of the story can be summed up by Qudamah ibn Ja`far as follows:

1 - The news in general or whatever type is any statement benefit from the news by knowing something was not known to him when the statement.
2. In particular, the news is what the informant begins, or what he or she listens to the listener, with the intention of informing him of something he or she does not know. This kind of news is what is likely to be true and false. If there is a belief in the truth of this news, it is the "truth" and if it is believed that the lie is false.
3 - The answer to the answer or the answer prepared by Qudaamah the news is what comes after a question, or the answer to a question. This type of news is likely to be truthful and false. If it is believed that it is true, it is "right" and if it is believed that it is lying, it is "wrong."

There is no doubt that Qudaamah was influenced by his concept of the news in his concept of the system and arrogant, although he developed this concept and increased it.
The concept of lies and truthfulness at Qudamah was expressed by saying: "Lying is to prove something to something he does not deserve, to deny something about what he deserves, and honesty against it, to prove something to something he deserves, or to deny something about something he does not deserve."
__________
(1) Criticism book prose p.
...
And who dealt with the subject of the news as well as Ibn Fares in his book «Sahabi in the jurisprudence of the Arabs and Senna in her words».
The son of Fares is Abu Al-Hussein Ahmed bin Fares bin Zakaria bin Mohammed bin Habib famous son of Fares, who died in 395 AH.
He is one of the most prominent scientists of the fourth century AH classification and classification. He has classified forty-four books in jurisprudence, interpretation, biography, literature, language, grammar and linguistics.
And with the abundance of scientific production and diversity, it seems, as some of his poems, he lived a life of hardship and isolation, as saying:
They said: How are you? I said: good ... I need a need and miss a pilgrim
If the concerns of the chest are crowded, we said: "... may one day have a breakthrough
Nadimi Harti, and Anis myself ... my books and my lover. OS
His book «Sahabi» is one of the last thousand books he wrote before his death thirteen years, in which Ibn Fares held a door called "the door of the meanings of speech" and stated that the meanings of speech «are ten scholars: news, and intelligence, and ordered, And asked, introduced, tipped, and wished, and marveled ».

What concerns us here of these ten meanings is the «news» has held a special door called «Bab al-Khubar» and says: «The people of the language do not say in the news more than it is a media. She told him I told him, and told the flag.

Related Post:




0 Response to "الكلام بين الخبر والإنشاء ، البلاغيّون والخبر ، ركنا الجملة ، أغراض الخبر ، مؤكدات الخبر ، أضرب الخبر ، خروج الخبر عن مقتضى الظاهر ، أغراض الخبر البلاغية"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel