بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

أوليات البديع, أوليات البديع, نشأة البديع وتطوره, ابن المعتز قدامة بن جعفر أبو هلال العسكري وابن رشيق القيرواني وعبد القاهر الجرجاني و الزمخشري و أسامة بن منقذ

أوليات البديع, أوليات البديع, نشأة البديع وتطوره, ابن المعتز قدامة بن جعفر أبو هلال العسكري وابن رشيق القيرواني وعبد القاهر الجرجاني و الزمخشري و أسامة بن منقذ

علم البديع
تأليف
الدكتور عبد العزيز عتيق
دار النهضة العربية
مقدّمة
تتألف البلاغة العربية من علوم ثلاثة هي: المعاني، والبيان، والبديع. وميدان البلاغة الذي تعمل فيه علومها الثلاثة متضافرة هو نظم الكلام وتأليفه على نحو يخلع عليه نعوت الجمال.
وإدراك سمات الكلام البليغ لا يتأتى إلا عن طريق الدرس والبحث والتأمل. ومن أجل هذا تبدو الحاجة إلى دراسة البلاغة. فهي تكشف للمتعلم عن العناصر البلاغية التي ترقى بالتعبير صعدا نحو الكمال الفني، كما تضع بين يديه الأدوات التي يستطيع بالتمرس بها والتدرب عليها أن يأتي بالكلام البليغ. وهي في الوقت ذاته جزء مكمل لثقافة الناقد والأديب.
دراسة البلاغة إذن ليست ضرورية فقط لمن يريد أن يجعل اللغة وأدبها ميدان تخصصه، وإنما هي ضرورية له وللناقد والأديب على حد سواء.
وبعد ...فهذه محاضرات ألقيتها على طلبة الصف الثاني بقسم
اللغة العربية وآدابها بجامعة بيروت العربية في علم البديع، أحد علوم البلاغة العربية.
والجانب الأول من هذه المحاضرات يعالج نشأة البديع، وتطوره، والمراحل التي مر بها حتى صار علما قائما بذاته، هذا مع التعريف بكبار رجاله وكتبهم والطرق التي سلكوها في دراسته.
أما الجانب الآخر من المحاضرات فدراسة مفصلة تحليلية لأهم فنون البديع اللفظية والمعنوية، وأثرها في الكلام.
ولعل القارئ يجد في هذه المحاضرات ما يغريه على التوسع في دراسة علم البديع أحد أصول البلاغة العربية.
والله ولي التوفيق.
المؤلف

نشأة البديع وتطوره


البديع كما يقول الخطيب القزويني محمد بن عبد الرحمن في كتابه «التلخيص» هو «علم يعرف به وجوه تحسين الكلام بعد رعاية المطابقة ووضوح الدلالة». ويعرفه ابن خلدون بأنه «هو النظر في تزيين الكلام وتحسينه بنوع من التنميق: إما بسجع يفصله، أو تجنيس يشابه بين ألفاظه، أو ترصيع يقطع أوزانه، أو تورية عن المعنى المقصود بإيهام معنى أخفى منه، لاشتراك اللفظ بينهما، أو طباق بالتقابل بين الأضداد وأمثال ذلك» (1).
وقبل التعرض لمباحث هذا العلم بالشرح والاستيفاء يجدر بنا أن نؤرخ له فنتتبع نشأته وتطوره، لأن ذلك من شأنه أن يعطي صورة واضحة عن أبعاد هذا العلم، وأن يعين على تفهم مباحثه وتذوقها. ومهما اختلفت آراء الأدباء والنقاد في جدوى هذا العلم وقيمته فإن دراسته لازمة لطلاب البلاغة العربية ونقاد الأدب العربي طالما أن الظواهر البديعية تأتي عفوا أو تكلفا على ألسنة الشعراء والأدباء كعنصر من عناصر فن القول.
__________
(1) مقدمة ابن خلدون ص 1066.

ومن النقاد من يهمل هذا الجانب البديعي عند تعرضه بالنقد لنص شعري أو نثري والحكم عليه ظنا منه أنه جانب لا يقدم ولا يؤخر كثيرا في الحكم على جودة التعبير وحسن أدائه للمعنى بكل ظلاله.
ولكن دراسة أصول هذا العلم والأناة في تفهمها وتذوقها جديرة بإقناع الدارس أيا كان بأن استبعاد الجانب البديعي عند الحكم على عمل أدبي هو إجحاف به وانتقاص في الحكم عليه.
حقا لقد أسرف الشعراء والأدباء في العصور المتأخرة غاية الإسراف في استعمال المحسنات البديعية، إما إعجابا بها وإما إخفاء لفقرهم في المعاني، وبهذا انحط إنتاجهم الأدبي. ذلك في نظري هو سبب العزوف عن هذا العلم من جانب بعض الدارسين والنقاد المعاصرين. ولو عرفوا أن العيب ليس في البديع ذاته وإنما هو في سوء فهمه واستخدامه لقللوا من عزوفهم عنه ولأعطوه حقه من العناية والدراسة، ولردوا إليه اعتباره كعنصر بلاغي هام عند تقييم الأعمال الأدبية والحكم عليها.
وكما يقول أبو هلال العسكري: «إن هذا النوع من الكلام إذا سلم من التكلف وبرئ من العيوب كان في غاية الحسن ونهاية الجودة» (1).
وبعد، فقد عرف العرب في شعرهم كل الخصائص الفنية والأساليب البيانية التي تخلع عليه صفة الجمال والإبداع. وكان الشاعر منهم بحسه الفطري وعلى غير دراية منه بأنواع هذه الأساليب البيانية ومصطلحاتها البلاغية يستخدمها تلقائيا كلما جاش بنفسه خاطر وأراد أن يعبر عنه تعبيرا بليغا.
__________
(1) كتاب الصناعتين ص 267.

وقد اهتدى بعض الجاهليين إلى قيمة بعض هذه الأساليب وأثرها في تقدير الشعر وحظه من البلاغة، ومن هذه الأساليب ما يمت بصلة إلى هذا أو ذاك بما عرف بعد بعلوم البلاغة العربية الثلاثة، أعني علم المعاني، وعلم البيان، وعلم البديع.
ولعلنا نذكر ما كان يدور في أسواق العرب وأنديتهم من حوار أدبي، كما نذكر كيف كان الشعراء يفدون على زهير بن أبي سلمى في سوق عكاظ وينشدون أمامه أشعارهم ليحكم بينهم متفاخرين بما في شعرهم من أساليب التشبيه والمجاز بأنواعه، وكيف كان زهير يقضي لهذا أو ذاك على غيره من الشعراء لأنه أجاد التشبيه أو الاستعارة أو الكناية.
الجاهليون إذن كانوا بطبيعتهم الشعرية الأصيلة يستحسنون بعض الأساليب البلاغية ويستخدمونها في أشعارهم دون علم بمصطلحاتها، تماما كما كانوا عن سليقة يستخدمون في كلامهم الفاعل مرفوعا والمفعول منصوبا قبل أن يظهر النحاة ويضعوا قواعد الفاعل والمفعول.
وقد أخذ علماء العربية بعد الإسلام يهتمون غاية الاهتمام بعلم البلاغة ليستعينوا به في المحل الأول على معرفة أسرار الإعجاز في القرآن الكريم كتاب الله.
وفي ذلك يقول أبو هلال العسكري (1): «اعلم- علمك الله الخير ودلك عليه وقيضه لك وجعلك من أهله- أن أحق العلوم بالتعلم وأولاها بالتحفظ- بعد المعرفة بالله جل ثناؤه- علم البلاغة، ومعرفة الفصاحة الذي به يعرف إعجاز كتاب الله تعالى، الناطق بالحق، الهادي إلى سبيل الرشد، المدلول به على صدق الرسالة وصحة النبوة، التي رفعت أعلام الحق، وأقامت منار الدين، وأزالت شبه الكفر ببراهينها، وهتكت حجب الشك بيقينها. وقد علمنا أن الإنسان إذا أغفل علم البلاغة، وأخل بمعرفة الفصاحة لم يقع علمه بإعجاز القرآن من جهة ما خصه الله به من حسن التأليف، وبراعة التركيب، وما شحنه به من الإيجاز البديع، والاختصار اللطيف، وضمنه من حلاوة، وجلله من رونق الطلاوة، مع سهولة كلمه وجزالتها، وعذوبتها وسلاستها، إلى غير ذلك من محاسنه التي عجز الخلق عنها، وتحيرت عقولهم فيها.
وإنما يعرف إعجازه من جهة عجز العرب عنه، وقصورهم عن بلوغ غايته في حسنه وبراعته، وسلاسته ونصاعته، وكمال معانيه، وصفاء ألفاظه .....
__________
(1) كتاب الصناعتين ص 1 - 3.

ولهذا العلم بعد ذلك فضائل مشهورة، ومناقب معروفة، منها أن صاحب العربية إذا أخل بطلبه، وفرط في التماسه، ففاتته فضيلته، وعلقت به رذيلة فوقه، عفّى على جميع محاسنه، .....لأنه إذا لم يفرق بين كلام جيد وآخر رديء، ولفظ حسن وآخر قبيح، وشعر نادر وآخر بارد، بان جهله، وظهر نقصه.
وهو أيضا إذا أراد أن يصنع قصيدة، أو ينشئ رسالة- وقد فاته هذا العلم- مزج الصفو بالكدر، وخلط الغرر بالعرر (1)، واستعمل الوحشي العكر، فجعل نفسه مهزأة للجاهل وعبرة للعاقل.
وإذا أراد أيضا تصنيف كلام منثور، أو تأليف شعر منظوم، وتخطي هذا العلم ساء اختياره له، وقبحت آثاره فيه، فأخذ الرديء المرذول، وترك الجيد المقبول، فدل على قصور فهمه، وتأخر معرفته وعلمه. وقد قيل: اختيار الرجل قطعة من عقله، كما أن شعره قطعة من معرفته وعلمه».
وحسبنا هذا القدر من كلام أبي هلال العسكري للدلالة على أهمية علم البلاغة وأحقيته بالتعلم.
__________
(1) الغرر: جمع غرة، وهي النفيس من كل شيء. والعرر: جمع عرة، وهي القذر.

أوليات البديع:

وإذا انتقلنا من هذا التمهيد إلى علم البديع أحد علوم البلاغة العربية فإننا نلتمس أوليات هذا العلم في محاولة قام بها شاعر عباسي من أبناء الأنصار أولع بالبديع في شعره واشتهر بإجادة المدح من مثل قوله في مدح يزيد بن مزيد:
تلقى المنية في أمثال عدتها  كالسيف يقذف جلمودا بجلمود
تجود بالنفس إن ضن الجواد بها  والجود بالنفس أقصى غاية الجود
وقوله أيضا:
موف على مهج في يوم ذي رهج  كأنه أجل يسعى إلى أمل
ينال بالرفق ما تعيا الرجال به  كالموت مستعجلا يأتي على مهل
هذا الشاعر هو صريع الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري المتوفى سنة 208 هجرية، فقد وضع مصطلحات لبعض الصور البيانية والمحسنات اللفظية والمعنوية من مثل الجناس والطباق.
ثم نلتقي من بعده بأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في كتابه «البيان والتبيين» والمتوفى سنة 255 هـ، فهذا الكتاب
وإن اشتمل على كثير من الفوائد والخطب الرائعة والأخبار البارعة، وأسماء الخطباء والبلغاء، مع بيان أقدارهم في البلاغة والخطابة، إلا أن الإبانة عن حدود البلاغة وأقسام البيان والفصاحة تأتي مبثوثة في تضاعيفه، منتشرة في أثنائه، فهي ضالة بين الأمثلة، لا توجد إلا بالتأمل الطويل والتصفح الكثير.
وقد أشار الجاحظ إلى البديع بقوله: «والبديع مقصور على العرب، ومن أجله فاقت لغتهم كل لغة، وأربت على كل لسان، والشاعر الراعي كثير البديع في شعره، وبشار حسن البديع، والعتابي يذهب في شعره في البديع مذهب بشار» (1).
وكلمة البديع عنده تعني الصور والمحسنات اللفظية والمعنوية وإن كان لم يوضحها توضيحا دقيقا، ومع تعرضه لبعض أنواع البديع فإنه لم يحاول وضع تعريفات ومصطلحات لها، لأن اهتمامه عند الكلام عنها كان بتقديم الأمثلة والنماذج، لا بوضع القواعد.
__________
(1) البيان والتبيين ج 4 ص 55.

ابن المعتز:

ولعل أول محاولة علمية جادة في ميدان علم البديع هي تلك المحاولة التي قام بها خليفة عباسي ولي الخلافة يوما وليلة ثم مات مقتولا وقيل مخنوقا سنة 296 هجرية.
هذا الخليفة هو أبو العباس عبد الله بن المعتز بن المتوكل بن المعتصم بن هارون الرشيد، والمولود سنة 247 هجرية. لقد كان شاعرا مطبوعا مقتدرا على الشعر، سهل اللفظ، جيد القريحة، حسن الإبداع للمعاني، مغرما بالبديع في شعره، وبالإضافة إلى ذلك كان أديبا بليغا مخالطا للعلماء، والأدباء معدودا من جملتهم، وله بضعة عشر مؤلفا في فنون شتى وصل إلينا منها: ديوانه، وطبقات الشعراء، وكتاب البديع.
وإذا كان عبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 471 للهجرة وصاحب كتابي: «دلائل الإعجاز» و «أسرار البلاغة» هو واضع نظرية علم البيان وعلم المعاني فإن عبد الله بن المعتز هو واضع علم البديع، كما يفهم ذلك من كتابه المسمى «كتاب البديع» الذي ألفه سنة 274 للهجرة. ويبدو أنه ألف هذا الكتاب ردا على من زعم من معاصريه أن بشار بن برد ومسلم بن الوليد الأنصاري وأبا نواس هم السابقون إلى استعمال البديع في شعرهم.
وعن ذلك يقول في مقدمة كتابه (1): «قد قدمنا في أبواب كتابنا هذا بعض ما وجدنا في القرآن واللغة وأحاديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكلام الصحابة والأعراب وغيرهم وأشعار المتقدمين من الكلام الذي سماه المحدثون البديع ليعلم أن بشارا ومسلما وأبا نواس من تقيّلهم (2) وسلك سبيلهم لم يسبقوا إلى هذا الفن، ولكنه كثر في أشعارهم فعرف في زمانهم حتى سمي بهذا الاسم فأعرب عنه ودل عليه».
__________
(1) كتاب البديع لابن المعتز ص 1.
(2) تقيلهم: حاول التشبه بهم.

«ثم إن حبيب بن أوس الطائي «أبا تمام» من بعدهم شغف به حتى غلب عليها وتفرع فيه وأكثر منه فأحسن في بعض ذلك وأساء في بعض، وتلك عقبي الإفراط وثمرة الإسراف. وإنما كان يقول الشاعر من هذا الفن البيت والبيتين في القصيدة، وربما قرئت من شعر أحدهم قصائد من غير أن يوجد فيها بيت بديع، وكان يستحسن ذلك منهم إذا أتى نادرا، ويزداد حظوة بين الكلام المرسل».
«وقد كان بعض العلماء يشبه الطائي في البديع بصالح بن عبد القدوس (1) في الأمثال، ويقول لو أن صالحا نثر أمثاله في شعره وجعل بينها فصولا من كلامه لسبق أهل زمانه، وغلب على مد ميدانه. وهذا أعدل كلام سمعته في هذا المعنى».
وفي موضع آخر يشير إلى غرضه من تأليف كتاب البديع فيقول:
«وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع» (2). وفي موضع ثالث يشير إلى أنه أول من نظم وجمع فنون هذا العلم فيقول: «وما جمع فنون البديع ولا سبقني إليه أحد، وألفته سنة أربع وسبعين ومائتين» (3).
والمتصفح لكتاب البديع يجد أنه يشتمل أولا على خمسة أبواب يتحدث فيها ابن المعتز عن أصول البديع الكبرى من وجهة نظره وهي:
الاستعارة، والجناس، والمطابقة، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها، أما الباب الخامس من البديع فهو- كما يقول- «مذهب سماه عمرو الجاحظ المذهب الكلامي. وهذا باب ما أعلم أني وجدت في القرآن منه شيئا، وهو ينسب إلى
التكلّف، تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا» (4). وليس عدم علمه مانعا علم غيره، ولم يستشهد عليه بأعظم من شواهد القرآن.
وينبه ابن المعتز في كتابه على أنه اقتصر بالبديع على الفنون الخمسة السابقة اختبارا من غير جهل بمحاسن الكلام ولا ضيق في المعرفة، ولهذا فمن أحب أن يقتدي به ويقتصر بالبديع على تلك الخمسة فليفعل.
__________
(1) شاعر عباسي، من حكماء الشعراء، أمر المهدي بقتله وصلبه على جسر بغداد سنة 167 هـ. لزندقته.
(2) كتاب البديع ص 3.
(3) نفس المرجع ص 58.
(4) كتاب البديع ص 53.

ورغبة منه في أن تكثر فوائد كتابه للمتأدبين أتبع هذه الفنون الخمسة التي اعتمدها أصولا لعلم البديع، بذكر ثلاثة عشر فنا بديعيا هي:
1 - الالتفات، 2 - اعتراض كلام في كلام لم يتمم الشاعر معناه ثم يعود إليه فيتممه في بيت واحد، 3 - الرجوع، 4 - حسن الخروج من معنى إلى معنى، 5 - تأكيد المدح بما يشبه الذم، 6 - تجاهل العارف، 7 - هزل يراد به الجد، 8 - حسن التضمين، 9 - التعريض والكناية، 10 - الإفراط في الصفة «المبالغة»، 11 - حسن التشبيه، 12 - إعنات الشاعر نفسه في القوافي وتكلفه من ذلك ما ليس له، وهو ما عرفه البلاغيون المتأخرون بلزوم ما لا يلزم من القوافي، 13 - حسن الابتداءات.
وقد ذكر أن هذه الأنواع الثلاثة عشر هي بعض محاسن الكلام.
والشعر «ومحاسنها كثيرة لا ينبغي للعالم أن يدعي الإحاطة بها حتى يتبرأ من شذوذ بعضها عن عمله وذكره» (1). فإذا أضفنا إلى ذلك أصول البديع الخمسة كان معنى ذلك أن ابن المعتز، قد اخترع ثمانية عشر نوعا من أنواع البديع.
هذا وليس في كتاب ابن المعتز ذكر لباحث قبله في قضايا البديع سوى الأصمعي الذي قال إن له بحثا في الجناس، وسوى الجاحظ الذي قال إنه أول من سمى «المذهب الكلامي» (2) باسمه.
__________
(1) كتاب البديع ص 58.
(2) المذهب الكلامي: أن يأتي البليغ على صحة دعواه وإبطال دعوى خصمه بحجة قاطعة عقلية تصح نسبتها إلى علم الكلام لأن علم الكلام عبارة عن إثبات أصول الدين بالبراهين العقلية القاطعة. مثل (لو كان فيهما آلهة إلّا الله لفسدتا) - فهذا دليل قاطع على وحدانية الله، وتمام الدليل أن تقول: لكنهما لم تفسدا فليس فيهما آلهة غير الله.

وكأني به وقد بدأ المحاولة الأولى في وضع علم البديع أدرك أن هناك من قد يقلل من شأن هذه المحاولة أو يغير في بعض المصطلحات التي اختارها، أو يزيد في بعض الأبواب، أو يأخذ عليه تقصيرا في تفسير بعض الشواهد الشعرية التي استدل بها. ومن أجل هذا يقول: «ولعل بعض من قصر عن السبق إلى تأليف هذا الكتاب ستحدثه نفسه وتمنيه مشاركتنا في فضيلته فيسمى فنا من فنون البديع بغير ما سميناه به، أو يزيد في الباب من أبوابه كلاما منثورا، أو يفسر شعرا لم تفسره، أو يذكر شعرا قد تركناه ولم يذكره، إما لأن بعض ذلك لم يبلغ في الباب مبلغ غيره فألقيناه، أو لأن فيما ذكرناه كافيا ومغنيا. وليس من كتاب إلا وهذا ممكن فيه لمن أراده، وإنما غرضنا في هذا الكتاب تعريف الناس أن المحدثين لم يسبقوا المتقدمين إلى شيء من أبواب البديع، وفي دون ما ذكرنا مبلغ الغاية التي قصدناها» (1).
والخلاصة أن ابن المعتز بوضعه كتاب البديع قد قام بالمحاولة الأولى في سبيل استقلال هذا العلم البلاغي وتحديد مباحثه التي كانت من قبل مختلطة بمباحث علم المعاني وعلم البيان، كما لفت أنظار الناس إلى أن البديع كان موجودا في أشعار الجاهلية وصدر الإسلام، ولكنه كان مفرقا يأتي عفوا، ثم جاء الشعراء المحدثون من أمثال بشار ومسلم بن الوليد وأبي نواس وأبي تمام فأكثروا منه في أشعارهم وقصدوا إليه.
وكان مما استحدثه ابن المعتز في كتابه أيضا وضع مصطلحات لأنواع البديع في زمنه، ونقد ما أتي معيبا من كل نوع.
وتلك بلا شك محاولة علمية جادة تلقفها البلاغيون والنقاد من بعده
__________
(1) كتاب البديع ص 2 - 3.
وأضافوا إليها ما استكملوا به مباحث هذا العلم وقضاياه، كما سنرى فيما بعد.

قدامة بن جعفر:

ومن النقاد الذين تلقفوا محاولة ابن المعتز العلمية في علم البديع وأضافوا إليها معاصره قدامة (1) بن جعفر في كتابه «نقد الشعر». وقدامة هذا كان نصرانيا ثم اعتنق الإسلام في أواخر القرن الثالث الهجري، وتوفي سنة 337 للهجرة في أيام الخليفة العباسي المطيع لله. وقد درس فيما درس الفلسفة والمنطق وتأثر بهما تفكيرا ومنهجا في كل مؤلفاته التي بلغت أربعة عشر كتابا في موضوعات شتى من الأدب وغيره.
__________
(1) انظر ترجمة حياته في معجم الأدباء لياقوت ج 17 ص 12.

وإذا كان ابن المعتز قد قصر كتابه على علم البديع، فإن كتاب قدامة كان في نقد الشعر بصفة عامة، وجاء تعرضه فيه للمحسنات البديعية كعنصر من العناصر التي منها تألف منهاجه في نقد الشعر.
والمحسنات البديعية التي أوردها قدامة في تضاعيف كتابه «نقد الشعر» بلغت أربعة عشر نوعا. وهذه على حسب ترتيب ورودها في الكتاب: الترصيع، الغلو، صحة التقسيم، صحة المقابلات، صحة التفسير، التتميم، المبالغة، الإشارة، الإرداف، التمثيل. التكافؤ، التوشيح، الإيغال، الالتفات ..
ومن هذه المحسنات ما التقى فيها مع ابن المعتز مع اختلاف في التسمية الاصطلاحية فقط. فالتتميم، والتكافؤ، والتوشيح عنده هي عند ابن المعتز على التوالي: الاعتراض، والطباق، ورد أعجاز الكلام على ما تقدمها. وهناك محسنان يلتقيان فيهما ويتفقان على تسميتهما وهما: المبالغة، والالتفات، وإن كان قدامة قد خص الأخير بشق واحد من شقي «الالتفات» عند ابن المعتز.
وإذا كان الاثنان قد التقيا في خمس محسنات بديعية، مع اختلاف في تسمية بعضها واتفاق في تسمية البعض الآخر، فإن قدامة يكون في الواقع قد اهتدى إلى تسعة أنواع جديدة من أنواع البديع، هي: الترصيع، والغلو، وصحة التقسيم، وصحة المقابلات، وصحة التفسير، والإشارة، والإرداف، والتمثيل، والإيغال.
وبعد فقد سمى قدامة كتابه «نقد الشعر» فهل نستطيع حقا أن نعتبره هو وكتاب «البديع» لا بن المعتز من كتب النقد؟.
وإجابة على السؤال نقول: على الرغم من التسمية فإن الكتابين بعيدان عن النقد الذي هو فن دراسة الأساليب، وأقرب إلى أن يكون كلاهما كتابا علميا يرمي إلى إيضاح مبادئ، واستنباط أنواع من البديع، ووضع تقسيمات. وكل ما يمكن قوله إنهما يمدان الناقد بعنصر من العناصر التي تعينه في عملية نقد العمل الأدبي وإصدار الحكم عليه.

أبو هلال العسكري:

ثم ظهر في القرن الرابع مع قدامة وعاش بعده أكثر من نصف قرن عالم آخر، هو أبو هلال العسكري، الذي حاول في واحد من أهم مؤلفاته، وأعني به كتاب «الصناعتين- الكتابة والشعر» أن يحقق هدفين.
أحدهما أن يتم في توسع ما بدأه قدامة من بحث صناعة الشعر ونقده، سالكا في ذلك- كما يقول- مذهب صناع الكلام من الشعراء والكتاب لا مذهب المتكلمين والمتفلسفة كما فعل قدامة.
أما ثاني الهدفين، فهو ألا يقف بالبحث الأدبي عند حد الشعر، وإنما
يتعداه- غير مسبوق في هذا الباب- إلى بحث صناعة الكتابة أو النثر بصفة عامة، فليس الأدب شعرا فحسب، وإنما هو شعر ونثر معا.
وأبو هلال هذا هو الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، نسبة إلى مدينة «عسكر مكرم» من كور الأهواز بين البصرة وفارس. وكان من أبنائها علماء أعلام خدموا الثقافة العربية وأضافوا إليها ما لديهم من معرفة.
ومن هؤلاء العلماء أبو أحمد العسكري (1) المحدث (293 - 382 هـ) وأبو هلال العسكري الأديب، صاحب كتاب «الصناعتين»، والأول خال الثاني وأستاذه.
__________
(1) انظر ترجمة أبي أحمد وأبي هلال في معجم الأدباء لياقوت ج 8 ص 223 - 267.

وقد غلب الأدب والشعر على أبي هلال العسكري إنتاجا وتأليفا، وكتبه المنشورة بين الناس تدل على تمكنه من علوم العربية أو علوم الأدب الثمانية، وأعني بها: اللغة، والنحو، والصرف، والعروض، والقوافي، وصنعة الشعر، وأخبار العرب، وأنسابهم.
وهذه العلوم عند الأقدمين لم تكن تعني «الأدب» وإنما تعني أنها لازمة لثقافة الأديب، ولحاجة الأديب إليها في تكوينه عدوها من الأدب ..
ولا ريب في أنه بمقدار جهل الأديب بأي من هذه العلوم يكون نقصه في الأدوات التي تؤهله بتمكن لممارسة الأدب في أية صورة من صوره.
ومؤلفات أبي هلال العسكري لا تدل على تبحره في علوم العربية، فحسب، وإنما تدل أيضا على غزارة إنتاجه وتنوعه، فقد خلف لنا عشرين كتابا عالج فيها، كما يفهم من أسمائها، موضوعات شتى في اللغة والأدب والبلاغة والنقد والتفسير، وكلها تنم عن نوع ثقافته وثقافة العصر الذي عاش فيه.
على أن ما انتهى إلينا من إنتاجه لم يزد حتى الآن على ثلاثة كتب هي: «كتاب الصناعتين- الكتابة والشعر»، وكتاب «ديوان المعاني» من جزأين، وكتاب لغوي اسمه «المعجم في بقية الأشياء»، أما بقية كتبه فلا يزال الموجود منها مخطوطات في مكتبات العالم، تنتظر من يتوفر على تحقيقها ونشرها.
أبو هلال العسكري إذن كان في عصره إماما في العلم والأدب، إماما وعى كثيرا من معارف سابقيه وأضاف إليها، وأثر بها فيمن جاء بعده. ولئن كانت أجيال كثيرة تتلمذت عليه في حياته، فإن أجيالا أكثر وأكثر ظلت على توالي العصور وإلى اليوم تتلمذ من بعده على آثاره العلمية التي تميزت بالأصالة.
ولكن لعل من العجيب المؤلم حقا أن مثله لم يكن بليغا في حياته الخاصة بمقدار ما كان بليغا في حياته العلمية. فهو على ما كان له من قدم راسخة في العلم وولاء له، واشتغال دائم به، قد قضى حياته مغمورا خامل الذكر مضيقا عليه في الرزق، يلتمسه من احتراف البزازة وبيع الثياب في الأسواق!.
مفارقة عجيبة إذن بين ما كان عليه من غنى علمي وفقر مادي، وقد دفعه تناقض الأحوال هذا إلى السخط، السخط على نفسه، وعلى الدنيا التي تختل فيها موازين العدل بين الناس. ومن ثم لا يجد أمامه ما يفزع إليه غير الشعر يبث إليه ذات نفسه، ويفضي إليه بهمومه، ويعبر فيه عن سخطه، فيقول:
إذا كان مالي من يلقط العجم (1)  وحالي فيكم حال من حاك أو حجم
فأين انتفاعي بالأصالة والحجى  وما ربحت كفي من العلم والحكم؟
ومن ذا الذي في الناس يبصر حالتي  ولا يلعن القرطاس والحبر والقلم؟
ويقول من قصيدة أخرى:
جلوسي في سوق أبيع وأشتري  دليل على أن الأنام قرود
ولا خير في قوم يذل كرامهم  ويعظم فيهم نذلهم ويسود
ويهجوهم عني رثاثة كسوتي  هجاء قبيحا ما عليه مزيد
على أن حياة أبي هلال لا تعنينا فيها نحن بسبيله هنا من تتبع تاريخ علم البديع، وإنما هي نبذة ترينا في هذه الدنيا حظوظ بعض من يوالون العلم وينقطعون له، ولا يسمحون لأنفسهم أن يتاجروا فيه، أو يقايضوا عليه بأي ثمن!
ولكنّ ما يعنينا هنا ونحن نتتبع تاريخ علم البديع وتطوره هو «كتاب الصناعتين- الكتابة والشعر» لأبي هلال العسكري، والذي جعله عشرة أبواب مشتملة على ثلاثة وخمسين فصلا في 462 صفحة.
وغايتنا من كتاب الصناعتين لا تنصب عليه كله، وإنما هي تنصب على الباب التاسع (2) منه، وهو الباب الذي عقده «لشرح البديع والإبانة عن وجوهه وحصر أبوابه وفنونه». وهذا الباب يشتمل على خمسة وثلاثين فصلا، تشغل من حيز الكتاب نحو ربعه.
__________
(1) العجم بالتحريك: النوى نوى التمر والنبق، يريد أن ماله يشبه مال من يلقط النوى للقوت. والغرض من التشبيه هنا بيان المقدار، أي للدلالة على مقدار ماله.
(2) انظر كتاب الصناعتين ص 266 - 430.

وقبل الشروع في الكلام على ما أورده أبو هلال العسكري في الباب التاسع من كتاب الصناعتين الذي عقده لشرح البديع والإبانة عن وجوهه، وحصر أبوابه وفنونه، نذكر استنادا على ما سبق شرحه أن أنواع البديع التي كانت معروفة في عصره وسبقه إليها غيره قد بلغت سبعة وعشرين نوعا.
والفضل في اختراع ما عرف من أنواع البديع إلى عصر أبي هلال يرجع إلى عبد الله بن المعتز وقدامة بن جعفر. فأما ابن المعتز مؤسس علم البديع فقد اهتدى إلى ثمانية عشر نوعا من البديع، وأما قدامة فقد اهتدى إلى تسعة أنواع فقط، وبذلك يكون الاثنان قد اهتديا معا إلى سبعة وعشرين نوعا من أنواع البديع، وهذا كل ما ورد إلى علمنا مما كان معروفا من فنون علم البديع إلى عصر أبي هلال العسكري الذي بلغ بها إلى سبعة وثلاثين نوعا.
ودراسة الباب التاسع من كتاب الصناعتين تظهرنا على أن أبا هلال قد أورد فيه من أنواع البديع خمسة وثلاثين نوعا.
عقد لكل نوع منها فصلا خاصا، كما أورد في الباب العاشر من كتابه نوعين آخرين هما حسن الابتداءات، والاشتقاق.
وبالنظر في أنواع البديع عند أبي هلال ومقارنتها بما جاء به كل من ابن المعتز وقدامة من أنواع البديع تتجلى الحقائق التالية:
1 - جارى أبو هلال ابن المعتز في اعتبار الاستعارة، والكناية، من أنواع البديع، مع أنهما في الواقع من فنون علم البيان.
2 - كذلك جارى ابن المعتز وقدامة معا في اعتبار «الاعتراض» نوعا بديعيا، كما اعتبر هو نفسه «التذييل» نوعا بديعيا آخر، مع أن
«الاعتراض» و «التذييل» أسلوبان من أساليب الإطناب الذي هو أحد أبواب علم المعاني.
3 - جارى ابن المعتز وقدامة في أربعة أنواع بديعية اتفقا فيها وهي:
الطباق، المبالغة، رد الاعجاز على الصدور، الالتفات.
4 - أخذ مما انفرد به ابن المعتز ستة أنواع هي: الجناس، الرجوع، تجاهل العارف، المذهب الكلامي، حسن الابتداءات، تأكيد المدح بما يشبه الذم، والذي سماه هو «الاستثناء».
5 - كذلك أخذ مما انفرد به قدامة تسعة أنواع هي: صحة المقابلة، صحة التقسيم، صحة التفسير، الإشارة، الإرداف، التمثيل، الغلو، الترصيع، الإيغال.
6 - اهتدى أبو هلال نفسه إلى ستة أنواع بديعية، وقد حدد هذه الأنواع التي اكتشفها وعرفنا بها في كتابه بقوله: «وزدت على ما أورده المتقدمون ستة أنواع: التشطير، والمحاورة، والتطريز، والمضاعف، والاستشهاد، والتلطف» (1).
__________
(1) كتاب الصناعتين ص 267.

7 - وأخيرا أورد أبو هلال ثمانية أنواع بديعية لم يرد لها ذكر عنده أو عند قدامة أو ابن المعتز، وهذه هي: التوشيح، والعكس والتبديل، والتكميل، والاستطراد، وجمع المؤتلف والمختلف، والسلب والإيجاب، والتعطف، والاشتقاق.
والاحتمال الوحيد بالنسبة لهذه الأنواع الثمانية أنها قد انتهت إلى علم أبي هلال مما أورده المتقدمون غير قدامة وابن المعتز. نقول ذلك لأنها لم ترد ضمن ما اهتدى إليه كلاهما من أنواع البديع. وليس من الجائز أن تكون من اختراع أبي هلال نفسه، إذ لو كان الأمر كذلك لذكرها مع الأنواع الستة التي نص في كتابه على أنها زيادة من عنده على ما أورده المتقدمون من أنواع البديع.
وتلخيصا لكل ما سبق من أنواع البديع نذكر أن ما وصل إلينا مما اكتشف منها إلى عصر أبي هلال العسكري قد بلغ واحدا وأربعين نوعا، منها: ثمانية عشر نوعا من اختراع ابن المعتز، وتسعة أنواع من اختراع قدامة، وستة أنواع زادها أبو هلال العسكري، وأخيرا ثمانية أنواع ذكرها أبو هلال، ولعله قد عثر عليها لدى بعض من سبقوه من علماء البيان باستثناء قدامة وابن المعتز.

ابن رشيق القيرواني:

وإذا ما انتقلنا إلى القرن الخامس الهجري فإننا نلتقي بأديب مغربي اهتم بالشعر وآدابه اهتماما كبيرا، وحظي البديع منه بنصيب ملحوظ من البحث والدراسة.
ذلك الأديب المغربي هو أبو علي الحسن بن رشيق الأزدي القيرواني أحد بلغاء القيروان وشعرائها، ولد بالمسيلة وقيل بالمحمدية سنة 390 للهجرة، وأبوه مملوك رومي من موالي الأزد، وكانت صنعة أبيه في بلده المحمدية الصياغة، فعلمه أبوه صنعته، وقرأ الأدب بالمحمدية، وقال الشعر، ثم تاقت نفسه إلى الاستزادة منه وملاقاة أهل الأدب فارتحل إلى مدينة القيروان سنة 406 للهجرة، واشتهر بها، ومدح صاحبها المعز بن باديس الصنهاجي، ولم يزل بها إلى أن هجم العرب عليها وقتلوا أهلها وخربوها، فانتقل إلى جزيرة صقلية وأقام فيها بقرية «مازر» إلى أن توفي سنة 464، وقيل سنة 456 من الهجرة.
ولابن رشيق مصنفات منها: رسالة قراضة الذهب، وكتاب في شذوذ اللغة يذكر فيه كل كلمة جاءت شاذة في بابها، وعدة رسائل، ثم كتاب «العمدة» في محاسن الشعر وآدابه، أو في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه.
والكتاب الذي يعنينا هنا من كتبه هو كتاب «العمدة» لأنه تعرض فيه بالذكر والشرح لطائفة كبيرة من فنون البديع يهمنا التعرف عليها.
ويحدثنا ابن رشيق في خطبة الكتاب عن سبب تأليفه ومضمونه فيقول: «قد وجدت الشعر أكبر علوم العرب، وأوفر حظوظ الأدب، ...
ووجدت الناس مختلفين فيه متخلفين عن كثير منه: يقدمون ويؤخرون ويقلون ويكثرون، قد بوّبوه أبوابا مبهمة، ولقبوه ألقابا متهمة (1)، وكل واحد منهم قد ضرب في جهة، وانتحل مذهبا هو فيه إمام نفسه، وشاهد دعواه، فجمعت أحسن ما قاله كل واحد منهم في كتابه، ليكون «العمدة في محاسن الشعر وآدابه»، إن شاء الله تعالى. وعولت في أكثره على قريحة نفسي، ونتيجة خاطري، خوف التكرار، ورجاء الاختصار: إلا ما تعلق بالخبر، وضبطته الرواية، فإنه لا سبيل إلى تغيير شيء من لفظه ولا معناه، ليؤتي بالأمر على وجهه، فكل ما لم أسنده إلى
رجل معروف باسمه، ولا أحلت فيه على كتاب بعينه، فهو من ذلك. وربما نحلته أحد العرب، وبعض أهل الأدب تسترا بينهم، ووقوعا دونهم، بعد أن قرنت كل شكل بشكله، ورددت كل فرع إلى أصله، وبيّنت للناشئ المبتدئ وجه الصواب فيه .... حتى أعرف باطله من حقه، وأميز كذبه من صدقه» (2).
__________
(1) متهمة بفتح الهاء: أي مشكوك فيها.
(2) كتاب العمدة ج 1 ص 4 - 5.

والآن ماذا عن فنون البديع في كتاب «العمدة» لابن رشيق، إن هذا الكتاب يتألف من جزءين يضمان نحو مائة باب حاول مصنفه أن يجمع فيها كل ما وقف عليه مما كتب عن صناعة الشعر ووسائله البيانية والبديعية، وعمله فيه، كما يفهم من الكلمة التي اقتبسناها من خطبة الكتاب، عمل جمع وتبويب لا عمل بحث ودرس، وإن كانت له من حين لآخر التفاتات وملاحظات دقيقة تنم عن سعة اطلاعه وبصره بالشعر.
ومما يلاحظ على الكتاب أن المؤلف أفرد أبوابا منه لمباحث البيان، وأخرى للمحسنات البديعية، وفي ذلك ما يوحي بأنه قد بدأ يستقر في أذهان النقاد ورجال البلاغة أن البيان شيء والبديع شيء آخر. والكتاب على الرغم من كل شيء قد وعى لنا مادة ضخمة من البلاغة والنقد معا.
ويستهل ابن رشيق كلامه عن البديع بباب يعرف فيه كلا من المخترع والبديع من الشعر، ويفرق بينهما، ثم ينتهي بذكر أول من قام بجمع البديع.
فالمخترع من الشعر عنده هو: ما لم يسبق إليه قائله، ولا عمل أحد من الشعراء قبله نظيره أو ما يقرب منه. ويقرر أن أول الناس اختراعا للشعر هو امرؤ القيس، وأن له في شعره اختراعات كثيرة أورد نماذج منها. ومن الشعراء المخترعين عنده أيضا طرفة بن العبد.
ثم يستطرد فيقول: «وما زالت الشعراء تخترع إلى عصرنا هذا وتولد، غير أن ذلك قليل في الوقت». ويدفعه ذكر التوليد إلى تعريفه فيقول: «والتوليد: أن يستخرج الشاعر معنى من معنى شاعر تقدمه، أو يزيد فيه زيادة، فلذلك يسمى التوليد، وليس باختراع لما فيه من الاقتداء بغيره، ولا يقال له أيضا «سرقة» إذا كان ليس آخذا على وجهه» (1).
__________
(1) كتاب العمدة ج 1 ص 232.

والفرق عنده بين الاختراع والإبداع- وإن كان معناهما في العربية واحدا- أن الاختراع: خلق المعاني التي لم يسبق إليها، والإتيان بما لم يكن منها قط، وأن الإبداع: إتيان الشاعر بالمعنى المستظرف، والذي لم تجر العادة بمثله، ثم لزمته هذه التسمية حتى قيل له بديع وإن كثر وتكرر، فصار الاختراع للمعنى، والإبداع للفظ. فإذا تم للشاعر أن يأتي بمعنى مخترع في لفظ بديع فقد استولى على الأمد، وحاز قصب السبق. بعد ذلك يوضح كلمتي «الاختراع» و «الإبداع» ثم ينتقل بالكلام إلى علم البديع فيذكر أنه ضروب كثيرة وأنواع مختلفة، وأنه سوف يذكر منه ما وسعته القدرة، وساعدت فيه الفكرة.
وعنده أن ابن المعتز هو أول من جمع البديع، وألف فيه كتابا، لم يعدّه إلا خمسة أبواب: الاستعارة أولها، ثم التجنيس، ثم المطابقة، ثم رد الإعجاز على الصدور، ثم المذهب الكلامي.
وقد عد ما سوى هذه الخمسة أنواع محاسن، وأباح أن يسميها من شاء ذلك بديعا، وخالفه من بعده في أشياء، يقع التنبيه عليها حيثما وقعت من كتابه العمدة (1).
__________
(1) كتاب العمدة ج 1 ص 232 - 236.

أما أنواع البديع التي أوردها ابن رشيق في كتابه «العمدة» فتبلغ تسعة وعشرين؛ منها عشرون نوعا سبقه إليها ابن المعتز وقدامة وأبو هلال العسكري، وهي: الاستعارة، الإشارة، التجنيس، التصدير أو رد الاعجاز إلى صدورها، المطابقة، المقابلة، التقسيم، الترصيع، التسهيم، التفسير، الاستطراد، الالتفات، الاستثناء وهو توكيد المدح بما يشبه الذم، التتميم، المبالغة، الغلو، الإيغال، المذهب الكلامي، التضمين، التمثيل.
أما الأنواع التسعة الباقية والتي لم يرد لها ذكر عند رجال البديع السابقين فهي: التورية، والترديد، والتفريع، والاستدعاء، والتكرار ونفي الشيء بإيجابه، والإطراد، والاشتراك، والتغاير.
وليس لنا بالنسبة لهذه الأنواع التسعة الجديدة إلا أحد احتمالين:
أحد هما أنه أخذها عن بعض المتقدمين في البديع غير ابن المعتز وقدامة وأبي هلال العسكري، وثانيهما أنه هو نفسه قد زادها على ما أورده المتقدمون، وإن لم يكن قد نص على ذلك كما فعل أبو هلال مثلا.
وتتميز دراسة ابن رشيق لما ذكره من فنون البديع بأنها أكثر تفصيلا، وإن كان قد سار فيها على منهاج أشبه بمنهاج أبي هلال فهو أولا يعرف الفن البديعي ثم يشفعه بالأمثلة والشواهد من منظوم الكلام ومنثوره، وقلما
عرض للشاهد بالتوضيح اعتمادا على فطنة القارئ.
وفي المصطلحات نلاحظ أنه إذا آثر مصطلحا بعينه لفن بديعي، فإنه يذكر اسمه الآخر عند هذا أو ذاك ممن سبقوه إلى البديع، ففي كلامه عن «الاستثناء» يقول: وابن المعتز يسميه توكيد المدح بما يشبه الذم، وفي كلامه عن «المطابقة» يقول: وسمى قدامة هذا النوع- الذي هو المطابقة عندنا- التكافؤ ... ولم يسمه التكافؤ أحد غيره وغير النحاس من جميع من علمته، وفي «الالتفات» يقول: وهو الاعتراض عند قوم، وسماه آخرون الاستدراك، حكاه قدامة ... وهكذا. وقد جرى مع سابقيه في اعتبار الاستعارة من البديع مع أنها من أصول علم البيان.

عبد القاهر الجرجاني:

وفي القرن الخامس الهجري نلتقي بأبي بكر عبد القاهر بن عبد الرحمن الجرجاني، الإمام النحوي وأحد علماء الكلام على مذهب الأشاعرة. ولد وعاش بجرجان ولم يفارقها حتى توفي سنة 471 من الهجرة.
وله مؤلفات قيمة في النحو والعروض وإعجاز القرآن، والتفسير، والبلاغة، ولكنه اشتهر أكثر ما اشتهر بكتابه «دلائل الإعجاز» الذي وضع فيه نظرية علم المعاني، وكتابه «أسرار البلاغة» الذي وضع فيه نظرية علم البيان.
وهو لهذا يعد بحق مؤسس البلاغة العربية، والمشيد لأركانها، والموضح لمشكلاتها، والذي على نهجه سار المؤلفون من بعده، وأتموا البنيان الذي وضع أسسه.
والمتصفح لكتابيه السابقين «الدلائل» و «الأسرار» يرى أنه لم يحاول فيهما وضع نظرية في علم البديع، كما فعل بالنسبة لعلمي المعاني والبديع، ولو أنه فعل لأعفى أصحاب البديع من توزع مباحثهم فيه توزعا حال بينها وبين أن تصير علما واضح المعالم والمباحث كالمعاني والبيان.
ومع ذلك فقد تكلم في «أسرار البلاغة» عن ألوان من البديع هي: الجناس، والسجع، وحسن التعليل، مع الإشارة أحيانا إلى الطباق والمبالغة.
وحديثه عن هذه المحسنات ليس لأغراض بديعية بمقدار ما هو لأغراض بيانية. وتفصيل ذلك أنه في «أسرار البلاغة» يحاول الكشف عن المعاني الإضافية التي تشتمل عليها الأساليب البيانية من تشبيه وتمثيل ومجاز واستعارة، ولهذا أجمل في مقدمة «الأسرار» النظرية التي توصل إليها في «دلائل الإعجاز» والتي تأبى أن يكون للألفاظ من حيث هي ألفاظ مزية ذاتية في الكلام، فالشأن دائما للتراكيب وصورة نظمها وتأليفها. ولكي يقيم على ذلك الدليل الذي لا يدحض عرض للجناس والسجع من فنون البديع، وراح يثبت أن الجمال فيهما لا يرجع إلى جمال الألفاظ من حيث هي، وإنما يرجع إلى ترتيب المعاني في الذهن ترتيبا يؤثر في النفس، ويضرب لذلك مثلا من أمثلة الجناس وهو قول أبي الفتح البستي:
ناظراه فيما جنى ناظراه  أو دعاني أمت بما أو دعاني
ويعلق عليه بقوله: «قد أعاد- الشاعر- عليك اللفظ، كأنه يخدعك عن الفائدة وقد أعطاها، ويوهمك كأنه لم يزدك، وقد أحسن الزيادة ووفّاها، فبهذه السريرة صار التجنيس، وخصوصا المستوفى منه المتفق في الصورة، من حلى الشعر، ومذكورا في أقسام البديع» (1).
__________
(1) أسرار البلاغة ص: 4 - 5.

فجمال الجناس عنده في مثل بيت أبي فتح البستي يرجع إلى المفاجأة، وأن الكلمة ترى كأنها لا تعطيك شيئا جديدا وهي في الحقيقة تعطي كثيرا، وبذلك يؤثر الجناس التام بما فيه من خداع وخفاء لا يلبث أن ينكشف، ومن ثم عد من حلى الشعر، وذكر في أقسام البديع. وكل هذا يرجع إلى المعنى النفسي لا إلى اللفظ، ويضرب مثالا للجناس الناقص قول أبي تمام:
يمدون من أيد عواص عواصم  تصول بأسياف قواض قواضب ويعقب عبد القاهر بأن تأثير الجناس ينبعث من المعنى النفسي أيضا، فإن السامع يتوهم قبل أن يرد عليه الحرف الأخير في كلمتي «عواصم، وقواضب» أن الكلمتين السابقتين لهما ستعودان ثانية، ومن هنا يأتي التأثير، يقول: «تعود إليك الكلمة مؤكدة حتى إذا تمكن في نفسك تمامها، ووعى سمعك آخرها، انصرفت عن ظنك الأول، وزلت عن الذي سبق من التخيل، وفي ذلك ما ذكرت لك من طلوع الفائدة بعد أن يخالطك اليأس منها، وحصول الربح بعد أن تغالط فيه حتى ترى أنه رأس المال» (1).
__________
(1) نفس المرجع ص: 13.

وعن السجع يورد عبد القاهر أمثلة للحسن منه قول القائل: اللهم هب لي حمدا، وهب لي مجدا، فلا مجد إلا بفعال، ولا فعال إلا بمال.
ومثل قول الفضل بن عيسى الرقاشي: سل الأرض، فقل: من شق أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك، فإن لم تجبك حوارا، أجابتك اعتبارا. ثم يذكر أنه ليس هنا لفظ اجتلب من أجل السجع، وترك له ما هو أحق بالمعنى منه.
وعلى ذلك فالجناس أو السجع عنده لا يكتسب صفة القبول أو الحسن حتى يكون المعنى هو الذي طلبه واستدعاه وساق نحوه، بحيث لا تبتغي به بدلا، ولا تجد عنه حولا، أي أن المعنى هو الذي يقود المتكلم نحو الجناس والسجع، لا أن يقود هو المعنى إليهما.
وفي معرض البحث في السرقات الشعرية تكلم عبد القاهر عن التعليلات الخيالية التي يسوقها الشعراء في أشعارهم والتي أطلق عليها البلاغيون اسم «حسن التعليل» كقول القائل:
لو لم تكن نية الجوزاء خدمته  لما رأيت عليها عقد منتطق وإجمال القول هنا أن عبد القاهر الذي وضع نظريتي علم المعاني وعلم البيان لم يتوسع في البديع توسعه في المعاني والبيان، وأن حديثه في «أسرار البلاغة» عن الجناس والسجع وحسن التعليل والطباق لم يكن مقصودا لذاته، وإنما جاء كلامه عنها في معرض الاستدلال على نظريته القائلة بأن الألفاظ ليست لها مزية ذاتية في الكلام من حيث هي ألفاظ، وإنما المزية تأتي دائما من قبل التراكيب وصورة نظمها وتأليفها. ذلك لأن الألفاظ لا تفيد حتى تؤلف ضربا خاصا من التأليف، ويعمد بها إلى وجه دون وجه من التركيب والترتيب.

الزمخشري:

وعلى الطريق نلتقي في القرن السادس الهجري بأحد علماء الاعتزال الكبار وأعني به جار الله محمود بن عمر الزمخشري المتوفى سنة 538 من الهجرة.
وللزمخشري مؤلفات قيّمة في النحو واللغة والأدب، ولكن أهم كتاب اشتهر به منذ عصره هو كتاب «الكشاف» الذي قدم فيه صورة رائعة لتفسير القرآن، وأشاد به حتى أهل السنّة على الرغم من نزعة صاحبه الاعتزالية.
وتفسير «الكشاف» هو في الواقع خير تطبيق على كل ما اهتدى إليه عبد القاهر الجرجاني من قواعد المعاني والبيان، فقد اتخذ الزمخشري من آي الذكر الحكيم أمثلة وشواهد يوضح بها كل ما استوعبه من قواعد عبد القاهر البلاغية، سواء ما اتصل منها بعلم المعاني أو علم البيان.
وإذا كان عبد القاهر هو مؤسس علم المعاني وعلم البيان، وهو من استنبط من جزئيات كل علم الكثير من قواعده، فإن الزمخشري هو من أكمل هذه القواعد بالإضافات الجديدة التي وفق إليها وجاءت مفرقة في تضاعيف تفسيره «الكشاف».
وهكذا استطاع الرجلان أن يضعا ويكملا قواعد علم المعاني وعلم البيان، ولم يتركا لمن بعدهما إلا فضل استقصاء هذه القواعد عندهما وتنظيمها في كتاب يجمع متفرقها ويضم منثورها.
ومما تجدر الإشارة إليه هنا، ونحن نتتبع تطور علم البديع، أن المتكلمين منذ القرن الخامس من الباقلاني إلى عبد القاهر ممن عنوا بإعجاز القرآن قد نحوا البديع عن مباحث أسرار البلاغة في القرآن الكريم، لأنه في رأيهم لا يدخل في بحث الإعجاز القرآني، نظرا لأن كثيرا من فنونه مستحدث، وما ورد منه في القرآن إنما جاء دون قصد وتكلف.
على هذا الأساس رأينا فيما سبق كيف أن عبد القاهر وهو يعنّي نفسه بالكشف عن نظريتي علم المعاني وعلم البيان في كتابه «دلائل الإعجاز» لم يعن أو يهتم بالبديع وفنونه.
حقا لقد عرض في «أسرار البلاغة» للجناس والسجع وحسن التعليل والطباق، ولكن حديثه عنها قد جاء في معرض الاستدلال بها على نظريته في نظم الكلام.
وعلى غرار عبد القاهر نرى الزمخشري لا يعني في تفسيره «الكشاف» بما جاء في آيات القرآن من بديع إلا عرضا، لأنه لم يكن يعد البديع علما مستقلا من علوم البلاغة، وإنما يعده ذيلا لها.
وقد كانت نظرته هذه إلى البديع سببا في أن لا يقف طويلا أمام ما ورد في القرآن من فنون بديعية. ومن ثم فالزمخشري في ميدان البلاغة رجل بيان لا بديع.
ومع ذلك فقد استدعاه تفسيره البياني في «الكشاف» أن يشير إشارة خفيفة إلى ما ورد في بعض آي الذكر الحكيم من فنون البديع من مثل:
الطباق، والمشاكلة، واللف والنشر، والالتفات، وتأكيد المدح بما يشبه الذم، ومراعاة النظير والتناسب، والتقسيم، والاستطراد، والتجريد.
تلك كانت مساهمة الزمخشري في علم البديع، وهي مساهمة لم يكن
القصد منها خدمة مباحث هذا العلم بمقدار ما كان القصد منها بيان أثرها في بلاغة القرآن وإعجازه.
...

ونلتقي في القرن السادس أيضا باثنين من رجال البديع هما:
الوطواط، وأسامة بن منقذ.
أما الوطواط فهو رشيد الدين العمري المتوفى سنة 573 للهجرة، وقد ألّف في البلاغة الفارسية كتابا سماه «حدائق السحر في دقائق الشعر» (1) والكتاب محاولة دقيقة لتطبيق فنون البديع العربي على الأدب الفارسي. وقد استعان الوطواط على توضيح هذه الفنون بأمثلة وشواهد من الشعر والنثر في الأدبين العربي والفارسي، وكذلك بشواهد من أشعاره بالعربية.
__________
(1) ترجمه إلى العربية الدكتور إبراهيم الشواربي.

أسامة بن منقذ:

أما رجل البديع الثاني فهو أبو المظفر أسامة بن مرشد بن منقذ المتوفى سنة 584 من الهجرة. وبنو منقذ كانوا أصحاب حصن أو قلعة قريبة من حماه تدعى «شيزر»، وظلوا يقيمون بهذه القلعة ممتنعين بمناعتها حتى أصابها الزلزال في منتصف القرن السادس وأتى عليها هدما وتخريبا، ثم استولى عليها نور الدين محمود بن زنكي وأعاد بناءها وتحكم في بني منقذ فغادروها وتفرقوا في مناح مختلفة.
وأسامة من أكابر بني منقذ وعلمائهم وشجعانهم، وله تصانيف عديدة في فنون الأدب، منها: كتاب القضاء، وكتاب الشيب والشباب، وكتاب ذيل يتيمة الدهر للثعالبي، وكتاب تاريخ أيامه، وكتاب في أخبار أهله، وكتاب البديع في نقد الشعر.
وفي بني منقذ جماعة من الشعراء كان أسامة أشعرهم واشهرهم، ومن شعره:
قالوا نهته الأربعون عن الصبا  وأخو المشيب يجور ثمت يهتدي
كم جار في ليل الشباب فدلّه  صبح المشيب على الطريق الأقصد
وإذا عددت سنيّ ثم نقصتها  ز من الهموم فتلك ساعة مولدي
ومن شعره في الشيخوخة:
لا تحسدنّ على البقاء معمّرا  فالموت أيسر ما يئول إليه
وإذا دعوت بطول عمر لامرئ  فاعلم بأنك قد دعوت عليه (1)
وقد ذكرنا من مصنفات أسامة بن منقذ «كتاب البديع في نقد الشعر» (2). وهو يشتمل على خمسة وتسعين بابا ذكر فيه كثيرا من المحسنات البديعية.
...
__________
(1) انظر ترجمة أسامة بن منقذ في معجم الأدباء لياقوت ج: 5 ص: 188.
(2) حقق هذا الكتاب الدكتور أحمد أحمد بدوي وحامد عبد المجيد.


الكتاب: علم البديع
المؤلف: عبد العزيز عتيق (المتوفى: 1396 هـ)
الناشر: دار النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان
المصدر : المكتبة الشاملة


The translation below might be a lot of mistakes, so don't make this translation a reference, take a reference from the Arabic text above ! Thank You
Creation and evolution of innovation
Al-Budaiya, as Khatib al-Qazwini says in his book «Summary» is «a science known by the object of improving speech after the care of conformity and clarity of significance». Ibn Khaldun defines it as "looking at decorating speech and improving it with a kind of abstraction: either by a spur or by a naturalization similar to its words, or by an inlay that cuts off its ears, or a metaphor for the meaning meant by meaning meaning hidden from it, So »(1).
Before the exposure of the scholars of this science to explain and complete it is worth to be dated to follow up its development and development, because this would give a clear picture of the dimensions of this science, and to help to understand the study and taste. Whatever the opinions of writers and critics differ in the usefulness of this science and its value, its study is necessary for the students of Arabic rhetoric and critics of Arab literature as long as the phenomena of deception come to pardon or costing the tongues of poets and writers as a component of the art of saying.
__________
(1) Introduction Ibn Khaldun p. 1066.
Critics ignore this aspect of the primitive when it criticizes the text of poetry or prose and judging it as a side that does not provide much delay in judging the quality of expression and good performance of the meaning of all shades.
But studying the origins of this science and the patience in understanding and tasting it is worth persuading the student that the exclusion of the primal aspect when judging a literary work is unfair and underestimated.
Indeed, poets and writers in late ages have been extremely arrogant in using the virtuous virtues, either admiring them or concealing their poverty in meanings, thereby reducing their literary production. In my opinion this is the reason for the rejection of this science by some contemporary scholars and critics. Even if they knew that the defect is not the same, but is in the misunderstanding and use to reduce their reluctance and give him the right to care and study, and returned to him as an important rhetorical element in the evaluation of literary works and judgment.
As Abu Hilal al-Askari says: "This kind of speech, if it is accepted from the cost and acquitted of defects, is very good and ends with quality" (1).
After that, the Arabs knew in their poetry all the technical characteristics and graphic methods that give him beauty and creativity. The poet of them instinctively and unknowingly of the types of these graphical methods and rhetorical terminology used automatically whenever he dared himself and wanted to express it eloquently.
__________
(1) The Book of Industries.
Some of the Jahiliyans have guided the value of some of these methods and their impact on the appreciation of poetry and its eloquence, and these methods have nothing to do with this or that.

We may recall what was going on in the markets of the Arabs and their clubs of literary dialogue, as we recall how the poets come to Zuhair bin Abi Salma in the market Okaz and singing in front of them to judge them, including their boastful of their methods of metaphor and metaphor of all kinds, and how Zuhair spend one or the other on Other poets because it scribbled metaphor, metaphor or metaphor.
The ignorant, therefore, were inherently poetic in nature, preferring some rhetorical methods and using them in their poetry without knowledge of their terms, just as they were about silica, used in their active words, raised before the appearance of the sculptor and set the rules of the actor and effect.
The Arab scholars after Islam took care of the very interest in the science of rhetoric to use it in the first place to learn the secrets of miracles in the Holy Book of God.
In this, Abu Hilal al-Askari says (1): "I know that God taught you good, and guided him and sent him to you and made you from his family, that the best science is to learn and to preach it with discretion. After knowledge of God, He is the one who speaks the truth, the one who is guided to the path of majority, which is indicative of the truthfulness of the message and the validity of the prophecy, which raised the flags of truth, and established the religion of religion, and removed the infidelity with its proofs. We have learned that if a person neglects the science of rhetoric, and is confused by the knowledge of eloquence, his knowledge of the miracles of the Qur'an has not been known in terms of what God has singled out for him from the good authorship and the ingenuity of the structure. The ease of speech and its beauty, and its solubility and smoothness, to the other beauties that the inability of creation, and the minds of their minds.
But rather knows its miraculousness on the one hand, the inability of the Arabs on it, and their failure to attain its goal in its goodness, its proficiency, its sultas and its propensity, and the perfection of its meanings and the purity of its words.
__________
(1) the book of the industries pp. 1 - 3.

Related Post:




0 Response to "أوليات البديع, أوليات البديع, نشأة البديع وتطوره, ابن المعتز قدامة بن جعفر أبو هلال العسكري وابن رشيق القيرواني وعبد القاهر الجرجاني و الزمخشري و أسامة بن منقذ"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel