بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

تقييم نظرية بياجيه Piaget theory assessment

تقييم نظرية بياجيه:
دون أن نجري تقييمًا منهجيًّا كاملًا لإجمالي نظرية بياجيه, سوف نعلّق على بعض المسائل العامة التي أثيرت حول النظرية, والتي دأبت على إعطاء دفعة هامَّة للبحث والتحسينات, وسوف نتناول هذه المسائل بشكل عام، وإن كانت المراجع الرئيسية سوف تهيئ للقارئ المصادر الأساسية للحصول على إيضاحات أكثر للموضوعات.
وبصفة عامة, فإن الانتقادات تنحصر في أمرين:
1- الموضوعات المتعلقة بالتصوّر العقلي التي في داخل النموذج, والتي تحدث عادة على النماذج النظرية التي تصور بشكل عام.
2- موضوعات التصوّر العقلي المستقاة من تعارض أو صراع أساسي, مع التوجيه التركيبي أو العضوي للنظرية.
1- الموضوعات الداخلية في النظرية:
قدَّم بياجيه عددًا من التأكيدات حول نظريته، والتي كان من نصيبها إمَّا أن تفضَّل في الحصول على تأييد تجريبي ملائم, أو أنها كانت غير ملائمة منطقيًّا على النحو التالي:
أ- من هذه التأكيدات ما يختص بالتتابع غير المتغير في اكتساب العمليات العقلية، والتساؤلات لا تتركز على ما إذا كان التتابع متغيِّر من عدمه, بالنسبة للمراحل في الحاسة الحركية، ما قبل العمليات، العمليات المحسوسة، والإجراءات الشكلية، فلا أحد يشك جديًّا في هذا التتابع. والمسألة تتعلّق بالتتابعات التي افترض حدوثها في إطار ضيق ومحدود, والتي يصعب اختبارها تجريبيًّا, ومن أهم الموضوعات في هذا الصدد هي صعوبة التقييم الدقيق لمستوى نمو الطفل, فمن المحتمل مثلًا أن يخطئ في تقييم مستوى ما من النمو المعرفي، مثل: الإجراء العقلي "أ"، ولكننا قد نجري تقييمًا دقيقًا للإجراء العقلي "ب". فإذا قلنا: إن "ب" تتوقّف على "أ"، وإذا كان الطفل لديه "ب", ولكنه يفتقر إلى "أ"، فإن التتابع التصوري في هذه الحالة يبدو غير دقيق, في حين أن الواقع قد يكون نتيجة خطأ في القياس، وتذكر أبحاث فلافيل flavell "1977" العديد من الأمثلة لمثل هذه الأخطاء في التقييم.
وقد نشر فلافيل flavell "1972، 1977" تحليلًا مفصّلًا لمفهوم المراحل, وحدَّد مفاهيم التكوين والتغيّر النوعي والفجائية والإجماع، على أنها سمات مطلوبة إذا كنَّا سنتقبَّل نظرية بياجيه عن المراحل. مثال ذلك: استنتج فلافيل flavell أن نظرية المراحل قد تكون أكثر إقناعًا إذا كان الانتقال من مرحلة معرفية إلى أخرى انتقالًا فجائيًّا, واستنادًا إلى أبحاث سابقة، أظهر بشكل مقنع أنَّ الانتقال من مرحلة
إلى أخرى هو في الواقع انتقال تدريجي، مثال ذلك: إن الطفل عندما يحقق ثبات خواص الوزن، فإن هذا الإنجاز ليس مطلقًا. إن أوَّل بوادر التوصّل إلى ثبات خواص الوزن لا تعني أن الطفل لا يمر بنمو آخر في هذه المجموعة من الإجراءات العقلية. إن عددًا من أنماط النموّ المتزامنة تدل على أن المفاجأة ليس في الواقع من سمات المراحل، كما أنه من الصعوبة بمكانٍ تبيان أن النمو المعرفي يتضمَّن شبكة من الاقتدارات المتشابكة, وإذا كنَّا عاجزين عن إجراء مثل هذا البيان، فلا بُدَّ وأن مفهوم المرحلة إنما هو مفهوم أجوف. ويلخص فلافيل flavell "1977ن 249" استنتاجاته على النحو التالي:
"إن حدسي الخاص هو أنَّ مفهوم المرحلية لن يبرز في الواقع بشكل هام مستقبلًا في الأعمال العملية عن النمو المعرفي, وليس معنى ذلك عدم الاقنتاع بوجود اعتماديات نمائية غير موجَّهة أو ثنائية التوجيه؛ حيث يساعد نمو ما نموًّا آخر, وربما العكس. كما أنه لا يعني عدم وجود وحدة أو ثبات في العمل المعرفي عبر المواقف، ولكنه يعني أنه قد تكون هناك وحدة وثبات واستقلالية نموّ أقل مما تطالب به نظريات مثل نظرية بياجيه".
وهناك علماء نفس آخرون في مجال النمو، منهم: وهلويل wohlwill "1973"، وكولبرج kohlberg "1969", من المؤكَّد أنهم لا يوافقون على هذا البيان، كما أنه لا يجب على القارئ أن يفهم من البيان الذي اقتبسناه عن فلافيل
flavell أننا نوافق عليه تمامًا. إن ما يبدو لنا هو أن هذا التحليل تحليلًا ثاقبًا, ولا شك في أنه سيطعي دفعة لمزيد من البحث في طبيعة وفائدة مفهوم المرحلية كما وصفه بياجيه.
ب- والسمة الداخلية الثانية لنظرية بياجيه التي تتعرَّض الآن للتساؤل الجدِّي تتعلّق بتأكيداته حول دور اللغة في المعرفة, ولعل القارئ يتذكَّر أن بياجيه وبرونر يختلفان في هذا الصدد؛ حيث يعتبر برونر أن اللغة نظام رمزي ثابت داخليًّا، في حين يعتبرها بياجيه وسيلة اجتماعية لانتقال العمليات العقلية الملائمة لمرحلة معينة، وقد واجه رأي بياجيه تحديًّا على أساس أنه إذا كان الطفل لا يفهم التعليمات اللفظية، فإنه لن يستطيع حل المسألة. مثال ذلك في مسألة "ثبات خواص الحجم"، يطلب من الطفل أن يحدِّد ما إذا كان أحد الآنية يحتوي على نفس الكمية أو أكثر أو أقل من إناء آخر. وهذه الأسئلة تفترض أنَّ الطفل يفهم معاني الاصطلاحات المجرَّدة "نفس، أكثر، أقل", ولكن الطفل قد لا يفهمها, ولذلك يحق للإنسان أن يسأل: هل اللغة تعوق الأداء؟ ولكنها لا تعوق المقدرة؟
وقد لاقت أعمال بياجيه تأييدًا قويًّا من هانز فورث hans furth "1970", فقد عمل فورث furth وزملاؤه مع أطفال صمّ، في محاولة لتحديد ما إذا كانت إصابة السمع لديهم تغيِّر مسار النمو العقلي, أو تعدّل بأي شكل كان تتابع النمو المعرفي. وتؤيّد الدلائل الناتجة من أنَّ نقص السمع، الذي يؤثِّر على اللغة، لا يؤثر بشكل بالغ على معدَّل النمو العقلي, وهو قطعًا لا يؤثر على النمو المعرفي، إلّا عندما يتدخَّل ذلك في الاتصال بالطفل.
ومن آثار رأي بياجيه أيضًا أن توفير التكوين الرمزي "إعطاء الطفل الكلمات الضرورية" لا يكفي لتسارع النمو المعرفي أو التأثير عليه. وحديثًا قام بيلين beilin "1976" بمراجعة شاملة لمنطق الجوانب اللغوية في الإجراءات المعرفية, ويضفي تحليله الدقيق للأبحاث المتاحة شيئًا من التأييد لرأي بياجيه، وبالتحديد فيما يتعلّق يكون إمداد الأطفال بمعنى الكلمات لا يؤثِّر كثيرًا على أداء
تلك الواجبات المعرفية التي لها ارتباط بالنظرية. ومهما يكن من أمر, فإن عددًا من التجارب يدل على أن التعليم الشفوي يؤثّر فعلًا على الأداء, وبالتالي قد يؤثر على نمو العمليات العقلية. وبالنسبة للدليل على تأثير التعليم الشفوي، فإن بياجيه في الواقع قد عدَّل موقفه حول دور اللغة, وسنقدم ملخَّصًا مقتبسًا عن بيلين beilin "1976: 100" يدل بمزيد من البساطة والمباشرة على طبيعة التفسيرات التي اقترحها بياجيه وزملاؤه:
"يدل البيان على ما يأتي:
1- إن العمليات المعرفية وما قبلها لا توجه اللغة أو اكتساب اللغة كعلاقة ذات اتجاه واحد "كما سبق لعلماء النفس بمعهد جنيف أن أكدوا".
2- إن ما يوجّه اكتساب اللغة هو آلية منظَّمة لها مقابل في الآليات المنظمة في مجالات أخرى "غير لغوية" للسلوك. وهذه الآليات المستقلة جزئيًّا وفي نفس الوقت تناسقية، هي مظاهر نظام أكثر تجريدًا.
3- إن الإجراءات اللغوية الحسابية وما قبلها تظهر هذه التكوينات الأكثر تجريدًا عندما تكون هناك حاجة لها, وهذه التكوينات التجريدية تبدو واضحة في التصنيف والتسلسل, وغيرهما من السلوكيات التي تضمّ الإجراءات المنطقية الحسابية للإدماج وعلاقات الترتيب ... إلخ.
4- إن التكوينات المعرفية لا تنبثق الآن من التكوين اللغوي، كما أنَّ التكوينات اللغوية لا تنبثق ظاهريًّا من الأنظمة المعرفية. إن كليهما ينبثق من نظام أكثر تجريدًا من تعليمات وتنظيمات تسري على كل المجالات".
إن هذه المجموعة الهامَّة من التعديلات تدل على مستوى أعلى من الإجراءات العقلية تنسِّقُ الإجرءات العقلية السابقة واللغة. وذلك فإن النظام اللغوي والنظام المعرفي ينشآن في تكوينات منطقة تجريدية ويكمِّل أحدهما الآخر, فإذا كان هذا التعديل النظري صحيحًا فعلًا، فإنه يسمح بتناول الإجرءات العقلية بالوسائل اللفظية.
الموضوعات المنبثقة من النظرية:
إن علماء السلوك ينتقدون تأكيدات بياجية حول الدور غير النشط نسبيًّا للتغيرات الثقافية، وتجاهله الظاهر للمبادئ السلوكية الأساسية للتعلم.
وفيما يختص بعدم تغيُّر التتابع والإجراءات العقلية وعلاقته بالتغيرات الثقافية, فقد سبق أن بَيَّنَّ برونر وزملاؤه bruner et al "1966", وجودناو goodnow "1969" يقدمون الدليل الأكبر على تأثيرات التغيرات الثقافية على
العمليات العقلية، ويدل تلخيص التراث النظري أساسًا على مساهمات جرينفيلد " bruner, et al, 1966grienfild؛ حيث أشار إلى بعض التأثيرات الثقافية على خواص الأداء, وربما على الإجراءات العقلية للأطفال. ويبدو أن التعليم المدرسي له تأثير أهم وأكثر مما إذا كانت ثقافة معينة هي أكثر بداءة من المجتمع الغربي. وحتى هنا، إن المعطيات تدل -طبقًَا لتحليل جودناو goodnow- على أن كثيرًا من اختبارات بياجيه لم تتأثر فعلًا بعوامل المدرسة أو اللا مدرسية، أو بصفة أكثر عمومية، بالعوامل الثقافية, ويذكر جودناو goodnow عددًا من الأمثلة لمهام "واجبات" يبدو فيها أن الأطفال غير الغربيين أكثر تأثيرًا، وأن هذه التأثيرات يبدو أنها من طابع القيمة التمثيلية أو الرمزية للرسوم والكلمات. إن الفروق الثقافية، من جهة أخرى، يبدو أن لها تأثيرًا ضئيلًا على واجبات ثبات الخواص.
إن وجهة النظر القائلة بأنَّ العمليات العقلية المطلوبة لتناول الواجبات الهامَّة التي يستخدمها البياجيون "أتباع بياجيه" لتباين نموذجهم, وتجري على أساس أنَّ المتطلبات السلوكية للواجبات "المهام" يجب أن تحدد بوضوح. وبعد تحديد الواجبات اللازمة يقوم المدرِّب بتعليم الطفل المهارات الضرورية التي حددتها تحليلات الاختبارات. وواضح أن هذه المعالجة لا تقدّم أيَّ افتراض حول كيفية ترتيب القدرات العقلية أو الآليات التكاملية، ولكنَّها تقتصر على بيان أنه إذا كانت حصيلة الطفل من الاستجابات تشتمل على السلوكيات المحددة المطلوبة، فعندئذ يمكن حل الاختبار, والأبحاث الناجمة عن هذه المعالجة، والتي لخصها تفصيلًا بيلين beilin "1976" قد ولدت قدرًا كبيرًا من الجدل حول المنهجية. ومن ذلك أن الأطفال يحسون دون انتباه بالاستجابة المطلوبة منهم، ولذلك فإن أداءهم يدل على أن تعديلات كبيرة حدثت في إجراءاتهم العقلية. بعبارة أخرى: فإن الوسائل الفنية المتَّبعة قد عدّلت الأداء أكثر مما فعل الاقتدار "القدرة المعرفية". ويدلل البياجيون على أن مثل هذه الدراسات لا تبلغ مدى بعيد في إثبات أن الإجراءات العقلية قد تعرَّضت لتعديل كبير, وبالتحديد فإنَّهم يشكون من أن الوسائل التدريبية سوف تؤثر هي الأخرى على عدد من السلوكيات المختلفة المترابطة إدراكيًّا إذا كان الاقتدار قد تعدّل فعلًا. وفي تلك الحالات التي أجريت فيها الواجبات المناسبة، فإن النتائج لم
تكن مُرْضِيَةً بصفة عامة. والواقع أنَّ باستطاعتنا القول بأنَّ تحليل الاختبار قد أدَّى إلى مجموعة من النجاح والفشل على قدرٍ كافٍ من الاختلاط, مما يدل على أنَّ هذه المعالجة لم تحدث تهديدًا خطيرًا لموقف بياجيه. وقد قامت جيلمان gelman "1969" بتدريب أطفل على مواجهة بعدين إثاريين, ونجحت في التوصُّل إلى تعديل ملحوظ في سلوكهم, غير أن عملها كان موضع نقد على أساس أن أطفال تجربتها كان من الممكن أن يكونوا بسبيلهم في مرحلة انتقالية, ولذلك كانوا أسهل تقبلًا لإجراءات التدريب, ودراسات كالتي قامت بها جيلمان glman كانت أيضًا محل انتقاد على أساس أنَّ الاختبار المسبق لتحديد مستوى وظيفية الأطفال قد يكفي في حدِّ ذاته لتعديل الوظيفية المعرفية. ولذلك يجب أن يستخلص أن تأثيرات برامج التدريب من نوع تحليل الاختبار من المحتمل أنَّها لم تؤد إلى نتائج حاسمة، بسبب تعرُّضها لعدة عيوب منهجية معقدة, غير أنه يبدو من الممكن أن نستخلص أن دراسات ظروف القاعدة اللفظية تؤثر فعلًا على الاقتدار.
وعند فحص السمات الأساسية لنموذج بياجيه في النمو المعرفي، كان غرضنا أن نوفر للقارئ الجوانب الموضوعية الهامَّة في النظرية، وكذلك، وهو ما لا يقل أهمية وإحساسًا بطريقة المعالجة العامة, غير أنَّ هذه النظرية كمعظم النظريات الأخرى لا تخلو من مشاكلها, لقد رأينا كيف أنَّ الدارسين من أنصار
بياجيه, وغيرهم يطرحون الآن تساؤلات عن بعض الافتراضات الداخلية في النظرية التي قد تؤدي إلى تعديلات هامة, ولا شكَّ في أنَّ هذه التحديات سوف تستمرُّ وستطرأ على النموذج تعديلات أخرى. وبالرغم من كل هذه المشاكل التي لا يمكن تجنبها، فإن النظرية تبدو من المكانة بحيث تستطيع مواجهة هذه التحديات, ومن المحتمل أنها ستستمر في فرض تأثيرها القوي على تفكير العلماء والمعلمين والعاملين مع الطفل لفترة طويلة قادمة.
تكوين المفاهيم:
لننظر إلى مراحل بياجيه للنموّ من وجهة نظر كيف أنَّ سلوك الطفل الأخذ في النضج ليصبح أكثر كفاءة بشكل مطَّرد, وفي أثناء المرحلة الحسيِّة الحركية تتطلَّب معرفة الطفل للأشياء فعلًا حركيًّا مباشرًا يلاحظ في الأفعال والنتائج. إن الطفل يطلب حدًّا أقصى من الاحتكاك المباشر, ويعتمد بشكل يكاد يكون كليًّا على الإشارات الحسية, وفي أثناء الجزء الأول من هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى وجود الشيء قبل أن يتمكَّن من أداء سلوك مع هذا الشيء, وعندما يأتي الوقت الذي يستطيع فيه الطفل التعامل مع مسائل التحول والإجراءات الشكلية، يصبح في موقف يمكنه من مواجهة أعلى مستويات التجريد التي يستطيع توصليها شفاهة. ومعنى ذلك: إن كمية المعلومات التي يستطيع الفرد استيعابها في فترة زمنية محدَّدة قد ازدادت كثيرًا، وبنفس الطريقة يستطيع الشخص الناضج أن يفهم بسهولة أكبر مكونات البيئة. إنَّ القدرات الكاملة للمخِّ البشري الناضج قد نسخت بالحاسبات السريعة.
إن مادة هذا القسم مستقاة من العديد من التقاليد المختلفة في علم النفس، بما في ذلك السلوكية وما يعرف الآن باسم تنسيق المعلومات "تجهيز المعلومات" information processing. إننا لا نحاول إدماج المواقف النظرية إلّا إذا كانت واضحة التطابق، ولكن هدفنا هو إمداد القارئ بنظرة أكثر شمولًا عن قدرات الأطفال في مختلف مستويات العمر، وبوصفٍ أشمل للإجراءات المعرفية والحسية المتعلقة بها. وبعض المناقشات هنا مستقاة مباشرة من موادٍّ أشرنا إليها في الفصل
الخاص بنمو الإدراك الحسي "في الجزء الثاني من هذا الكتاب". والواقع أن العمل في النظرية السلوكية تحتاج من القارئ إلى أن يتذكَّر مبادئ الارتباط الشرطي الإجرائي والتقليدي, وفي هذا القسم سوف نتوسَّع في نموذج الارتباط الشرطي الإجرائي في محاولةٍ منَّا لإيضاح كيف حاولت النظرية السلوكية مواجهة تجهيز وتنسيق المعلومات, كما سنتفحَّص كيف تعدل التغيرات في قدرات الطفل من معاني المسائل، وذلك على النحو التالي:
1- اختبار الافتراضات:
في الفصل الخاصِّ بنمو الإدراك الحسي سوف نناقش عددًا من الدراسات التي تقيم القدرات الحسية للأطفال حديثي الولادة, وكثير من تلك الدراسات استخدمت ارتباطًا شرطيًّا إمَّا تقليديًّا أو إجرائيًّا، وكلا الطريقتين تستندان على المفاهيم السلوكية لتعلم مثير/ استجابة "S/R". وعند مراجعة الدراسات حول الارتباط الشرطي للطفل حديث الولادة تلاحظ أنَّ العملية بالغة الصعوبة؛ والواقع أن بعض الباحثين لا يعتقدون أنَّه من الممكن فعلًا تكييف هذا الطفل, ومن العقبات المحتملة لمثل هذا الارتباط الشرطي هو نقص نمو في التكوينات العصبية الأساسية والمايلين "انظر النمو الجمسي في الجزء الثاني من هذا الكتاب"، كما يلاحظ أنه من العسير وضع سلوك الطفل حديث الولادة تحت سيطرة المثيرة, ذلك لأنَّ أنماط سلوكه شديدة الحساسية لمثل هذه الحالات الجسمية كالجوع والتعب والإثارة العامة, ومع أنَّ الاستعداد للارتباط الشرطي يزداد مع النضج العصبي، إلّا أنه لا يواصل التحسُّن مع السن رغم التحسن البالغ في النمو العصبي للأفراد الأكبر سنًّا, والواقع أن الاستعداد للارتباط الشرطي يتحسَّن إلى نحو السادسة فقط. وقد لاحظ رازران razran "1933" أنه بعد هذه السن تزداد مقاومة الأطفال للارتباط الشرطي, ومع أنَّه توجد تفسيرات متبادلة لهذه الظاهرة، فإن هوايت white "1965" يقترح تفسيرًا نمائيًّا مقبولًا -هو في رأينا- يتناسب مع ملاحظات برونر وبياجيه bruner & piaget وأبحاث علماء النفس السلوكيين، ولكنه أكثر اشتمالًا. وبالتحديد فهو يرى أنه بعد سن السادسة يجري الأطفال تنسيق المعلومات عن طريق استخدام الافتراضات, وهذه الافتراضات تعترض الارتباط الشرطي الذي هو أولًا ارتباط تلقائي لاستجابة مع مثير من مستوى منخفض, وقد توجد آثار معترضة مثل: "ما
الذي يريده القائم بالتجربة فعلًا؟ " أو بيان قدمه طفل لامع الذكاء في السادسة من عمره إلى أحد المؤلفين كان يجري مهام اختبار تعلم المفاضلة discrimination learning task, وعجز هذا الطفل عن حله، قال الطفل: "لم أكن لأصدق أبدًا أنه الأيسر دائمًا؛ لأن ذلك كان يبدو بالغ البساطة لدرجة ظننت معها أنك كنت تحاول خداعي", وهكذا فإنَّ ما يبدو أنه يحصل هو أنَّ الأطفال عندما يبدأون في معالجة إجراءات ملموسة, ويصبحون قادرين على تكوين افتراضات, فإن هذه الافتراضات تكون مادة بعيدة كل البعد عن متطلبات الاختبار.
ومن أبرز سمات رأي هوايت white أن تنسيق المعلومات يمر بانتقالية بين الخامسة والتاسعة, وفترة الانتقال تتضمَّن تغيرًا من مستوى ارتباطي إلى مستوى معرفي, والتعليم الارتباطي associative learning يتميِّز بمعدَّل سريع للاستجابة, ويمكن تشبيهه بسلوك إنسان آلي. ويقترح هوايت white، ويؤيده في ذلك بعض أبحاث علماء النفس الروس، أنه في هذا المستوى من الوظيفية المعرفية فإنَّ الآليَّات المثبَّطة "المانعة" inhibitory mechanisms اللازمة للتحليل الدقيق لموقف المثير تكون أقل نضجًا مما يسمح بوظيفة معرفية مجردة, ومع تقدُّم الطفل في المعلومات أكثر قصدية وتجريدًا. وفي ظروف معينة يستجيب الراشدون تلقائيًّا وبسرعة، ولكن عندما تعرض عليهم مسائل تجريدية، يميل الأشخاص الناضجون للاستغراق في تفكير بطيء وتأملي, وهذه القدرة لا تظهر بسهولة في سلوك الأطفال دون الخامسة, وقد لخص هوايت whit "1965: 215-216" موقفه على النحو التالي:
"والخلاصة: أرى أنَّ المعطيات عن الأحداث الزمنية في التعلُّم, والمادة عن مختلف التحولات فيما بين الخامسة والسابعة، قد تحدد شيئًا عن تكوين الإجراءات العقلية للراشدين. إن الراشدين قد يكون متاحًا لهم مستوى ارتباطي وُضِعَ أساسه في وقت مبكِّر من النمو، وهو على درجة نسبية من سرعة الفعل، على أثر المبادئ الارتباطية المتعارف عليها، وفي حالة الراشد الطبيعي توجد عادةً على شكل محدد محتمل للسلوك، ولكنه مثبّط. إن "الأساس المعرفي" الذي وضع بعد الأسلوب الارتباطي للاستجابة يعتبر أبطأ نسبيًّا في الفعل وفي تنسيق المعلومات بطرق لا تزال في بداية فهمها".
ويصف هوايت white حوالي 18 نوعًا من الدراسات أجريت معظمها في إطار السلوكية، ويعتقد أنها تؤيد موقفه. وقد اخترنا دراستين من هذه الدراسات كمثالٍ على نوع التحولات التي يصفها هوايت, وبالمصادفة فإنَّ التحول الذي قدَّمه هوايت من التعلُّم الارتباطي إلى المعرفية الارتباطية يقترب كثيرًا من التحوّل الكبير من التفكير الإجرائي قبل الحسي إلى التفكير الإجرائي الحسّي كما يراه بياجيه. ويبدو لنا أنَّ الدليل على أنَّ هوايت قد رتَّب لتأييدٍ افتراضًا, وأن أنواع الحوادث الانتقالية التي يصفها بياجيه ليست من قبيل المصادفة. إن كليهما يقترح أن الفترة التي تبدأ حوالي الخامسة من العمر, وتستمر خلال العامين إلى أربعة أعوام التالية, تمثل في الواقع سلسلة من التغيرات العظمى في الكفاءة المعرفية المعرفي, وتنظيم الكائنات البشرية.
2- تعلُّم تغيير الوضع Transpostition learning:
ذكرت التجارب التي أجرتها مرجريت كون هارلو mergaret kuenne harlow "1946"، ألبرت وإهرنفروند alberts & ehrunfrund "1951" أنهم استخدموا مسألة تغيير الوضع. والشكل "87" يبين الترتيب المادي للمهمة, فقد كانت المثيرات التدريبية تتكوَّن من اسطوانة كبيرة وأخرى صغيرة، وتضمَّنت العملية التدريبية المبدئية تعلمًا مباشرًا للتمييز، وكان المفحوص يكافأ على
استجابته للمثير الصحيح, وفي التجربة التي قامت بها مرجيت margartet k، دُرِّبَ المفحوص على الاستجابة للأصغر من المثيرين، وكان المثيران يتغير وضعهما بالتبادل من اليسار إلى اليمين؛ لتجنُّب أي وضع تحيزي، وبزيادة فحص المثيرين في الشكل "87" نلاحظ مجموعة من أسطوانات
كبيرة إلى حدّ ما يمثل اختبارات لتغيير الوضع "القريب"، ومجموعة من اسطوانات أصغر تمثّل تغيير وضع "بعيد". لاحظ المثيرات في اختبار تغيير الوضع القريب؛ فالمثير الأصغر أصبح الآن بنفس حجم المثير الذي كان غير صحيح في مجموعات التدريب. إن تغيير الوضع أو التعلُّم العلاقي، وليس المطلق، واجب توجد به أزواج من المثيرات تُجْعَل أصغر بوحدات متدرجة في الصغر, ومتساوية تقريبًا, سواء إلى أعلى أو إلى أسفل المقياس "بنفس الطريقة التي يغير فيها الوضع على السلّم الموسيقى", وبعد أن يتعلّم المفحوص انتقاء المثير الصحيح "يحدد التعلم عداة بنسبة 10 من 10 اختيارات صحيحة". يعطى اختيار تغيير الوضع القريب؛ وحيث إن المثير الصحيح الأصلي هو الآن أكبر الاثنين، فهو يصبح الاختيار الخطأ، والمثير الأصغر الجديد هو الاختيار الصحيح. وبعد الاختبار القريب يعطى اختبار تغيير الوضع البعيد, تبقى نفس علاقات الطول "الأكبر والأصغر"، ولكن
المثيرات تكون أصغر كثيرًا عن التي استخدمت قبل ذلك, ونحن نفترض أنَّ الاستجابة العفوية هي 50% تقريبًا، أي: إن الأطفال يمكنهم أن يخمِّنوا الاستجابة الصحيحة في 50% من المرات، دون أن يكونوا قد ميَّزوا المثير الصحيح, والمعطيات في الشكل "87" تدل على أنَّ الأطفال بين الثالثة والخامسة يميلون لاخيار المثير الصحيح على مستوى أفضل من العفوية في اختبار تغيير الوضع القريب، ولكنهم في اختبار تغيير الوضع البعيد يؤدون مستوى عفويًّا. أما مع الأطفال الأكبر سنًّا، وهم في هذه الحالة ذوو عمر عقلي 7 سنوات فما فوق، فإن انتقاء المثير في كلا الاختبارين القريب والبعيد يكاد يكون مطابقًا لأدائهم في الجزء الأخير من مجموعة التدريب, وعلى ذلك يقال: إنهم يظهرون تغييرًا في الوضع.
3- التحوّل الانعكاسي - اللانعكاسي: reversal-nonreversal shift:
ابتكر تراس وهاورد كيندلر tracy & howard kendler "1962" في سلسلة من التجارب قاما بها واجبًا "مهمة" عرف باسم "التحوّل الانعكاسي - اللانعكاسي" ومن طرق استخدام هذا الواجب الطريقة الموضَّحة بالشكل "88". لاحظ أن موادّ المثيرات تتكوّن من شكل هندسي, إمَّا أسود أو أبيض أو كبير أو صغير. هذا، ولمعان المثيرات وأحجامها تمثّل أبعاد المثير, وثَمّة بعد إضافي، "الموضع" يجب إدماجه هنا، ولكن الموضع لا يدخل في الواجب، ذلك لأنَّ موضع المثير الصحيح في أثناء التدريب المبدئي, ولتجارب الاختبار يتغير عشوائيًّا بالتبادل, والتصميم العام في هذه التجربة على قدر من التعقيد يحتاج لعدد متنوع من مجموعات متوازنة تبادليًّا, ويتعلم أحد مجموعات أفراد التجربة أن ينتقوا المثير الأكبر من بين المثيرين "وتكرَّر أن المعيار هو 10 اختيارات صحيحة من 10 محاولات", وبعد التوصّل إلى المعيار يعرض نفس الزوج من المثيرات على المجموعة, غير أن نصف أفراد التجربة قد كوفئوا الآن على اختيارهم أصغر المثيرين "أي: التحول الانعكاسي"، أما باقي الأطفال فيجري تعزيزهم لانتقال المثير الأسود أو الأبيض "أفراد التجربة يخصص لهم عشوائيًّا إما المثير الأسود أو الأبيض"، ويعرف ذلك بالتحول اللانعكاسي. وفي التحول الانعكاسي ينتقي الطفل المثير الذي كان خطأ من قبل، ولكن المثير موجود في نفس البعد كالمثير الصحيح
أصلًا، وبعبارة أخرى، يظلّ البعد كما هو في حالة التحوّل الانعكاسي، ولكن القيمة الدالة للمثير تنعكس "كبير وعكسه صغير، أو أسود وعكسه أبيض". وفي التحوّل اللانعكاسي يتغيِّر كل من بعد المثير المختص والقيمة الدالة, وعلى ذلك فبدلًا من الاستجابة لبعد الحجم، يجب على أطفال التجربة الآن أن يتحوَّلوا إلى بعد اللمعان. ومرة أخرى فإن نصف الأطفال مدرَّبون على انتقاء المثير الأسود, والنصف الآخر على انتقاء المثير الأبيض, ونتائج الدراسات العديدة التي أجريت باستخدام هذه المعالجة التجريبية تدل على أن الأطفال الأصغر سنًّا يتعلَّمون التحوّل الَّلانعكاسي أسرع من التحول الانعكاسي, وبالعكس فإنَّ الأطفال الأكبر من السادسة وكذلك الراشدين يتعلمون التحوّل الانعكاسي أسرع من التحول الَّلانعكاسي.
4- افتراض التوسط mediation hypothesis:
تفسَّر نتائج التجارب على التحول الانعكاسي والتحول الَّلانعكاسي, وعلى مسائل تغيير الموضع بأنها دليل على افتراض التوسط, وبعبارة أكثر تحديدًا: تؤكد نظرية التوسط mediation hypothesis أن المثيرات تحدث فعلًا ليس فقط سلوكًا ظاهرًا، ولكن استجابات داخلية أيضًا، بما في ذلك ردود فعل عضلية, وردود فعل لفظية واضحة. وقد افترض أيضًا في واجب "تغيير الموضع" أنَّ الطفل الذي يتلفظ بعبارة "أكبر من" كان يستجيب لعلاقة الحجم size relationship أكثر مما يستجيب
للقيمة المطلقة للمثيرات Absolute value of the stimuli. وفكرة القيم المطلقة للمثيرات تشير إلى الخواصّ المادية التي تؤثِّر على المستقبلات الحسية, وفي الارتباط الشرطي المباشر والأدائي أو التقليدي، فإن الخواص المادية للمثيرات ترتبط بالاستجابة, وعلى ذلك فإن نظرية التوسُّط تبتعد عن هذا الاعتماد على القيم المادية للمثيرات، وبدلًا من ذلك تختص بالعلاقات بين المثيرات والاستجابات في حلقات، مستوى أعلى من الوظيفية المعرفية.
وطبقًا لافتراض التوسُّط: فإن الأطفال الأكبر سنًّا والمفترض أنَّهم أكثر قدرة لفظية, يتعلَّمون التمييز المبدئي, ثم الدليل الوسيط المتربط بالأحجام النسبية للمثيرات, ومن الدلالات "الإشارات" الوسيطة التوفيقية المبدئية نذكر اللغة. إن الإشارة الوسيطة تستخدم لتمثيل البعد المعزز reinforced dimension, وفي الدِّراسات التي نحن بصددها فإن هذا البعد هو الحجم، وعندما يتغير المثير الصحيح من كبير إلى صغير، كما في تجارب كندلر kendler، أو عندما يتغيِّر موضع المثيرات كما في تجارب كين هارلو kuenne harlw، فإنَّ البعد المختص يظل كما هو، وكذلك الإشارة الوسيطة المعززة, وعندما يتغيِّر المثير الصحيح من بُعْد الحجم إلى بُعْد اللمعان "يحدث ذلك فقط في تحول لا انعكاسي"، فإن الطفل يجب أن يتعلَّم تمييزًا جديدًا ثم يربطه بوسيط جديد, والأطفال الأصغر والأقل حركة يتعلَّمون التحول الَّلانعكاسي أسرع؛ لأنه من المفترض أنه لا توجد إشارة وسيطة يفترض تعلم الاستجابة الجديدة، علاوةً على ذلك فإنَّ هؤلاء الأطفال قد عزّزوا من أجل الاستجابة الصحيحة الجديدة, ولم يعززوا مطلقًا للاستجابة غير الصحيحة أصلًا. وتدل ملاحظات عرضية على أن افتراض التوسط كان صحيحًا، والأطفال الذي حققوا التحول الانعكاسي بسهولة, والذين تمكَّنوا من معالجة كل من واجبي تغيير الموضوع القريب والبعيد كثيرًا ما يتلفَّظون تلقائيًّا بالبعد الصحيح. "هو دائمًا الأكبر"، في حالة الدراسة الخاصة بتغيير الموضع أو "ما يزال هو الحجم، ولكنه الآن أصغر".
وعند النظر إلى نتائج هذه الدراسات في ضوء نظرية التوسُّط، نجد أنَّها تدل على أن الأطفال إذا حصلوا على تدريب لفظي، أو أتيح لهم بطريقة ما الحصول
على إشارة وسيطة، فإنه باستطاعتهم الأداء أفضل في مسالة التحول الانعكاسي عن الأطفال الذين لم يحصلوا على مثل هذا التدريب, ولكن هذا لم يحدث! لقد علم الأطفال أن يتلفَّظوا بوسيط، ولكنهم لم يستخدموه في أثناء التجربة الفعلية, وقد اقترح ريس Reese "1962" أن عدم قدرة الطفل على استخدام بيان لفظي لدليل على قصور التحكم control deficiency, ومعنى هذا أن الأطفال رغم أنهم يستطيعون التلفظ بمفهوم ما، إلّا أن تلفظهم لا يستطيع بعد التحكم في سلوكهم. وقد اقترحت دراسات أخرى أن التوسّط لا يتحكم في السلوك إلّا إذا كان الطفل الأصغر يستطيع إنتاج الوسيط، وتعرف هذه المسألة باسم قصور الإنتاج production deficiency "flavell , beach & chinsky, 1966".
وقد أثار افتراض التوسُّط اهتمامًا كبيرًا لدى علماء نفس النمو واستخدامه كأساس تصوري لعدد كبير من الدراسات البحثية, ومع أنَّ نظرية التوسُّط تستخدم لتفسير استراتيجيات الذاكرة، فإن استخدامها في تفسير سلوك التحول الانعكاسي والتحول الَّلانعكاسي قد تعدل بعض الشيء, وما يزال علماء النفس متَّفقين على أنَّ نوعًا من التوسط يحدث، ولكنه ليس لفظيًّا تمامًا. إن افتراض السلوك اليقظ الذي سنناقشه في الفصل الخاصّ بنمو الإدراك الحسي "في الجزء الثاني من هذا الكتاب"، يعتبر بديلًا للتوسُّط اللفظي, على ذلك فإن مثيرًا ما "s" يصبح مرتبطًا باستجابة واضحة "r"، وهي قد تكون لفظية, ولكنها يمكن أن تكون أيضًا إشارة للبحث عن أبعاد إثارية ملائمة. وعندئذ يختار المفحوص من بين المثيرات المثيرة, ويؤدي استجابة واضحة, والوسيط في هذا التحليل هو اختيار المثير الذي يمكن أن تعاونه استجابة لفظية, ولكنه لا يعتمد عليها.
5- افتراض التيقظ الانتباهي: attentional hypothesis:
قدَّم زيمان وهوس zeaman & house "1963" نظرية التيقُّظ، انبثاقًا من اهتمامهما بإجراءات التعلّم للأطفال المتخلِّفين عقليًّا, وتدل معطياتهما على أنَّ الأطفال المتخلفين عقليًّا يتعلمون ببطء أشد, بسبب عدم قدرتهم على الانتباه إلى أبعاد المثير الملائمة أو يميزونها تمييزًا صحيحًا, ويشبه هذا السلوك الاطفال الأصغر سنًّا الذين لا يدركون الأبعاد الملائمة الممكنة في الواجب.
ويقدم ماير وأوفنباش meyer & offenbach "1962" مزيدًا من التأثير للتفسير الخاصّ باليقظة "الانتباهية", وقد قاما بفحص تأثير الإمداد اللفظي السلبي والموجب على أداء مجموعتي سن من الأطفال "5، 7 سنوات", فعرضا عليهم واجب "مهمة" تمييز بسيط, كان عدد الأبعاد الممكنة فيه يتشكَّل بطريقة منتظمة، فقدَّم لإحدى المجموعتين بُعْد ملائم وبُعْد آخر غير ملائم "كان البعد الملائم إما الحجم أو اللون أو القياس، أما البعد غير الملائم فكان الموضع الذي كان معادلًا". وبالنسبة للمجموعة الثانية كانت المثيرات تتكوَّن من بعدين غير ملائمين، ولمجموعة ثالثة كانت المثيرات تتكون من 3 أبعاد غير ملائمة، وكان المفترض أنَّ أبسط الواجبات هو الذي يختص ببعد واحد ملائم, وبُعْد واحد غير ملائم، وأنَّ أصعبها هو الذي يختص بِبُعد واحد ملائم و3 أبعاد غير ملائمة، وعلاوة على تشكيل الأبعاد كان نصف عدد الأطفال يخبرون عندما تكون استجابتهم صحيحة, والنصف الآخر كان يعطى لهم تغذية رجعية فقط في حالة ما إذا كانت استجابتهم غير صحيحة. وفي مجموعة دراسات أخرى استخدم فيها إجراء التغذية الرجعية هذا، وجد أن إخبار الأطفال عن الأخطاء أكثر فاعلية من إخبارهم بالاستجابات الصحيحة. وبصرف النظر عن شرط التغذية الرجعية، كان الواجب المشتمل على بعد ملائم وبعد غير ملائم أسهل بشكل واضح من الواجبات المشتملة على بعدين ملائمين و3 أبعاد غير ملائمة "لم تكن تختلف عن بعضها اختلافًا يذكر". علاوة على ذلك فإن النتائج لم تعثر على تأثير للسن، وفسَّروا ذلك بأنَّ الأطفال في مجموعتي العمر كانوا مدركين لأبعاد المثير المتيسرة, ولعل هذه النتيجة لا تدعو للدهشة. ذلك لأنَّ المجموعة الأصغر كانت على علم بكل أبعاد المثير المستخدمة في الواجب, غير أنَّ ماير وأوفنباش meyer & offenbach، بالنسبة لمفهوم اختيار الافتراضات، لم يجدا فروقًا بين شروط التغذية الرجعية للواجب ذي البعد الملائم, والواجب ذي البعد غير الملائم. هذا وقد كان هناك فرق له وزنه في شرط التغذية الرجعية بين البعد الملائم والبعدين أو الثلاثة غير الملائمة.
ولتفسير هذه الدراسة، نذكر أنَّه في واجب "مهمة" البعد الواحد الملائم وعلى أبعاد غير ملائمة، كان زوج المثيرات المعروض على الأطفال للانتقاء يتضمَّن كل الأبعاد المتاحة الملائمة وغير الملائمة. مثال ذلك: كان أحد المثيرين منشورًا كبيرًا
أخضر اللون, والثاني كرة صغيرة حمراء. وقد تكون الأبعاد الملائمة هي الحجم، مع إشارة صحيحة واحدة هي حجم المثير الكبير. لاحظ أنَّ المثير الأكبر يشتمل أيضًا على بعدي اللون والشكل, وهو إما على الجانب الأيسر أو الجانب الأيمن. إنَّ أي واحد من هذه الأبعاد يمكن أن يكون ملائمًا. أن ماير وأوفينباش meyer & offenbach في تحليلهما لعدم جدوى التغذية الرجعية من أجل الاستجابات الصحيحة، ذكرا أنَّ المفحوص كان من الممكن أن يختار الاستجابة الصحيحة، ولكنَّه كان في الواقع يستخدم الافتراض الخطأ, وفي المثال السابق قد يحدث أن يختار المفحوص المنشور الأخضر الكبير؛ لأنه كان أخضرًا، في حين أن القائم على التجربة اعتبر المثير صحيحًا لأنه كبير. وفي هذه الحالة فإنَّ المفحوص يخبر أنه كان على صواب، وهذه التغذية الرجعية الموجبة كانت بعد اللون، وفي الحقيقة فإن الطفل كان كفيلًا بأنَّ يقدم معلومات إيجابية للسبب الخطأ, وفي الحالة التالية فإنَّ المفحوص قد يخونه الحظ؛ إن المثير الأخضر كان أيضًا أصغر. وهناك لا يخبر المفحوص بأي شيء, ولسوء الحظ فإن هؤلاء الباحثين لم يصمما الواجبات لتحديد ما حدث بعد فشل في الحصول على تغذية رجعية موجبة, والمجموعة التي حصلت على معلومات عن الاستجابات غير الصحيحة فقط تعلَّموا أسرع؛ لأنه في اللحظة التي يكون فيها الأصغر سنًّا قد أعطى استجابة غير صحيحة، فإنه كان يستطيع استبعاد البعد بأكمله, أو على الأقل تلك القيمة التي للبعد.
لقد أجبرت التغذية الرجعية للاستجابات غير الصحيحة الأطفال على استخدام إجراء استبعاد، في حين أن التغذية الرجعية للاستجابات الصحيحة لم تستطع خلق استراتيجية بحث مفيدة, وقد وجد ماير أوفينباش meyer & offenbach "1962" أيضًا أنه عندما يفشل المجرّب في الاستجابة في الحالة التي أعطي فيها تغذية رجعية موحيًا فقط، فإن أطفال التجربة فهموا أخيرًا أنه ما من استجابة تعني في الواقع أنهم لم يكونوا على صواب, وبالعكس عندما أعطي تغذية رجعية للأخطاء فقط، تعلَّم الأطفال أنه ما من استجابة تعني أنهم كانوا على صواب. وعلى ذلك، وبعد عدد كبير من المحاولات, أي: عندما تعلَّم الأطفال معنى فشل المجرب في الاستجابة، كانت شروط التغذية الرجعية معادلة، وكان أداء المجموعات مشابهًا, ولهذا السبب فإن ماير وأوفينباش meyer & offenbach
فكَّرَا في أنَّ الأطفال في المجموعة التي حصلت على تغذية رجعية للاستجابات الصحيحة اتبعوا في النهاية استراتجية تعرف باسم "اكسب" إبق أو اخسر، تحوّل win stay & tose - shift وهذه الاستراتيجية عند مقارنتها باستراتيجية الاستبعاد التي ولَّدَتْهَا التغذية الرجعية للاستجابات غير الصحيحة، ثبت أنها أقل كفاءة.
وهذه السلسلة من الدراسات -وغيرها كثيرًا- تدل على أن الأطفال يستخدمون افتراضات، وأن الأطفال الأكبر سنًّا أكثر احتمالًا لاستخدام الافتراضات المناسبة من الأطفال الأصغر سنًّا. والانتقال الرئيسي في احتمال استخدام الافتراضات يبدو أنه يبدأ عند سنّ الخامسة تقريبًا، وأنه يبلغ حالة الرشد الكاملة تقريبًا في حوالي الثامنة أو التاسعة من العمر.
6- السلوك اليقظ Attending Behavior:
رغم ما لافتراض التوسّط من أهمية بسبب محاولته الكشف عن استخدم اللغة في تكوين المفاهيم، فإنَّ النموذج اليقظ طبقًا لما اقترحه زيمان وهوس zeaman & house "1963" يبدو أنه يحوي قدرة توضيحية أكبر. وقد وضع نوع آخر من الترتيبات التجريبية يعرف باسم واجب التعلّم العرضي inciderntal learning task لفحص تغيرات النمو في السلوك اليقظ. وفيما يلي نعرض لأهم الواجبات المتضمّنة في السلوك اليقظ.
أ- واجب التعلّم العرضي: في هذا الواجب يقدم للأطفال مجموعة من الصور, وكل بطاقة مثيرة موضوعة على لوحة، ويخبر الأطفال أن البطاقات التي بها رسومات لحيوانات وأدوات منزلية سوف تعرض عليهم، وعليه أن يتذكروا موضوع الحيوانات على اللوحة، بمعنى: أي حيوان يوجد في كلٍّ من اللوحات الثماني. وتوضع بطاقة مثيرة واحدة في كل مرة على اللوحة لمدة ثانيتين ليتأمَّلها الطفل. وبعد أن يتمَّ عرض المثيرات الثماني، تكرر العملية خمس مرات, ولا يطلب من الأطفال أن يتذكَّروا أي شيء سوى موضع الحيوانات على اللوحة, وباستخدام هذا التصميم قام هيلر ودسك wheeler & dusek "1973" باختيار الأطفال لتذكّر أوضاع المثيرات المركزية "الحيوانات" والمثيرات العرضية "الأشكال الأخرى". كان أطفال هذه التجربة أطفالًا
برياض الأطفال، والصف الثالث والصف الخامس الابتدائي, وقد وجد أن تذكُّر المثيرات المركزية قد زاد مع التقدّم في الصف الدراسي, وكان هناك أيضًا ميل عام في نحو تذكُر أدنى للمثيرات العرضية, وقد ذكر هاجن hagen "1967" نتائج مشبهة لهذه، وكذلك دراكر وهاجن drucker & hagen "1969", هاجن وسابو hagen & sabo "1967".
وتفسر هذه البيانات عادة بأنها تدل على أنَّه مع نضج الأطفال يبدون اهتمامًا أكبر بالمثيرات الملائمة للواجب" أو المهمة", مما للمثيرات التي لا تلائم الواجب أو المهمة, والواقع أنَّ ما يحدث هو أن الأطفال الأكبر والأصغر على السواء يكادون يدركون مادة الواجب غير الملائمة، ولكن الأطفال الأكبر يرفضونها في إجراءتهم المعرفية ويؤكدون على الآلية الملائمة للواجب, والتي سبق أن لاحظنا سريانها بين الأطفال الأكبر في مجالات أخرى من النموّ المعرفي والحركي.
وثَمَّة تنوع هام في عملية التعلُّم العرضي هو تدريب مجموعة على ترقيم "أو وضح علامة" label للمثير الملائم. وعندما تعرض عليهم بطاقة المثير، يطلب من مجموعة الترقيم ذكر المثير الملائم, وتساعد الاصطلاحات اللفظية على التذكُّر أفضل لمواضع المثير الملائم, وتدل نتائج هذه الدراسات على أن الترقيم اللفظي أكثر فاعلية بالنسبة للأطفال الأصغر، وتؤيد هذه النتيجة ملاحظات عدد كبير من الباحثين من أنَّ الأطفال الأكبر لا يلقون مساعدة؛ لأنهم يرقمون المثيرات الملائمة تلقائيًّا. وهذه الدراسات لا توضح ما إذا كان الترقيم اللفظي ذا فاعلية؛ لأنه يزوّد الأطفال بنظام اصطلاح لغوي، أو لأنه يضطرهم للتركيز على المثيرات الملائمة، أو لأنه طبقًا لنظرية التوسُّط يمكنهم من استعادة ما يعرفونه لفظيًّا, ويبدو محتملًا أن التفسير اليقظ أكثر دقة؛ إذ إنَّ الترقيم لا يؤدي بالضرورة إلى تركيز الطفل على المثيرات الملائمة, ويجب أن نلاحظ أن تأثيرات الترقيم اللفظي على الانعكاسية واللانعكاسية في واجب التحوّل, وكذلك في واجب تغيير الموضع, كانت على نفس القدر من الغموض. وعلى ذلك فإنه ليس من الواضح بعد كيف يعمل الترقيم بالضبط.
ب- واجبات البحث البصري vizual search tasks: وثَمَّة طريقة أخرى يقوم فيها المجربون بفحص السلوك اليقظ في الأطفال الأكبر، وهي تشبه الإجراءات
التي استطلعناها من قبل من الأطفال حديثي الولادة، غير أنه في حالة الأطفال الأكبر سنًّا يبدو واضحًا أنَّ فحص المثيرات للتعرُّف على سمات حسية ملائمة يمكن أن تساعده مجموعة من الافتراضات محدَّدة معرفيًّا, وتتضمَّن الطريقة الأساسية المستخدمة في هذه الدراسات قياس حركات العينين وتثبيتاتها. وتستطيع الآن تحديد تتابع الحركات التي يؤديها الأطفال والراشدون في فحص مثير مفروض أن يتمَّ التعرف عليه فيما بعد, سواء بذكر اسم الشيء أو بالعثور عليه عندما يكون مختلطًا بمثيرات أخرى مشابهة، وقد ورد ذكر عدد من مثل هذه التجارب في التراث النظري لهذا المجال, وسوف نتفحَّص دراسة أجراها ماك ورث وبرونر mackworth & bruner؛ لأن المثيرات المستخدمة كانت أقرب إلى مواقف الحياة الواقعية من تلك المستخدمة في الدراسات الأخرى, غير أنَّ نتائج الدراسات الأخرى تدل على فروق نمائية واضحة في أنماط حركات العينين وتثبيتاتهما, "مشار إليها هنا باسم استراتيجيات الفحص scanning strategies؛ كما أنها تؤدي الرأي القائل بأنَّ تقييم استراتيجيات الفحص يثير طريقة مفيدة لتكوين استنتاجات حول العمليات العقلية.
ولقد كان المثير الذي استخدمه ماك ورث وبرونر Mackworth & Bruner صنبور حريق عادي ولكن الصورة كانت تتغيِّر من وضوح إلى غيام قليل إلى شديد الغيام, وكان أفراد التجربة أطفالًا في سن السادسة وراشدين. وباستخدام طريقة فنية لقياس حركات العينين، سأل المجربان مجموعات التجربة أن يحددوا اسم المثير, وقد اتخذت عدة مقاييس مستجدة لاستراتيجيات التفحص، ولكن التي تهمنا أكثر هنا تسمَّى "درجة بحث مقتنة" a rated search score" وقد طور هذا القياس بسؤال عينات من طلبة الكليات أن يبينوا أجزاء الصنبور التي تفيد أكثر في التعرُّف عليه. كان الصنبور موضوعًا فوق شبكة مكونة من فتحات مربعة مقاس 1.5 × 1.5 بوصة، وطلب من المفحوصين تفحص المثير إلى أن يتأكدوا من أنهم قادرون على التعرُّف عليه. والشكل "89" يبين استراتيجيات التفحص لطفل في السادسة وراشد, وستلاحظ على النور أن الراشد أبدى عددًا أقل من نقط التثبيت, ولكن كل منها كانت تستغرق مدة أطول من مدة تثبيت الطفل. كما ستلاحظ أن الراشدين كانوا يميلون لتركيز تثبيتات أعينهم في حدود منطقة محددة
نسبيًّا, ولم تشغلهم مثيرات خارج السمات المركزية للمثير. وعند مقارنة نقط التثبيت للراشدين والأطفال تبيِّنَ أنه في كل ظروف الوضوح، كان الراشدون يركزون تثبيتاتهم مرات أكثر في منطقة المعلومات العليا, وقد تأثر الأطفال بدرجة القيام, ولكنهم كانوا يميلون للتثبيت مرات أكثر في مناطق المعلومات العليا حكمًا زاد وضوح تركيز الصورة.
وقد استنتج ماك ورث وبرونر mackworth & bruner "1970، 172-173" ما يأتي:
"إن الجوانب المعرفية لهذا الانتقاء البصري كانت واضحة طوال التجارب, فمثلًا سجَّلت أعلى "نقط البحث المقنن" بينما كان المفحصون يدركون معنى الصورة, علاوة على ذلك، فإن متوسط نقط البحث المقنَّن لكل تثبيت هبط كلما تكررت المحاولة، كما لو أن المفحوصين بدءوا بالمناطق الهامة ثم تطرقوا إلى أبعد في المرة الثانية، ولم يستطع الأطفال تركيز بصرهم بنفس المهارة. وهذه النتائج لم تظهر بوضوح كلما كانوا يحاولون التعرف على الصور البعيدة عن المركز, غير أنَّ الأطفال استطاعوا العثور على التفاصيل الهامَّة في الصور شديدة الوضوح، ولكنهم في هذه الصور كانوا مرتبكين إزاء التفاصيل, لدرجة أن مسار رؤيتهم أصبح ثلثي طول مسار رؤية الراشدين. وواضح أن بعض أطفال السادسة كان ينقصهم برنامج كفء للبحث البصري، مما كان يمكنهم من تحقيق الإجراء المماثل لإجراء الراشدين الأصحّاء".
إن البحث الذي يستخدم حركة العينين، كما مثَّلته دراسة ماك ورث وبرونر mackworth & bruner يبدو أنه يدل على أن السلوك اليقظ للإنسان يرتبط بالسن, فلكما تقدَّمت السن بالإنسان تصبح التكوينات المعرفية أكثر تطورًا، ويتوافر المزيد
من الافتراضات، وهذه الافتراضات بدورها تولّد انتباهًا انتقائيًّا لخواص المثير الملازمة، وعلى ذلك فإن الأفراد الأكثر تقدمًا معرفيًّا يظهرون تعرفًا وتصنيفًا أكثر كفاءة ودقة.
ج- واجبات الذاكرة Memory tesks: توجد على الأقل تصنيفان واسعان لواجبات الذاكرة: عرضي وتطوري "brown 1975" والذاكرة العارضة episodic memory تشير إلى حدث معين, أما الذاكرة التطورية semantic memory فهي أيضًا تشير إلى حدث معين، ولكنها ذات مدلول معرفي أوسع, وتؤكد مناقشتنا على نظام الذاكرة التطورية؛ لأنها أكثر حساسية للتغيرات النمائية في الوظيفية المعرفية من النظام العارض، ولذلك فهي أكثر مناسبة لمناقشتنا لتكوين المفهوم, والنوع التطوري لنظام الذاكرة يتطلّب استراتيجية تقوية للحل المرضي "flavell 1970".
وقد استخدمت أنواع عديدة من التجارب لتبيان السمة الإدراكية لنظام الذاكرة التطورية, وفي نوع من الواجبات "المهام" يسمَّى التذكير الحر free recall، يقدم للمفحوصين قائمة بكلمات تنطوي على مفهومين أو أكثر تصلح كأساس لتنظيم باقي القائمة, وتقديم الكلمات يكون عشوائيًّا, ويستطيع المفحوصون أن يتذكروا قائمة الكلمات بطريقتين؛ الأولى: الترتيب التسلسلي, وفيها يحاولون استعادة الكلمات بنفس الترتيب الذي قدمت به، والثاني: باستخدام المفهوم الذي تتجمَّع فيه الكلمات التي تنتمي لنفس المفهوم "مثل طعام، وسائل مواصلات، وهكذا", وبعبارة أخرى: فإن المفحوص الأكثر نضجًا معرفيًّا سيقوم بتنظيم كلمات المثير، وفي الواقع يبعثر القائمة الأصلية إلى مراتب ذات معنى. ويفترض أن الأداء في هذه العملية على الكلمات يتطلَّب مفاهيم ذات معنى.
وقد أكَّد فلافيل وولمان flavell & wellmon هذه النقطة "1976، 4":
"الأفراد الأكبر سنًّا يفترض أنهم سوف يخزنون ويحتفظون ويستعيدون عددًا كبيرًا من الوارد بطريقة أفضل أو مختلفة عن الأفراد الأصغر سنًّا مثلًا، لمجرد أن التقدم النمائي في محتويات وتكوين أنظمتهم التطورية أو الإدراكية يجعل هذا الوارد أكثر ألفة ومعنًى وإدراكًا لديهم, صالحًا لملء الثغرات أو أكثر قابلية للتذكر لديهم".
وثمة سبب آخر لتحسُّن الذاكرة مع السن يرتبط بالكفاءة التي توضع بها المعلومات في الذاكرة، أو ما يسمَّى عادة بالنشاط التخزيني storage activity
والمهم هنا هو أنه مع تزايد القدرة على التمييز بين الأبعاد الملائمة وغير الملائمة, وعلى تحسين الفرد لسلوكه اليقط، فإن كمية ونوع المعلومات التي يمكن استعادتها تزداد.
وثمة تحوّل نمائي آخر يزيد من القدرة على الاستعادة, ذلك هو المبين في تجربةٍ قام بها فلافيل، بيتش، وتشينسكي flavell, beach & chinskky "1966".
لقد طلب من الأطفال أن يستعيدوا سلوك المجرب، وفي نظام التقسيم إلى مراتب يعتبر ذلك واجب ذاكرة تسلسلي, والمظهر الحاسم للدراسة معمَّم في شرطين: التذكُّر الفوري لسلوك المجرب, والتذكر البطيء لهذا السلوك. لقد كان المتوقع أن مجموعتي الأطفال الأكبر سنًّا، بالمقارنة بأطفال روضة الأطفال يظهران من الكلمات والاستذكار قدرًا أكبر في حالتي التذكُّر الفوري لسلوك المجرّب والتذكر البطيء. وقد قدَّم للصغار في حالة التذكير البطيء 15 ثانية إضافية للاستذكار أو للتعبير عن الواجب بالكلمات. علاوة على ذلك أضيفت معالجة ثانية استحدث فيها نصف كل مجموعة على ترقيم المثيرات، وقد بينت الدراسة بوضوح أن المفحوصين استخدموا تلقائيًّا الاستذكار بالكلمات كاستراتيجية تقوية للذاكرة، وأن أطفال الروضة لم يفعلوا ذلك. والمؤلفان لا يرفضان الرأي القائل بأن أطفال الروضة عجزوا عن إظهار الاستذكار بالكلمات بسبب انخفاض مستوى نموهم اللغوي, ولكنهما يريدان أن الأطفال، الأكبر سنًّا يقبلون على أنواع أكثر نشاطًا من الأنشطة العقلية لكي يواجهوا ما يعتقدون أنه من متطلبات الواجب, وفي هذه الحالة هو الكلمات الاصطلاحية والاستذكار. وفي هذا الصدد فإن السلوك يكون مطابقًا للتوسُّط اللفظي الذي ناقشنا سابقًا, وعلى ذلك فإن هذه الدراسة مثلها كمثل المناقشات الأخرى في هذا القسم، تدل على أن المظاهر النوعية للعمليات العقلية تؤثر على الكيفية التي ينظر بها إلى الواجب، وهي نوع من اختبار الافتراض بأوسع معانيه، وهذا بدوره يولّد أنشطة عقلية تهدف إلى زيادة احتمال النجاح في حل الواجب المعرفي المعين زيادة كبيرة.
المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم نفس النمو
المؤلف: حسن مصطفى عبد المعطي، هدى محمد قناوي
عدد الأجزاء: 2 الناشر: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع



The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

Piaget theory assessment:
Without making a full systematic assessment of Piaget's whole theory, we will comment on some general questions raised about the theory, which have given an important impetus to research and improvement. We will address these issues in general, although the main references will provide the reader with the basic sources for further clarification For topics.
In general, criticism is limited to two things:
1. Topics related to mental perception within the model, which usually occur on theoretical models that are generally depicted.
2. Topics of mental perception derived from conflict or fundamental conflict, with the structural or organic guidance of the theory.
1- Internal Subjects in Theory:
Piaget made a number of assertions about his theory, which he either preferred to have favorable experimental support, or was logically inadequate as follows:

A of these assertions relates to the non-variable sequence in the acquisition of mental processes, and the questions are not focused on whether the sequence is variable or not, for the phases in motor sense, pre-operations, concrete processes, and formal procedures. No one seriously doubts this sequence . The most important issues in this regard are the difficulty of accurately assessing the level of child development. It is possible, for example, to make a mistake in assessing some level of cognitive development, such as mental procedure (A) , But we may make a thorough assessment of mental procedure "b". If we say that "B" depends on "A" and if the child has "B", but lacks "A", the conceptual sequence in this case seems inaccurate, while the reality may be the result of a measurement error, remember Flavell's research "1977" many examples of such errors in the evaluation.

Flavell (1972, 1977) published a detailed analysis of the concept of stages, and defined the concepts of composition, qualitative change, phlegm, and consensus as desirable if we accepted Piaget's theory of stages. For example, Flavell concluded that phase theory may be more persuasive if the transition from one epistemological stage to another is a sudden transition. Based on previous research, it has convincingly demonstrated that transition from phase

To another is actually a gradual transition, for example: the child when the stability of the properties of weight, this achievement is not absolute. The first signs of stable weight properties do not mean that the child is not undergoing further growth in this set of mental actions. A number of concurrent growth patterns indicate that surprise is not really a feature of the stages. It is also difficult to show that cognitive growth involves a network of interlocking arrays. If we are unable to make such a statement, the concept of the stage must be hollow . Flavell summarizes "1977 n 249" his conclusions as follows:

"My particular intuition is that the concept of ICs will not in fact actually emerge in the future in practical work on cognitive growth, and this does not mean that it is not to be constrained by undirected or bi-directional development determinants; growth is helping another growth, and perhaps vice versa. There is no unity or consistency in cognitive work across attitudes, but it means that there may be less unity, constancy and independence of growth than is claimed by theories such as Piaget's theory. "

There are other psychologists in the field of growth, among them: Wohlwill "1973" and Kohlberg "1969", they certainly do not agree with this statement, nor does the reader have to understand the statement we quoted about Flavell

flavell we totally agree it. What seems to us is that this analysis is a careful analysis, and it will undoubtedly push for further research into the nature and usefulness of the concept of pacing as described by Piaget.

The second internal feature of the Piaget theory, which is now being seriously questioned, is that of Piaget and Brunner. Appropriate to a certain stage, Piaget's view was challenged on the grounds that if a child does not understand verbal instructions, he will not be able to solve the issue. For example, in the question of "fixed properties of size", the child is asked to determine whether one of the vessels contains the same quantity or more or less than another vessel. These questions assume that the child understands the meanings of the abstract terms "same, more, less", but the child may not understand them, so the person has the right to ask: Does language impede performance? But does not impede the ability?

Piaget's work was strongly supported by Hans Furth (1970). Furth and his colleagues worked with deaf children to try to determine whether their hearing loss altered the path of mental growth or modulated in any way the cognitive growth sequence. Evidence suggests that hearing loss, which affects language, does not significantly affect the rate of mental development, and it certainly does not affect cognitive growth, unless it interferes with communication with the child.

Piaget's view is also that providing symbolic training "giving the child the necessary words" is not enough to accelerate or influence cognitive growth. In recent years, Beilin has conducted a comprehensive review of the logic of linguistic aspects of cognitive processes, and his careful analysis of available research provides some support for Piaget's view, namely that the supply of children in the sense of words does not significantly affect performance


Those cognitive duties that have a connection to the theory. However, a number of experiments indicate that oral education actually affects performance and may therefore affect the growth of the process

Related Post:




Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel