الايجاز في البلاغة، الإيجاز، انواع الايجاز : إيجاز قصر و إيجاز حذف Briefness, redundancy and equality
Sunday, March 4, 2018
Add Comment
الإيجاز، انواع الايجاز : إيجاز قصر و إيجاز حذف
أشاد الجاهليون كثيرا بالإيجاز ودعوا إليه ومارسوه في أدبهم على اختلاف ألوانه. ولعل السر في اهتمامهم به راجع إلى ظروف مجتمعهم، فقد كان مجتمعا تشيع فيه الأمية وتندر فيه الكتابة، ولهذا كان عليهم أن يعتمدوا على ذاكرتهم من ناحية في الإبقاء على أدبهم الذي يصور حياتهم، وعلى تناقله عن طريق الرواية جيلا بعد جيل من ناحية أخرى.
ولكن الذاكرة مهما كانت قوية فإنها لا تستطيع أن تستوعب كل ما يقال، ولا سيما إذا كان طويلا، وإذا استوعبت ما قدرت عليه من الكلام المسهب فإنها معرضة لنسيان بعضه بسبب طوله.
من هنا ولهذه الاعتبارات، كما يبدو، كانت الحاجة إلى الإيجاز في القول أول الأمر كوسيلة لاستيعاب أكبر قدر ممكن من الأدب تستطيع الذاكرة أن تعيه من غير نسيان، وبذلك يتسنى للأجيال المتعاقبة أن تتناقله سليما غير منقوص.
على ضوء ذلك يمكن القول بأن ما نرى لهم من كلام كثير في فضل الإيجاز والتنويه به واعتباره البلاغة الحقة كان نابعا في المحل الأول من حاجتهم إليه كأهم وسيلة للحفاظ على تراثهم العقلي. وقلما نظروا بمفهومه المتطور لدى رجال البلاغة المتأخرين، أي على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته تستدعيه مقتضيات الكلام أحيانا.
وفي صدر الإسلام لم يتطور مفهوم الإيجاز كثيرا عما كان عليه في العصر الجاهلي. حقا لقد اقتضى الأمر تدوين الرسائل في الإسلام لأغراض شتى، ولكن ظروف المجتمعين الجديد والقديم كانت لا تزال متقاربة متشابهة من جهة قلة الكاتبين وندرة أدوات الكتابة، ولذلك ظل الإيجاز وسيلة أكثر منه غاية قائمة لذاتها.
ثم شيئا فشيئا زاد الاهتمام بالكتابة وتفرغ لها طائفة من الأدباء يفتنون في طرقها وأساليبها، فكان ذلك إيذانا ببدء مرحلة جديدة في تطور مفهوم الإيجاز والنظر إليه على أنه مطلب بلاغي في حد ذاته يتنافسون في الإبداع فيه حتى ود بعضهم لو كان الكلام كله توقيعات مصبوبة في قوالب من الإيجاز.
...
فإذا أتينا إلى العصر العباسي فإننا نرى الجاحظ في القرن الثالث الهجري يحدد مفهوم الإيجاز بقوله: «الإيجاز هو الجمع للمعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة (1)».
ثم نراه فيما بعد يتوسع في مفهوم الإيجاز، فلم يعد يقصره على «جمع المعاني الكثيرة بالألفاظ القليلة»، وإنما صار الإيجاز عنده بمعنى «أداء حاجة المعنى، سواء أكان ذلك الأداء في ألفاظ قليلة أم كثيرة»، فقد يطول الكلام وهو في رأيه إيجاز لأنه وقف عند منتهى البغية ولم يجاوز مقدار الحاجة (2).
فمقياس الإيجاز في نظره إذن هو أداء حاجة المعنى وعدم تجاوز مقدار هذه الحاجة أو النكوص عنها طال الكلام أم قصر.
__________
(1) كتاب الحيوان ج 3 ص 86.
(2) كتاب الحيوان ج 6 ص 7.
وعند أبي هلال العسكري يتمثل الإيجاز في ترديد رأي أصحابه القائل بأن «الإيجاز قصور البلاغة على الحقيقة، وما تجاوز مقدار الحاجة فهو فضل داخل في باب الهذر والخطل، وهما من أعظم أدواء الكلام، وفيهما دلالة على بلادة صاحب الصناعة (1)». وفي هذا الرأي نظر إلى رأي الجاحظ السابق وتأثر به.
أما ابن رشيق فلم يورد للإيجاز تعريفا خاصا مكتفيا في ذلك بتعريف الرماني (2) له وتقسيمه. أما تعريفه فقد قال ابن رشيق نقلا عن الرماني:
«الإيجاز هو العبارة عن الغرض بأقل ما يمكن من الحروف».
أما عن تقسيمه فقد قال ابن رشيق: «الإيجاز عند الرماني على ضربين: مطابق لفظه لمعناه لا يزيد عليه ولا ينقص عنه، كقولك: «سل أهل القرية»، وضرب آخر يسمونه «الاكتفاء»، وفيه يحذفون بعض الكلام لدلالة الباقي على الذاهب، كقولهم: «لو رأيت عليا بين الصفين»، أي:
«لرأيت أمرا عظيما». ويعلق ابن رشيق على هذا الضرب من الإيجاز بقوله:
«وإنما كان هذا معدودا من أنواع البلاغة لأن نفس السامع تتسع في الظن والحساب، وكل معلوم فهو هين لكونه محصورا (3)».
__________
(1) كتاب الصناعتين ص 173. وقصور البلاغة إلى الحقيقة: ردّها إلى الحقيقة.
(2) الرماني: هو علي بن عيسى الرماني المتوفى سنة 386 هـ، وصاحب كتاب «النكت في إعجاز القرآن».
(3) كتاب العمدة ج 1 ص 221 - 222.
...
كذلك عرض ضياء الدين بن الأثير في كتابه «المثل السائر» للإيجاز فعرفه وقسمه وفصل القول فيه تفصيلا حسنا مع الإكثار من الأمثلة والشواهد.
وقد عرف ابن الأثير الإيجاز مرة بقوله: «الإيجاز حذف زيادات الألفاظ» ومرة أخرى بقوله: «الإيجاز دلالة اللفظ على المعنى من غير أن يزيد عليه».
كما قسمه إلى إيجاز بالحذف وإيجاز بدون الحذف. أما الإيجاز بالحذف عنده «فهو ما يحذف منه المفرد والجملة لدلالة فحوى الكلام على المحذوف، ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه».
أما الإيجاز بدون حذف فيقسمه قسمين: أحدهما إيجاز «القصر» وهو ما زاد معناه على لفظه، والآخر إيجاز «التقدير» وهو ما ساوى لفظه معناه.
وهذا القسم هو ما أطلق عليه رجال البلاغة فيما بعد اسم «المساواة» (1).
وإذا تتبعنا «الإيجاز» عند غير هؤلاء الأدباء والبلغاء من أمثال السكاكي والقزويني وغيرهما فإننا نجد أن مفهومه، وإن اختلفت صيغ التعبير عنه، واحد وهو «جمع المعاني الكثيرة تحت الألفاظ القليلة مع الإبانة والإفصاح».
__________
(1) المثل السائر ص 194 - 217.
...
والإيجاز عند البلاغيين ضربان:
انواع الايجاز
أ- إيجاز قصر:
وهو تقليل الألفاظ وتكثير المعاني. وقيل: هو تضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف. وقيل أيضا: هو الذي لا يمكن التعبير عن معانيه بألفاظ أخرى مثلها وفي عدّتها.
وهذا النوع، كما يقول ابن الأثير، هو أعلى طبقات الإيجاز مكانا وأعوزها إمكانا، وإذا وجد في كلام بعض البلغاء فإنما يوجد شاذا نادرا.
ومما ورد من إيجاز القصر في القرآن الكريم قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ، فإن قوله تعالى: الْقِصاصِ حَياةٌ لا يمكن التعبير عنه بألفاظ كثيرة، لأن معناه أنه إذا قتل القاتل امتنع غيره عن القتل، فأوجب ذلك حياة للناس.
ويتبين فضل هذا الكلا إذا قرنته بما جاء عن العرب في معناه وهو قولهم: «القتل أنفى للقتل». فقد يخيل لمن لا يعلم أن هذا القول على وزن الآية الكريمة، وليس الأمر كذلك، بل بينهما فروق من ثلاثة أوجه: أحدها أن «القصاص حياة» لفظتان، «والقتل أنفى للقتل» ثلاثة ألفاظ، والوجه الثاني أن في قولهم «القتل أنفى للقتل» تكريرا ليس في الآية، والوجه الثالث أنه ليس كل قتل نافيا للقتل إلا إذا كان القتل على حكم القصاص.
ومن أمثلة إيجاز القصر في القرآن الكريم أيضا، قوله تعالى: أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ كلمتان استوعبتا جميع الأشياء على غاية الاستقصاء. روي أن ابن عمر قرأها، فقال: من بقي له شيء فليطلبه.
وقوله تعالى: وَالْفُلْكِ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النَّاسَ جمع أنواع التجارات، وصنوف المرافق التي لا يبلغها العد والإحصاء.
وقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ، فجمع جميع مكارم الأخلاق بأسرها؛ لأن في العفو صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين وإعطاء المانعين، وفي الأمر بالمعروف تقوى الله وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحرمات والتبرؤ من كل قبيح، لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف وهو يلابس شيئا من المنكر.
وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر والحلم وتنزيه النفس عن مقابلة السفيه بما يفسد الدين.
وقوله تعالى: وَقِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَيا سَماءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْماءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ. فهذه الآية الكريمة تتضمن مع الإيجاز والفصاحة دلائل القدرة.
وقوله تعالى: أَخْرَجَ مِنْها ماءَها وَمَرْعاها، فدل بشيئين «الماء والمرعى» على جميع ما أخرجه من الأرض قوتا ومتاعا للناس، من العشب والشجر والحطب واللباس والنار والملح والماء، لأن النار من العيدان، والملح من الماء. والشاهد على أنه أراد ذلك كله قوله تعالى: مَتاعاً لَكُمْ وَلِأَنْعامِكُمْ*.
ومما ورد من إيجاز القصر في أحاديث الرسول قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «كفى بالسلامة داء»، وقوله: «إنكم لتكثرون عند الطمع، وتقلون عند الفزع»، وقوله: «حبك الشيء يعمي ويصم»، وقوله: «إن من البيان لسحرا»، وقوله: «ترك الشر صدقة»، وقوله: «نية المؤمن خير من عمله»، وقوله: «إذا أعطاك الله خيرا فليبن عليك، وابدأ بمن تعول، وارتضخ من الفضل، ولا تلم على الكفاف، ولا تعجز عن نفسك».
فقوله: «فليبن عليك» أي فليظهر أثره عليك بالصدقة والمعروف ودل على ذلك بقوله: «وابدأ بمن تعول، وارتضخ من الفضل» أي اكسر من مالك وأعط، وقوله: «ولا تعجز عن نفسك» أي لا تجمع لغيرك وتبخل عن نفسك فلا تقدم خيرا.
ومنه في كلام العرب قول أعرابي: «أولئك قوم جعلوا أموالهم مناديل لأعراضهم، فالخير بهم زائد والمعروف لهم شاهد» أي يقون أعراضهم ويحمونها بأموالهم.
وقول آخر: «أما بعد فعظ الناس بفعلك ولا تعظهم بقولك، واستحي من الله بقدر قربه منك، وخفه بقدر قدرته عليك».
وقيل لأعرابي يسوق مالا كثيرا: لمن هذا المال؟ فقال: لله في يدي.
فمعاني هذا الكلام- على حد قول أبي هلال العسكري- أكثر من ألفاظه، وإذا أردت أن تعرف صحة ذلك فحلّها وابنها بناء آخر، فإنك تجدها تجيء في أضعاف هذه الألفاظ.
ب- إيجاز حذف:
وهو القسم الثاني للإيجاز، ويعرفه البلاغيون بقولهم: «هو ما يحذف منه كلمة أو جملة أو أكثر مع قرينة تعيّن المحذوف.
ولا يكون إلا فيما زاد معناه على لفظه».
وعن هذا النوع من الإيجاز يقول ابن الأثير: «أما الإيجاز بالحذف فإنه عجيب الأمر شبيه بالسحر، وذاك أنك ترى فيه ترك الذكر أفصح من الذكر، والصمت عن الإفادة أزيد للإفادة، وتجدك أنطق ما تكون إذا لم تنطق، وأتم ما تكون مبينا إذا لم تبيّن ... (1)».
ثم يستطرد في الكلام عن إيجاز الحذف فيقول: «والأصل في المحذوفات جميعها على اختلاف ضروبها أن يكون في الكلام ما يدل على المحذوف، فإن لم يكن هناك دليل على المحذوف فإنه لغو من الحديث لا يجوز بوجه ولا سبب.
ومن شرط المحذوف في حكم البلاغة أنه متى أظهر صار الكلام إلى شيء غث لا يناسب ما كان عليه من الطلاوة والحسن.
__________
(1) المثل السائر ص 198.
...
ذكرنا آنفا أن الإيجاز إنما يكون بحذف كلمة أو جملة أو أكثر. وإذا تتبعنا المحذوف في هذا النوع من أساليب الإيجاز فإننا نجده يأتي على وجوه مختلفة منها:
1 - ما يكون المحذوف فيه حرفا: نحو قوله تعالى: قالُوا تَاللَّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً (2) أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ فالمراد: «تالله لا تفتأ» أي لا تزال، فحذفت «لا» من الكلام وهي مرادة.
__________
(2) الحرض: مصدر حرض بكسر الراء، ومعنى الحرض: القرب من الهلاك، والمراد به هنا الشخص القريب من الهلاك على وجه المبالغة. فالمعنى حتى تكون قريبا من الهلاك أو تهلك فعلا.
وعلى هذا جاء قول امرئ القيس:
فقلت يمين الله أبرح قاعدا … ولو قطعوا رأسي لديك وأوصالي
أي: لا أبرح قاعدا، فحذفت «لا» في هذا الموضع أيضا وهي مرادة.
ومما جاء منه قول أبي محجن الثقفي لما نهاه سعد بن أبي وقاص عن شرب الخمر وهو إذ ذاك في قتال الفرس بموقعة القادسية:
رأيت الخمر صالحة وفيها … مناقب تهلك الرجل الحليما
فلا والله أشربها حياتي … ولا أسقي بها أبدا نديما
يريد: لا أشربها، فحذف «لا» من الكلام وهي مفهومة منه.
2 - ما يكون المحذوف مضافا: نحو قوله تعالى: وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيها وَالْعِيرَ (1) الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها وَإِنَّا لَصادِقُونَ، أي: اسأل أهل القرية وأصحاب العير.
ومن ذلك أيضا قوله تعالى: فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ، أي: من أثر حافر فرس الرسول. وقوله تعالى: وَجاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهادِهِ، أي: وجاهدوا في سبيل الله ...
__________
(1) العير: اسم للإبل التي تحمل المتاع، وأريد بها هنا أصحابها.
3 - ما يكون المحذوف موصوفا: نحو قوله تعالى: وَآتَيْنا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً، فإنه لم يرد أن الناقة كانت مبصرة ولم تكن عمياء وإنما يريد: آية مبصرة، فحذف الموصوف وهو «آية» وأقام الصفة مقامه.
وأكثر وقوع حذف الموصوف في النداء وفي المصدر. أما النداء فنحو قوله تعالى: يا أَيُّهَا السَّاحِرُ أي: يا أيها الرجل الساحر، وقوله تعالى:
يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ...،* أي: يا أيها القوم الذين آمنوا.
وأما المصدر فكقوله تعالى: وَمَنْ تابَ وَعَمِلَ صالِحاً فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتاباً، تقديره: ومن تاب وعمل عملا صالحا ...
ومما جاء منه في الشعر قول البحتري من أبيات يصف فيها التصاوير التي في إيوان كسرى، وذلك أن الفرس كانت تحارب الروم فصوروا مدينة أنطاكية في الإيوان وحرب الروم والفرس عليها، فمما ذكره البحتري في ذلك قوله:
وإذا ما رأيت صورة أنطا … كية ارتعت بين روم وفرس
والمنايا مواثل وأنو شر … وان يزجي الصفوف تحت الدرفس (1)
في اخضرار من اللباس على أص … فر يختال في صبيغة ورس (2)
فقوله «على أصفر»، أي: على فرس أصفر، وهذا مفهوم من قرينة الحال، لأنه لما قال: «على أصفر» علم بذلك أنه أراد فرسا أصفر، كما أن «يختال» قرينة لفظية، لأن الاختيال من صفات الخيل الحسنة.
__________
(1) الدرفس: العلم الكبير.
(2) الورس: نبات يصبغ به.
4 - ما يكون المحذوف صفة: ولا يسوغ هذا الحذف إلا في صفة تقدمها ما يدل عليها أو تأخر عنها أو فهم ذلك من شيء خارج عنها. أما الصفة التي تقدمها ما يدل عليها فنحو قوله تعالى: أَمَّا السَّفِينَةُ فَكانَتْ لِمَساكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَها وَكانَ وَراءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً، فحذف الصفة، أي: كان يأخذ كل سفينة صحيحة غصبا. ويدل على المحذوف قوله: «فأردت أن أعيبها» فإن عيبه إياها لم يخرجها عن كونها سفينة، وإنما المأخوذ هو الصحيح دون المعيب. فحذفت الصفة هنا لأنه تقدمها ما يدل عليها.
وأما الصفة المحذوفة التي تأخر عنها ما يدل عليها فقول يزيد بن الحكم الثقفي:
كل امرئ ستئيم من … هـ العرس أو منها يئيم (3)
يريد: كل امرئ متزوج، إذ دل عليه ما بعده من قوله: «ستئيم منه أو منها يئيم» إذ لا تئيم هي إلا من زوج، ولا يئيم هو إلا من زوجة. فجاء بعد الموصوف ما دل عليه، ولولا ذلك ما صح معنى البيت، إذ ليس كل امرئ يئيم من عرس ولا تئيم منه عرس إلا إذا كان متزوجا.
__________
(3) آمت المرأة من زوجها تئيم أيما: إذا مات عنها زوجها أو قتل وأقامت لا تتزوج. وكذلك آم الرجل من زوجته يئيم: إذا ماتت عنه زوجته ولم يتزوج بعدها. والمعنى كل امرئ متزوج سيأتي عليه يوم تفقده فيه زوجته، وكذلك كل امرأة متزوجة سيأتي عليها يوم يفقدها فيه زوجها.
وأما ما يفهم منه حذف الصفة فيه من شيء خارج عن الكلام فقول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم: «لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد» فإنه قد علم جواز صلاة جار المسجد في غير المسجد من غير هذا الحديث. فعلم حينئذ أن المراد به الفضيلة والكمال، أي: لا صلاة أفضل أو أكمل لجار المسجد إلا في المسجد. وهذا شيء لم يعلم من نفس اللفظ وإنما علم من شيء خارج عنه.
5 - ما يكون المحذوف القسم أو جوابه: فأما حذف القسم فنحو قولك: «لأفعلن» أي: والله لأفعلن، أو غير ذلك من الأقسام المحلوف بها.
وأما حذف جواب القسم فنحو قوله تعالى: ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ بَلْ عَجِبُوا أَنْ جاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ فَقالَ الْكافِرُونَ هذا شَيْءٌ عَجِيبٌ، فإن معناه: ق والقرآن المجيد لتبعثن. والشاهد على ذلك ما بعده من ذكر البعث في قوله تعالى: أَإِذا مِتْنا وَكُنَّا تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ.
وقد ورد هذا الضرب في القرآن كثيرا، كقوله تعالى في سورة النازعات: وَالنَّازِعاتِ (1) غَرْقاً وَالنَّاشِطاتِ نَشْطاً وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً. فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً. فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً. يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، فجواب القسم ههنا محذوف تقديره: لتبعثن أو لتحشرن. ويدل على ذلك ما أتى به من ذكر القيامة في قوله: يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ، وكذلك إلى آخر السورة.
__________
(1) النازعات غرقا: الكواكب التي تجري وتغرق وتبالغ في الجري، والناشطات نشطا: الكواكب المتنقلات من برج إلى برج، والسابحات سبحا: الكواكب التي تسير في الجو سيرا هينا، السابقات سبقا: الكواكب التي تتم دورتها في مدة أقل من غيرها، كالقمر الذي يتم دورته كل شهر، مع أن الشمس تتمها كل عام، والمدبرات أمرا: أي المتسببات في حدوث الأمور المترتبة على سيرها من اختلاف الفصول ومعرفة عدد السنين والحساب.
6 - ما يكون المحذوف لو وشرطها، أو جوابها فقط: وذاك من ألطف ضروب الإيجاز وأحسنها. فأما حذف لو وشرطها معا كقوله تعالى: مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَما كانَ مَعَهُ مِنْ إِلهٍ إذن لَذَهَبَ كُلُّ إِلهٍ بِما خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ تقدير ذلك: إذ لو كان معه آلهة لذهب كل إله بما خلق ...
وكذلك ورد قوله تعالى: وَما كُنْتَ تَتْلُوا مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إذن لَارْتابَ الْمُبْطِلُونَ تقديره: إذ لو فعلت ذلك لارتاب المبطلون.
ومما جاء من ذلك شعرا قول قريط بن أنيف:
لو كنت من مازن لم تستبح إبلي … بنو اللقيطة من ذهل بن شيبانا
إذا لقام بنصري معشر خشن … عند الحفيظة إن ذو لوثة لانا
ف «لو» في البيت الثاني محذوفة لأنها في البيت الأول قد استوفت جوابها بقوله: «لم تستبح إبلي»، ثم حذفها في الثاني وتقدير حذفها: إذ لو كنت منهم لقام بنصري معشر خشن، أو إذ لو كانوا قومي لقام بنصري معشر خشن.
وأما حذف جواب «لو» فكثير شائع نحو: «لو زرتنا أو لو ألممت بنا» معناه: لأحسنا إليك أو لأكرمناك أو ما جرى هذا المجرى.
ومنه قوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلَّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أراد: لكان هذا القرآن. فحذف الجواب اختصارا لعلم المخاطب بأن الشرط المذكور لا بد له من جواب.
...
هذا عن القسم الأول من أقسام إيجاز الحذف وهو حذف مفرد أو كلمة. وهذا النوع من الحذف يتصرف على أربعة عشر ضربا أتينا هنا على
ستة أضرب منها على سبيل المثال (1).
__________
(1) من أراد استيفاء الأضرب فليرجع إليها في كتاب المثل السائر لابن الأثير ص 203 - 213
أما القسم الثاني من أقسام إيجاز الحذف وهو حذف جملة أو أكثر، فمن أمثلته قوله تعالى في حكاية موسى عليه السّلام مع اب ابنتي شعيب:
فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا. فالمحذوف هنا جمل عدة، ونظم الكلام من غير حذف أن يقال:
فذهبتا إلى أبيهما وقصتا عليه ما كان من أمر موسى، فأرسل إليه، فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ.
ومن أمثلة الإيجاز بحذف أكثر من جملة أيضا قوله تعالى في قصة سليمان وقصة الهدهد في إرساله بالكتاب إلى بلقيس: قالَ سَنَنْظُرُ أَصَدَقْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْكاذِبِينَ. اذْهَبْ بِكِتابِي هذا فَأَلْقِهْ إِلَيْهِمْ ثُمَّ تَوَلَّ عَنْهُمْ فَانْظُرْ ماذا يَرْجِعُونَ. قالَتْ يا أَيُّهَا الْمَلَأُ إِنِّي أُلْقِيَ إِلَيَّ كِتابٌ كَرِيمٌ ....
فالمحذوف هنا أكثر من جملة ونظم الكلام من غير حذف أن يقال:
فأخذ الهدهد الكتاب وذهب به إلى بلقيس فلما ألقاه إليها وقرأته قالت: يا أَيُّهَا الْمَلَأُ ...*.
والمحذوف إذا كان كذلك دل عليه الكلام دلالة ظاهرة، لأنه إذا ثبتت حاشيتا الكلام وحذف وسطه ظهر المحذوف لدلالة الحاشيتين عليه.
وبعد ...فلما كان سبب الإيجاز في جميع ما أوردناه هنا من أمثلة هو الحذف، سواء أكان حذف مفردات أو جمل، سمي «إيجاز حذف».
وتلخيصا لقواعد الإيجاز التي فصلنا القول فيها نقول:
1 - الإيجاز: جمع المعاني الكثيرة تحت الألفاظ القليلة مع الإبانة والإفصاح.
2 - الإيجاز نوعان:
أ- إيجاز قصر: ويكون بتضمين العبارات القصيرة معاني كثيرة من غير حذف.
ب- إيجاز حذف: ويكون بحذف مفرد أو جملة أو أكثر مع قرينة تعيّن المحذوف.
***
الكتاب: علم المعاني
المؤلف:عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الناشر:دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان
المصدر : المكتبة الشاملة
The
text below is a translation from google translate where it is possible to have
many errors, please do not use this translation as a reference, and take a
reference from the Arabic text above. thanks.
Briefness,
redundancy and equality
Brief
The
Jahiliyans highly praised the brief and called for it and practiced it in their
literature of different colors. Perhaps the secret of their interest in him was
due to the circumstances of their society. It was a society where illiteracy
and lack of writing prevailed, and so they had to rely on their memory to keep
their literature that portrays their lives and to transmit it through the novel
generation after generation.
But
memory, no matter how powerful, can not absorb all that is said, especially if
it is long. If it absorbs what it has been able to speak, it is liable to
forget some of it because of its length.
From
these considerations, it seems, the need to be brief was to first say as a
means of absorbing as much literature as possible that memory can remember
without forgetting, so that succeeding generations can convey it intact.
In
light of this, it can be said that what we see from the words of many in the
advantage of brevity and to mention it as true rhetoric was rooted in the first
place of their need as the most important way to preserve their mental
heritage. They have rarely considered the sophisticated concept of the late men
of rhetoric, that is, a rhetorical requirement in itself, which is sometimes
required by the requirements of speech.
In
the beginning of Islam, the concept of brevity did not develop much more than
it did in the pre-Islamic era. Indeed, it was necessary to codify messages in
Islam for various purposes, but the conditions of the new and old congregations
were still very similar in terms of the lack of writers and the scarcity of
writing tools, so the briefness remained a means rather than an end in itself.
And
then little by little the interest in writing and devote to a range of writers
mesmerizing in their methods and methods, this marked the beginning of a new
stage in the development of the concept of brevity and consider it as a
rhetorical requirement in itself compete in the creativity in it even if some
of them were all signed signatures molded Of brevity.
...
If
we come to the Abbasid era, we see Al-Jahez in the third century AH defines the
concept of concision by saying: «Briefness is the combination of many meanings
in the few words (1)».
And
then see it later expands on the concept of brevity, is no longer limited to
«the collection of many meanings in a few words», but the brevity is in the
sense «performance of the need of meaning, whether that performance in a few
words or many», may be lengthy speech, He stopped at the very end and did not
exceed the amount of need (2).
In
his view, the measure of brevity is the performance of the need for meaning,
and the need for such a need is not exceeded.
__________
(1)
Animal book c 3 p.
(2)
Animal Book C 6 p.
When
Abu Hilal al-Askari is the shortest in the opinion of his companions that
«brevity of rhetoric on the truth, and beyond the amount of need is a virtue
within the door of treachery and wrong, two of the greatest words of speech,
and a sign of the company's industry (1). In this view, the former view of
Jahiz was considered and influenced.
Ibn
al-Risheq did not give a brief definition of the specific, but only by defining
and dividing Ramani (2). The definition of Ibn Rushiq said, quoting Ramani:
«Briefness
is the phrase about the purpose with the least possible characters».
As
for the division of it, Ibn Rushi said: Briefing on two ramadan marks is
identical to the meaning of the meaning of the meaning of the meaning of the
meaning of the meaning of the term. : "If you saw a higher between the two
rows", ie:
"I
saw a great thing." Ibn al-Rishiq comments on this concise statement:
«But
this was a number of types of rhetoric because the same listener expands in
thought and calculation, and all known is easy to be limited (3)».
__________
(1)
The Book of Industries, p. 173. The shortcomings of rhetoric to truth: its
response to the truth.
(2)
Ramani: Ali bin Issa Al-Ramani, who died in 386 AH, and the author of the book
«jokes in the miracle of the Koran».
(3)
The Mayor's Book 1, pp. 221-222.
...
Ziauddin
ibn al-Atheer also presented in his book «Al-Malab Al-Saab» to summarize his
knowledge and his division and to separate the saying in it in detail well with
the many examples and evidence.
Ibn
al-Atheer was briefly told by saying: "Briefly delete the words" and
again by saying: "Briefness of the meaning of the word on the meaning
without increasing it.
It
also divided it into summary deletion and summary without deletion. The
shortness of the deletion is «is what delete the singular and sentence to
indicate the substance of the words on the deleted, and not only as the meaning
of the word».
The
summary without deletion is divided into two parts: one shortening «Palace»
which increased the meaning of the word, and the other summary «appreciation»
which is equivalent to the word meaning.
This
section is what the men of rhetoric later called the "equality" (1).
If
we follow the "brevity" in other than those writers and eloquents
such as the Sakaki and the Caspian and others, we find that the concept,
although different form of expression, one is "the collection of many
meanings under the few words with the disclosure and disclosure.
0 Response to "الايجاز في البلاغة، الإيجاز، انواع الايجاز : إيجاز قصر و إيجاز حذف Briefness, redundancy and equality"
Post a Comment