بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد ، لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين

انواع الاستثناء واحكامه وانواع ادواته و المُستثنى قسمانِ مُتَّصلٌ ومنقطعٌ، حُكْمُ المُسْتَثْنَى بِإلاَّ المُتَّصِلِ، حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ، "إلاَّ" بِمَعْنى "غَيْر"، حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى، حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا ، حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون، شِبْهُ الاستِثناء

انواع الاستثناء واحكامه وانواع ادواته و  المُستثنى قسمانِ مُتَّصلٌ ومنقطعٌ، حُكْمُ المُسْتَثْنَى بِإلاَّ المُتَّصِلِ، حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ، "إلاَّ" بِمَعْنى "غَيْر"، حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى، حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا ، حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون، شِبْهُ الاستِثناء

الاستثناء

الاستثناءُ هو إخراجُ ما بعدَ "إلاّ" أو إحدَى أخواتها من أدوات الاستثناءِ، من حكم ما قبلَهُ، نحو "جاءَ التلاميذُ إلاّ عليّاً".
والمُخرَجُ يُسمّى "مستثنى"، والمُخرَجُ منه "مُستثنى منه".
وللاسثناءِ ثماني أَدواتٍ، وهي "إلاّ وغيرٌ وسِوًى (بكسر السين. ويقال فيها أيضاً سُوًى - بضم السين - وسَواءٌ - بفتحها) وخَلا وعَدا وحاشا وليسَ ولا يكونُ".
وفي هذا المبحث ثمانية مباحث
1-مَباحِثُ عامَّةٌ

1- المُستثنى قسمانِ مُتَّصلٌ ومنقطعٌ.

فالمُتّصلُ ما كان من جنس المُستثنى منه، نحو "جاءَ المسافرون إلا سعيداً".
والمُنقطعُ ما ليسَ من جنس ما استثنيَ منه، نحو "احترقت الدارُ إلاّ الكتُبَ". 2- الاستثناء استفعالٌ من "ثنَاهُ عن الأمر يثنيهِ" إذا صَرَفهُ عنه ولواه. فالاستثناءُ صرفُ لفظِ المُستثنى منه عن عمومه، بإخراج المستثنى من أن يتناولهُ ما حُكِمَ به على المستثنى منه. فإذا قلتَ "جاءَ القومُ، ظُنَّ أنَّ خالداً داخلٌ معهم في حكم المجيءِ أيضاً، فإذا استثنيتَهُ منهم، فقد صرفتَ لفظَ "القوم" عن عُمومه باستثناءِ أحدِ أفرادهِ - وهو خالدٌ - من حكم المجيءِ المحكومِ به على القوم. لذلك كان الاستثناءُ تخصيصَ صفةٍ عامّةٍ بذكر ما يَدُلُّ على تخصيص عمومها وشُمولها بواسطة أداةِ من أدوات الاستثناء.

فإذا علمتَ هذا، علمتَ أَن الاستثناء من الجنس، هو الاستثناءُ الحقيقيُّ، لأنه يُفيدُ التخصيص بَعدَ التّعميم، ويُزيلُ ما يُظَنُّ من عُموم الحكم. وأَما الاستثناءُ من غير الجنس فهو استثناءٌ لا معنى له إلاّ الاستدراكُ، فهو لا يُفيدُ تخصيصاً، لأن الشيءَ إنما يُخصّصُ جنسَهُ. فإذا قلتَ "جاءَ المسافرون إلا أَمتعتَهُم"، فلفظ "المسافرين" لا يتناول الأمتعةَ، ولا يدلُّ عليها. وما لا يَتناولهُ اللفظُ فلا يحتاجُ إلى ما يخرجُهُ منهُ. لكنْ إنما استثنيتَ هُنا استدراكاً كيلا يُتَوهم أن أَمتعتَهُم جاءَت مَعهم أَيضاً، عادةَ المسافرين.
فالاستثناءُ المتَّصلُ يُفيدُ التَّخصيصَ بعدَ التعميم، لأنهُ استثناءٌ من الجنس. والاستثناءُ المُنقطعُ يُفيدُ الاستدراكَ لا التّخصيصَ، لأنه استثناءٌ من غير الجنس.
3- لا يستثنى إلاّ من معرفةٍ أو نكرةٍ مُفيدةٍ، فلا يقالُ "جاءَ قومٌ إلا رجلاً منهم"، ولا "جاءَ رجالٌ إلا خالداً". فإن أفادت النكرةُ جاز الاستثناء منها، نحو "جاءَني رجالٌ كانوا عندكَ إلاّ رجلاً منهم" ونحو "ما جاءَ أحدٌ إلا سعيداً"، قال تعالى {فَلَبِثَ في قومهِ أَلفَ سنةٍ إلا خمسينَ عاماً} [العنكبوت: 14] .
وتكونُ النكرةُ مفيدة إذا أُضيفتْ، أو وصِفت، أو وقعت في سياقِ النفي أو النَّهي أو الاستفهام.
وكذا لا يُستثنى من المعرفة نكرةٌ لم تخصَّص، فلا يقالُ "جاء القومُ إلاّ رجلاً". فإن تُخصّصَت جاز، نحو "جاء القومُ إلاّ رجلاً منهم، أو إلاَّ رجلاً مريضاً، أو إلاّ رجلَ سُوءٍ".
4 - الناصب للمستثنى بإلا هو "إلا" نفسها على المعتمد، وقيل: هو ما تقدمها من فعلٍ أو شبهه
5- يصح استثناءُ قليلٍ من كثير. وكثيرٍ من أكثرَ منه. وقد يُستثنى من الشيء نصفُهُ، تقول "لهُ عليَّ عشرةٌ إلا خمسةً"، قال تعالى {يا أَيُّها المُزَّمِّلُ، قُمِ الليلَ إلاّ قليلاً، نِصفَه، أَو انقُصْ منهُ قليلاً، أو زِدْ عليه} . فقد سمّى النصفَ قليلاً واستثناهُ من الأصل. وقال قومٌ لا يستثنى من الشيءِ إلا ما كان دونَ نصفهِ. وهو مردودٌ بهذه الآية.
6- استثناءُ الشيء من غيرِ جنسهِ لا معنى له. وما ورد من ذلك فليست فيه "إلاّ" للاستثناء على سبيل الأصل. وإنما هي بمعنى "لكنْ"، وهو ما يُسمونهُ "الاستثناء المُنقَطِع". ومعّ ذلك فلا بدّ من الارتباط بين المستثنى منه والمستثنى، كما ستعلم ذلك ... ومن ذلك قوله تعالى {ما أنزَلنا عليك القرآنَ لِتشقى، إلا تَذكرَةً لِمن يخشى} ، أي لكن أنزلناهُ تذكرةً، وقولُهُ {فذَكّر، إنما أنتَ مُذكّرٌ، لستَ عليهم بِمُسَيطرٍ، إلاّ مَنْ تَوَلى وكفرَ فَيُعذبُهُ اللهُ العذابَ الأكبرَ"، أي لكنْ مَنْ تَوّلى وكفرَ.

2-حُكْمُ المُسْتَثْنَى بِإلاَّ المُتَّصِلِ

إن كان المستثنى بإلاّ مُتَّصلاً، فلهُ ثلاثُ أحوال وجوبَ النصبِ بإلاّ وجوازُ النّصبِ والبدليّةِ، ووجوبُ أن يكونَ على حسبِ العواملِ قبلَه.
متى يجب نصب المستثنى بإلا؟
يجبُ نصبُ المستثنى بإلاّ في حالتين
1- أن يقعَ في كلامٍ تام موجَب، سواءٌ أتأخرَ عن المستثنى منهُ أم تقدَّمَ عليه. فالأولُ نحو "ينجحُ التلاميذُ إلا الكسولَ"، والثاني نحو "ينجحُ إلاّ الكسولَ التلاميذُ".
والمُرادُ بالكلامِ التام أن يكونَ المُستثنى منه مذكوراً في الكلام، وبالمُوجَب أن يكونَ الكلامُ مُثَبتاً، غيرَ منفي. وفي حكم النَّفي النَّهيُ والاستفهامُ الإنكاري. ولا فرقَ بينَ أن يكون النفيُ معنًى أو بالأداةِ، كما ستعلم.
2- أن يقعَ في كلامٍ تام منفي، أو شِبهِ منفي، ويتقدَّمَ على المستثنى منه، نحو "ما جاء إلا سليماً أحدٌ" ومنه قولُ الشاعر [من الطويل]
ومَا لِيَ إِلاَّ آلَ أَحمدَ شِيعَةٌ ...وما لِيَ إِلاَّ مَذْهَبَ الحَقِّ مَذْهَبُ
فإن تقدَّمَ المستثنى على صفة المُستثنى منه، جاز نصبُ المستثنى بإلا، وجاز جعلهُ بدلاً من المستثنى منه، نحو "ما في المدرسة أحد إلا أخاك، أو إلاّ أخوكَ، كَسوٌ".
متى يجوز في المستثنى بالاّ الوجهان
يجوز في المستثنى بإلاّ الوجهان - جَعلُهُ بَدَلاً من المستثنى منه. ونصبُهُ بالاّ - إن وقعَ بعدَ المستثنى منه في كلامٍ تام منفيٍّ أو شِبهِ منفيّ، نحو "ما جاءَ القومُ إلاّ علي، وإلا علياً". وتقولُ في شِبه النفي "لا يَقمْ أحدٌ إلاّ سعيدٌ، وإلا سعيداً. وهل فعلَ هذا أحدٌ إلا أنت، وإلا إياك! " والاتباع على البدليّة أولى. والنصبُ عربي جَيِّدٌ. ومنه قوله تعالى {ولا يَلتفتْ منكم أحدٌ إلا امرأتَكَ} . "وقُرئَ إلا امرأتُكَ"، بالرفع على البدلية.
ومن أمثلة البدليّةِ، والكلامُ منفيٌّ، قولُهُ تعالى {ما فعلوهُ إلاَّ قليلٌ منهم} ، وقرئَ "إلاّ قليلاً" بالنصب بالاّ، وقولُهُ {لا إله إلاّ اللهُ} ، وقوله {وما من إله إلاّ إلهٌ واحدٌ} [المائدة: 73] ، وقوله {وما من إلهٍ إلاّ اللهُ} [آل عمران: 62] .
ومن أمثلتها، والكلامُ شِبهُ منفي، لأنهُ استفهامٌ إنكاري، قولهُ تعالى {ومَن يغفرُ الذُّنوبَ إِلاّ اللهُ!} ، وقولهُ {ومَن يقنَطُ من رحمةِ ربهِ إلاّ الضّالون؟!} .
وقد يكونُ النفيُ معنوياً، لا بالأداةِ، فيجوزُ فيما بعدَ "إلاّ" الوجهان أيضاً - البدليّةُ والنصبُ بإلاّ، والبدليّة أولى - نحو "تَبدَّلت أخلاقُ القوم إلاّ خالدٌ، وإلاّ خالداً"، لأن المعنى لم تَبقَ أخلاقُهم على ما كانت عليه، ومنه قول الشاعر [من البسيط]
وبَالصَّرِيمَةِ مِنْهُمْ مَنْزِلٌ خَلَقٌ ... عافٍ، تَغَيَّرَ، إلاَّ النُّؤْيُ وَالْوَتِدُ
فمعنى تغيّرَ لم يبقَ على حاله.
(وانما جاز الوجهان في مثل ما تقدم، لأنك ان راعيت جانب اللفظ نصبت ما بعد (الا) ، لأن الجملة قد استقوفت جزءيها - المسند والمسند اليه - فيكون ما بعد (الا) فضلة، والفضلة منصوبة, وان راعيت جانب المعنى رفعت ما بعدها، لأن المسند إليه في الحقيقة هو ما بعد (الا) . لذلك يصح تفريغ
العامل الذي قبلها له وتسليطه عليه. فان قلت "ما جاء القوم إلا خالد. أو خالداً"، صحّ أن تقول "ما جاء إلا خالد"، فنصبه باعتبار أنه عمدة في المعنى، فهو بدل مما قبله، والمبدل منه في حكم المطروح. ألا ترى أنك ان قلت "أكرمت خالداً أباك"، صحّ أن تقول "أَكرمت أَباك") .

ثلاث فوائد

1- يجوزُ، في نحو "ما أَحدٌ يقولُ ذلك إلاّ خالدٌ"، رَفعُ ما بعد "إلاَّ" على البدليّةِ من أحدٌ (وهو الأولى) ، أو على البدليّة من ضمير "يقولُ". ويجوزُ نصبُهُ على الاستثناء. ويجوز في نحو "ما رأيتُ أحداً يقولُ ذلك إلاّ خالداً، نصبُ ما بعد "إلا" على البدليّة من "أحداً" (وهو الأوْلى) ، ونصبُهُ "بإلا" ويجوز رفعه على أنه بدلٌ من ضمير "يقولُ" ومن مجيئهِ مرفوعاً على البدليّة من ضمير الفعلِ المستتر قولُ الشاعر [من المنسرح]
في لَيْلَةٍ لا نَرَى بِها أَحَداً ...يَحْكِي عَلَيْنا إِلاَّ كَواكِبُها
2- تقولُ "ما جاءَني من أحدٍ إلا خالداً، أو إلا خالدٌ". فالنصب على الاستثناء، والرفعُ على البدليّة من محل "أحد"، لأن محله الرفع على الفاعليّة، ومن حرف جر زائد. ولا يجوزُ فيه الجرُّ على البدليّة من لفظ المجرور.

(لأن البدل على نية تكرار العامل. وهنا لا يجوز أن تكرره، فلا يجوز أن تقول "ما جاءني من أحد إلا من خالد". وذلك لأن "من" زائدة لتأكيد النفي، وما بعد "إلا" مثبت، لأنه مستثنى من منفي، فلا تدخل عليه "من" هذه. لكن إن قلت "ما أخذت الكتاب من أحد إلا خالد" جاز الجر على
البدلية من اللفظ، لأن "من" هنا ليست زائدة. فلو كررت العامل، فقلت "ما أخذت الكتاب من أحد إلا من خالد"، لجاز) .
وكذلك تقولُ "ليس فلانٌ بشيءٍ إلا شيئاً لا يُعبَأُ به"، بالنصب فقط، إما على الاستثناءِ، وإما على البدليّة من موضع "شيءٍ" المجرور بحرف الجرّ الزائد، لأنَّ موضعَهُ النصب على أنهُ خبرُ "ليسَ". ولا تجوز البدليّة بالجر.
(لأن الباء هنا زائدة لتأكيد النفي، وما بعد "إلا" مثبت، فلو كررت الباء مع البدل، فقلت "ليس فلان بشيء إلا بشيء لا يعبأ به"، لم يجز) .
من ذلك قول الشاعر [من الكامل]
أَبَنِي لُبَيْنَى، لَسْتُمُ بِيَدٍ ...إِلاَّ يَداً لَيْسَتْ لَها عَضُدُ
(لكن، إن قلت "ما مررت بأحد إلا خالد"، جاز الجرّ على البداية من اللفظ، لأن الباء هنا أصلية، فان قلت "ما مررت بأحد إلا بخالد"، بتكريرها، جاز) .
3- علمتَ أنهُ إذا تقدَّمَ المستثنى على المستثنى منه - في الكلام التامّ المنفيّ - فليس فيه إلا النصبُ على الاستثناء، نحو "ما جاءَ إلا خالداً أحدٌ"، غير أنَّ الكوفيينَ والبّغداديين يجيزونَ جَعلَهُ معمولاً للعامل السابق، وجعلَ المستثنى منه المتأخر تابعاً له في إعرابه، على أنهُ بدلٌ منه، فيجوّزون أن يقال "ما جاءَ إلا خالدٌ أحدٌ"، فخالدٌ فاعلٌ لجاءَ، وأحدٌ بدلٌ من خالدٌ. ومن ذلك ما حكاهُ سيبويهِ عن يُونسَ أنه سمع قوماً يُوثَقُ بِعربيَّتهم، يقولون "ما لي إلا أبوك ناصرٌ"، وعليه قولُ الشاعر [من الطويل]
لأَنَّهُمُ يَرْجُونَ مِنْكَ شَفاعَةً ...إِذا لم يَكنْ إِلاَّ النَّبِيُّونَ شافعُ
وهذا من البدل المقلوب.

(لأنك ترى أن التابع هنا - وهو البدل ناصر وشافع - قد كان متبوعاً - أي مبدَلاً منه -، وأنّ المتبوع - وهو المبدل منه أبوك والنبيون - قد كان تابعاً - أي بدلاً - لأنّ الأصل "مالي ناصر إلا أبوك، وإذا لم يكن شافع إلا النبيون".
ونظيره في القلب - اي جعلِ التابع متبوعاً والمتبوع تابعاً - قولك، "ما مررت بمثلك أحد" "فأحد بدل من مثلك مجرور مثله. وقد كان "مثلك" صفة له مؤخرة عنه، لأن الأصل "ما مررت بأحد مثلك") .
متى يجب أن يكون المستثنى بالا على حسب العوامل.
يجبُ أن يكون المستثنى بإلا على حسب ما يطلبُهُ العاملُ قبلَهُ، متى حُذِفَ المستثنى منه من الكلام، فيتفرَّعُ ما قبلَ "إلا" للعملِ فيما بعدَها، كما لو كانت "إلا" غيرَ موجودةٍ. ويجبُ حينئذٍ أن يكون الكلامُ منفيّاً أو شِبهَ منفيٍّ، نحو "ما جاءَ إلا عليٌّ، ما رأيتُ إلا عليّاً، ما مررتُ إلا بعليّ" ومنه في النهي قوله تعالى {ولا تَقولوا على الله إلا الحقّ} ، وقولهُ "ولا تُجادلوا أهلَ الكتابِ إلا بالتي هيَ أحسن". ومنه في الاستفهامِ قولُه سبحانهُ "فَهَلْ يَهلِكُ إلا القومُ الفاسقون".
وقد يكونُ النفيُ معنويّاً، كقولهِ تعالى {ويأبى الله إلا أن يُتِمَّ نورَهُ} ، لأنَّ معنى يأبى لا يريدُ.

فائدة

إذا تَكرَّرت "إلا" للتّوكيد - بحيث يصحُّ حذفُها، وذلك إذا تَلَتْ واوَ العطف، أو تلاها بَدَل ممّا قبلَها - كانت زائدةً لتوكيد الاستثناء، غيرَ مُؤثرة فيما بعدَها، فالأولُ نحو "ما جاءَ إلا زهيرٌ وإلا أُسامةُ"، والثاني، نحو "ما جاءَ إلا أبوكَ إلا خالدٌ". وقد اجتمع البدل والعطف في قوله [من الرجز]
مَالَكَ مِنْ شَيْخِكَ إِلاَّ عَمَلُهُ ... إلاَّ رَسِيمُهُ، وَإِلاَّ رَمَلُهُ
وإن تكرَّرت لغير التوكيد - بحيثُ لا يصحُّ حذفُها - فالكلام على ثلاثةِ أَوجُهٍ

1- أن يحذَف المستثنى منه، فتَجعل واحداً من المستثنَيات معمولاً للعامل وتَنصب ما عداه. تقولُ "ما جاءَ، إلا سعيدٌ، إلا خالداً، إلا إبراهيم". والأوْلى تسليطُ العامل على الأول ونصبُ ما عداهُ، كما ترَى. ولك أن تَنصبَ الأولَ وترفعَ واحداً مما بعدَهُ.
2- أن يُذكرَ المستثنى منهُ، والكلامُ مثبتٌ، فتنصبُ الجمع على الاستثناء نحو "جاء القومُ إلا سعيداً، إلا خالداً، إلا إبراهيم".
3- أن يُذكر المستثنى منه، والكلامُ منفي، فان تقدمت المستثنيات،
وجب نصبُها كلُّها، نحو "ما جاءَ إلا خالداً، إلا سعيداً، إلا ابراهيمَ أحدٌ".
وإن تأخرت، أبدلتَ واحداً من المستثنى منه، ونصبتَ الباقي على الاستثناء. والأوْلى إبدالُ الأولِ ونصبُ الباقي، نحو "ما جاءَ القومُ إلا خالداً، إلا إبراهيمَ".

3-حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ

إن كان المُستثنى بإلا منقطعاً، فليس فيه إلا النصبُ بالا، سواءٌ أتقدَّمَ على المستثنى منه أم تأخر عنه، وسواءٌ أكان الكلام مُوجَباً أم منفياً، نحو "جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتَهم. جاءَ إلا أمتعتَهمُ المسافرون. ما جاءَ المسافرون إلا أمتعتَهم".
ومن الاستثناء المُنقطع قولهُ تعالى {ما لهم به من علمٍ، إلا اتباعَ الظنّ} ، وقوله {وما لأحدٍ عندَهُ من نِعمةٍ تُجزى، إلا ابتغاءَ وجهِ ربهِ الأعلى} .
ولا تجوز البدليّةُ في الكلام المنفيّ، هنا، كما جازت في المستثنى المُتَّصل، إذ لا معنى لإبدال الشيءِ من غير جنسه.
وبَنو تميمٍ يُجيزون البدليّة فيه، إن صحَّ تَفرُّغ العاملِ قبلَه له وتَسلُّطهُ عليه. فيجيزون أن يقالَ "ما جاءَ المسافرونَ إلا أمتعتُهم"، لأنك لو قلتَ "ما جاءَ إلا أمتعةُ المسافرين"، لَصَحَّ. وعليه قولُ الشاعر [من الرجز]
وبَلْدةٍ لَيْسَ بِها أَنيسُ ...إِلاَّ الْيَعافِيرُ، وإِلاَّ العِيسُ
وقول الآخر [من الطويل]
عَشِيَّةَ لا تُغْنِي الرِّياحُ مَكانَها ... ولا النَّبْلُ، إِلاَّ المَشْرِفيُّ المُصَمِّمُ
وقول غيره [من الطويل]
وَبِنتَ كِرامٍ قد نَكحْنا، ولم يَكُنْ ... لَنا خاطِبٌ إلا السِّنانُ وعامِلُهُ

فائدة

اعلم أنه لا يكون الاستثناء المنقطع إلا إذا كان للمستثنى علاقة بالمستثنى منه، فيتوهم بذكر المستثنى منه دخولُ المستثنى معه في الحكم، فتقول "جاء السادة إلا خدمهم"، إذا كان من العادة أنهم يجيئون معهم، فان لم يكن ن العادة ذلك فلا معنى لهذا الاستثناء. وتقول "رجع المسافرون إلا أثقالهم. أو إلا دوايهم"، لأنّ الإخبار برجوعهم يتوهم منه رجوعُ أثقالهم أو دوابهم معهم. وقد تكون العلاقة بينهما، لكنه لا يُتوهم دخولُ المستثنى في حكم المستثنى منه، وإنما يذكر لتمكين المعنى في نفس السامع والتهويل به، كأن تقول "لا يخطب في الحرب خطيبٌ إلا ألسنَ النيران". وقد صح الاستقناء مع عدم التوقهم لمكان المناسبة بين صوت النار وصوت الخطيب المتأجج حماسة، وللتهويل بشدة الحال. وكذا إن قلت "سلكتُ فلاةً ليس فيها أنيس إلا الذئاب، أو إلا وحوشها". فلمناسبة التضاد بين الأنيس والذئاب، ولتمثيل هول الموقف. لهذا لم يتعدَّ الصواب من أجاز من العرب البدلية في الكلام التام المنفي، من هذا الاستثناء، لأنه في حكم المتصل معنى، ألا ترى أنك إن حذفت المستثنى منه وسلطت العامل فيه على المستثنى صح اللفظ والمعنى, فتقول "لا يتكلم في الحرب إلا ألسنُ النيران"، وتقول "مررت بفلاة ليس فيها إلا الذئاب"، من غير أن ينقص من المعنى شيءٌ إلا ما كنت تريده من إعظام الأمر وتهويله. ويجري هذا المجرى الأبيات الثلاثة التي مرت بك آنفاً. هذا هو الحق فاعتصم به.

وبما قدمنا تعلم أنَّ في إطلاق النحاة الكلام، في الاستثناء المنقطع، تساهلاً لا ترضاه أساليب البيان العربي. وتمثيلهم له بقولهم "جاء القوم إلا حماراً" شيءٌ يأباه كلام العرب. نعم يصح أن تقول "جاء القوم إلا الحمار، أو إلا حماراً لهم، أو إلا حمارهم" إن كان من العادة أن يكون معهم. أما "جاء القوم إلا حماراً" فلا يجوز، وإن كان من العادة مجيءُ حمار معهم، لأنه لا يجوز استثناء النكرة غير المفيدة (أي التي لم تخصص) من المعرفة. كما قدمنا.

4-"إلاَّ" بِمَعْنى "غَيْر"

الأصلُ في "إلاّ" أن تكونَ للاستثناء، وفي "غير" أن تكون وصفاً. ثمَّ قد تُحمَلُ إحداهما على الأخرى، فَيوصَفُ بإلاّ، ويُستثنى بغير.
فان كانت "إلا" بمعنى "غير"، وقعت هي وما بعدَها صفةً لما قبلها، (وذلك حيثُ لا يُرادُ بها الاستثناءُ، وإنما يُرادُ بها وصفُ ما قبلَها بما يُغاير ما بعدَها) ، ومن ذلك حديثُ "الناسُ هلَكَى إلا العالِمونَ، والعالِمونَ هَلكَى إلا العامِلونَ، والعاملونَ هلكى إلاّ المخلصون"، أي "الناسُ غيرُ العالمينَ هَلكى، والعالمونَ غيرُ العاملين هلكى، والعاملونَ غيرُ المخلصينَ هَلكى"
ولو أراد الاستثناءَ لنصبَ ما بعدَ "إلا" لأنهُ في كلام تامٍّ مُوجَبٍ.

وقد يصحُّ الاستثناءُ كهذا الحديث، وقد ولا يصحُّ، فيتعيّن أن تكونَ "إلا" بمعنى "غير"، كقوله تعالى {لو كان فيهما آلهةٌ إلا اللهُ لفسدتا} . فالا وما بعدَها صفةٌ لآلهَة، لأنَّ المُرادَ من الآية نفي آلهةٌ المتعدِّدةِ وإثبات الآلهِ الواحد الفرد. ولا يصحُّ الاستثناءُ بالنصب، لأنَّ المعنى حينئذٍ يكون "لو كان فيهما آلهةٌ، ليس فيهمُ اللهُ لفسدتا". وذلك يقتضي أنه لو كان فيهما آلهةٌ، فيهمُ الله، لم تَفسْدا، وهذا ظاهرُ الفسادِ. وهذا كما تقولُ "لو جاءَ القوم إلا خالداً لأخفقوا" أي لو جاءُوا مستثنًى منهم خالدٌ - بمعنى أنه ليس بينهم - لأخفقوا. فهم لم يُخفقوا لأنَّ بينهم خالداً. ونظيرُ الآية - في عدم جواز الاستثناءِ - أن تقول "لو كان معي دراهمُ" إلا هذا الدرهم". فان قلتَ "إلا هذا الدرهمَ"، بالنصب كان المعنى لو كان معي دراهمُ ليس فيها هذا الدرهمُ لبذلتُها، فيُنتجُ أنكَ لم تبذُلها لوجودِ هذا الدرهمِ بينّها. وهذا غير المراد.
ولا يَصِحُّ أيضاً أن يُعرَب لفظ الجلالةِ بدلاً من آلهة، ولا "هذا الدرهم"، بدلاً من دراهمَ، لأنهُ حيثُ لا يَصِحُّ الاستثناءُ لا تصحُّ البدليّةُ. ثم إنَّ الكلامَ مُثبتٌ، فلا تجوزُ البدليّةُ ولو صحَّ الاستثناءُ، لما علمتَ من أنَّ النصبَ واجبٌ في الكلام التامّ المُوجَبِ. وأيضاً لو جعلتَهُ بدلاً لكان التقديرُ "لو كان فيهما إلا اللهُ لفسدتا"، لأنَّ البدلَ على نِيَّةِ طرحِ المُبدَل منه، كما هو معلومٌ. ولعدَم صحَّةِ الاستثناءِ هنا وَعدَمِ جَواز البدليّة تَعيَّنَ أن تكونَ "إلا" بمعنى "غير".
وممّا جاءَت فيه "غلا" بمعنى "غير"، معَ عدم تَغدُّرِ الاستثناءِ معنًى، قول الشاعر [من الوافر]
وكلُّ أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ ...لَعَمْرُ أَبيكَ إلاَّ الفَرْقَدَانِ
أي كلُّ أخٍ، غيرُ الفرقدينِ، مفارقُهُ أخوه. ولو قال "كل أخٍ مُفارقُهُ أخوهُ إلا الفَرقدينِ" لَصَحَّ.
واعلم أنَّ الوصفَ هو "إلا" وما بعدَها معاً، لا "إلا" وحدَها، ولا ما بعدَها وحدَه، معَ بقائها على حرفيّتها، كما يُوصف بالجارّ والمجرورِ معَ بقاءِ حرف الجرِّ على حرفيته. والإعرابُ يكون لِما بعدَها. ومن العلماءِ من يجعلُها اسماً مبنياً بمعنى "غير" ويَجعلُ إعرابها المحلّي ظاهراً فيما بعدَها. والجمهور على الأول وهوَ الأولى.

5-حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى

غيرٌ نكرة مُتوغلةٌ في الابهام والتَّنكير، فلا تُفيدُها إضافتُها إلى المعرفة تعريفاً، ولهذا تُوصَفُ بها النكرةُ مع إضافتِها إلى معرفةٍ، نحو "جاءَني رجلٌ
غيرُكَ، أو غيرُ خالدٍ". فلذا لا يُوصَفُ بها إلا نكرةٌ، كما رأيتَ، أو شبهُ النكرةِ مِمّا لا يفيدُ تعريفاً في المعنى، كالمُعرَّفِ بألِ الجنسيةٍ، فإنَّ المعرَّفَ بها، وإن كان معرفة لفظاً، فهو في حكم النكرةِ معنًى، لأنه لا يدُلُّ على مُعيَّنٍ. فان قلتَ "الرجالُ غيرُك كثيرٌ"، فليس المرادُ رجالاً مُعيَّنينَ.
ومثلُها في تنكيرها، وتَوَغُّلها في الإبهام، ووصفِ النكرةِ أو شبهها بها، وعدمِ تعرُّفها بالإضافةِ "مِثلٌ وسِوًى وشِبْهٌ ونظيرٌ". تقول "جاءَني رجلٌ مِثلُك، أو سِواكَ، أو شِبهُكَ، أو نظيرُكَ".
وقد تُحمَلُ "غير" على "إلا" فيُستثنى بها، كما يستثنى بإلا، كما حُملتْ "إلا" على "غير" فَوُصِفَ بها. والمستثنى بها مجرورٌ أبداً بالإضافة إليها، نحو "جاءَ القومُ غيرَ عليّ".
وقد تُحمَلُ "سِوى" على "إلا"، كما حُمِلت "غيرٌ"، لأنها بمعناها، فَيُستثنى بها أيضاً. والمُستثنى بها مجرور بالإضافة إليها.
وحكُم "غيرٍ وسِوًى" في الإعراب كحكمِ الاسم الواقع بعدَ "إلا": فتقول: "جاءَ القومُ غيرَ خالدٍ"، بالنصب، لأنَّ الكلام تامٌّ مُوجَبٌ.
وتقول "ما جاءَ غيرَ خالدٍ أحدٌ"، النصب أيضاً، وإن كان الكلامُ منفيّاً، لأنها تقدَّمت على المستثنى منه.
وتقول "ما احترقتِ الدارُ غيرَ الكتبِ"، بالنصب، وإن كان الكلام منفيّاً، ولم يَتقدم فيه المستثنى على المستثنى منه، لأنها وقعت في استثناء مُنقطع.

وتقول "ما جاءَ القومُ غيرُ خالدٍ، أو غيرَ خالد"، بالرفع على أنها بدلٌ من القوم، وبالنصب على الاستثناء، لأنَّ الكلام تَامٌّ منفي. قال تعالى {لا يَستوي القاعدون من المؤمنينَ، غيرُ أولي الضَرر، والمُجاهدون في سبيل اللهِ بأموالهم وأنفُسهم} . قُرئَ "غير" بالرفع، صفةً للقاعدون، وبالجر، صفةً للمؤمنين، وبالنصب على الاستثناءِ.
وتقول "ما جاءَ غيرُ خالدٍ" بالرفع، لأنها فاعل، و"ما رأيتُ غيرَ خالد" بالنصب، لأنها مفعولٌ به، و"مررتُ بغير خالدٍ"، بجرها بحرف الجر. وإنما لم تُنصَب "غير" هنا على الاستثناء لأن المستثنى منه غيرُ مذكورٍ في الكلام، فتفرَّغَ ما كان يعملُ فيه للعمل فيها.
واعلم أنه يجوز في "سوى" ثلاثُ لغاتٍ "سِوى" بكسر السين، و"سُوى" بضمها، و"سَواء" بفتحها معَ المدّ.

6-حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا

خلا وعدا وحاشا أفعال ماضيةٌ، ضُمّنت معنى "غلا" الاستثنائية، فاستثنيَ بها، كما يُستثنى بإلاّ.
وحكمُ المستثنى بها جوازُ نصبِه وجرّهِ. فالنصبُ على أنها أفعالٌ ماضية، وما بعدَها مفعولٌ به. والجرُّ على أنها أحرفُ جرٍّ شبيهةٌ بالزائدِ، نحو "جاءَ القومُ خَلا عليّاً، أو عليٍّ".
والنصبُ بخلا وعَدا كثيرٌ، والجرُّ بهما قليلٌ. والجرُّ بحاشا كثيرٌ، والنصبُ بها قليلٌ.
وإذا جررتَ بهن كان الاسمُ بعدَهنَّ مجروراً لفظاً، منصوباً محلاً على الاستثناءِ.
فإن جُعلت أفعالاً كان فاعلها ضميراً مستتراً يعودُ على المُستثنى منه. والتُزِمَ إفرادهُ وتذكيرهُ، لوقوعِ هذهِ الأفعالِ موقعَ الحرف، لأنها قد تضمّنت معنى "إلا"، فأشبهتها في الجمودِ وعَدَمِ التَّصرُّفِ والاستثناءِ بها. والجملةُ إما حالٌ من المستثنى منه، وإما استئنافية.

ومن العلماءِ من جعلها أفعالاً لا فاعلَ لها ولا مفعولَ، لأنها محمولةٌ على معنى "إلا"، فهي واقعةٌ موقعَ الحرفِ. والحرفُ لا يحتاج إلى شيء من ذلك. فما بعدَها منصوبٌ على الاستثناء، حملاً لهذه الأفعال على "غلا". وهو قولٌ في نهاية الحِذقِ والتَّدقيق.
(قال العلامة الاشموني في شرح الالفية "ذهب الفراءُ الى أن (حاشا) فعل، لكن لا فاعل له. والنصب بعده إنما هو بالحمل على (إلا) . ولم ينقل عنه ذلك في (خلا وعدا) . على أنه يمكن أن يقول فيهما مثل ذلك". قال الصبان في حاشيته عليه "قوله لا فاعل له، أي ولا مفعول، كما قاله بعضهم. وقوله بالحمل على "إلا" أي. فيكون منصوباً على الاستثناء ومقتضى حمله على "إلا" أنه العامل للنصب فيما بعده" اهـ.
والحق الذي ترتاح إليه النفس أن تُجعل هذه الأدوات "خلا وعدا حاشا" - في حالة نصبها ما بعدها - إما أفعالاً لا فاعل لها ولا مفعول، لأنها واقعة موقع الحرف، وإما أحرفاً للاستثناء منقولة عن الفعلية الى الحرفية، لتضمنها معنى حرف الاستثناء كما جعلوها - وهي جارَّةٌ أحرفَ جر، وأصلها الافعال) .
وإذا اقترنت بخلا وعدا "ما" المصدريةُ، نحو "جاءَ القوم ما خلا خالداً" وجبَ نصبُ ما بعدَهما، ويجوزُ جره، لأنهما حينئذٍ فعلانِ. و"ما" المصدريّة لا تَسبقُ الحروفَ. والمصدر المؤوَّل منصوبٌ على الحال بعد تقديره باسم الفاعل، والتقديرُ جاءَ القومُ خالينَ من خالدٍ.
(هكذا قال النحاة، وأنت ترى ما فيه من التكلف والبعد بالكلام عن أسلوب الاستثناء. والذي تطمئن إليه النفس أن "ما" هذه ليست مصدرية. وإنما هي زائدة لتوكيد الاستثناء، بدليل أن وجودها وعدمه، في إفادة المعنى، سواء على أن من العلماء من أجاز أن تكون زائدة، كما في شرح الشيخ خالد الازهري لتوضيح ابن هشام) .

أما حاشا فلا تَسبقُها "ما" إلا نادراً. وهي تُستعملُ للاستثناءِ فيما ينزَّه فيه المستثنى عن مشاركة المستثنى منه، تقول "أهملَ التلاميذُ حاشا سليمٍ"، ولا تقولُ "صلَّى القومُ حاشا خالدٍ" لأنه لا يتنزَّه عن مشاركة القوم في الصَّلاة. وأما سليم - في المثال الأول، فقد يتنزَّه عن مشاركة غيرهِ في الإهمال.
وقد تكون للتَّنزيه دون الاستثناء، فيُجرُّ ما بعدها إما باللام، نحو "حاشَ للهِ"، وإما بالإضافة إليها، نحو "حاشَ اللهِ". ويجوز حذفُ ألفها، كما رأيتُ، ويجوز إثباتها، نحو "حاشا لله" و"حاشا اللهِ".
ومتى استُعملت للتّنزيهِ المجرَّدِ كانت اسماً مُرادِفاً للتنزيهِ، منصوباً على المفعوليّة المُطلَقةِ انتصابَ المصدرِ الواقع بدلاً من التفُّظ بفعلهِ. وهي، إن لم تُضَف ولم تُنوَّن كانت مبنيّةً، لشببهها بحاشا الحرفية لفظاً ومعنى. وإن أُضيفت أو نُوّنت كانت مُعرَبةً، لِبُعدِها بالإضافة والتنوينِ من شَبِهٍ الحرف، لأنَّ الحروفَ لا تُضافُ ولا تنوَّنُ، نحو "حاشَ اللهِ، وحاشا للهِ".
وقد تكونُ فعلاً متعدِّياً مُتصرفاً، مثل "حاشيتهُ أُحاشيهِ"، بمعنى استثنيتُه أستثنيهِ. فإن سبقتها "ما" كانت حينئذٍ نافيةً. وفي الحديث أن النبيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال "أُسامة أحبُّ الناسِ إليَّ"، وقال راويهِ "ما حاشى فاطمةَ ولا غيرَها".
وتأتي فعلاً مضارعاً، تقول "خالدٌ أفضلُ أقرانهِ، ولا أُحاشي أحداً"، أي لا استثني، ومنه قول الشاعر [النابغة - من البسيط]
ولا أرَى فاعلاً في النَّاس يُشْبِهُهُ ... وَلا أُحاشِي منَ الأَقوامِ مِنْ أحدِ
وإن قلت "حاشاك أن تكذب. وحاشى زهيراً أن يُهملَ"، فحاشى فعلٌ ماضٍ بمعنى "جانبَ" وتقولُ أيضاً "حاشى لك أن تُهملَ"، فتكون اللام حرفَ جرّ زائداً في المفعول به للتقوية.
وإن قلتَ "أُحاشيك أن تقول غير الحقِّ"، فالمعنى أُنزِّهُك.

7-حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون

ليس ولا يكونُ من الأفعال الناقصةِ الرَّافعة للاسم الناصبةِ للخبر. وقد يكونان بمعنى "إلا" الاستثنائية؛ فَيستثنى بهما، كما يُستثنى بها. والمستثنى بعدَهما واجبُ النصبِ، لأنه خبرٌ لهما، نحو "جاءَ القومُ ليس خالداً، أو لا يكون خالداً". والمعنى جاءُوا إلا خالداً. واسمُهما ضميرٌ مستتر يعود على المستثنى منه. والخلاف في مرجع الضمير فيهما كالخلاف في مرجعه في "خلا وعدا وحاشا" فراجِعهُ.
(هكذا قال النحاة. أما ما تطمئن إليه النفس فان يجعلا فعلين لا مرفوع لهما ولا منصوب، لتضمنهما معنى "إلا" أو يجعلا حرفين للاستثناء، نقلاً لهما عن الفعلية إلى الحرفية، لتضمنهما معنى "إلا" كما جعل الكوفيون "ليس" حرف عطف إذا وقعت موقع "لا" النافية العاطفة، نحو: خذ "الكتابَ ليس القلمَ"، وكما قال الشاعر: "والأشرمُ المطلوبُ ليس الطالبُ". برفع "الطالب" عطفاً بليس على "المطلوب" أي: (الأشرمُ الطالب لا المطلوب) .

8-شِبْهُ الاستِثناء

شبهُ الاستثناء يكون بكلمتين "لا سِيَّما" و"بيدَ"
فلا سِيّما كلمةٌ مُركَّبةٌ من "سِيّ" بمعنى مثلٍ، ومُثناها سِيّانِ، ومن "لا" النافيةِ للجنس، وتُستعمل لترجيح ما بعدَها على ما قبلها. فإذا قلتَ "اجتهدَ التلاميذُ، ولا سِيّما خالدٍ"، فقد رَجَّحْتَ اجتهادَ خالدٍ على غيرهِ من التلاميذ.
وتشديد يائها وسَبقُها بالواوِ و"لا"، كلُّ ذلك واجب. وقد تُخففُ ياؤها. وقد تُحذَف الواو قبلها نادراً. وقد تُحذفُ (ما) بعدَها قليلاً. أما حذفُ (لا) فلم يَرد في كلام من يُحتج بكلامهِ.
والمُستثنى بها، إن كان نكرةً جازَ جَرُّهُ ورَفعُه ونَصبُهُ. تقول "كلُّ مجتهدٍ يُحَبُّ، ولا سيّما تِلميذٍ مثلِكَ" أو "ولا سيّما تلميذٌ مِثلَك"، أو "ولا سِيّما تلميذاً مثلَك". وجرُّهُ أَولى وأكثرُ وأشهرُ.

(فالجر بالإضافة إلى "سيّ" وما زائدة. والرفع على أنه خبرا لمبتدأ محذوف تقديره هو. وتكون "ما" اسم موصول محلها الجر بالإضافة إلى (سي) . وجملة المبتدأ والخبر صلة الموصول. ويكون تقدير الكلام "يجب كل مجتهد لا مثل محبة الذي هو تلميذٌ مثلك، لأنك مُفصَّلٌ على كل تلميذ" والنصب على التمييز لسي، وما زائدة) .
وإن كان المُستثنى بها معرفةً جازَ جَرُّه، وهو الأولى، وجاز رفعهُ، نحو "نجحَ التلاميذُ ولا سِيّما خليلٍ" أو "ولا سِيّما خليلٌ". ولا يجوزُ نصبُهُ، لأن شرطَ التّمييز أن يكونَ نكرةً.
وحكمُ "سِيّ" أنها، أن أُضيفت (كما في صورَتي جرَّ الاسم ورفعه بعدَها) فيه مُعرَبةٌ منصوبةٌ بلا النافية للجنس، كما يعرَبُ اسم (لا) في نحو "لا رجلَ سوءٍ في الدار". وإن لم تُضَف فهي مبنيّةٌ على الفتح كما يُبنى اسم (لا) في نحو "لا رجلَ في الدار".
وقد تستعمل "لا سِيّما" بمعنى "خُصوصاً"، فيُؤتى بعدَها بحالٍ مُفردَةٍ، أو بحالٍ جُملةٍ، أو بالجملة الشرطية واقعةً موقعَ الحال. فالأول نحو "أُحِبُّ المطالعةَ، ولا سِيّما منفرداً". والثاني نحو "أُحبُّها، ولا سِيّما وأنا منفردٌ". والثالثُ نحو "أُحبُّها، ولا سِيّما إن كنتُ منفرداً".
وقد يَليها الظَّرفُ، نحو "أُحبُّ الجلوسَ بين الغِياضِ، ولا سِيّما عند الماءِ الجاري"، ونحو "يَطيبُ ليَ الاشتغالُ بالعلم، ولا سِيّما ليلاً"، أو "ولا سِيّما إذا أَوَى الناسُ إلى مضاجعهم".
أمّا "بَيدَ فهو اسمٌ ملازمٌ للنّصب على الاستثناءِ". ولا يكون إلا في استثناءٍ منقطع. وهو يَلزَمُ الإضافةَ إلى المصدر المؤوَّلِ بأنَّ التي تنصبُ الاسمَ وترفُ الخبرَ، نحو "إنهُ لكثيرُ المال، بيدَ أنه بخيل". ومنه حديثُ "أنا أفصَحُ من نطقَ بالضادِ، بَيدَ أني من قُرَيشٍ، واستُرضِعتُ في بَني سَعدِ بنِ بَكرٍ".
الكتاب: جامع الدروس العربية
المؤلف:مصطفى بن محمد سليم الغلايينى (المتوفى: 1364هـ)
الناشر:المكتبة العصرية، صيدا - بيروت
المصدر : المكتبة الشاملة



The translation below might be a lot of mistakes, so don't make this translation a reference, take a reference from the Arabic text above ! Thank You
Exception

The exception is the removal of "only" or one of its sisters from the tools of exclusion, from the previous ruling, towards "the disciples came only higher".
And the director is called "exempted", and the director is "excluded from it".
In order to exclude eight instruments, which are "only and nothing else" (breaking the Seine), it is also said that "the annexation of the Sein - whether or not it is opened - is a promise, not a promise.
In this topic eight questions
1 - General Investigation
1 - Excluded two parts connected and interrupted.
The caller was not of the sex excluded, towards "Travelers came only happy."
What is not of the sex of what is excluded from him, towards "burned the house only books." 2 - Exception is a benefit from the "end of the matter to enrich him" if it is spent on him and his. The exception is the exclusion of the word that is excluded from the general meaning, by excluding the excluded from the subject of what is the ruling on those who are excluded from it. If you say, "The people came, he thought that Khaleda was inside with them in the rule of coming too, and if he excluded them, the word" folk "was removed from his general except for one of his members - Khalid - from the ruling of the coming to the people. Indicating the allocation of their generality and coverage by a tool of exception.

If I know this, I know that the exception to sex is the real exception, because it benefits the allocation after the generalization, and removes what is thought from the general rule. As for the exception other than sex, it is an exception that makes no sense unless it is correct. If I say, "The passengers came but their luggage," the passengers said, "Do not take the luggage, nor does it indicate it." What is not addressed by the word does not need to get out of it. But they were excluded here so as not to fancy that their belongings also came with them, usually passengers.
The related exception benefits allocation after generalization, because it is an exception to sex. The uninterrupted exception is advantageous rather than personalization, because it is an exception other than sex.
3 - is not excluded except knowledge or useful advice, it is not said "came only a man of them," and "no men came but Khalda." If the Prophet (peace and blessings of Allaah be upon him) said: "Let the people of the land be a thousand years except for fifty years."
The penance is useful if added, described, or occurred in the context of denial, prohibition or questioning.
As well as not excluded from knowledge Nkrp not allocated, it is not said "the people came only a man." "The people came only one of them, or only a sick man, or only a bad man."
4 - Naseeb is exempted only "itself" on the adopted, and it is said: is what you offer from the act or similar
5- A true exception is few of many. And many more of it. It may be excluded from the thing half, saying "Ali has ten but five," said the Almighty (O Muzamml, the night only a little, half, or cut a little, or Z). He named the little half and excluded him from the original. And said people do not exclude anything except what was without half. It is rewarded by this verse.

6 - Exception of the thing other than his sex is meaningless. And what is stated therein is only "an exception" as a matter of origin. But is in the sense of "but," which they call the "uninterrupted exception". However, there must be a link between the excluded and the excluded, as you will know ... This is the meaning of the verse (What we sent the Koran to you, only a reminder to those who fear), ie, but we sent a ticket, and said (Remember, but you are male, I am not in control , Except those who take over and disbelieve, and Allaah will punish him with the greatest torment, "ie, whoever takes over and disbelieves.

2 - the rule of the excluded by the caller

If he is exempted with no connection, he has three conditions that it is obligatory to do the monument without the permission of the monument and the substitution, and he must be according to the factors before him.
When should an absentee be placed?
The exception must be placed in two cases

1 - to be in the words of Tam Tamjib, whether I am late for the excluded or submitted to it. The first towards "succeed only the lazy students," and the second towards "succeed only lazy students."
It is intended to speak fully that the excluded from it mentioned in the speech, and by virtue of the speech to be fixed, not exile. And in the prohibition of denial and the Ansar question. There is no difference between denial or meaning, as you will know.

2 - to fall in the words of Tam Minfi, or semi-exile, and progress on the excluded from him, towards "what came only one sound" and the words of the poet [from the long]
All I have is the Ahmad Shiites ... and what I have except the doctrine of truth is a doctrine
The exception of the exempted person is exempted from it, and it is permissible to place the exempted person, or to make him instead of the exempted person, into "what is in the school, but your brother, or your brother, Ksu."
When it is permissible in the exempted to do the two sides
It is permissible for the person who is exempted with two facets to make it instead of the one exempted from it. And it is not permissible for him to do so. She says in the semi-exile, "No one but happy, or happy, and did this one but you, otherwise you!" And follow the first alternative. The monument is a good Arab. And from him says (No one takes care of you except your wife). "And read only your wife", by raising the modality.

"There is no god except Allah" (al-Maida: 73), and his saying ("There is no god but Allah"), and his saying, "There is no god but Allah" There is no god except Allah "[Al-Imran: 62].

Related Post:




0 Response to "انواع الاستثناء واحكامه وانواع ادواته و المُستثنى قسمانِ مُتَّصلٌ ومنقطعٌ، حُكْمُ المُسْتَثْنَى بِإلاَّ المُتَّصِلِ، حُكُم المُستثْنى بِإِلاَّ المُنْقَطِعِ، "إلاَّ" بِمَعْنى "غَيْر"، حُكُم المُستَثْنى بِغَيْرٍ وسِوًى، حُكُم المُستثْنى بِخَلا وعَدَا وحاشا ، حُكْمُ المُستثْنى بِلَيْسَ ولا يَكُون، شِبْهُ الاستِثناء"

Post a Comment

Iklan Atas Artikel

Iklan Tengah Artikel 1

Iklan Tengah Artikel 2

Iklan Bawah Artikel