بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

المدخل التطوري المعرفي The evolutionary development portal

ثالثًا: المدخل التطوري المعرفي
مدخل
...
ثالثًا: المدخل التطوري المعرفي:
إن المدخل التطوري المعرفي للنمو الأخلاقي تتبع المبادئ التي أوردناها بالتفصيل عند مناقشتنا للنمو المعرفي في الفحص السابع، والمعالجة المعرفية النمائية للنمو النفسي الاجتماعي "الفصل السادس". إن هذه المعالجة تحاول أن تصف عمليات التفكير التي يتضمَّنها والحكم الخلقي.
شكل "100" الأطفال الصغار يلعبون قواعد أقل تعقيدًا من الأطفال الأكبر، وهذا يرجع جزئيًّا إلى أن فهمهم لطبيعة القواعد يكون أقل نضجًا.
وهكذا نجد أن لها تركيزًا يختلف بعض الشيء عن نظريات التعلُّم الاجتماعي التي تختص أساسًا بالسلوك وليس بالحكم, والفكرة الأساسية هي أنَّ عمليات التفكير هذه تنمو في تتابع من المراحل بنفس الطريقة التي يتتابع بها النمو المعرفي الذي ناقشناه في الفصل السابع.
- فأولًا: إن كل مرحلة تعتبر كلًّا متكاملًا وتختلف في نوعيتها عن أي مرحلة أخرى.
- ثانيًا: إنه عند تقدُّم النمو، فإن عمليات التفكير في كل مرحلة تتكامل مع العمليات التي توجد في المرحلة التالية الأعلى، وهكذا تصبح المرحلة الناتجة عبارة عن تكامل المرحلتين القديمة والجديدة.
- وثالثًا: إن مراحل النمو تكون معًا تتابعًا غير متغيِّر.
ورابعًا: فإن السنَّ ليس متكافئًا مع المرحلة.
ويعتبر بياجيه piaget عام "1935"، كولبرج kohlbergg عام "1963" أ، ب، 1969، 1967 هما أهم المؤيدين لطريقة المعالجة النمائية المعرفية. والقارئ الذي يهمه المزيد من التفاصيل يوصى بقراءة مراجعات هوفمان hoffman عام "1970"، وفلافل flavell عام "1963"، وليكونا lickona عام "1976".
وعلى الرغم من أن نظرية التحليل النفسي ونظرية التعلُّم الاجتماعي كانتا على وعي بتزايد الأفعال الخلقية مع زيادة عمر الطفل، فإنهما تصورتا النمو الخلقي على أنه استيعاب القواعد الخلقية، ومعنى ذلك: إنهما تتصوران النمو الخلقي على أنه مجرد تزايد كمي في مقدار ما يستوعبه الفرد من قواعد السلوك التي يرتضيها المجتمع. ومع مرور الوقت يصبح الطفل أكثر اجتماعية وأكثر أخلاقية، ولعله من الواضح أن هاتين النظريتين لم تقدما تصورًا متكاملًا عن النمو الخلقي للفرد، لكن قدمتا تصورًا عن كيفية اكتساب الطفل للقواعد الخلقية، والدور الخلقي بشكل خاص، ولا كيف ينظر الطفل إلى الموقف الأخلاقي, وأسباب اتخاذه القرار المعين.
أمَّا نظريات النمو المعرفية فتعالج بشكل مفصَّل التغيُّرات التي تطرأ على تفكير الطفل الخلقي عبر مراحل نموه المختلفة. إنها ترى أن النمو المعرفي للطفل يحدث حينما تنظم خبرات الطفل في أبنية أو تراكيب عرفية تزداد تمايزًا وتعقيدًا مع زيادة عمر الفرد. وقد تضمَّنت نظريات النمو المعرفية بعض الأفكار أو المبادئ التي أكَّدتها نظرية التحليل النفسي ونظرية التعلّم؛ ففكرة استيعاب القواعد والمبادئ الخلقية انتقلت من نظرية التحليل النفسي واستخدمت في النظريات المعرفية, كذلك استفادت النظريات المعرفية من نظريات التعلُّم إذ اعتبرت استجابات الفرد للخبرات الاجتماعية وما ينتج عنها من تعلُّمٍ أساسًا للنمو الخلقي, ومع ذلك فإن استيعاب القواعد والاستجابة للخبرات الاجتماعية اعتبرت من وجهة نظر أصحاب النظريات المعرفية شروطًا ضرورية للنمو الخلقي, ولكنها ليست شروطًا كافية. فالنمو الخلقي يتطلَّب إلى جانب ذلك صراعًا معرفيًّا, وكذلك إعادة تنظيم للأبنية العقلية المعقَّدة. ولعل أهم نظريات النمو الخلقي المعرفية هي نظرية جان بياجيه، ونظرية بك وهافجهرست, وأخيرًا نظرية كولبرج، وسنعرض فيما يلي الملامح الرئيسية لكلٍّ منها.
1- نظرية بياجيه في النمو الخلقي:
جان بياجيه عالم نفس مشهور، اهتمَّ أساسًا بدراسة النمو المعرفي للطفل، ولقد عرض بياجيه نظريته في النمو المعرفي على أساس ملاحظاته للأطفال التي كانت بطريقة غير رسمية, ومع قدر قليل من الضبط التجريبي؛ فقد كان يلاحظ الأطفال غالبًا في مواقف طبيعية: في المنزل، وفي المعمل, وكان يعطي الأطفال الكبار مشكلات بسيطة لكي يحلوها وفقًا لدرجة نموهم, وقد اختار بياجيه هذا المنهج الذي سمي بالمنهج الإكلينيكي لاعتقاده أنه السبيل الوحيد لفهم الأبنية العقلية لدى الطفل, وقدَّم من دراساته نظرية في النمو العقلي كان لها أثرها الكبير في مسار البحوث السيكولوجية وفي الممارسات التربوية على حدٍّ سواء.
لقد ميِّز بياجيه بين أربع مراحل رئيسية يمر بها تفكير الطفل منذ ولادته حتى اكتمال نضجه العقلي المعرفي -كما سبق أن أوضحنا- وهي:
المرحلة الأولى: هي المرحلة الحسية الحركية, وتمتد منذ الميلاد حتى سن السنتين تقريبًا، وفيها يكتسب الطفل بعض المهارات والتوافقات السلوكية البسيطة عن طريق تفاعل منعكساته الفطرية مع البيئة الخارجية.
المرحلة الثانية: وهي مرحلة ما قبل العمليات "التفكير الرمزي", وتمتد من سن الثانية حتى السابعة من العمر تقريبًا, وفيها يبدأ ظهور مجموعة من التغيُّرات الهامة في تفكير الطفل وسلوكه؛ إذ يبدأ يتعلّم اللغة.. وبظهور التمثيلات الرمزية يبدأ تكوّن الأفكار البسيطة والصورة الذهنية، ويتحوّل تفكير الطفل تدريجيًّا من صورته الحسية الحركية إلى صورة التفكير الرمزي. على أن تفكير الطفل في هذه المرحلة يظل متميزًا بعدة خصائص تميزه عن المرحلة الثالثة, أهمها: التركيز، والتمركز حول الذات، واللامقلوبية.
أما المرحلة الثالثة: فهي مرحلة العمليات العيانية أو المحسوسة, وتمتد من سن السابعة حتى سن الحادية عشر تقريبًا، وفيها يبدأ الطفل يفكر تفكيرًا شبيهًا بتفكير الراشد، ويبدأ في التحرُّر من التمركز حول ذاته, ويأخذ في اعتباره وجهة نظر الآخرين, ولكن على الرغم من أنَّه في هذه المرحلة يدرك العالم بشكل موضوعي, ويفكر بمنطق الراشدين، إلّا أنَّ تفكيره لا يزال مختلفًا عن تفكير الراشدين، فهو تفكير عياني أو محسوس وغير مجرد, فعمليات التفكير ترتبط بالأشياء والأحداث المحسوسة الموجودة في الواقع المباشر للطفل.
أما المرحلة الرابعة والأخيرة: فهي مرحلة العمليات الشكلية "الذكاء المجرد", وتمتد فيما بين الحادية عشر والخامسة عشر من العمر, وفيها تنمو قدرة المراهق على التفكير المجرَّد, ويصل إلى مستوى تفكير الراشدين في النهاية.
والتغيرات التي تحدث في تفكير الطفل عبر المراحل المختلفة، من وجهة نظر بياجيه, ليست تغيرات كمية فحسب، وإنما هي في الأساس تغيرات كيفية، بمعنى: إن الأبنية العقلية في مرحلة نمو معينة تختلف اختلافًا نوعيًّا عن المرحلة السابقة لها وتلك التي تتلوها, ومع ذلك فالمراحل من النوع التجميعي "التراكمي", بمعنى أن الأبنية التي تكوَّنت في مرحلة عمرية معينة، لا تختفي أو تزول نهائيًّا لتحلَّ محلها أبنية جديدة تمامًا, وإنما هي بالأحرى تدخل كجزء مكوّن للأبنية الجديدة. كذلك يتميز نظام تتابع المراحل بالثبات لدى كل طفل, وفي كل ثقافة, وإن اختلفت حدودها الزمنية نسبيًّا باختلاف الثقافات، كما لا توجد حدود زمنية فاصلة بين كل مرحلة وأخرى؛ إذ إن الانتقال بينها يتمُّ بصورة تدريجية يصعب معها تحديد وقت محدد للانتقال من مرحلة إلى التي تتلوها.
تلك فكرة سريعة عن تصوّر بياجيه لمراحل النمو المعرفي, فما هي انعكاساتها على تصوره عن نمو التفكير الأخلاقي. الواقع أن بحوث بياجيه عن التفكير الخلقي قد تركَّزت بشكل أساسي حول موضوعين رئيسيين منفصلين، وهما: فهم الطفل للقواعد rules, وأسلوب mode تفكير الطفل الخلقي, وقد خصَّص
لها كتابة "الحكم الخلقي عند الطفل", والذي نشر لأول مرة 1932، وبينما كان تصوره لمراحل استخدام الطفل للقواعد مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بنظريته العامَّة في النمو المعرفي، نجد أن تصوره لأسلوب تفكير الطفل الخلقي على عكس ذلك؛ حيث لا توجد آية علاقة واضحة بينه وبين النظرية العامة، وفيما يلي توضيح ذلك:
أ- فهم القواعد:
استخدم بياجيه في دراساته لفهم الطفل للقواعد نفس المنهج البسيط الذي استخدمه في دراسة النمو العقلي عامَّة, وكانت أدواته في ذلك عبارة عن مجموعة من البلي يقدمها للطفل, ويطلب منه أن يعلّمه كيف يلعب بها، مظهرًا جهله بهذه العلبة, وفي هذه الحالة فإنَّ الطفل يكون مضَّطرًا لصياغة قواعد اللعبة والتعبير عنها. وقد أشار بياجه piget عام "1977، 9-46" إلى أنَّ اللعبة لها نظام معقَّد من القواعد, وأيضًا كيف يطبقها على نفسه وعلى الآخرين. وأجريت هذه التجارب على حوالي 20 طفلًا تتراوح أعمارهم بين الرابعة والثالثة عشر, وقد توصَّل بياجيه من تحليله لسلوك الأطفال إلى تقرير أربع مراحل متتابعة لتطوّر فهم الطفل للقواعد واستخدامها، وهي:
1- المرحلة الحركية: وتقابل المرحلة الحس حركية في النمو العقلي العام، وتشغل نفس الفترة الزمنية تقريبًا, وفي هذا المرحلة يكون لعب الطفل بالبلي عشوائيًّا تمامًا, وعلى الرغم من أن الطفل ينمي مجموعة من الأساليب السلوكية الثابتة, إلّا أنها لا يمكن أن توصف بأنها قواعد لعب, وبطبيعة الحال طالما أن الطفل لم يبدأ بعد في أن يلعب مع الأطفال الآخرين ويتعاون معهم، فإن هذه الأنماط السلوكية لا يمكن أن تكون قواعد بأي معنى جمعي أو اجتماعي.
2- مرحلة التمركُز حول الذات: وتمتد فيما بين الثانية والخامسة تقريبًا, وفيها يبدأ الطفل في تقليد القواعد التي يراها متمثلة في سلوك الأطفال الآخرين، ولكنَّه على الرغم من ذلك لا يحاول أن يتعاون بالمعنى الحقيقي للكلمة, فعندما يلعب مجموعة من الأطفال في هذه السن بعضهم مع البعض الآخر، فإنهم لا يبذلون جهدًا للوصول إلى مجموعة موحَّدة من القواعد. وعلى الرغم من وجودهم معًا بالمعنى الفيزيقي وانتشار التقليد بينهم, فإن كل طفل منهم يلعب بمفرده.
3- مرحلة التعاون الأولي: وتستمر هذه المرحلة حتى سنّ الحادية عشرة تقريبًا, وفيها يلعب الأطفال بالمعنى الحقيقي, كل واحد منهم يتنافس مع الآخرين ويحاول أن يكسب في اللعب، ومن ثَمَّ فإنهم يبدأون في الانتباه لعملية وضع نظام code من القواعد الموحدة. ومع ذلك فإن تصوراتهم عن القواعد بصفة عامَّة لا زالت غامضة نسبيًّا، فحينما يسألون كل على انفراد عن مجموعة القواعد التي وضعوها للعبة ما، فقد يعطون تفسيرات مختلفة للقواعد التي كانوا يتبعونها.
4- مرحلة التقنين: في حوالي الحادية عشر أو الثانية عشرة من العمر يبدأ الأطفال في وضع قواعد مفصَّلة وثابتة؛ بحيث تأخذ ما أشار إليه بياجيه باسم فلسفة التشريع jurisprudence, وهنا يكون نظام القواعد مفهومًا ومتقبَّلًا من قِبَلِ جميع الأطفال.
هذا التصوّر يوضِّح كيف يتعامل الأطفال مع القواعد في مرحلة أعمارهم المختلفة, وقد حاول بياجيه في الجزء الثاني من البحث أن يكشف كيف يفهم الأطفال طبيعة القواعد, واستخدم لذلك مجموعة من الأسئلة البسيطة, ولكنها أسئلة ذكية في نفس الوقت؛ فمثلًا: كان يطلب من الطفل أن يضع قاعدة جديدة من عنده، وعندما يفعل ذلك يسأله هل يكون ملائمًا أن تلعب مع الأطفال الآخرين بهذه الصورة؟ هل هي قاعدة عادلة؟ هل يمكن أن تكون قاعدة حقيقية يلعب كل الناس على أساسها؟
وقد توصَّل بياجيه من هذه الأسئلة إلى ثلاثة مراحل أساسية لا تتفق تمامًا مع المراحل السابقة, ولكنها لا تتعارض معها:
- المرحلة الأولى: منها تقابل المرحلة الحركية والجزء الأول من مرحلة التمركُز حول الذات, وعند نهاية هذه المرحلة تبدأ القواعد تؤثّر في لعب الطفل, وإن كان ينظر إليها على أنَّها أمثلة شيقة أكثر من أن ينظر إليها على أنها قواعد ملزمة.
- المرحلة الثانية: تبدأ في منتصف مرحلة التمركز حول الذات, وتستمر حتى حوالي منتصف مرحلة التعاون الأولي, وهنا يكون الطفل واعيًا بالقواعد
وينظر إليها على أنها قواعد مقدَّسة لا يمكن المساس بها. قاعد تنبثق من الكبار ويجب أن تستمر إلى الأبد.
- المرحلة الثالثة والأخيرة: فينظر الطفل فيها إلى القاعدة على أنَّها ترتيب ينشأ من "الاتفاق المتبادل"، وهنا يصبح تغيير القاعدة ممكنًا بشرط موافقة اللاعبين الآخرين, وهذه المرحلة الأخيرة تبنى على الاحترام والتعاون المتبادلين.
ب- أشكال التفكير الخلقي:
وهكذا أوضح بياجيه أن هناك تغيرات جوهرية تحدث في فهم الطفل للقواعد مع تقدُّمه في العمر، ولعلَّ أهمَّ تغير فيها -من وجهة نظر بياجيه- هو ذلك الذي يحدث أثناء الانتقال للمرحلة الأخيرة؛ حيث يتغيِّر فهم الطفل للقواعد من تصوره لها على أنَّها مقدَّسة ومفروضة من الخارج إلى إدراكه لها على أنها نتاج لاتفاق متبادل، ومن ثَمَّ يمكن تغييرها برضاء جميع الأطراف. وبالإضافة إلى ذلك، فقد استمر بياجيه في استكشاف أفكار الأطفال عن العدالة والعقاب، وحول مفاهيم مثل: الكذب وغيره، وانتهى من ذلك كله إلى التمييز بين نوعين رئيسيين من الأخلاقية هما "سليمان الخضيري: 1982":
1- الأخلاقية خارجية المنشأ heteronomous morality:
ويميز هذا النوع من الأخلاقية تفكير الطفل حتى حوالي سنّ السابعة أو الثامنة. إنها تتميز بالاحترام "من جانب واحد" للراشدين, والقواعد الأخلاقية التي يضعونها. القاعدة الأخلاقية تسلطية تفرض على الطفل بواسطة عالم الراشدين، وهو يطيعها ويحترمها, والقانون الخلقي ليس عقلانيًّا في طبيعته، ومن ثَمَّ فإن القواعد لها قيمة دائمة وموضوعية بصرف النظر عن الأفراد الذين يتبعويها؛ فالأخلاقية الخارجية تعني: الخضوع لتوجيه الآخرين, أو القواعد التي يضعونها، وهذا معناه أن القواعد تنشأ أصلًا من خارج الفرد وتفرض عليه من البيئة. "سليمان الخضيري: 1982".
ويطلق بياجيه على الأخلاق خارجية المنشأ أخلاقية ضبط النفس أو الواقعية الأخلاقية, ويرى أن الفرد يستجيب في هذه المرحلة للقواعد؛ لأنها تعتبر صارمة
وغير قابلة للتعديل؛ لأن الكبار أو الراشدين هم الذين وضعوها، ولذا: فعلية الخضوع لها وعدم الخروج عليها؛ لأن العقاب لا بُدَّ وأن يلحق بمن يخرج عليها, وفي هذه المرحلة يحتاج الطفل إلى قاعدة لكل موقف؛ حيث لا يمكنه أن يقوم بالتعميم.
"lerner & spanier, 1980".
2- الأخلاقية داخلية المنشأ autonomuous morality:
وهي أخلاق ديمقراطية تستند إلى المساواة بين الناس وتُبْنَى على التعاون والاحترام المتبادلين. إنها عقلانية، تنشأ من التفاعل بين الطفل ورفاقه, فيها يتحرَّر الفرد من قيود الراشدين, وتنمو لديه فكرة المساواة والعدالة؛ فالأخلاقية داخلية المنشأ تعني ببساطة أنَّ معايير الفرد الأخلاقية تتبع من داخله, وعن اقتناع ذاتي, ودون فرض خارجي من أي مصدر كان. "سليمان الخضري: 1982، 145".
وهكذا نجد أنَّ الطفل في هذه المرحلة يعمل طبقًا لنمط أخلاقي تعاوني أو تبادلي، بمعنى أنه ينظر إلى القواعد باعتبارها محددة باتفاق متبادلة، وأنها تعتمد على الظروف الاجتماعية. فالطفل يدرك أنه لا يوجد صواب مطلق ولا خطأ مطلق، بل تصورات أو أفكار للعدالة تشتمل على اعتبار القصد "النية", فكسر "15" فنجانًا عَرَضًا ينظر إليه على أنه أقل خطأ من كسر فنجان واحد في أثناء محاولة الحصول على شيء محظور, لذا: فإنَّ اتباع القواعد الأخلاقية ينظر إليه كضرورة لتمكين المجتمع من أداء وظائفه، ويعتبر العقاب ملائمًا للخطأ, وليس مجرَّد تنفيذ السلطة.
وتتميز هذه المرحلة بالذاتية الخلقية؛ إذ يكون الطفل ذاتيًّا في أحكامه الخلقية, بمعنى أنه يأخذ نية الفرد أو قصده في اعتباره عند الحكم على صحة فعل أو خطئه، كما يضع احتمال الخطأ الإنساني في اعتباره أيضًا، ويصبح كسر فنجان واحد عن قَصْدٍ أكثر جرمًا من الطفل الذي كسر ثلاثة بدون قصد. بالإضافة لذلك تنمو لدى الطفل فكرة المساواة والعدالة. "watson & lindgren, 1979, 451".
وتبدأ هذه الأخلاقية في الظهور في حوالي سنّ الحادية عشر أو الثانية عشر، أمَّا ما بين الثامنة والحادية عشر فهي رحلة انتقالية من الأخلاقية الخارجية
إلى الأخلاقية الداخلية، ويحدث ذلك عن طريق تبادل التعاون والشعور بالمسئولية إزاء الأطفال الآخرين, أي: إن الطفل خلال سنوات المدرسة الابتدائية يحكم على أفعاله وأفكاره ومشاعره على أنَّها صواب أم خطأ, ويرى بياجيه أنَّ سن المدرسة يعتبر فترة انتقال من الواقعية الأخلاقية "حينما تكون القواعد بالنسبة للطفل غير قابلة للتغيير ويطبقها حرفيًّا" إلى الاستقلال الذاتي "حينما يرى الطفل أن القواعد قد وضعها الأفراد, وأن العلاقات تبنى على الاحترام المتبادل وعلى التبادلية، "smart & smart, 1977, 472".
وعلى الرغم من أن تتابع مراحل فهم القواعد عند بياجيه كان تتابعًا تجميعيًّا, بمعنى أن المرحلة السابقة تدخل كمكونات للمرحلة التي تليها، وتلك سمة عامَّة لنظريته في النمو العقلي، فإن تصوره لنوعي الأخلاقية كان على خلاف ذلك؛ فبياجيه لا يرى وجود أي شيء في الأخلاقية الخارجية يؤدي إلى نشأة الأخلاقية الداخلية, وهذا نقطة ضعف في نظريته.
ج- الإحساس بالعدالة sense of justice:
ولبحث الإحساس النامي بالعدالة لدى الطفل, ذكر بياجيه للأطفال قصصًا عن الأشخاص الذين يقومون بارتكاب أخطاء، ثم سُئِلَ الطفل عندئذ عن السبب في أنَّ هذه الأفعال كانت خاطئة، أو أي من الفعلين كان خطأ والآخر صحيحًا, مثال ذلك:
في إحدى القصص طلب من الأطفال تحديد مَنْ كان أكثر شقاوة, أهو الطفل الذي هشَّم 15 فنجانًا من خلال حادث لا يمكن تجنبه، أم الطفل الذي هشَّم فنجانًا واحدًا وهو يحاول اختلاس بعض المربَّى.
وفي مثال ثان سئل الأطفال: أيُّ الاثنين أكثر ذنبًا, أهي البنت التي سرقت كعكة لتعطيها لصديق فقير جائع، أو تلك التي سرقت شريطًا "أقل ثمنًا" لنفسها.
وكانت كل قصة تتضمَّن فروقًا في القصد "جيد أو رديء"، وفروقًا في التلف "كبير أو صغير" "smith et, al. 1982, 330".
وعلى أساس هذه المعطيات وغيرها قام بياجيه بصياغة بعض الأفكار حول فهم الأطفال للعدالة, من ذلك:
1- فكرة العدل الجزائي retributive justice: وهي تختص بطريقتين يفكِّر بهما الأطفال:
- فالعقوبة يجب أن تقابل الأفعال الخاطئة.
وكان أحد أشكال العقاب الذي يستخدمه أكثر الأطفال الأصغر هو العدال التكفيرية expiatory justice؛ فالعقاب يجب أن يكون متناسبًا تناسبًا طرديًّا مع خطورة الذنب، ولكن شكله لا يجب بالضرورة أن يرتبط بالفعل الخاطئ.
- أما الشكل الثاني من العقاب فهو ما أسماه بياجيه بالعقاب بالمثل، أو العقاب عن طريق التبادل punishment by reciprocity: فالأطفال الأكبر سنًّا بدا وكأنهم يعتقدون أن العقاب يجب أن يناسب الجريمة بطريقة ما؛ بحيث يمكن للمذنب أن يحسن تقدير النتائج المترتبة على فعله. إن الغرض من هذا الشكل من العقاب لا يهدف إلى إنزال العقاب من أجل العقاب ذاته، ولكن لإظهار نتائج الفعل من خلال العقاب الذي يرتبط ارتباطًا منطقيًّا بالفعل الخاطئ.
وثمة مثال قدَّمه فلافيل flavell عام "1963" يوضح هذه النقطة: فلنفترض أن طفلًا ما لم يتمكن من إحضار طعام إلى المنزل بعد أن طلب منه ذلك. إن ضربه يعتبر مثالًا للعقاب التكفيري؛ لأنه لا توجد علاقة منطقية بين الفعل الخاطئ والعقاب, أما تقليل مقدار وجبة الطفل أو رفض أداء خدمة للطفل يعتبر مثالًا للعقاب الجزائي؛ لأنه في الحالة الأولى تكون كمية الطعام المتيسّر أقل، والحالة الثانية؛ لأن الطفل كان قد رفض أداء خدمة.
2- العدالة الوشيكة immanent justice وأخلاقيات التعاون أو التبادلية: morality of cooperation or reciprocity: فالطفل يستجيب للقواعد لأنها تعتبر صارمة وغير قابلة للتعديل, خاصَّة في المرحلة الأولى للنمو الأخلاقي،
ويعتبر السلوك إمَّا طيبًا أو رديئًا تبعًا لما إذا كان يتَّبع قواعد اجتماعية أم لا. إن الأطفال الأصغر يعتقدون في فكرة العدالة الوشيكة، بمعنى: إن الله يعاقب الناس على أفعالهم الخاطئة مباشرة، فالعقاب يعتبر مباشرًا يحدث بقدرة أوتوماتيكية لمن يخرج عن القواعد الأخلاقية, أمَّا الأطفال الأكبر في المرحلة الثانية للنمو الأخلاقي فإنهم ينظرون إلى القواعد باعتبارها محددة باتفاق متبادل، وأنها تعتمد على الظروف الاجتماعية. إن الطفل يدرك أنه لا يوجد صواب مطلق ولا خطأ مطلق، بل إن تصورات أو أفكار العدالة تشتمل على القصد أو النية intention؛ فكسر "15" فنجانًا عَرَضيًّا ينظر إليه على أنه أقل خطأ من كسر فنجان واحد أثناء محاولة الحصول على الشيء من المربَّى المحظورة "lickona, 1976". إن اتباع القواعد الأخلاقية ينظر إليه كضرورة لتمكين المجتمع من أداء وظائفه، ويعتبر العقاب ملائمًا للخطأ, وليس مجرد تنفيذ لسلطة.
3- إن النضج والخبرة عاملان أساسيان في تحديد فكرة الطفل عن العدالة:
فالنضج يؤثر على النمو الأخلاقي من خلال وظيفته في تحسُّن النمو المعرفي العام. كما أنَّ الخبرة تؤثر على النمو الأخلاقي أساسًا من خلال الأقران؛ حيث إن التفاعلات المتبادلة بين الأطفال والراشدين هي في الغالب من جانب واحد، أي: إنها تسلطية؛ فنظرًا لأنَّ الراشدين يميلون للهيمنة والسيطرة على الأطفال, فإن الأطفال ينظرون إلى قواعد الكبار على اعتبار أنها مطلقة. وطبقًا لنظرية بياجيه فإن النمو الأخلاقي لا يمكن أن يحدث في ظل هذه الظروف، لكن تبادل الأخذ والعطاء الذي يحدث بين الطفل وأقرانه فإنه يمكن أن يؤثّر على مفهوم الطفل للأخلاقيات، ويحدث ذلك بطريقتين:
أولًا: بالمشاركة في القرارات مع الأقران: والأطفال بذلك يكتسبون ثقة في قدرتهم على تطبيق القواعد في المواقف وعلى تغيير القواعد, وعلى ذلك: فإن القواعد ينظر إليها كنتيجة للاتفاق والتعاون بين الناس، كما ينظر إليها على اعتبار أنها مرنة وليست قابلة للتغيير.
وثانيًا: من خلال الخبرات في القيام بالدور مع الأقران يستطيع الأطفال أن يدركوا من خلال اتخاذ أدوار الراشدين أنَّهم يفكرون ويشعرون نحو الأشياء بطرق مشابهة لطرق أقرانهم "selman, 1973, 1976, shantz, 1975".
ويستخدم علماء النفس مصطلح "أخذ الدور" role taking للإشارة إلى الكيفية التي يتعلَّم بها فهم الآخرين بواسطة اتخاذ وجهات نظرهم، وكذلك العلاقة بين منظوراتهم وتصوراتنا, وهذا الإدراك يساعد الطفل على أن ينظر إلى استخدام القواعد على أنها مفيدة للجماعة، وهي أيضًا تساعد الطفل على فهم الدوافع الكامنة وراء أفعال الآخرين, وبذلك توفِّر الأساس للحكم الخلقي على القصد وليس على السلوك الظاهر وحده.
بعض الاستنتاجات من نظرية بياجيه:
إن آراء بياجيه توضِّح أن أهمية التفاعل مع الأقران في تطوير النمو الأخلاقي إنما ترجع إلى ما يتسم به من تبادلية reciprocity, فطبيعة التفاعل من جانب واحد بين الراشدين والأطفال يمنع الأطفال من اختبار البدائل
tesing alternatives بطريقة محايدة في عملية الأخذ والعطاء give - and - take manner. أمَّا التفاعلات مع الأقران من جهة أخرى, فتعتبر تبادلية وذات جوانب متعددة، وتسمح للطفل بالمشاركة في وضع القواعد وتغييرها، واتخاذ مختلف الأدوار التي تهيئ استبصارًا في وجهات نظر بديلة للقواعد والمواقف. وهذا التفاعل المتبادل بالإضافة إلى النمو المعرفي يساعد على تقدم النمو الأخلاقي للطفل، ما لم يعاق النمو بواسطة والديْن مفرطين في التشدد, أو بمحظورات ثقافية تعمل على تقليل التفاعل المتبادل مع الأقران إلى الحد الأدنى، ففي حالة التفاعل المتبادل مع الأقران فإن الطفل سوف ينتقل من حالة من الواقعية الخلقية moral realism "التي تميز الأطفال في المرحلة الأولى" إلى حالة استقلال ذاتي autonomy, وهو مستوى جديد وأعلى للتوجيه الأخلاقي moral orientation.
إن البحث الذي نتج عن نظرية بياجيه استهدف تقييم مراحل النمو الأخلاقي في مجالات خمسة:
1- ارتباطية المنظورات relativism of perspective مقابل المطلقية absolution.
2- نظرة موضوعية للعقاب مقابل العدالة الوشيكة immanent.
3- القصدية مقابل النتائج المترتبة على الفعل.
4- العدالة النسبية مقابل العدالة التفكيرية realtive vs. expletive justice.
5- الالتزام comfrmity بتوقعات الأقران مقابل الطاعة obedience لسلطة الكبار "hoffman, 1970, lickona, 1976".
ومع استثناءات قليلة دعمت النتائج تأكيدات بياجيه النظرية حول اتجاهات السن بالنسبة لهذه السمات. إن هذا التتابع الرائع للنتائج شديد الإجبار؛ إذ إن اتجاهات السن لم تكن قد واجهت نسبة الذكاء، أو الطبقة الاجتماعية، أو الجنس race. إن العامل الوحيد المحدد في نظرية بياجيه هو أنه لا يمكن تطبيقها إلّا في الثقافات الغريبة فقط. "horrman, 1970".
مجادلات أصحاب نظرية التعلُّم الاجتماعي:
إن المراحل التي وضع بياجيه قواعدها قد أثارت بعض الأبحاث الجدلية:
- فقد جادل أصحاب نظرية التعلُّم الاجتماعي بأنَّ الأخلاقيات لا تنمو في مراحل، وأنها لا ترتبط بالسن. إنهم يظنون أنها تنمو, وأنها قابلة للتعديل من خلال التدخُّل البيئي، فتعريض الطفل لخبرات بيئية مختلفة يجب أن يغيّر الحكم الخلقي من خلال التعلُّم, بصرف النظر عن مستوى الطفل في النمو المعرفي.
- كذلك: فقد جادلوا حول أهمية تأثير النماذج على الحكم الخلقي للأطفال, وقد جرى تقييم ذلك في تجربة قام بها بندورا وماكدونالد bandura & mac donald عام "1963", كان المفحوصون فيها من البنين الذين تتراوح أعمارهم بين 5-11 سنة، وقد تَمَّ تقسيمهم إلى مجموعتين:
- أظهرت إحدى المجموعتين في بداية الأمر اتجاهًا أخلاقيًّا موضوعيًّا.
- والمجموعة الثانية أظهرت اتجاهًا ذاتيًّا.
وقد قامت المجموعة الأولى بإصدار أحكامها على أساس التلف الحادث، في حين أن المجموعة الثانية أصدرت أحكامها على أساس نوايا المعتدي.
ثم قسَّمت كلتا المجموعتين إلى ثلاث مجموعات تجريبية:
- قامت الأولى بملاحظة نموذج راشد عبَّر عن أحكام خلقية مضادة لاتجاهات الأطفال، وعزَّز الأطفال شفاهة لمحاكاة استجابات النموذج.
- ولاحظت المجموعة الثانية النموذج الراشد, ولكن لم يتلقوا أيَّ تعزيز لمحاكاة استجابات النموذج.
- ولم يلاحظ أطفال المجموعة الثالثة أي نموذج، ولكنهم تلقون تعزيزًا للتعبير عن أحكام خلقية مضادة لتوجهاتهم السائدة.
ولكن المتغير التابع هو عدد الأحكام الموضوعية التي أبداها الأطفال ذو الاتجاه الذاتي، وعدد الأحكام الذاتية التي وصفها الأطفال ذوو الاتجاهات الموضوعية في أثناء فترة التقدير المبدئي، وفي فترة المعالجة التجريبية، وفي
الفترة التي تلت الاختبار البعدي مباشرة، والتي أجريت في إطار اجتماعي مختلف عن النموذج, وعدم وجود إجراءات التعزيز.
وقد أوضحت النتائج أنَّ الأطفال الذين لاحظوا نموذجًا غيَّروا أحكامهم الخلقية, وقلدوا أحكام النموذج بصرف النظر عن التعزيزات، والأطفال الذي لم يلاحظوا نموذجًا ولكنهم تلقَّوا تعزيزًا على الأحكام الخلقية المضادة لتوجهاتهم المبدئية لم يميلوا للتغيير, وخاصَّة إذا كان توجههم ذاتيًّا.
وقد جادل "بندورا" و"ماكدونالد" في أنَّ هذه النتائج تعزِّز فكرة أن الأطفال يمكن أن يتعلموا السلوك الأخلاقي من ملاحظة نماذج. إن مثل هذه الفكرة تتعارض مع مفاهيم بياجيه وغيره ممن جادلوا في أن النمو الأخلاقي يتضح في مجموعة من المراحل كنتيجة لإعادة تكوين التفاعلات بين الطفل والبيئة.
إن التغييرات في الحكم الخلقي التي ذكرها "بندورا" و"ماكدونالد" "1963" قد تكررت أيضًا في عدة تجارب أخرى، وأن هذه التعييرات تستمر لفترة ما بعد تعريضها, فقد ذكر كوان ولانجر وهيفنريتش وناثانسون cowan, langer heaventich & nathanson عام "1969", ذكروا أنَّ التغيرات في الحكم الخلقي دامت بعد التجربة لمدة أسبوعين, كما ذكر لوفرجي وولوشن le furgy & woloshin عام "1969" أن التغيرات في الأحكام الخلقية لدى المراهقين دامت لمدة ثلاثة شهور.
وهذه التجارب تدل على أن الأحكام الخلقية يمكن أن تتشكَّل من خلال التعلُّم, ومع أن هذا الدليل يبدو أنه يدعو إلى التساؤل في نظرية أنَّ النمو الأخلاقي قد يحدث في مراحل جنبًا إلى جنب مع النمو المعرفي، كما أشار إلى ذلك بياجيه، وكولبرج، إلّا أنَّ الأمر لم يكن كذلك في دراسة كوان وزملاؤه cowan, et al عام "1969", فالأحكام ذات المستوى المنخفض مثلًا التي تختص بالنتائج التي مارستها الشخصية الرئيسية في قصة تعرض مشكلة أخلاقية, يبدو أن مثل هذه الأحكام تغلب لدى الأطفال الصغار, وطبقًا للتفسير الدقيق لنظرية التعلُّم الاجتماعي فإن الأمر لا يجب أن يكون كذلك؛ حيث إن الراشدين مفروض أنهم لا يبدون هذا المستوى المنخفض من الأحكام في تفاعلاتهم اليومية. وإذا قدَّم الأطفال أحكامًا خلقية تشكَّلت طبقًا لنموذج الراشد الذي يقابلونه, فإنه من الصعب أن نفسر هذا المستوى السلوكي المنخفض في الأطفال الصغار، وكذلك التغيرات التالية في الأحكام الخلقية مع السن.
العيوب في دراسات التعلُّم الاجتماعي:
ذكر هوفمان hiffman عام "1970" عيبين في تصميم دراسات التعلّم الاجتماعي حول المراحل الأخلاقية:
أولهما: حول مدى صلاحية التجارب المستخدمة لاختبار نظرية بياجيه:
ففي الدراسات الثلاث كان الاختبار البعدي يتكوّن من بنود شديدة الشبه في طبيعتها, وفي نفس البعد الأخلاقي لبنود الاختبار القبلي, وهكذا: فإن النتائج قد لا تعكس تغيرًا حقيقيًّا في تصورات المفحوصين عن الأخلاق، لكنها فقط تغير في
الاستجابات المكشوفة لبعد أخلاقي معين, وإذا كانت الاختبارات البعدية مكونة من بنود في بعد يختلف عمَّا استخدم في الاختبار القبلي لكان من الممكن استخدام النتائج للتدليل بمزيد من الإقناع في صالح التغيّر في المفهوم الأساسي للأخلاقيات لدى الطفل.
وهناك مشكلة ثانية ظهرت في دراسات بندورا وماكدونالد "1963"، كوان وآخرون "1969" وهي أن كلًّا من النموذج والقائم بالتجربة كانا من الراشدين، وكان أحدهما موجودًا دائمًا؛ وحيث إن الأطفال يعتبرون شديدي الحساسية للمؤثرات الاجتماعية في الموقف التجريبي, فإنهم قد يقدمون الاستجابة التي يظنون أن الشخص الراشد يريد منهم تقديمها، وهو شكل مما يعرف باسم تحيز القائم بالتجربة "rosenthal, 1966" ونتيجة لذلك: فإن أبحاث التعلُّم الاجتماعية تعتبر شاملة كاختبار لتتابع مراحل النمو الأخلاقي التي وصفها بياجيه, وهناك رأي بأنَّ الأمر يحتاج مزيد من البحث قبل أن يبتّ في أمر هذا الموضوع.
القصدية ووسائر بياجيه:
هناك مجال ثالث للبحث في نظرية بياجيه اختص بفحص وسائله لتقييم النمو الأخلاقي، وهذه الدراسات تركّز بصفة خاصَّة على موضوع وجهات نظر الطفل عن القصدية intentionality وليس على نتائج الفعل في تقدير الحكم على الأفعال الأخلاقية.
ويرى جوتكين gutkin عام "1972" أنَّ فكرة القصد أو النية تنمو لدى الأطفال في أربعة مراحل متتالية: هي:
- الأولى: ينصبّ فيها اهتمام الطفل على كمية أو مقدار التلف الناتج، أي: النتائج المادية للفعل.
- الثانية: ينصبّ فيها اهتمام الطفل أساسًا على كمية أو مقدار التلف الناتج, إلّا أنه يفكر في القصد أو النية إلى حدٍّ ما.
- الثالثة: ينصبُّ فيها اهتمام الطفل على القصد أو النية، وإن ظل يفكِّر في كمية أو مقدار التلف الناتج.
- الرابعة: يصبح القصد أو النية هو المعيار الوحيد للحكم الخلقي. "varma & williams, 1976, 100-101".
وهناك خط من خطوط البحث يركِّز على القصص التي كوَّنها بياجيه ويعتبر محاولة لتوضيح طبيعة استجابات الأطفال، ففي تجربةٍ قام بها كوستانزو وكوى وجرنت وفارنيل costanzo, coie grument & farmill عام "1973" توضِّح البحث في هذا المجال, ولنذكر أن قصص بياجيه تتضمَّن نوايا "مقاصد" إمَّا طيبة أو رديئة، وهي دائمًا تقترن بنتيجة سيئة, ولقد أجرى هؤلاء الباحثين فحص استخدام الأطفال للنتائج والنوايا "المقاصد" في إصدار الحكم الخلقي, وقد تلى كل من القصد الحسن والقصد الرديء نتائج إمَّا طيبة أو سيئة, وكان المفحوصون "20" طفلًا, كلٌّ منهم من روضة أطفال، ومن الصفين الثاني والرابع. وقد استمع كل طفل قصتين من مجموعة من المجموعات الأربعة للنوايا والنتائج المترتبة عليها، وأصدر حكمًا عن طيبة أو رداءة الشخصية الرئيسية، وما إذا كانت معاونة أو لطيفة, وتدل النتائج على أنَّ فروق السن في استخدام الأطفال للقصدية في تقييم أفعال الغير تتوقّف على العواقب. وبالنسبة للقصص ذات النتائج الطيبة استخدم الأطفال كلهم القصد وهو افتراض بأنه مستوى أعلى من التفكير الخلقي, وفيما يختص بالقصص ذات العواقب السيئة كان استخدام القصدية يزيد مع التقدم في السن, وهذه النتائج تتعارض مع دراسات سابقة استخدمت قصصًا من طراز قصص بياجيه, وتقترح أن الأطفال قد يستخدمون القصدية بدرجة كبيرة في وقت مبكِّر عمَّا كان يظن من قبل "Buchanan & Thompson, 1973".
وأخيرًا تبيّن أيضًا أنَّ استخدام المؤشرات في النوايا, والإصرار في مجال حكم الأطفال على سلوك الآخرين, يتأثر بما إذا كان سلوك الشخص الآخر قد لقي استثارة من شخص آخر أو لم يلق, ووجد أنه عندما كانت الأفعال الخاطئة للمسيئين قد لقيت استثارة قوية من جانب الضحية, فإن مرتكب الخطأ كان يُنْظَر إليه على أنه أقل مشاغبة من حالة ما إذا كان الخطأ لم يلق استثارة "Berndt & Rerndt, 1975". على أن الأطفال حتى سنّ الخامسة يفهمون الدوافع والنوايا, ولكنهم قد يتجاهلونها عند إجراء حكم أخلاقي.
إن طريقة عرض المشكلة الأخلاقية في القضية يبدو أنها تؤثر أيضًا على استجابات الأطفال؛ فقد بحث شاندلر وزملاؤه Chandler, et al عام "1973" هذه القضية مع أطفال في سن السابعة، وكان كل من الأربعين صبيًّا والأربعين بنتًا قد سمع قصة من طراز قصص بياجيه, وشاهدوا فيلمًا عن قضية أخرى. وكانت الأحكام العادية عمَّن كان أكثر شقاوة "مشاغبة" والسبب في ذلك, وقد رتبت على أساس استنادها إلى النوايا والنتائج, وقد تبيِّن أن طريقة عرض القصة تؤثِّر على الحكم الأخلاقي الذي يصدره الأطفال، وبالتالي يولد الانطباع بأنَّ الأطفال الصغار لا يحسون بالقصد من فعلٍ ما عند الحكم على أخلاقياته.
وقد يبدو أن هذه النتائج تدل على أن نظرية بياجيه غير صحيحة، ويجب أن نتذكَّر أنه وإن كانت الاصطناعات المنهجية التي ناقشناها هنا قد تشوّه اتجاهات السن في النمو الأخلاقي، فإنه لم يوجد لدينا دليل على أن افتراض بياجيه لتتابع مراحل النمو في التفكير الأخلاقي غير صحيح، وأن هذا التتابع قد يحدث مبكرًا عمَّا يتوقع. إن توضيح هذه القضية يجب أن ينتظر المزيد من الأبحاث حولها.
أخد الدور في نظرية بياجيه:
قام كثير من الباحثين باختبار فكرة بياجيه، من أنَّ تفاعل الأقران واتخاذهم الدور يدعِّم النمو الخلقي, وقد وصف سيلمان selman مراحل أخذ الدور، واسنتنج أن القدرة على الدور تتزايد مع السن في مجموعة من المراحل تتوازي بشكل تقريبي مع مراحل بياجيه للنمو المعرفي. وقد حدَّد "سليمان" أخذ الدور بقراءة مشكلة أخلاقية أمام الطفل, وتقييم قدرته على فهم وجهة نظر الشخصية في القصة, وكيف أنَّ وجهات النظر هذه ترتبط بوجهات نظره هو. إن قدرة الطفل على اتخاذ الدور تؤثر على فهمه للعالم الاجتماعي, وكيف يجب أن تحل الصراعات.
وقد استخدم موير moir عام "1974" اختبارات النمو الأخلاقي واختبارات اتخاذ الدور اللا أخلاقي "فهم دوافع وأحاسيس الآخرين" مع 40 فتاة في سن 11 سنة، وكانت الدرجات المسجَّلة على نوعي الاختبار ترتبط إيجابيًّا, مما يدل على أنَّ المستويات الأعلى من التفكير الخلقي كانت مرتبطة مع المستويات الأعلى للقدرة على اتخاذ الدور, وقد ثبتت صحة ذلك حتى عندما كانت العلاقة الارتباطية قد صححت بالنسبة لنسبة الذكاء, فلم يكن الذكاء هو السبب الجوهري في العلاقة الارتباطية بين القياسين.
وبناءً على هذه النتائج, فإن الطفل الذي يكون لديه القدرة على اتخاذ منظور الآخرين يعتبر البادئ في نمو مستويات ناضجة للتفكير الأخلاقي, فاتخاذ الدور هام بالنسبة للحكم الأخلاقي؛ لأنه يزيد من فهم الطفل لوجهة نظر شخص آخر، وهو بدوره يخفض من تمركز الطفل حول ذاته، وبالتالي يسمح بحكم أخلاقي ذي كفاءة متزايدة.

المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم نفس النمو
المؤلف: حسن مصطفى عبد المعطي، هدى محمد قناوي
عدد الأجزاء: 2 الناشر: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع



The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

The evolutionary cognitive approach:
The evolutionary, cognitive development approach to moral growth follows the principles that we detailed in our discussion of cognitive growth in the seventh test, and the developmental cognitive therapy of psychosocial growth (Chapter 6). This treatment attempts to describe the thought processes it contains and the moral judgment.
The shape of "100" young children play rules that are less complex than older children, partly because their understanding of the nature of the rules is less mature.
Thus, they have a somewhat different focus from social learning theories that are primarily concerned with behavior rather than governance. The basic idea is that these processes of thought grow in a sequence of stages in the same way as the cognitive growth discussed in Chapter VII.
First, each stage is considered to be both integrated and different in quality from any other stage.
Second, as growth progresses, the processes of thinking at each stage are integrated with the processes that exist in the next higher stage, and thus the resulting phase becomes the integration of the old and the new phases.
Thirdly, the stages of growth are together, unchanging.
Fourth, the age is not equal to the stage.
Piaget (1935), Kohlbergg (1963), A, B, 1969, 1967 are the main proponents of cognitive developmental therapy. The reader who is interested in more details is recommended to read reviews of Hoffman Hoffman in 1970, Flavell in 1963, Lycona in 1976.

Although the theory of psychoanalysis and the theory of social learning were aware of the increase of moral acts as the child grew older, they conceived of moral growth as the assimilation of moral rules, meaning: they perceive congenital growth as merely a quantitative increase in the amount of the individual's rules Behavior that the community approves. As time passes, the child becomes more social and more ethical, and it is clear that these two theories did not provide an integrated view of the individual's moral development, but gave an idea of ​​how the child acquired the moral rules, the moral role in particular, and how the child perceived the moral position and the reasons for his adoption Specific decision.

The theories of cognitive growth address in detail the changes that occur in the child's mental thinking through different stages of growth. She believes that the cognitive development of the child occurs when the child's experiences are organized in structures or structures that are more complex and complex with increasing the age of the individual. The theories of cognitive growth included some of the ideas or principles confirmed by the theory of psychoanalysis and the theory of learning; the idea of ​​assimilating the rules and principles of ethics moved from the theory of psychoanalysis and was used in cognitive theories. Cognitive theories also benefited from the theories of learning, considering the individual's responses to social experiences and the resulting learning As a basis for congenital growth. However, the assimilation of norms and response to social experiences were considered by the cognitive theorists to be prerequisites for congenital growth, but they were not sufficient conditions. Congenital growth requires, moreover, cognitive conflict, as well as the reorganization of complex mental structures. Perhaps the most important theories of moral development cognitive knowledge is the theory of Jean Piaget, and the theory of Beck and Haverhurst, and finally the theory of Kohlberg, we will show below the main features of each.

1. Piaget's theory of congenital growth:
Jean Piaget is a renowned psychologist, primarily concerned with the study of child cognitive development. Piaget presented his theory of cognitive development on the basis of his observations of children that were informally and with little empirical control; children were often observed in normal situations: at home, He gave the adult children simple problems to solve according to their growth. Piaget chose this approach, which he called the clinical approach because he believed it was the only way to understand the child's mental structures. He presented a theory of mental development that had a significant impact on the course of psychological research and practice Educational both.

Piaget has distinguished between four major stages in the child's thinking from birth to the completion of his cognitive mental maturity - as we have already explained:
The first phase is the motor sensory phase, extending from birth until the age of two years, in which the child acquires some simple behavioral skills and reactions through the interaction of his innate reflexes with the external environment.

The second phase: the pre-process "symbolic thinking", and extends from the age of the second to the age of seven, and the beginning of the emergence of a series of important changes in the child's thinking and behavior, as he begins to learn the language .. The emergence of symbolic representations begin to be simple ideas and mental image , And the child's thinking gradually shifts from his kinetic sensory image to symbolic thinking. The child's thinking at this stage remains distinguished by several characteristics that distinguish him from the third stage, the most important of which are: concentration, self-centeredness, and inclinations.

The third stage is the stage of visual or concrete operations, which extends from the age of seven to the age of eleven. The child begins to think thinking similar to the thinking of the adult, begins to free himself from the concentration of himself and takes into account the views of others. At this stage the world realizes objectively, and thinks of the logic of adults, but its thinking is still different from adults' thinking. It is a visual or concrete thought, not a simple one. The processes of thinking are related to the tangible things and events that exist in the direct reality of the child.


The fourth and final stage is the formative process of "abstract intelligence", which extends between the ages of 11 and 15, in which the adolescent's ability to think abstractly grows and reaches the level of thinking

Related Post:




0 Response to " المدخل التطوري المعرفي The evolutionary development portal"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel