بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

الثقافة والنمو الإنساني

الثقافة والنمو الإنساني:
يقال: إن الطفل لا يولد شخصًا بل يولد فردًا، ولا يتهيأ له ذلك إلّا نتيجة التأثيرات الثقافية الكثيرة من حوله, فلكي يصبح الفرد شخصًا لا بُدَّ من اكتسابه لغة وأفكارًا وأهدافًا وقيمًا. فالشخص هو من يشارك الآخر في بعض خصائصهم الاجتماعية إضافة إلى انفراده بخصائص تميزه عنهم.
فالشخصية لا تتشكل مع ولادة الطفل، وإنما تتحدد بفضل ما يمتصه من مجمل عناصر الثقافة، لذا: فإن هذه الشخصية هي وليدة الثقافة أولًا, فلولا البيئة الثقافية لما تبلورت شخصيات الأطفال؛ حيث تهيئ هذه البيئة أسباب نمو الشخصية من خلال ذلك النَّسق من العناصر التي يتميِّز بها الطفل، ولذا تكون شخصية الطفل صورة أخرى مقابلة لثقافته التي ترعرع في أحضانها إلى حد كبير؛ حيث تعتبر تكوين شخصية الطفل بالدرجة الأولى عملية يتم فيها صهر العناصر الثقافية المكتسبة مع صفاته التكوينية لتشكلا معًا وجوه وظيفية متكاملة تكيفت عناصرها بعضها مع بعض تكيفًا متبادلًا، لذا: فإن الطفل يعد صنيعة للثقافة إلى حد كبير "هادي نعمان الهيتي: 1988، 39".
هذا وتعتبر الثقافة أساسًا للوجود الإنساني بالنسبة للفرد والمجتمع الذي ينتمي إليه، فهي توفر منذ بداية حياته صور السلوك والأفكار والمشاعر التي ينبغي أن يكون عليها, ولا سيما في مراحله الأولى.
بالإضافة لذلك: فإن نمو الطفل يتأثَّر بعمليات التنميط الثقافي cultural patterning في المجتمع. فإدراك الطفل وانتباهه وتعليمه ينمو ويرتقي بتأثير ثقافة مجتمعه، وتثري حياة الطفولة بهذه العمليات التي تزداد وتنعقد كلما تعقدت ثقافة المجتمع.
ويشير مصطلح أنماط الثقافة إلى أساليب السلوك المرتبطة بحاجة أو وظيفة دائمة في الحياة الاجتماعية؛ فعلى سبيل المثال: أساليب تربية الأطفال وتثقيفهم في مجتمع من المجتمعات تسير وفقًا لنمط ثقافي معين "عبد الرحمن سليمان: 1997، 523".. فعن طريق الأسرة يعرف الطفل ثقافة عصره وبيئته على السواء، ويعرف الأنماط السائدة في ثقافته؛ كأنواع الاتصال: من إشارات ولغة، ويعرف طرقًا لتحقيق الرعاية الجسمية، ووسائل وأساليب الانتقال، وتبادل السلع والخدمات، ونوع الملكية ومعناها ووظيفتها، والأنماط الأسرية والجنسية من زواج، وطلاق، وقربى، ووصاية، ومعايير، وقوانين، وقيم اجتماعية، وأنشطة ترويحية، وأفكار، ومراسيم دينية، وعقائدية، واتجاهات اجتماعية: كالتعاون، والتنافس، والتحيز، والتسامح، والتعصب.
والأوساط الثقافية التي يعيش فيها الطفل تختار من البيئة والثقافة ما تراه هامًّا, فتقوم بتفسيره وتقويمه وإصدار الأحكام عليه, مما يؤثر على اتجاهات الطفل لعدد كبير من السنين "مصطفى زيدان: د. ت، 120".
ثقافة القرية وثقافة المدينة:
والأطفال ينشأون في أوساط ثقافية متباينة في المدينة، في القرية، في العواصم والأقاليم، وفي إطار الشرائح الاجتماعية، الاقتصادية، والثقافات الفرعية المختلفة في هذه الأوساط، وبالتالي تتباين مؤثرات الوسائط الثقافية المختلفة ما يتوفَّر منها كمًّا وكيفًا.
- المدينة قياسًا إلى حجمها تمثل نقيض مجتمع القرية, فبينما تتميز القرية بنطاق مكاني أوسع، تتصف المدينة بالازدحام الزائد, وبينما تكون الأسرة في القرية مركزًا للكثير من المناشط، تقوم المنظمات المتعددة العامة والخاصة في المدينة بالكثير من وظائف الأسرة.
- وفي المدينة يحل الاتصال بين الأشخاص أساسًا محل الاتصال بموضوعات الطبيعة والتفاعل معها، مما يفقد الأطفال الكثير من الخبرات الحية.
- وفي المدينة تتمركز أساس وسائط الثقافة كمًّا وكيفًا، بينما تعاني القرية الكثير من الحرمان الثقافي، وينطبق ذلك أيضًا على المناطق ذات المستويات الاقتصادية الاجتماعية الأقل في المدينة؛ حيث لا يتوافر المثيرات الثقافية الكافية المحكومة بالظروف الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لهذه القطاعات العاملة بالمدينة. "طلعت منصور، عادل الأشول 1976، 76".
وعلى الرغم من ذلك: فإن التفرقة بين الحضر والريف في تأثيراتها على النمو وتكوين الشخصية يجب أن يؤخذ بشيء من الحذر؛ حيث يلاحظ أن هناك تغيرات جذرية قد حدثت في ريفنا المصري خلال السنوات الأخيرة بسبب انتشار وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، واستخدام الأجهزة الحديثة في داخل المنزل، وسهولة المواصلات، وتيسير سبل اتصال الريف بالمناطق الحضرية، ودخول الميكنة الزراعية بحيث أصبح من الصعب أحيانًا أن نفرِّق بين ما هو ريفي وما هو حضري, كما يجب ألّا نغفل أوجه الشبه بينهما, خاصة إذا كان كلٌّ من المجتمع الريفي والمجتمع الحضري يقعان في قطر واحد, ويتشابهان في اللغة والدين والآداب والعلوم ودور التعليم والتنظيمات السياسية والعقائد التي لا شك تؤثر في ثقافة القرية والمدينة, وإن اختلف شكل هذا التأثير. "حسن مصطفى: 1991، 268".
الثقافة وجوانب النمو:
وللثقافة أثرها في نمو الطفل الجسمي والحركي والعقلي والانفعالي والاجتماعي:
- فمن ناحية النمو الجسمي: فإن الثقافة توفّر للفرد وسائل إشباع حاجاته البيولوجية، فيتعلّم كيف يجلب لنفسه الدفء، وينقذ نفسه من العطش أو الجوع, أو يوفر لنفسه الأمن, كما أن الثقافة تملي على الأطفال ممارسات معينة كالوشم على الأيدي أو الوجه لدى بعض الجماعات، أو المحافظة على الرشاقة أو العمل من أجل البدانة ... إلخ. بالإضافة لذلك, فإن الجهاز التنفسي يتأثَّر بطرق الناس في ارتداء الملابس أو التهوية أو ممارسة الرياضة, وما إلى ذلك, والجهاز الهضمي يتأثر بطرق طهي الأطعمة وطرق تناولها, وهكذا.
- ومن ناحية علاقة الثقافة بالنمو الحركي: فإن هذا النوع من النمو يتدرج من الحركات البسيطة الاعتباطية، مرورًا بالقبض على الأشياء، والمشي، وانتهاء بالحركات القوية والسريعة المتوافقة, وتعتمد سيطرة الطفل على حركاته على مدى نضجه الجسمي وما يكتسبه من مهارات حركية، لذا فإن دور الحضانة ورياض الأطفال والمدراس كوحدات في البيئة الثقافية تعمل على توجيه أنشطة الأطفال الحركية من خلال التدريب, وإثارة دوافعهم إلى الحركات المنظمة.
ولقد كان لقدرة الإنسان على تكييف حركات أطرافه وأعضاء جسمه الأخرى دور كبير في إنتاج الكثير من المعالم الثقافية. هذا وتعتبر الطفولة فترة خصبة لاكتساب المهارات الحركية تبعًا لمدى النضج؛ حيث إن مهارات حركية يسهل على الأطفال إجادتها، بينما يصعب ذلك على الكبار.
- وبالنسبة للنمو العقلي: فإن النمو العقلي يرتبط فيه الذكاء بالنجاح في التكيُّف مع البيئة الطبيعية والثقافية، والذي يقاس بالقدرة على حل المشكلات، أو بقياس ما لدى الطفل من مهارات ترتبط في الوقت نفسه بما يتعلمه الإنسان من بيئته الثقافية؛ إذ يتأثَّر بتلك البيئة وبمدى ما تقدمه من عناصر. فالوكالات الاجتماعية التي يحيا فيها الطفل؛ كالأسرة والمدرسة وجماعات اللعب ذات تأثير في ذكائه.
كذلك تتأثر جمع العمليات المعرفية بالحيز الثقافي وما يهيئه للأطفال من ظروف, فما يكتسبه الطفل من خبرات ومهارات تفعل فعلها في رسم المعالم الإدراكية للأطفال, وفي توجيه تخيلاتهم نحو الأشياء، وفي تحديد أنماط ومجالات تفكيرهم.
ومن ثَمَّ فإن البيئة الثقافية تعد عاملًا من عوامل تفتُّح ذكاء الأطفال وعملياتهم المعرفية العقلية, أو عامل كبت لها.
- وفي مجال النمو الانفعالي الذي يعني: قدرة الطفل على استخدام انفعالاته استخدامًا بنَّاءً، فإن الثقافة تلعب دورها الكبير في ذلك. فالانفعالات هي ظواهر نفسية اعتيادية، ولكنها تميل إلى الانحراف عندما تتحول إلى اضطراب انفعالي, حين تئول الاستجابات إلى ما هو غير متناسق، أو حينما تؤدي بالطفل إلى أن يسلك سلوكًا انفعاليًّا ضارًّا بنفسه أو بالآخرين؛ حيث إن الانفعال هو استجابة يبديها الطفل عند تعرضه لموقف مثير، وإدراكه له بشكل من الأشكال، واستجابات الطفل الانفعالية لها علاقة وثيقة بتحديد نوع السلوك.
ومن المعلوم أن البيئة لها أثرها في إكساب الطفل نوع وطبيعة الانفعالات وفي تطويرها أو تعديل مظاهرها, وفي طرق النزوع والتعبير عنها.
ومعروف أن مجموعة من انفعالات الطفل المتجانسة كثيرًا ما تنتظم في موقفٍ ما ينتج في كل حالة من هذه الحالات ما يسمَّى "بالعادات الانفعالية"؛ كالعواطف، والميول، والاتجاهات النفسية. ولهذه العادات تأثيرها في السلوك من جهة، وفي امتصاص الأطفال للثقافة من جهة أخرى، باعتبارها المداخل الأساسية للمضمون الثقافي، إضافة إلى كونها جزءًا من بنيان ثقافة المجتمع وثقافة الأطفال معًا، ويؤلف ما يتوافق مع عادات الأطفال في المضمون الثقافي منها أو حافزًا لقبول الأطفال له.
ويتخذ الطفل من عواطفه معيارًا يقيم على أساسه بعض المواقف أو الأشياء أو الأشخاص في الغالب؛ حيث إن العواطف تقوم على أساس شخصي لا عقلي، وكذا الحال بالنسبة للميول.
أما الاتجاهات النفسية التي تمثل حالة استعداد ذهني نحو الأشياء أو الأشخاص أو الأفكار, فإنها هي الأخرى تكتسب من البيئة عن طريق الخبرة والتعلّم، وهي تؤثر في سلوك الطفل بما في ذلك إدراكه لما حوله من مثيرات ثقافية واجتماعية.
وهنا لا بُدَّ من الإشارة إلى أنَّ ما يكتنف الثقافة من ظروف غير اعتيادية كالقوة أو الخوف الشديد أو القلق تؤثر تأثيرًا سالبًا في النمو الانفعالي للأطفال. لذا: فإن وسائل ثقافة الأطفال تعمل على إبعاد شبح هذه الظروف عن الأطفال.
أما بالنسبة لعلاقة الثقافة بالنمو الاجتماعي للطفل: فيمكن القول: إنه ما دام الطفل يحيا في ثقافة هي بيئة اجتماعية قوامها الوحدة الاجتماعية الأولية المتمثّلة في الأسرة والجيران وجماعات اللعب، والجماعات الثانوية المتمثلة في المدرسة وغيرها من تنظيمات المحتمع، فإن الطفل يتفاعل مع مفردات هذه الوحدات, ويكتسب بعض عاداتها وقيمها ومعاييرها وأفكارها وأوجه سلوكها الأخرى مما ينقله إلى كائن اجتماعي "هادي نعمان: 1988، 44-478". فالثقافة السائدة في كل جماعة من هذه الجماعة تفرض مطالب معينة على أطفالها وفقًا لنظمها السلوكية الخاصة؛ كالتعضيد، والإثابة، والتزبيب، والتغذية، والطاعة، والألفة، والمعاشرة، والإنجاز ... إلخ. وبتطور نمو الطفل تقوم الثقافة بفرض توقعات معينة على أطفالها من ناحية العناية بالذات, والإسهام في حياة الجماعة، والاستقلال الاقتصادي، وتكوين نظرة إلى الحياة, وبالرغم من أنَّ التدريب على الاعتماد على الذات وما يرتبط به من فلسفة الثواب والعقاب يمثل مشكلات عالمية، ولكن الدرجة التي نتوقع بها هذا النمط السلوكي من الأطفال في سن معنية تختلف من مجتمع لآخر. "طلعت منصور، عادل الأشول: 1976، 73-74".
هكذا يتضح أن البيئة الثقافية التي يحيا الطفل في وسطها تطبعه بطابعها, وتنعكس صورتها في نموه من جميع جوانبه.
4- البيئة الاجتماعية:
يقصد بالبيئة الاجتماعية: مجموعة التفاعلات القائمة بين الفرد والجماعات التي ينتمي إليها في السياق الاجتماعي؛ إذ تعتبر شخصية الفرد نتاجًا لعملية التفاعل بين الفرد وبيئته الاجتماعية, من خلال عملية التنشئة الاجتماعية التي تعتبر من أهم العمليات الاجتماية في تأثيرها على نمو الفرد على الإطلاق؛ إذ يؤثر نموذج الحياة الاجتماعية وأشكال العلاقات بين أفراد الجماعة وما يشيع بينهم من عادات وتقاليد وقيم، وما يعيشونه من نظم تنسق هذه العلاقات الاجتماعية في تشكيل بعض الخصائص العامَّة للشخصية. "عبد الرحمن سليمان: 1997، 524".
ومن بين عناصر البيئة الاجتماعية: الأسرة، والمدرسة، وجماعة الرفاق.
أ- الأسرة "البيئة الأسرية":
تعتبر الأسرة أهم عناصر البيئة الاجتماعية، وهي الممثلة الأولى لثقافة المجتمع الذي يعيش فيه الفرد وأقوى الجماعات تأثيرًا في سلوكه، وهي التي تسهم بأكبر قدر في الإشراف على النمو الاجتماعي للطفل وتكوين شخصيته وتوجيه سلوكه, فهي التي تصبغ سلوك الطفل بصبغة اجتماعية, وتؤثر في توافقه النفسي أو سوء توافقه، وهي النموذج الأمثل للجماعة الأولية التي يتفاعل الطفل مع أعضائها وجهًا لوجه, ويتوحَّد معهم, ويعتبر سلوكهم نموذجًا يحتذيه.
شكل "37" العلاقة التفاعلية المتبادلة للبيئة الاجتماعية في تأثيرها على الطفل.
ومن أهم العوام المحددة لدور الأسرة في نمو الطفل وتأثيرها في تكوين شخصيته ما يلي:
1- أساليب التنشئة الأولى:
تلعب أساليب التنشئة الأولى التي يتلقَّاها الطفل في السنوات المبكرة من حياته جزءًا هامًّا من جوانب نموه, ومن هذه الأساليب:
الرضاعة:
تشكل الرضاعة أول علاقة انفعالية للرضيع مع الآخرين وأهمهم الأم؛ حيث يشبع ثدي الأم جوع الطفل, ويحمل معه الحب والعطف والطمأنينة, ومن ثَمَّ ذهب "فرويد" إلى تسمية المرحلة الأولى من نمو الطفل "المرحلة الفمِّية"، فالطفل إما أن يحصل على غذائه بوفرة فيشعر بالراحة والطمأنينة, أو يحصل بتغير وتقتير فيشعر بالضيق وعدم الاستقرار، ولذا: فإن سلوك الأم بالنسبة لطفلها هي التي تحدد اتجاهه نحو العالم, ومن ناحية أخرى ذهبت المدرسة السلوكية إلى الإشارة إلى أنَّ الرضيع الذي يترك حتى ينهار من كثرة البكاء قد يشعر بعجزه عن التأثير في بيئته, فيكف عن الانفعال ويصبح شخصًا جامدًا لا شعور له، وإذا ترك الرضيع في مكانٍ هادئ وهو يعاني من آلام الجوع, فإنه حينما يكبر يحاول مقاومة السكون فيقوم بالجلبة والضوضاء, ما يثير غضب الوالدين, ويشعر الطفل بأنه غير مرغوب فيه. أما الطفل الذي تسرع بتلبية رغباته كلما طلب, فإنه يصبح طفلًا مدللًا ينتظر من البيئة أن تلبي جميع طلباته.
وهناك اتجاهات مختلفة نحو أساليب الرضاعة؛ كتغذية الطفل كلما أدبى رغبة في ذلك، ومنها أيضًا: إخضاع الطفل لجدول تغذية صارم كل ثلاث ساعات، وهناك من يتبع جدولًا مرنًا في تغذية وإرضاع الطفل, وهناك من الأمهات من تسعى إلى إرضاع الطفل رضاعة طبيعية، وهناك من يرضعن أطفالهن رضاعة صناعية, وفي جميع الحالات الذي يهمنا في نمو الطفل هو موقف الأم في التغذية التي يجب أن تجعل موقف التغذية موقفًا سارًّا يجعل الطفل يستمتع بالهدوء والاسترخاء أثناءه, بما يمضي بالرضيع إلى حسن التوافق الانفعالي والاجتماعي "هدى برادة، فاروق صادق: 1988، عماد الدين إسماعيل: 1986".
الفطام:
هو منع الثدي عن الطفل، ويتمّ ذلك في نهاية العام الأول, أو فيما بين العام الأول ونهاية العام الثاني، ويجب ألّا يؤجل إلى ما بعد العامين, حتى لا تتشبث العادات الطفلية لدى الطفل, ويعاق النمو الطبيعي، ومن المفضَّل أن يتم بطريقة تدريجية ابتداء من الشهر السادس؛ حيث تستبدل الأم رضعة من الرضعات بغذاء خارجي وتبدأ الأطعمة في الصلابة تدريجيًّا حتى يستطيع الطفل الاعتماد على الأطعمة الخارجية, فلا يتسبب الفطام ومنع الثدي عن الطفل في إصابته بصدمة نفسية شديدة.
وقد أشارت مدرسة التحليل النفسي إلى مساوئ الفطام المبكر، مشيرة إلى أن بعض أنواع الفطام وبعض الأساليب اللاتوافقية مثل مص الأصابع أو قضم الأظافر يكون ارتدادًا نكوصيًّا إلى المرحلة الفمّية.
أما عن أساليب الفطام: فقد تلجأ بعض الأمهات إلى وضع مادة مرة على الثدي لمنع الطفل من الرضاعة مما يحدث صراعًا لدى الطفل تجاه الأم؛ حيث يتجه بشعور ثنائي تجاه الثدي, فهو يحبه ويكرهه في آنٍ واحد, ويعمم الطفل هذا الشعور على الأم, ويشعر بعدم الثقة تجاه الناس. أما عن الفطام بإبعاد الطفل عن المنزل وإرساله إلى أحد الأقارب لفترة من الزمن لينسى الثدي والرضاعة, فإن تجربة الانفصال عن الأم يلحق أضرارًا بالغة بالحالة الانفعالية والمزاجية للطفل. "هدى برادة، فاروق صادق: 1988، عماد إسماعيل: 1986".
ضبط الإخراج:
إن مواقف تدريب الطفل على ضبط الإخراج من مواقف التنشئة الأولى الهامة في حياة الطفل, ويتفق الأخصائيون على أن التدريب يتم بصورة أفضل حين يبلغ الطفل الشهر الثامن عشر وما بعده، حيث يكون الجهاز العضلي العصبي قد وصل إلى درجة من النضج يجعل الطفل قادرًا على القيام بعملية التآزر والتكيف لمطالب المجتمع, وفهم تعليمات الأم نحو ضبط الإخراج.
والمهم عادةً في نمو الطفل ليس زمن بدء التدريب على ضبط الإخراج, بل الطرق الصحيحة في تدريب الطفل التي يجب أن توفر فيها الأم الحنان والاهتمام, وتجنب إحساس الطفل بالألم، وإعطائه إثابة كافية من الحب والحنان حينما ينجح في كف عملية الإخراج, إلى أن تتمَّ في المكان المناسب, وأن تكون الأم ملاحظًا جيدًا لطفلها؛ حيث تبدأ العلامات الدالة على حاجة الطفل للإخراج, فتصطحبه إلى دورة المياه ليقضي حاجته, مما يقوي الارتباط بين الحاجة للإخراج والمكان الذي يتم فيه هذه العملية.
وقد أشارت مدارس علم النفس إلى الآثار السلبية على شخصية الطفل من جراء الشدَّة والصرامة إزاء التدريب على ضبط الإخراج، فقد أشارت مدرسة التحليل النفسي إلى أنَّ الخبرات السيئة التي يواجهها الطفل في المرحلة الشرجية من نموِّه تؤدي إلى ارتباطها بأنماط سلوكية غير سوية, وينمي ما أطلق عليه "فرويد" الشخصية الشرجية" التي تتسم بعدة سمات منها: التغيير أو المنع، والبخل، والتقتير، والاهتمام المبالغ بالنظافة، والنظام المبالغ فيه، والعناد، والجمود، وقد تتخذ صورة السلوك الاستبعادي أو التبذيري، والإهمال والقذارة، وعدم النظام في الملبس, ويتوقّف اتخاذ أي من الصورتين على أسلوب الأم في تدريب الطفل على الإخراج.
أما المدرسة السلوكية فقد أشارت إلى الصعوبات التي يواجهها الطفل إزاء عملية التدريب, وإلى آثار القسوة التي تتبعها بعض الأمهات.
- فمن الصعوبات أننا نطلب من الطفل أن يقوم بفعل منعكس مضاد للاستجابة الطبيعية, كما نطلب من الطفل أن يقطع نومه، ونطلب منه التمييز بين الأماكن المخصَّصة لعملية الإخراج وغيرها, ويمشي إلى المكان المناسب، وأن يفك إزاره ويجلس على المقعد, وهذه كلها عمليات ومطالب غامضة وصعبة بالنسبة للصغير, فلا يفهم تعليمات الكبار ويتعرَّض للخطأ, ومن ثَمَّ إلى عقابهم.
- أما عن القسوة التي يتبعها الكبار في تدريب الطفل على ضبط الإخراج فينتج عنها:
- الإدراك السلبي للأم: فيحول الطفل تجنبها ويهرب إلى أماكن بعيدة حتى لا تراه.
- الاضطرابات الانفعالية الناتجة عن العقاب, فيتجه بعدوانه إلى الشخص القائم بالتدريب, فيقوم بالعض أو الرفض، والخوف المرتبط بالمكان الذي عوقب فيه, الذي يعمّم إلى الأماكن الأخرى، وقد يؤدي ذلك إلى تثبيت التبول اللإرادي.
- اضطرابات الشخصية: حينما يشعر الطفل بأنه مذنب، لا يستطيع أن يرقى إلى مطالب الوالدين، وأنه أقل كفاءة وجدارة، أو أنه غير مرغوب فيه، والجبن المفرط, فيصبح خجولًا حذرًا لا يستطيع المبادأة أو الإبداع "هدى برادة، فاروق صادق: 1988"
مواقف النوم:
ويدخل في ذلك ردود أفعال الوالدين إزاء موعد نوم الأطفال, والأساليب المتبعة معهم في ذلك, خاصة إذا لم يلتزم بالمواعيد المحدَّدة لذلك, وتتراوح ردود أفعال الوالدين بين استخدام العقاب أو التهديد أو ترك الطفل وشأنه، أو النضج والإرشاد, وقد يلجأ الوالدان في الطبقات الدنيا إلى أسلوب التهديد والتخويف أو ترك الطفل وشأنه, أما الوالدان من الطبقة الوسطى فإنهما يلجآن إلى أسلوبي تهيئة الجو المناسب لنوم الطفل, وكذلك إلى النصح والإرشاد اللفظي.
2- أساليب المعاملة الوالدية:
يقصد بها: الأساليب والإجراءات والطرق التي يتبعها الوالدان في تطبيع أو تنشئة أبنائهما اجتماعيًّا، أي: تحويلهم من مجرَّد كائنات بيولوجية إلى كائنات اجتماعية، وما يعتنقاه من اتجاهات توجّه سلوكهما في هذا المجال, وقد أصبح من المسلَّم به في الوقت الحاضر لدى علماء النفس والصحة النفسية أن هذه الأساليب تترك أثارها سلبًا أو إيجابًا في شخصية الأبناء.
ومن أساليب المعاملة الوالدية أكثر شيوعًا, تلك الأساليب القطبية التي تسير على متصل من الأساليب السوية وغير السوية؛ حيث إن هذه الأساليب في تقسيماتها ليست مطلقة, بل قد يتلاقى بعضها وتقترب بعضها من بعض, ويندمج بعضها في الآخر, وفيما يلي أشهر أساليب المعاملة الوالدية:
- أسلوب الديمقراطية/ الأوتوقراطية.
- أسلوب الاستقلال/ الاعتمادية.
- أسلوب الحرص/ الإهمال.
- أسلوب القبول/ الرفض.
- أسلوب التسامح/ القسوة.
- أسلوب الواقعية/ عدم الاتساق.
- أسلوب التحرر/ المحافظة.
- أسلوب تشجيع الإنجاز/ إعاقة الإنجاز.
- أسلوب الحزم/ الحماية والتدليل.
- أسلوب القدوة الحسنة/ إنعدام القدوة. "حسن مصطفى، 1991".
ومن المعلوم أن إدراك الطفل أن والديه يعاملانه معاملة طيبة، ويعطيانه الحرية، ويلبيان رغباته في معظم الحالات, وفي هذه الحالة يشعر الطفل بحب والديه الثابت والدائم له, كما يشعر بالدفء الأسري والعلاقات الحانية من جانب والديه. وفي هذا الأسلوب من المعاملة لا يفرّق الوالدان بين الإخوة، ولا يلجأون كثيرًا إلى العقاب البدني، ولا يأتيان تصرفات تقلل من شأن الطفل، ولهما موقف ثابت في المعاملة, وإذا حدث وعوقب الطفل فإنه يعاقب عقابًا يتناسب مع الخطأ الذي ارتكبه، ويكون الطفل مقتنعًا بالعقاب لمعرفته بالسبب. "علاء الدين كفافي: 1990، 240".
أما الأساليب غير السوية فإنه ينتج عنها شعور الطفل بعدم الأمن، وشعوره بالوحدة ومحاولة جذب انتباه الآخرين، والسلبية، والخضوع، والشعور العدائي، والتمرد، وعدم القدرة على تبادل العواطف، والخجل، والعصابية، وسوء التوافق. وتؤدي الحماية الزائدة إلى عدم قدرة الطفل على مواجهة الضغوط البيئية ومواجهة الواقع، والخضوع، والقلق، وكثرة المطالب، وعدم الاتزان الانفعالي، وقصور النضج، والأنانية, ويؤدي التدليل إلى الأنانية، ورفض السلطة، وعدم الشعور بالمسئولية, وعدم التحمل, والإفراط في الحاجة إلى انتباه الآخرين, في حين يؤدي التسلط والسيطرة إلى الاستسلام والخضوع، أو التمرد، وعدم الشعور بالكفاءة، ونقص المبادأة، والاعتماد السلبي على الآخرين, وقمع وكبت استجابات النمو السلبية، وعدم التوافق مع متطلبات النضج. أمَّا المغالاة في المستويات الخلقية المطلوبة فإنها تؤدي إلى الجمود، والإحساس بالإثم، واتهام الذات، وامتهانها, كما أن فرض النظم الجامدة وكثرة النقد ينتج عنه المغالاة في اتهام الذات، والسلبية، وعدم الانطلاق والتوتر والسلوك العدواني. ومن مشكلات التضارب وعدم الاتساق في النظم المتَّبعة مع الطفل أن يشعر بعدم تماسك القيم لديه وتضاربها، وعدم الثبات الانفعالي، والتردد في اتخاذ القرارات. "حامد زهران: 1974، 20".
هذا، وسوف نتناول أساليب المعاملة الوالدية وأثرها في نمو الطفل تفصيلًا في الجزء التالي من هذا الكتاب.
3-نوع الرعاية الوالدية:
إذا كانت الأسرة هي مسرح التفاعل الذي يتم فيه النمو والتعلُّم، وهي العالم الصغير الذي تتكون فيه خبرات الفرد منذ طفولته: عن الناس والأشياء والمواقف، كما أن البيت هو حماه وملاذه الذي يلجأ إليه بلهفة وتعلق، وأن العلاقة بالوالدين وما بها من روابط حميمة واتصالات حارة عميقة، وتفاعل مشحون بالانفعال، وتبادل عواطف مشبوبة بالتعلّق، مهما اختلفت أساليب الوالدين في معاملة الأبناء، تظل هذه العلاقات هي مصدر الإشباع النفسي للأبناء، وعلى شاكلة الوالدين تتكون شخصيتهم. "كمال دسوقي: 1979: 235، 336".
أما في حالة الحرمان من أحد الوالدين فإن ذلك يؤثر تأثيرًا بالغًا على تكوين شخصية الطفل, ولقد بينت الدراسات أن الحرمان المبكّر من الأم يعوق تكوين الإحساس بالثقة في الآخرين, وقد يدفع الطفل إلى الانزواء وعدم الاكتراث وعدم القدرة على إنشاء علاقات إنسانية متوازنة مع الآخرين, وقد أوضحت الدراسات التي تمت على أطفال المؤسسات والملاجئ أن هؤلاء الأطفال يعتقدون أنهم غير مرغوب فيهم, وقد ينمي لديهم هذا المفهوم عن ذواتهم اتجاهات خنوعية استسلامية, أو اتجاهات عدوانية ضد الآخرين كرد فعل انتقامي. "علاء الدين كفافي: 1991، 213-214".
ومن ناحية أخرى: فإن الأطفال في الأسر المتصدَّعة بسبب الطلاق غالبًا ما يشعرون بعدم الانسجام الأسري, وسوء العلاقة بين الوالدين التي انتهت بالطلاق؛ حيث كان يكثر بينهما الشجار والعراك والصراخ, ونبذ كل منهما للآخر، وإعلان كلاهما عن عدم رضاه عن حياته الزوجية, وفي مثل هذه الظروف يشعر الأبناء بالتهديد وعدم الطمأنينة، ويتعرَّضون للنبذ والعقاب وعدم إشباع الحاجات الجسمية والنفسية، مما يشيع لديهم حالة من التشتت وغموض الدَّوْر وعدم القدرة على اتخاذ قرارات فيما يختص بشئونهم الخاصة. وحتى بعد الطلاق يعيش الابن خبرات قاسية عندما يعيش مع أحد الأقارب, ويحرم من كلا الوالدين، أو يعيش مع أم غير مستقرة بعد طلاقها، أو مع أبيه وزوجته, ويتعرض لخبرات التفضيل والغيرة من إخوته لأبيه، أو يشعر بانعدام الأمن إذا تزوَّدت أمَّه من آخر، فيدرك النبذ وعدم التقبل. "كمال مرسي: 1979، 282، حسن مصطفى: 1991".
وأخيرًا: فإذا كان الوالدان أو أحدهما غير سوي ويعاني من اضطرابات سلوكية, فإنه لا يستطيع أن يثير الطفل ويوفر لديه التدعيمات المناسبة للسلوك الإيجابي، كما أن ردود فعل الآباء المنحرفة تعوق محاولات الطفل في التوافق فيما بعد، وتعوق اكتسابه الأساليب السلوكية الصحيحة، بل قد يكتسب الأساليب السلوكية المنحرفة الماثلة أمامه.
4- المستوى الاقتصادي الاجتماعي للأسرة:
يقصد به: جملة النشاطات والممارسات التي يقوم بها الوالدان كانعكاس لدرجة تعليمهما وعنايتهما بثقافة الأبناء، وتتجلَّى في تشيجع الأطفال على ممارسة النشاطات الثقافية, بالإضافة إلى مستوى دخل الأسرة وانعكاساته على تنمية قدرة الأسرة على اقتناء العديد من الأدوات الثقافية، وممارسة الأنشطة الثقافية، وقدرة الأسرة على الإنفاق المناسب على الأطفال في المستويات التعليمية المختلفة. "عبد الباسط خضر: 1983".
ومن المعلوم أن الأطفال الذين ينتمون إلى أسر ذات مستوى اقتصادي اجتماعي مرتفع, تتهيأ لهم إمكانات من الرعاية الجسمية والعقلية والانفعالية قد لا تتاح لأقرانهم الذين ينتمون إلى أسر أقل في المستوى الاقتصادي والاجتماعي:
- فالأبناء الذين ينتمون إلى أسر مرتفعة المستوى الاقتصادي والاجتماعي تتاح لهم فرص أكبر لممارسة الأنشطة التي تساعد على تفتُّح ونموّ الشخصية؛ حيث تتعدد الخبرات وتتنوع ظروف التنبيه والاستثارة تبعًا لما يتاح لهم من فرص للتعبير
عن أفكار جديدة, أو عن أفكار شائعة بأساليب وتكوينات مبتكرة، وتشجيعهم على التعبير عن تخيلاتهم وفضولهم، وعلى القيام بالأعمال الصعبة أو المألوفة لمن في عمرهم, ولكن دون قهمر أو إجبار، كما يتم ذلك دون تعرضهم للحماية الزائدة أو الإسراف في التدليل من الوالدين، مع وجود الثقة والحب المتبادل القائم على الفهم وحرية الاختيار المعقولة التي يتيحها الوالدان للأبناء. "عبد الرحيم محمود: 1980". وهذا من شأنه مساعدة الأبناء عند الاقتراب من الرشد على أن يكونوا أكثر قدرة على استكشاف البدائل المتاحة في المجالات المهنية والفكرية, واتخاذ قرارات واضحة والالتزام بها.
- أما الأطفال الذين ينتمون إلى أسر ذات مستوى اقتصادي واجتماعي منخفض, فإن نصيبيهم من التنبيهات الذهنية أو العقلية التي يقدمها الراشدون تكون محدودة للغاية، ويكونون أقل احتمالًا أن يتعرضوا للتعرُّف على معلومات جديدة مثل أقرانهم في الطبقات الأخرى, أو يعرفون النظام مثلهم, أو أن يتعلموا أنَّ سلوكهم له آثار ونتائج معينة. "محمود أبو النيل: 1987، 23".
5- حجم الأسرة:
فلا شَكَّ أن الأسرة كبيرة العدد لا تكفل لأبنائها الرعاية الجسمية والنفسية بنفس الدرجة التي تكلفها الأسرة صغيرة العدد, مما يؤثر في سرعة نموهم, فقد ثبت أنه:
- في الأسرة صغيرة الحجم: تزداد قدرة الوالدين على تكريس الوقت والانتباه الكافيين لكل من الأبناء وقدراتهما على إعطاء كل واحد نفس المزايا، مع سيادة التحكّم الديمقراطي في العلاقات الأسرية، ويظهر التسابق بين الأبناء في التحقق الدراسي والاجتماعي، ويميل الوالدين لمقارنة تحصيل الصغير بتحصيل أقرانه.
- وفي الأسر متوسطة الحجم: فإنه بزيادة حجم الأسرة يظهر التحكم الوالدي بصورة أكثر استبدادية, ويمنع الأبناء من الصداقات الخارجية، وتتركَّز ضغوط الوالدين للتحصيل عادةً على السابقين في الترتيب الميلادي، وتبدأ الأحقاد في الظهور في سلوك الأبناء، مع عدم قدرة الوالدين على تهيئة المزايا ورمزيات المركز لأبنائها.
- أما في الأسر كبيرة الحجم: فتظهر الاحتكاكات الزوجية الراجعة لوجوب التضحيات الشخصية والمالية، وتتعيّن الأدوار بمعرفة الوالدين لضمان انسجام وكفاءة الأسر، ويظهر التحكم الاستبدادي لتجنب الارتباك والفوضى، وغالبًا ما تستنكر الصدامات الخارجية, وتكثر الاحتكاكات والمشاحنات بين الأشقاء، ويظهر عجز الوالدين عن إعطاء الأبناء المزايا ورمزيات المركز التي لدى نظرائهم. "كمال دسوقي: 1979، 340-341".
6- جنس الطفل:
تتأثر التنشئة الأسرية بجنس الطفل وترتيبه الميلادي، وينعكس ذلك على نموه النفسي وتكوينشخصيته, وتحدد ثقافة أي مجتمع أدوارًا معينة لنوع الجنس "ذكر أو أنثى", فيتوقع المجتمع من كل فرد دورًا وفقًا لجنسه: سلوكًا واتجاهات وخصائص شخصية معينة، بل إن كثيرًا من أنماط السلوك التي يعتقد أنها النتاج الوحيد للفروق البيولوجية في الجنس تتأثَّر بالفعل بدرجة كبيرة بالتوقعات الثقافية.
فالإناث يفضِّلن الألعاب والمناشط التي تتسم بالهدوء من الذكور، وهنَّ يسلكن بالطريقة التي نتوقعها منهن، ونعبر عن عدم استحساننا إذا لم يسلكن وفقًا للأنماط التي تحددها لهن ثقافة المجتمع -وكذلك الحال بالنسبة للذكور.
والإناث في مجتمعنا ما زلن يشغلن -عادة- مركزًا أدنى من مراكز الذكور "خاصة في الطبقات الوسطى والدنيا", ليس فقط فيما يحصلن عليه من الحب والرعاية، ولكن أيضًا فيما يوفَّر لهنَّ من فرص الحماية المادية، وتحرم من الدفع والحفز، ويتعرضن لمشاعر العجز, مما يؤدي إلى كف الارتقاء النفسي للفتاة، ومن ثَمَّ يكون أداؤها العقلي والفعلى أقل مما كان عليه لو توافرت لهنَّ فرص استثارته وتحقيقه، فضلًا عن هذا تحرم الإناث من فرص التجربة والخطأ المؤدية إلى انفتاح الخبرة في التفاعل مع الذات والواقع. ويزيد الواقع فقرًا بالنسبة للإناث أن إنجازهن الفعلي المتواضع -وهو أقل مما تؤهلهن له استعداداتهن- لا يستثير قلق أهلهن مثل الذكور، ومن هنا تظل بيئتهن غير حافزه ولا مثيرة, ومنذ الطفولة وحتى الشباب تدفع الإناث في طريق غير ذلك الذي يحفز الإناث على سلوكهنَّ، ويتم إعدادهن لدور سلبي في الحياة هو الزواج، وتصرف كل المؤثرات الأسرية للإناث عن تحقيق الذات في الدراسة والنشاط الاجتماعي أو العمل أو غيرها، إلى تأهيل أنفسهن للزواج مما يحد من طموحاتهن في الدراسة, ونشاطهن اليومي, ومشروعاتهن المستقبلية. "عزت حجازي: 1979، 273".
إلى جانب ذلك: تعاني الإناث الصراع أكثر من الذكور فيما يتعلق بالسعي إلى الاستقلال, فالذكور يحصلون عليه تدريجيًّا، وتسمح لهم أسرهم بالخروج من البيت متى يشاءون, ويتصرفون كيف يشاءون، أما الإناث: فإنهن يحرمن من هذا كله؛ لأن إشراف الأسرة عليهن يزداد كلما كبرن ونضجن، كما يكتنف فهم الإناث لدورهنَّ ومركزهن الاجتماعي في الرشد الكثير من الغموض، فهنَّ غير متيقنات مما سيقمن به عندما يرشدن, هل سيقمن بدورهن التقليدي كإناث يعملن ربات بيوت، وزوجات وأمهات للأطفال، أم أنهن سيقمن بدروهن الحضاري: يعملن ويكسبن وينتجن. "كمال مرسي: 1979، 273".
7- الترتيب الميلادي للطفل:
فترتيب الطفل بين إخوته وأخواته يجعل لكل منهم بيئة سيكلوجية مختلفة عن بيئة الآخر، وهذا التباين في البيئات يأتي من أنَّ التفاعل بين الوالدين وكل ابن من الأبناء يختلف حسب موقعه بالنسبة لهما. فتفاعلهما مع الطفل الأول يختلف عن تفاعلهما مع الطفل الأوسط، وتفاعلهما مع الأوسط ليس كتفاعلهما من الأخير أو الأصغر. كما أن الطفل الوحيد يختلف عن بيئة الآخرين من الأطفال ذوي الأشقاء, كما أن الطفل الذكر وسط مجموعة من الأخوات الإناث، والبنت وسط مجموعة من الإخوة الذكور, يكون لهنَّ وضعًا خاصًّا متميزًا. "علاء الدين كفافي، 1990، 210".
- فالطفل الأول أو الأكبر في الأسرة: يمثل التجربة الأولى للوالدين، ويكون عادة محطَّ آمالهما وتطلعاتهما، وقد يدفعهما هذا إلى تدليله أو القسوة عليه, أو إعطائه حقوقًا لا يتمتع بها باقي إخوته التالين له، ويزيد من تعقّد وضعه, فإنه لا يجد في الأسرة من يحذو حذوه في مواجهة مشكلات ارتقائه. "عزت حجازي: 1985، 229", ومن هنا: فإنه يحاول جاهدًا الاحتفاظ بعرشه ومكانته في محيط الأسرة.
ولتحقيق هذا: فإنه يبذل كل طاقته النفسية من أجل التفوق والسيادة والنجاح في المجالات المختلفة؛ لكي يبرهن لمن حوله على قوته وتفوقه, وأنه جدير بالعرش حتى ولو انضمَّ إلى الأسرة مولودًا جديدًا أو أكثر. "رشاد عبد العزيز: 1990، 75".
وعلى ذلك: فإن الطفل الأوَّل يكون في وضع فَرِيدٍ، ويظلَّ الملك المتوّج على عرش الأسرة في الفترة التي يكون فيها وحيد والديه، ثم يتعرض للإبعاد عن العرش عند ولادة الطفل الثاني, وهو عندما يتعرض لهذه الأزمة يحاول أن يستعيد انتباه ورعاية والديه بشتَّى الأساليب التي قد يكون بعضها عدوانيًّا، أو استعطافيًّا, أو يحارب من أجل استعادة حب الأم واهتمامها.
ومع ذلك: فإن الطفل الأكبر قد تُفْرَض عليه بعض المسئوليات فيما بعد، حتى لو كانت أنثى، كأن يساعد في تربية إخوته، ويلعب دورًا شبيهًا لدور الوالد "أو الوالدة" بالنسبة لهم, وبعضهم ينمي قدرة جيدة على القيادة والتنظيم. "علاء الدين كفافي: 1990، 211".
- أما الطفل الثاني: فإنه يشعر بوجود منافس له يفوقه في النمو، ومن ثَمَّ يشعر بمشاعر الحسد أحيانًا, ويخاف من التجاهل والإهمال، خاصة عندما يدرك الفارق في المعاملة الوالدية؛ حيث تعطى له اللعب القديمة بعد أن يكون أخوه الأكبر قد استلمها جديدة واستعملها، وتعطى له كذلك ملابس أخيه القديمة بعد أن تصبح غير صالحة للاستعمال إلّا قليلًا، والذي يزيد الموقف سوءًا ميلاد طفل ثالث في الأسرة يصبح موضع رعاية جديدة من الوالدين، فيقل تبعًا لذلك مقدار الرعاية التي كانت موجهة إليه، فهنا يصبح الطفل الثاني طفلًا أوسط interbetwen child, أي: إنه يكون مهاجمًا من الأمام ومن الخلف، ومن ثَمَّ فهو يتطلع دائمًا إلى أخيه الأكبر, ويحاول التشبه به ومناقشته كلما سنحت له الفرصة، وإذا تعذَّر عليه ذلك يلجأ إلى نقده والحقد عليه ومحاولة الإيقاع به. "مصطفى فهمي: 1979، 168".
- أما الطفل الأخير أو أصغر الإخوة: فإنه وإن كان يحظى بكثير من العطف والحماية, فإن الجميع يعتبرونه صغيرًا مهما كبر، ويلزمونه بطاعة إخوته الأكبر منه، ولا يشركونه كثيرًا في مسئوليات الأسرة؛ لاعتمادهم على من أكبر منه وأقدر على تحمل هذه المسئوليات، ومن هنا يشعر الطفل الصغير بالدونية وعدم القدرة على التفوق على إخوته؛ لأنهم أكبر منه وأقوى منه، ومتقدمون عليه. "كمال مرسي: 1979، 280".
وإذا كان الطفل الأصغر هو الأخير, فإن مركزه ثابت دائمًا, فيظل مثلًا مدللًا من الجميع ولا يخشى فقد مركزه، وغالبًا ما يجد في إخوته الأكبر من يأخذ بيده ويوجهه ويعطف عليه، وغالبًا ما يعتبر الطفل الأخير أخاه الأكبر كأب بديل، خاصة إذا كان الأب قد تقدَّمت به العمر، أو تعرض للمرض، أو توفي, وما إلى ذلك.
- ومن ناحية أخرى: فإن الطفل الوحيد في الأسرة: ليس له منافس، ومن ثَمَّ فهو يكون هدفًا لتدليل الوالدين، وخاصة الأم التي تخاف أن تفقده فتحيطه برعاية زائدة، ويكون بؤرة الاهتمام، ومن ثَمّ فإنه يكون محدود البيئة, ويكون تفاعله دائمًا مع الكبار, فيحرم من التفاعل الاجتماعي مع الأطفال في مثل سنه "خاصة قبل سن المدرسة".
هكذا: وبعد هذا العرض للبيئة الأسرية باعتبارها إحدى البيئات الاجتماعية التي يعيش فيها الطفل, ويكتسب مقومات نموه, يتضح أن هذه البيئة لها أثر واضح في النمو النفسي للطفل، ومن ثَمَّ فهي تؤثر في تكوين شخصيته وظيفيًّا ودينامكيًّا، وتؤثر في نموه الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي.
ب- البيئة المدرسية:
تعتبر البيئة المدرسية إحدى البيئات الاجتماعية التي تؤثر في نمو الطفل وتشكيل شخصيته، فالمدرسة هي المؤسسة الرسمية التي تقوم بعملية التربية ونقل التراث الثقافي المتطور، وتوفير الظروف المناسبة للنمو الجسمي والعقلي والانفعالي والاجتماعي.
ويدخل ضمن نطاق البيئة المدرسية كل من: رياض الأطفال والمدرسة.
1- رياض الأطفال:
يخلط الكثيرون بين دور الحضانة ورياض الأطفال -فمنهم من يعتبرها مؤسسات رعاية تربوية واجتماعية, ويطلقون عليها جميعًا دور الحضانة، والبعض الآخر يطلق عليها أو على الجزء الخاص بالأطفال من سن 3-6 سنوات "مدرسة الحضانة" باعتبارها مؤسسة تعليمية, ولكننا ننظر إليها النظرة التربوية التي تتفق مع خصائص المرحلة العمرية التي يمر بها الأطفال الذين ينتمون إليها, ويلتحقون بها فيما بين الثالثة والسادسة من العمر؛ حيث إن الطفل منذ ميلاده إلى أن يتمَّ الثالثة تقريبًا غالبًا ما يكون في ظل أسرته، وأما بعد الثالثة وقبل دخول المدرسة الابتدائية ربما يلتحق بروضة الأطفال.
دور رياض الأطفال في نمو الطفل:
إذا كان السنوات الأولى من حياة الفرد هي أهم مراحل نموه وتكوينه الجسماني والعقلي والنفسي والتربوي والاجتماعي، وهي السنوات التي يتمّ فيها تشكيل شخصيته الإنسانية, ووضع البذور الأولى لبناء الإنسان, وتحديد اتجاهاته وميوله, وغرس تقاليد وعادات المجتمع لديه؛ لذلك فإن الاهتمام بالأطفال في هذه المرحلة العمرية لا تعود نتائجه على هؤلاء الأطفال فقط، ولكنها تعود على المجتمع ككل في المدى الطويل, باعتبار أن التكوين السويّ للفرد هو استثمار في البناء البشري, ومن هنا فإنه إلى جانب دور الأسرة في تنشئة الطفل في فترة ما قبل المدرسة, يتبع دور رياض الأطفال في هذه المرحلة الهامة من حياة الطفل، والذي يتضح فيما يلي:
- تسعى رياض الأطفال إلى تحقيق النمو المتكامل للطفل، ولذا يجب أن يشمل هدفها تهيئة الطفل وإعداده إعدادًا سويًّا للمراحل العمرية التالية.
- تعمل رياض الأطفال على توجيه وإكساب الطفل العادات السلوكية التي تتفق مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع الذي ينتمون إليه, وتنمية ميول الأطفال، واكتشاف قدراتهم، والعمل على تنميتها بما يتفق وحاجات المجتمع الذي يسعى إلى التقدم.
- فغرس الميول المختلفة عند الأطفال يتوقَّف إلى حدٍّ كبير على توجيه الطفل من خلال اللعب، وإذا كانت ميول الأطفال تتعارض مع ميول الآباء والأمهات عندما لا يجد الطفل في مسكن الأسرة ما يشبع ميوله, ففي رياض الأطفال تتوفر للطفل إلى حد كبير وسائل إشباع ميوله من خلال مجتمع الأطفال المعَدّ لهم.
- وفي رياض الأطفال تنمو لدى الطفل الأسس العريضة لآداب السلوك، والإدراك المعنوي، والأحاسيس والعادات والعلاقات مع الآخرين، ففي جماعات الأطفال ذات السن الواحد يجمع طفل رياض الأطفال أولى تجارب وخبرات العلاقات الاجتماعية، وتتكوّن لديه الملامح الأولى لعلاقاته المتبادلة مع المجتمع.
- وفي رياض الأطفال يتم خلق وإيجاد جو متناسق ومتوافق بين جماعة الأطفال وتنمية احتياجات الأطفال وعاداتهم السلوكية, وتوجييهم إلى نواحي السلوك السوية التي تتفق مع قيم وعادات وتقاليد المجتمع السائدة في هذه السن, ويحاول القائمون على تربية الطفل وتنشئته في رياض الأطفال الوصول بالطفل عن طريق اللعب والنشاط, من خلال مجالات العمل المختلفة مع الأطفال للنمو المتكامل للشخصية "العضوي والنفسي والتربوي", وتطوير إمكانيات الطفل واستعداده، وإعداده لأولى المراحل التعليمية "المرحلة الابتدائية".
ولكي يصبح أسلوب التنشئة الاجتماعية فعالًا ومؤثرًا في النمو داخل رياض الأطفال, فإنه:
- تبرز الأهمية التربوية الكبرى لإعداد وتأهيل المربيات لدور الحضانة ورياض الأطفال، ذلك لأن تفتح نمو واستعدادات الطفل الفطرية يستدعي توفُّر المعرفة الكافية لخواصِّ ومظاهر كل مرحلة من مراحل نمو الطفل للقائمين على تربيته وتنشئته ورعايته.
- تبرز أهمية إيجاد الصلات الوطيدة بين رياض الأطفال والآباء والأمهات، وذلك لضمان عدم التعارض بين أهداف وأسلوب ومنهج العمل المشترك في كلٍّ منهما, وتحقيق الأهداف التربوية والاجتماعية التي من أجلها أنشئت رياض الأطفال؛ فرياض الأطفال لا يمكن أن تقوم بالوظائف العديدة التي للأسرة تمامًا
وأن تكون بديلة عنها، ولكنها مكملة لوظائف الأسرة, ومساعدة لها في نجاح مهامِّها التربوية في تنشئة وتربية طفل رياض الأطفال على أحسن وجه.
- كذلك تبرز أهمية وجود برنامج عملي محدَّد لرياض الأطفال يحقق أهداف العمل التربوي بها، ويساعد على نموِّ الطفل وتنمية قدراته, وتفتيح استعداداته, وإشباع احتياجاته, وتوجيه ميوله وتنميتها, وذلك من خلال البرامج المحدَّدة الموجِّهة لنشاط الرياض, والتخطيط لهذه المنشآت، وتوفير المباني المعدة, والأجهزة والوسائل التعليمية التربوية من لعب وغيرها من مستلزمات تجهيز بما يحقق الأهداف التربوية لها. ووضع برنامج عمل يومي لكل دار حضانة وروضة أطفال، والاعتماد على الألعاب المبرمجة كوسيلة أساسية لتحقيق الأهداف التربوية لهذه الدور، مع توفير الألعاب المناسبة مع الإمكانيات المحلية, ومراحل نمو الطفل المختلفة, واحتياجاته لهذه اللعب، ومن خلال كل هذا نستطيع أن نقول بأن رياض الأطفال مؤسسة، أو بيئة طيبة لتنشئة طفل الثالثة, وحتى يدخل المدرسة الابتدائية في السادسة.
2- المدرسة:
نظرًا لتعقُّد عناصر الثقافة واتساع دائرتها التي يتعين على الفرد اكتسابها, بدأت الأسرة تفقد بالتدريج الكثير من وظائفها الاجتماعية نظرًا لانشغال الآباء تحت ضغط الظروف الاجتماعية والاقتصادية، وما كانت الأسرة تقوم به أصبح من وظائف المدرسة في نقل التراث الثقافي إلى الأجيال، ومعاونة الأبناء على مواجهة ظروف الحياة في ضوء ما اختارته من قيم وأنظمة ومعارف.
وعندما يذهب الطفل إلى المدرسة فإنه يصبح لأول مرَّة تحت إشراف أفراد ليسوا من أقاربه، وبالتالي فهو يتحرَّك من وسط تسوده الروابط الشخصية إلى وسط آخر غير شخصي، ومن خلال الاتصال مع المدرسين والزملاء من التلاميذ, ومن ثَمَّ فإن المدرسة هي التي تربط الطفل بنظام اجتماعي أوسع، وهي المنظَّمة الرئيسية التي يوكلها المجتمع من أجل تقليل روابط الطفل بوالديه, وإدخاله لأول مرة في المنظمات الاجتماعية التي تتجاوز حدود الجماعات المعتمدة على القرابة والجيرة.
دور المدرسة في النمو النفسي:
تلعب المدرسة دورًا بارزًا في النمو النفسي والاجتماعي والمعرفي, ويتضح ذلك في الآتي:
- تأخذ المدرسة على عاتقها حاليًا -في المجتمع الحديث- مهمة تهيئة الصغار تهيئة اجتماعية من خلال نقل الثقافة، فقد بلغت الحال بالمجتمع الحديث أن يتوقع من المدرسة أن تنقل إلى الطفل ثقافة معقدة تعقيدًا شديدًا لا تنطوي فقط على قدر كبير من المعارف المتراكمة والمهارات المعقدة، بل على مجموعة أكبر من القيم والمعايير النظرية المتشابكة التي تشتمل على الأسس الأيديولوجية لتراث المجتمع الثقافي.
فقدرة المجتمع الحديث على الاستمرار لا تتوقَّف على قدرة مواطنيه على القراءة والكتابة, ولكن على إيمانهم بالمبادئ السياسية والدينية والاجتماعية التي تقوم على أساسها نظم المجتمع والإخلاص لها؛ ولذلك ينتظر من المدرسة أن تعلّم الطفل شيئًا ما من مختلف المثُل العليا مثل: الديمقراطية وحكم القانون والمشروع الحر، بل يتعلّم كيف يتصرَّف وفقًا لهذه المبادئ والعادات. "فاروق العدلي: 1981، 239-240".
- تلعب المدرسة في المجتمع الحديث دوًا هامًّا في تعليم الاتجاهات، والمفاهيم والمعتقدات المتعلمة بالنظام السياسي؛ حيث تعطي المدرسة الطفل المحتوى والمعلومات والمفاهيم التي من شأنها توسيع وصقل مشاعر الطفل المبكرة المتعلقة بالارتباط بالوطن، كما تضع تأكيد أعظم على الامتثال للقانون والسلطة ولوائح المدرسة، هذا الدور الخاص بتوجيه الطفل نحو النظام الاجتماعي والسياسي القائم, وتعضيد احترامه له, لا شكَّ أنه أحد الطرق التي تعمل فيها المدرسة كمنظمة محافظة للتنشئة الاجتماعية.
- تعلِّم المدرسة الطفل المهارات والمعلومات المتعلقة بالطريقة التي يعمل بها المجتمع, أو التي ينبغي أن يعمل بها, ويؤدي ذلك إلى إعداد الطفل للتصرُّف وفقًا للأدوار التي يقوم بها العضو الراشد في المجتمع, فأهم جزء من عملية التهيئة الاجتماعية يتضمّن التمثل اللا شعوري, واستبطان المعتقدات والقيم, ونماذج سلوك الآخرين الذين يتصل بهم الفرد اتصالًا مباشرًا. فعن طريق توسيع دائرة الطفل يتعلّم إعداد نفسه للقيام بمختلف الأدوار التي يقوم بها الشخص الراشد، كما يعرف ما ينتظر من الأشخاص الذين يشغلون وظائف في مجتمع الكبار.
- كما تعلب المدرسة دورًا أكبر في مساعدة الأطفال على تعلُّم ضبط انفعالاتهم, والتعامل مع مراكز السلطة، وكذلك تولي القيام بها، كما تتضمَّن التهيئة الاجتماعية معرفة الطفل للطريقة التي تُحَلُّ بها المشكلات من كافَّة الأنواع, واكتساب الوسائل الفنية لحل المشكلات كجزء متمِّم للعملية التربوية.
- ولا تلعب المدرسة فحسب هذا الدور المحافظ في عملية التلقين ونقل تراث الماضي، ولكن تشجع المدرسة القدرات الخلاقة لأعضاء المجتمع الجدد، ولذلك تقوم بدور أكبر في الإسهام في الأنشطة الخلاقة من جانب التلاميذ، وعن طريق غرس القيم الاجتماعية التي يجب أن تتمشَّى مع الرغبة في التقدّم القائمة على الإنجاز في العلوم, وفي مجالات المعرفة الأخرى، كما تأخذ على عاتقها مهمة القيام بدور رئيسي في عمليات التجديد والتحديث والتغير.
هذه الوظيفة التجديدية الاستحداثية هامَّة جدًّا لإعداد الأطفال اجتماعيًّا للمعيشة في مجتمع يتعرض للتغير السريع. "هدى قناوي: 1983، 61-65".


التفاعل بين الوراثة والبيئة في تشكيل النمو:
إذا كان أنصار الوراثة يقولون: بأن كل ما لدى الطفل أو ما سيكون لديه في المستقبل, إنما يرجع إلى الوراثة، فالعباقرة يولدون مزوَّدين بالاستعداد للعبقرية، وكذلك المنحرفين بنزعة الإجرام، والدم شاهد على ذلك، وكلنا نعلم أن الطبع يغلب التطبع، وأن ما يزعمه أنصار البيئة من قول بالتعلُّم والاكتساب مردود عليهم؛ لأنك لا تستطيع أن تصنع من "الفسيخ شربات"؛ لأن نوع المورثات التي تحملها الكروموسومات من كلا الأب والأم، وصدفة تلاقيها، ونوع العلاقة بينها -كما رأينا- هي التي تحدد أي صنف من الأفراد سيكون كل طفل.
أما أنصار البيئة: فيعتقدون أن لا شيء أو أقل القليل من الأشياء يمكن وراثته، وأن ما نسميه بالمورثات التي يتلقاها الطفل من والديه لا أهمية كبيرة لها في نموه، وأن الأهمية الكبرى هي للتدريب والتعلُّم الذي يتلقاه، ولقد كان "واطسون"، وهو من غلاة السلوكيين أنصار البيئة والاكتساب، ينكر بشدة فكرة المواهب الفطرية, ويقول: "أعطوني اثنا عشر طفلًا أصحّاء, أتعهد بتنشئتهم, وأنا كفيل بأن آخذ أيًّا منهم بالصدفة وأدرِّبه على أن يصبح أيَّ نوع من التخصص أريده له: طبيبًا، محاميًا، فنانًا، شيخ التجار، بل متسولًا أو لصًّا، بصرف النظر عن مواهبه وقدراته, أو ميوله واستعداداته وجنس آبائه وأجداده".
والراجح اليوم: هو هجر كلا المذهبين المتطرفين، والجمع بين أثر كل من الوراثة والبيئة، والتطبع nature & nurture في تشكيل النمو الإنساني بدلًا من محاولة استبعاد أحدهما وإبقاء الآخر كلية. أي: إنهما معًا, أصبح يبحث أثرهما المتشرك في نمو صفة جزئية من صفات الجسم, أو سمة بعينها من سمات التشخصية. فالزارع رغم إيمانه بضرورة اختيار البذور الصالحة المنتقاة يدرك أن هذه البذور لن تكون شيئًا مثمرًا إذا هو نثرها في أرض موات، كما أنه يدرك أن الأرض مهما قويت لن تغلَّ محصولًا ناجحًا ببذور تالفة ينثرها فيها, والنتيجة: إنه ينبغي أن يحرص على انتقاء البذور وجودة التربية والعمل على غرس وتغذية البذور في تلك التربة ... إلخ.
ومثل هذا يقال في الإنسان: فما لم تتكامل للنشء هذه العناصر الثلاثة من: أصل، ووسط، وتربية، أي: وراثة، وبيئة، وتعليم، فإن ما توفّر له من عناصر صالحة للنمو لن يعدو أن يكون مجرد إمكانيات لا تجد سبيلها إلى التحقق.
ولقد وضع دوبز هانسكي dobzhansky معادلة لبيان أثر تفاعل الوراثة والبيئة في تكوين وفاعليات الكائن وهي:
الوراثة × البيئة = الكائن.
على أساس أن الوراثة مقصود بها مجموعة الخصائص الوراثية للفرد التي يسميها genotype، وأن الكائن هو حاصل النمو الذي يشمل كافَّة التراكيب والوظائف الداخلية للكائن phenorype, وهو في حالة تغيُّر دائم، والذي يحدد تغيره هذا ليس الوراثة وحدها، ولا البيئة وحدها، ولكن تفاعل كلًا من الوراثة والبيئة معًا. "كمال دسوقي 1979، 44-64".
المصدر : المكتبة الشاملة
الكتاب: علم نفس النمو
المؤلف: حسن مصطفى عبد المعطي، هدى محمد قناوي
عدد الأجزاء: 2 الناشر: دار قباء للطباعة والنشر والتوزيع



The text below is a translation from google translate where it is possible to have many errors, please do not use this translation as a reference, and take a reference from the Arabic text above. thanks.

Culture and Human Growth:
It is said that the child does not generate a person but generates an individual, and does not prepare for it only because of the many cultural influences around him, so that the individual becomes a person must be acquired language and ideas and goals and values. The person is someone who shares the other in some of their social characteristics in addition to his uniqueness characteristics distinguish them from them.
Personality is not formed with the birth of the child, but is determined by the absorptive of the elements of culture, so: this character is the birth of culture first, without the cultural environment of the crystallization of the characters of children; This environment creates the causes of personality growth through that format of elements that is characterized Where the child's personality is primarily a process in which the cultural elements acquired with its formative qualities are formed to form together functional aspects of the whole
Its elements have adapted to each other in a mutually adaptive manner, so: the child is largely a form of culture. "Hadi Nu'man al-Hitti: 1988, 39".
Culture is the basis for the human existence of the individual and the society to which he belongs. Since the beginning of his life, he has provided the images of behavior, thoughts and feelings that he should have, especially in the early stages.
In addition, the child's growth is influenced by cultural patterning in society. The awareness of the child and his attention and education grow and raise the impact of the culture of his community, and enrich the life of childhood these processes, which are increasing and complexity whenever the complexity of the culture of society.
The term culture patterns refers to behavior patterns associated with a permanent need or function in social life; for example, the methods of raising and educating children in a society that follow a particular cultural pattern "Abdul Rahman Sulaiman: 1997, 523" And means of transport, exchange of goods and services, type of property, its meaning and function, family and nationality patterns of marriage, divorce, closeness, guardianship, and standards. , Laws, and social values Religious activities, ideas, religious and ideological decrees, and social trends such as cooperation, competition, prejudice, tolerance and intolerance.
The cultural community in which the child lives chooses from the environment and culture what she deems important, interpreting, evaluating and judging him, which affects the child's attitudes for a large number of years "Mustafa Zaidan: Dr. T 120."
Village culture and culture:
Children are raised in diverse cultural circles in the city, in the village, in capitals and regions, and within the social, economic, and sub-cultural segments of these communities. Thus, the effects of different cultural media differ in quantity and quantity.
The size of the village represents the opposite of the village community. While the village is characterized by a larger spatial scope, the city is overcrowded. While the village is the center of many activities, the city's many public and private organizations have many family functions.
- In the city, communication between people is essentially a matter of communication with and interaction with nature, leaving children with many living experiences.
In the city, the basis of cultural media is concentrated in quantity and quality, while the village suffers from a great deal of cultural deprivation. This also applies to areas with lower socio-economic levels in the city; there are insufficient cultural stimuli governed by the economic, social and cultural conditions of these sectors. Talaat Mansour, Adel al-Ashul 1976, 76.
However, urban and rural segregation in its effects on growth and personality formation should be taken with caution. There have been radical changes in our rural areas in recent years due to the proliferation of audio and visual media and the use of modern equipment in the home. , Ease of transportation, rural rural access and mechanization, so that it is sometimes difficult to distinguish between what is rural and what is urban, and we must not lose sight of the similarities between them, especially if both rural society and urban society are located in one country , And they are similar in language Religion, literature, science, and the role of education and political organizations and beliefs that no doubt affect the village and the culture of the city, though different form of this effect. "Hassan Mustafa: 1991, 268".
Culture and Growth:
Culture has an impact on the child's physical, motor, mental, emotional and social development:

In terms of physical growth, culture provides the individual with the means to satisfy his biological needs. He learns how to bring warmth to himself, to save himself from thirst or hunger, or to provide himself with security. Culture also dictates to children certain practices such as tattooing the hands or face of some groups, Maintaining fitness or working for obesity, etc. In addition, the respiratory system is affected by people's ways of wearing clothing, ventilation or exercise, etc., and the digestive system is influenced by ways of cooking foods and ways to eat them, and so on.
- In relation to the relationship of culture to motor growth: This type of growth ranges from simple movements arbitrary, through the arrest of things, walking, and to the movements of strong and fast compatible, and depends on the control of the child on his movements over the physical maturity and acquired skills of mobility, so the role Kindergartens, kindergartens and schools as units in the cultural environment that guide children's motor activities through training and motivate them to organized movements.


The ability of man to adapt the movements of his limbs and other organs has played a major role in the production of many

Related Post:




0 Response to "الثقافة والنمو الإنساني"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel